سباق على الجنوب السوري بين التسوية والتصعيد... وإيران »عقدة« الحل
واشنطن تنصح المعارضة بضبط النفس... وتعويل على قمة محتملة بين ترمب وبوتين
سباق محموم على الجنوب السوري بــــين الــتــصــعــيــد الــعــســكــري مــــن جــهــة، وتــرتــيــبــات دولــيــة - إقـلـيـمـيـة مــن جهة ثانية. قـوات الحكومة استأنفت قصف ريف درعا بـ »البراميل المتفجرة« ما دفع آلاف المـدنـيـين إلــى الـتـوجـه إلــى الـحـدود الأردنـيـة، لكن ً الاتـصـالات الدبلوماسية لا تــــزال قــائــمــة عـلـى أمـــل الــوصـــول إلـى ترتيبات بـنـاء على الاتـفـاق الأمـيـركـي - الروسي - الأردني.
اتجاه الاتصالات هو القمة المحتملة بـين الـرئـيـسـين الأمـيـركـي دونـالـد ترمب والروسي فلاديمير بوتين خلال الجولة المرتقبة لترمب إلى أوروبا. هو سيشارك في قمة »حلف شمال الأطلسي« )ناتو) فـي بروكسيل فـي ١٠ و١١ الشهر المقبل ثـم يــزور لـنـدن. وهـنـاك طـرح عقد القمة في فيينا. ويقوم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بزيارة إلى لندن الاثنين قبل التوجه إلى موسكو لاختبار مدى إمكانية عقد قمة ترمب - بوتين.
وسيكون اتفاق »خفض التصعيد« في الجنوب أحد المواضيع المطروحة على الأجندة الأميركية - الروسية خصوصاً أن الـرئـيـسـين كـانـا بـاركـا كـل خـطـوة من الاتــفــاق الـعـام المــاضــي. وأمـــس، وجهت واشنطن رسالة نصية إلى قادة فصائل الجنوب فيها : »نحن في حكومة الولايات المتحدة الأميركية نعمل حالياً للحفاظ على وقف إطلاق النار من خلال القنوات الــدبــلــومــاســيــة، ونــبــذل جــهــوداً جـبـارة فــي سـبـيـل تـحـقـيـق ذلـــك. نـتـوجـه إليكم الآن لنؤكد على ضــرورة عـدم الــرد على الاسـتـفـزازات، لأن القيام بـذلـك لا يـؤدي ســـوى إلـــى تـسـريـع الـسـيـنـاريـو الأســـوأ للجنوب الــســوري وتـقـويـض جـهـودنـا. فكروا بعائلاتكم وأبناء شعبكم وافعلوا كل ما في وسعكم من أجل حقن الدماء.«
وتابعت الرسالة: »النظام من دون أدنــى شـك، يـحـاول اسـتـفـزازكـم بـالأرتـال والـتـصـريـحـات لإيـجـاد ذريـعـة لمهاجمة الجنوب، ولا يمكن أن نعطيه هذا العذر. وفــي حـين أن فـصـائـل الـجـنـوب تحتفظ بـحـقـهـا فــي الـــدفـــاع عــن الــنــفــس، فـإنـنـا نـشـدد على أن عليها أن تـحـرص بشدة على منع أي هجمات استباقية عبر خط التماس بينما نعمل دبلوماسياً لإيجاد حل للوضع في الجنوب. وختاماً، نقدر عالياً صبركم وصمودكم وتعاونكم في هذا الوقت الصعب.«
وعـلـى عكس التصريحات العلنية مـن الخارجية الأميركية التي تضمنت تحذير دمشق بـ »رد صارم« على الهجوم الـجـنـوبـي، تـحـض الـرسـالـة العملياتية الآتــيــة مــن المــيــدان قـــادة الـفـصـائـل على »ضبط النفس«. إذ إن المسؤول السياسي فــي الـسـفـارة الأمـيـركـيـة فــي عــمــان، كـان بعث في مارس (آذار) الماضي رسالة إلى »جبهة الجنوب،« فيها: »مـا يحدث في الغوطة الشرقية مأساة ووصمة عار على مرتكبي هذه الهجومات البشعة كما أنه يثير للقلق الدولي الشديد. وللأسف، فإن النظام السوري وروسيا لا يتعاونان من أجـل وقـف العنف فـي الغوطة وتخفيف الألم عن المدنيين بل العكس.«
وتابعت : »نتفهم شعوركم بالغضب الشديد لما يحدث، وأنكم تودون تخفيف معاناة أهلكم السوريين في الغوطة، لكن اتـفـاق الجنوب هـو معاهدة شبه ثابتة بفضل تعاونكم وبفضل الإرادة الأميركية فــي الــحــفــاظ عـلـيـهـا، ولـــو عـلـى منطقة واحـدة للمعارضة المعتدلة لتكون ربما فـي المستقبل الطريق للحل الشامل في سوريا. إن إشعال حرب الآن ضد النظام فـي الـجـنـوب سيعطي للنظام وروسـيـا الــذريــعــة المـطـلـوبـة لأن يـقـتـل المــزيــد من المـدنـيـين واحــتــلال المــزيــد مــن الأراضــــي وكسر الهدنة التي من خلالها نستطيع أن
ُّ نفاوض الروس من أجل الحل... نحض كم عـلـى ضـبـط الـنـفـس، والـتـفـكـيـر ملياً في أهلكم من المدنيين، وعدم إعطاء الذرائع للنظام لقصفكم والقضاء على آخر معقل للمعارضة المعتدلة في سوريا.«
اتفاق ثلاثي
جرى الإعلان عن وقف النار جنوب غـربـي الـبـلاد فـي ٧ يوليو (تـمـوز) لعام ٢٠١٧، بواسطة وزير الخارجية الأميركي الأســـبـــق ريــكــس تــيــلــرســون فـــي أعــقــاب الاجتماع الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين فـي قمة العشرين فـي مدينة هامبورغ. ودخل الاتفاق حيز التنفيذ الفعلي بعد يومين من ذلك الاجتماع.
وجاء إعلان وقف النار بعد أشهر من المفاوضات ين الدبلوماسيين الأميركيين والروس والأردنيين، الذين واصلوا ضبط تفاصيل الاتفاق عبر اجتماعات لاحقة. وفــــي أغــســطــس (آب) المـــاضـــي، وافــقــت أميركا وروسيا والأردن على إنشاء مركز عمان للمراقبة بهدف الإشـراف المشترك على وقف إطلاق النار في سوريا. وفي ٨ نوفمبر (تشرين الثاني) وقعت الأطراف الــثــلاثــة المــــذكــــورة عــلــى مـــذكـــرة مــبــادئ لإضــفــاء الـطـابـع الـرسـمـي عـلـى شــروط الاتفاق المبرم. وتم التصديق على مذكرة المـبـادئ تلك عبر بـيـان لاحـق صــادر عن الرئيسين ترمب وبوتين اللذين اجتمعا على هامش مؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الـهـادي فـي نوفمبر في فيتنام.
وبــحــســب تــقــريــر لـــ »مــجـمـوعــة حل الأزمــــات الـدولـيـة« أول مـن أمـــس، أسفر خفض التصعيد عن هدوء تام استمراراً لـلـصـمـت المــطــبــق مــنــذ عـــام ٢٠١٥، ذلــك عندما أبرم الأردن اتفاقاً مع روسيا في أعـقـاب الـتـدخـل الـعـسـكـري الــروســي في سبتمبر (أيــلــول). وتـخـلـل هــذا الـهـدوء الجنوبي بعد أعمال العنف خلال الفترة السابقة على خفض التصعيد، إذ اندلع قــتــال عـنـيـف لمــــدة شــهــور فـــي عـاصـمـة محافظة درعا التي تحمل الاسم ذاته قبل أن ينتهي إلـى طريق مـسـدود ثـم توقف أعمال العنف مـجـدداً. وفـي تلك الأثناء، كـان المعتقد أن هـذه النتائج تؤكد على استحالة مواصلة التقدم العسكري لأي مـن الأطـــراف المـتـنـاحـرة، ومــن ثـم إثـبـات مبرر آخر قوي لخفض التصعيد المخطط له.
عـمـلـيـاً، أدَّى خـفـض التصعيد إلـى تجميد أعمال العنف على خطوط الجبهة الجنوبية الغربية، ثم إنشاء منطقة عازلة خالية من المقاتلين الأجانب المدعومين من قبل إيران. وعلى طول خط منطقة خفض التصعيد، من المفترض للمنطقة العازلة أن تـمـتـد بـطـول ٥ كـيـلـومـتـرات مــن خط الاتصال بين القوات الحكومية السورية وقوات المعارضة، وبطول ١٠ كيلومترات من الحدود الأردنية وحتى خط الهدنة الذي يلامس مرتفعات الجولان المحتلة مــن قـبـل إســرائــيــل. ونــاقــشــت الأطــــراف المعنية خفض التصعيد توسيع منطقة الــــ٥ كـيـلـومـتـرات إلـــى ٢٠ كـيـلـومـتـراً في المرحلة الثانية من المفاوضات، وغير أنها لم تضع اللمسات النهائية بالنسبة لذلك الترتيب، كما أن الأطراف المعنية التزمت أيـــضـــاً بــالانــســحــاب الــنــهــائــي لــلــقــوات الأجنبية من تلك المنطقة.
لحظة القرار... وخسائر
بـعـد سـيـطـرة قـــوات الـحـكـومـة على غـــوطـــة دمـــشـــق وريـــــــف حـــمـــص، بـقـيـت ثلاثة جيوب: (شمال شرق) حيث يوجد التحالف الـدولـي ضـد »داعـــش« بقيادة أميركا، (شـمـال غـرب) حيث تقيم قـوات تركية بموجب اتـفـاق آسـتـانـة، (جنوب غـرب) حيث ليس هناك وجـود عسكري داعــم للمعارضة. وبــات تـوقـع أن قـوات الحكومة ستذهب إلى هذه المنطقة وقال الـرئـيـس بـشـار الأســد إن دمـشـق أمامها خياران في التعامل مع الجنوب الغربي مـن الـبـلاد: »إمــا المصالحة، أو التحرير بالقوة«. وأرسل النظام بالفعل قوات إلى الجبهات الجنوبية، بما في ذلك الوحدات المـعـاونـة. وكـانـت هـذه التعزيزات كافية لـدفــع وزارة الـخـارجـيـة الأمـيـركـيـة إلـى الإعراب بتاريخ ٢٥ مايو (أيار) عن قلقها مــن الـتـقـاريـر الـــــواردة بـشـأن الـعـمـلـيـات الـعـسـكـريـة الـوشـيـكـة لـنـظـام الأســـد في جنوب البلاد.
بـــحـــســـب تـــقـــريـــر مـــجـــمـــوعـــة »حـــل الأزمات الدولية«، لا يزال هناك وقت متاح من أجـل التوصل إلـى حل تفاوضي من شأنه تفادي وقوع هجوم عسكري مدمر ومـفـعـم بـالمـخـاطـر الـكـبـيـرة. وقــد تـكـون الظروف مواتية في هذه المرحلة: إذ أبدت روسيا حساسية واضحة إزاء المصالح الإسرائيلية والأردنــيــة، كما أعـربـت عن الرغبة في جذب الولايات المتحدة نحو ترتيب سياسي يصب في صالح الأهداف الروسية في سوريا. إذ هددت إسرائيل بشن الهجمات العسكرية في حالة اقتراب الـعـنـاصـر المـوالـيـة لإيـــران مـن مرتفعات الجولان المحتلة، وهي الأعمال العسكرية الـتـي قـد تسبب تـهـديـداً للنظام الحاكم الــــســــوري وتــعــصــف بــبــعــض المــكــاســب العسكرية المحققة لدى دمشق وموسكو مــــن الـــتـــدخـــل الــعــســكــري الــــروســــي فـي سبتمبر العام ٢٠١٥. كما يبقى احتمال قـائـم (وإن كـــان طـفـيـفـاً) بـشـأن الـتـدخـل الـعـسـكـري الأمـيـركـي ردّاً عـلـى هجمات النظام السوري، استناداً على الأقل إلى بيانات وزارة الخارجية الأميركية في ٢٥ مايو و١٥ يونيو (حزيران).
وفـي غياب الاتـفـاق سيكون البديل المـــــفـــــتَـــــرَض هـــــو شـــــن هــــجــــوم عــســكــري سوري واسع النطاق مدعوم من روسيا وسـتـكـون نتائجه هـي الأســوأ بالنسبة لكل الأطراف المعنية بالصراع. وسيكون الهجوم كارثيّاً بالنسبة لسكان جنوب غربي البلاد.
وبصرف النظر عن سكان الجنوب الـــســـوري أنــفــســهــم، فـــإن مــؤيــدي قــوات المــعــارضــة الــســوريــة هــم الأكــثــر عـرضـة لـلـخـسـارة. وتــجــازف إســرائــيــل بــإهــدار جـمـيـع الـضـمـانـات الــدائــمــة والمـنـهـجـيـة بشأن الوجود والدور الإيراني الذي كان بوسعها التفاوض عليه مسبقاً، مهما كانت حالة عدم اليقين أو ضعف التأثير الـذي تعتبره حيالها، بحسب التقرير. والأردن مـــعـــرَّض بـــصـــور خـــاصـــة إلــى التدفقات العارمة لجموع اللاجئين التي تسبب زعزعة استقرار البلاد والناجمة عن الهجوم العسكري السوري الوشيك في جنوب البلاد.
وعــلاوة على مـا تـقـدَّم، وبالنظر لما وراء خـفـض التصعيد المــؤقــت، يحتاج الاقــتــصــاد الأردنــــــي إلـــى عــقــد الــروابــط السياسية والتجارية القوية والمنتظمة مع سوريا. ومن شأن المصالح الأردنية والإســـرائـــيـــلـــيـــة - وبـــالـــتـــالـــي مــصــالــح الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة - أن تــلــقــى أفــضــل اسـتـفـادة ممكنة عـبـر الانـتـقـال السلمي ومنظم للسلطة في جنوب غربي سوريا، وليس عـن طريق المـواجـهـات العسكرية المريعة التي قد تتيح للمتطرفين الفرصة بالعودة إلى واجهة الأحـداث، وتشجيع الـنـظـام الـسـوري الـحـاكـم عـلـى الاعـتـمـاد عـلـى المـيـلـيـشـيـات ذات الـصـلـة بــإيــران، وجلب إسرائيل إلى آتون الصراع ناهيكم عن الولايات المتحدة كذلك.
وقال التقرير: »لدى النظام السوري وحلفاؤه ما يخسرونه أيضاً من الأعمال العسكرية فـي جنوب الـبـلاد. سيتحقق النصر العسكري وفق تكاليف باهظة من الناحية المادية والبشرية وتدمير المزيد مـن البنية التحتية فـي الـبـلاد، وإنـهـاك الآلة العسكرية والمدنية في الوقت الذي تحاول فيه سوريا إعادة البناء.«
فـــي المــقــابــل، إن مـــن شــــأن الاتــفــاق المسبق على نزع »عسكرة استيلاء النظام السوري على جنوب غربي البلاد أن يقلل، ولكن ليس بالكامل، من احتمال شعور إسـرائـيـل بالقلق حـيـال مـا تـتـصـور أنـه الدور الإيراني الذي يدفعها إلى التدخل ضد النظام السوري وحلفائه، الأمر الذي قــد يـشـعـل صــراعــاً إقـلـيـمـيـاً مـوسَّـعـاً في المنطقة. للحرب المفتوحة ديناميتها غير الخاضعة للتحكم والسيطرة، لا سيما على طول خط الهدنة شديد الحساسية سياسيا في مرتفعات الجولان«، بحسب التقرير.
وفي الأثناء ذاتها، يُعتَبَر الأردن شريكاً سياسياً واقتصادياً ضرورياً بالنسبة إلى سوريا، وإن أسفرت أعمال العنف عن موجات جديدة من اللاجئين السوريين الذين يعملون على زعزعة اسـتـقـرار الأردن، أو يـثـيـرون القلاقل والاضـطـرابـات فـي مــدن وقــرى شمال الأردن ذات الصلة بالروابط العائلية مع جنوب غربي سوريا. وأفاد التقرير: »وإن لم تحصل إسرائيل على ضمانات كــافــيــة قــبــل الـــتـــفـــاوض مــــن روســيــا بشأن الـدور الإيـرانـي في إطـار الدولة الــســوريــة المـسـتـعـادة، فـــإن ذلـــك الأمــر يثير مخاطر قيام إسرائيل بالأعمال العسكرية المدمرة في وقت لاحق. الأمر الـذي يعني الجنوب الغربي السوري الأقل استقرار، وبالتالي سوريا الأقل استقراراً كذلك .«
استقرار مؤقت
في ظلِّ الاتفاق المتفاوض عليه بشأن الجنوب الغربي السوري، يمكن لجميع الأطراف الوفاء بالحد الأدنى الممكن من احتياجاتها، أو على أدنى تقدير تفادي سيناريوهات أسوأ الحالات المعنية بكل منها. وفي هذا السياق، ينبغي على رعاة خفض التصعيد فـي الـجـنـوب الـسـوري إعـــادة المـفـاوضـات الـثـلاثـيـة إلــى مرحلة ما وراء إطـار عمل مركز عمان للمراقبة المشار إليه، ذلك باستخدام اتفاق خفض التصعيد القائم والعمليات ذات الصلة به باعتبارها وسيلة الوصول إلى اتفاق أكثر تطوراً واستدامة. وتبدو الخطوط الــعــريــضــة لــلاتــفــاق واضـــحـــة بــصــورة نسبية، حتى وإن كانت التفاصيل، بما في ذلك التوقيت وآليات التنفيذ، لا تزال قيد التفاوض حتى الآن. أولاً، ورغم كل شيء، تحتاج كل الأطراف إلى إسناد مبدأ خفض التصعيد والمحافظة على وقف إطلاق النار.
يُمكن للحل المؤقت بشأن المحافظة على خفض التصعيد أن يكون بمثابة اقتراح من جانب الأردن: الانتقال لما بعد وقف إطلاق النار المبدئي بهدف التركيز عـلـى »الاســتــقــرار«. ويـسـتـلـزم الـنـمـوذج الأردني للاستقرار، والمعرف على نطاق واسع، وجود برمجة برعاية دولية تعيد الــخــدمــات الــعــامــة والأداء الاقــتــصــادي الاعتيادي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتسهيل التجارة عبر خطوط الـتـمـاس، وكـذلـك الـتـجـارة عـبـر الـحـدود مــع الأردن، والارتـــبـــاط الـتـدريـجـي بين مـؤسـسـات الــخــدمــات المـحـلـيـة وأجــهــزة الدولة السورية. ومن شأن ذلك أن يشمل أيــضــاً مـجـمـوعـة مـوسـعـة مــن أصـحـاب المصالح الدوليين، بما في ذلك دور أكبر لروسيا، إن كان يهدف فقط إلى طمأنة موسكو بـشـأن منطقة الاسـتـقـرار، وأنـه لا يُـقـصـد مــن ورائــهــا أن تــكــون مـقـدمـة لترتيبات إقليمية أكثر ديمومة تماثل التقسيم.
وتكون النتيجة هي التكامل الإداري والاقتصادي التدريجي في هذه المناطق ضمن المناطق الأوسع التي يسيطر عليها النظام السوري. وقال التقرير: »ينبغي عـلـى الأطــــراف الـثـلاثـة الـتـفـاوض بشأن شروط إعـادة فتح معبر نصيب وتأمين الطريق الممتد لمسافة ١٨ كيلومتراً من المـعـبـر الـــحـــدودي وحــتــى مـديـنـة درعــا تحت إشــراف ورعـايـة الـنـظـام الـسـوري. ومــن شــأن إعـــادة فـتـح نصيب أن يكون أوضــح الأدلــة على الالـتـزام المـتـجـدد من جميع الأطــراف بشأن خفض التصعيد الثلاثي .«
أمــــــا بــالــنــســبــة إلــــــى دمــــشــــق، فـــإن »الاستقرار« على المدى القريب قد يكون بطيئاً وأقل إرضاء من الزحف العسكري المنتصر عبر مناطق الجنوب الغربي. ومع استمرار المفاوضات، رغم كل شيء، فــإن أفـضـل الـخـيـارات المـتـاحـة بالنسبة لدمشق هـو التحلي بالصبر والسماح لــلأردن بصياغة المنهج الأفـضـل دراسـة والأوعــــــــــــى إدارة، بـــحـــســـب »الأزمــــــــــات الدولية .«
ماذا عن الحل؟
أفــاد تقرير »الأزمـــات الـدولـيـة« بأن الـخـطـوط الـعـريـضـة لـلاتـفـاق »واضـحـة بـصـورة نسبية: عــودة الـدولـة السورية إلى كامل مناطق الجنوب الغربي، وعودة الجيش السوري إلـى الحدود السورية، وإقامة منطقة عازلة موازية لخط الهدنة فـي الــجــولان وتـكـون منطقة خـالـيـة من الــقــوات المـوالـيـة لإيــــران، وإعــــادة العمل باتفاقية الفصل بين القوات الإسرائيلية السورية لعام ١٩٧٤، بما في ذلـك إعـادة نـشـر قـــوات الأمـــم المـتـحـدة لمـراقـبـة فض الاشتباك. ومن حيث التفاصيل، فهناك مــســاحــة جـــيـــدة لــلــتــفــاوض. وتـشـتـمـل المفاوضات على توقيت وآليات الاتفاق، ولكن هناك أيضاً تساؤلات مثل: ما الذي تعنيه عبارة: عودة الدولة السورية؟«.
كان الحد الأدنى لشروط دمشق بشأن »المصالحات« السابقة هي: عـودة رموز الـدولـة الـسـوريـة، عـودة الشرطة المدنية السورية، التي يحتمل أن تضم مواطنين محليين، خروج المتطرفين وغيرهم ممن يرفضون الاتفاق، أو ممن تعترض دمشق عـلـى وجـــودهـــم، دمـــج قــــوات المـعـارضـة المحلية في الوحدات العسكرية النظامية السورية، كمجموعات كاملة في بعض الأحـــيـــان، تـسـويـة الأوضـــــاع الـقـانـونـيـة للسكان المحليين، بما فـي ذلـك تسجيل التجنيد بفترة سماح قابلة للتفاوض، وعــودة الحكم المحلي والإدارة البلدية، مــع مـوظـفـين مــن المــوالــين لـلـنـظـام، وفـي بعض الحالات مع الأعضاء السابقين في المجلس المحلي المعارض، الذين يخدمون تحت إمرة حاكم المحافظة.
كانت هذه هي الشروط المستخدمة سابقاً في الجيوب المحاصرة في الداخل الـــســـوري، مــن دون وجـــود راعٍ حقيقي معاكس للتفاوض فـي مـواجـهـة دمشق وحلفائها. وبالنظر إلى الالتزام المتواصل من قبل الرعاة الثلاثة لخفض التصعيد حـيـال الاتـفـاق والأهـمـيـة الاستراتيجية الـتـي يمثلها الـجـنـوب الـغـربـي الـسـوري لكل مـن الأردن وإسـرائـيـل، فـإن مساحة الـتـفـاوض بـشـأن الــشــروط فـي الـجـنـوب الغربي قد تكون أرحب.
من شأن الاتفاق المتفاوض عليه أن يكون مرضياً إلى حده الأدنـى بالنسبة لـدمـشـق وحـلـفـائـهـا إذا مــا أراد الـنـظـام الــــســــوري الامـــتـــنـــاع عـــن شـــــنِّ الــهــجــوم الــعــســكــري عــلــى جــنــوب غــربــي الــبــلاد. ولكن ينبغي للاتفاق أن يكون مناسباً إلـــى أقــصــى درجــــة بـالـنـسـبـة إلـــى قــوات المعارضة وغيرهم من السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وفي َّ حدود ما هو معقول ومقبول. وقال : »من المتوق ع ألا يرحب كثير من المواطنين السوريين داخــــل جــنــوب غــربــي الـــبـــلاد، الـخـاضـع لــســيــطــرة المــــعــــارضــــة، بــــعــــودة الـــدولـــة الـسـوريـة الـتـي يـقـودهـا الـنـظـام الحاكم، تـحـت أي شـــروط كـانـت. ومــع ذلـــك، فـإن الاتـفـاق الــذي لا يفي بتطلعاتهم ولكن يمكنه، إلى أقصى درجة ممكن، استيعاب وتـهـدئـة مـخـاوفـهـم، مـن شـأنـه الـحـد من المقاومة المسلحة وإراقة المزيد من الدماء بلا طائل .«
عودة رقيقة
وتــحــدث الـتـقـريـر عــن نــمــاذج عـدة لــ »عـودة الـدولـة« خـلال السنوات السبع المـــاضـــيـــة بــــين »الــــــدولــــــة الـــرقـــيـــقـــة« أو »الـعـمـيـقـة«. إذ هــنــاك بـعـض الـسـوابـق لـ »المصالحات« التي تنصُّ على انتشار الشرطة العسكرية الروسية، واستبعاد أجــهــزة الـنـظـام الـحـاكـم الأمـنـيـة، لفترة مــؤقــتــة عــلــى الأقــــــل. وضــمــن تـرتـيـبـات »الدولة الرقيقة،« فإن الفصائل المحلية المـسـلـحـة، والــشــرطــة المـدنـيـة الـسـوريـة، وفرقة من الشرطة العسكرية الروسية، يمكنها المشاركة في المحافظة على الأمن والنظام. والوجود الروسي مهم نسبيّاً مــن أجـــل تـسـهـيـل عــــودة أجــهــزة الــدولــة الـــســـوريـــة، وردع مــــحــــاولات الاعـــتـــداء والانــــتــــقــــام، وطـــمـــأنـــة كـــل مـــن الــســكــان المحليين والبلدان المجاورة. وسوف تكون النتيجة شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية تحت السيطرة الرسمية للدولة السورية، والبناء نحو مزيد مـن انـدمـاج وتكامل الجنوب في ظل الدولة.
وعلى الاتفاق أن يشمل فرض الحد الأدنـــى مـن الـقـيـود على الـحـركـة المدنية والــوصــول الـتـجـاري إلــى هــذه المـنـاطـق، الأمـر الـذي مـن شأنه تنشيط الاقتصاد المحلي ويُسهِم في التعافي الاقتصادي الـوطـنـي الــســوري وإعــــادة بـنـاء الـبـلاد. وينبغي إتـاحـة الـخـيـار أمــام المـعـارضـة والــــرجــــال فـــي ســـن الــخــدمــة الـعـسـكـريـة لتلبية متطلبات الـخـدمـة الإلـزامـيـة في مـنـاطـقـهـم، ســـواء فــي الـجـيـش الـوطـنـي السوري، أو القوات المعاونة، أو الشرطة المدنية المحلية، أو الأدوار الاقتصادية المدنية الحيوية في الزراعة أو التعمير، وليس في الوحدات العسكرية المنتشرة في ميادين بعيدة لقتال قوات المعارضة الأخرى.
وقــــــــال الـــتـــقـــريـــر: »فــــــي ســيــنــاريــو المــصــالــحــة، ســــوف تـسـتـفـيـد المــصــالــح الأردنـيـة وكثيراً في حالة دمـج الشركاء السابقين إداريّاً ضمن الدولة والوحدات المـسـلـحـة المـحـلـيـة الـخـاضـعـة لـسـيـطـرة الحكومة فـي دمـشـق، بــدلاً مـن مواجهة القوة العسكرية الغاشمة، أو (الإخـلاء) القسري الـذي يدمر التركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي فـي هـذه المناطق. وســــــوف يــســتــفــيــد الأمــــــن الأردنـــــــــي مـن الــجــنــوب الــــــذي يــعــيــش ســكــانــه ضـمـن عـــائـــلاتـــهـــم وعـــشـــائـــرهـــم فــــي مـجـتـمـع جنوبي سلمي وصحي نسبيّاً، وبالتالي يكونون أقـل عرضة للاستمالة مـن قبل المــجــرمــين، والمــتــطــرفــين، أو الـجـمـاعـات الموالية لإيـران. وبالنسبة إلى المعارضة والمدنيين المعارضين أيضا، من المهم ألا يتم اقتلاعهم من منازلهم ومجتمعاتهم لـلـعـثـور عـلـى مـــأوى فـي إحـــدى المـنـاطـق الـــســـوريـــة الأخـــــــرى الــفــقــيــرة والــنــائــيــة والخاضعة لسيطرة المعارضة.«
لكن التحدي هو »مدى رغبة روسيا والقيادة السورية، أو مقدرتهما، على إبـــعـــاد الــعــنــاصــر المـــوالـــيـــة لإيــــــران مـن الـجـنـوب الـغـربـي لـلـبـلاد المـتـاخـم لخط الهدنة في مرتفعات الجولان تحت أي تـرتـيـب يـمـكـن الـتـوصـل إلــيــه. مــن شـأن الـتـهـديـد بـشـن الـهـجـمـات الإسـرائـيـلـيـة الــجــديــدة أن يُـثـنـي إيـــــران وحـلـفـاءهـا المـحـلـيـين عــن دخــــول مـنـاطـق الـجـنـوب الغربي السوري، لا سيما في الوقت الذي تتعرض فيه إيران للضغوط السياسية والاقـتـصـاديـة الـجـديـدة والمـكـثـفـة على الصعيد الإقليمي .«
وخـلـص الـتـقـريـر إلــى أن »الــصــراع منخفض الكثافة بـين إسـرائـيـل وإيــران سـيـسـتـمـر لـبـعـض الـــوقـــت، فــي سـوريـا وعلى صعيد المنطقة بأسرها، لكن القتال لأجل الجنوب الغربي السوري يجب ألا يكون الشرارة التي تشعل أتون الصراع والحرب المفتوحة. هناك أسـاس واضح لاتخاذ القرار بشأن الحل التفاوضي غير العنيف في الجنوب السوري. ولكن مثل هذه التسوية تتطلب دفعة دبلوماسية قوية من جميع الأطراف. بدلاً من السماح للوضع بـالانـحـراف عـن مـسـاره، ينبغي عــلــيــهــم اســـتـــغـــلال الـــفـــرصـــة الــســانــحــة واسـتـخـدام الـوقـت المتبقي فـي الوصول إلى اتفاق مشترك.«