أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا
تحالفات متقاطعة... وتمركزات مفاجئة... وحشود عسكرية سريعة الحركة
مـــنـــذ عـــــــام ٢٠١٤ تــمــكــن المشير خليفة حفتر من إعادة تـــكـــويـــن »الــــــقــــــوات المــســلــحــة العربية الليبية«، وهو الاسم الـذي كـان يطلق على الجيش في عهد العقيد معمّر القذافي. ويـبـلـغ قــوام عـنـاصـر الجيش القديم التي كانت منتظمة في الخدمة نحو ١٤٠ ألف ضابط وجــنــدي. لـكـن الــعــدد الـحـالـي الــذي رجـع للعمل تحت إمـرة حفتر، يبلغ تقريبا ربـع عدد القوات السابقة.
وكــان الـهـدف مـن تجميع الــجــيــش تــحــت اســــم »عـمـلـيـة الـكـرامـة«، قـبـل أربــع سـنـوات، هـــــو الــــتــــصــــدي لــلــجــمــاعــات المـــتـــطـــرفـــة الـــتـــي اســتــوطــنــت بـــنـــغـــازي، ثـــانـــي أكـــبـــر المــــدن والعاصمة التاريخية للشرق.
ولـــــم يــنــجــح حــفــتــر فـقـط فــي دحـــر تـنـظـيـمـات مصنفة دوليا كجماعات إرهابية، بل تمكن أيـضـاً مـن بـسـط سلطة الــــدولــــة عــلــى بـــنـــغـــازي، وكــل مـدن الـشـرق، ومعظمها مطل عــلــى الــبــحــر المـــتـــوســـط، لـكـن مــا زالـــت هــنــاك بـــؤر إرهـابـيـة منتشرة في مدينة درنة التي تــبــعــد نــحــو ٢٥٠ كـيـلـومـتـرا مـن الــحــدود مـع مـصـر، وبـؤر أخرى في الصحراء الجنوبية الشرقية، وهـي منطقة وعـرة التضاريس.
يتمركز الجيش في الوقت الــــراهــــن فـــي مــعــســكــرات يـقـع معظمها في شرق البلاد حول مدينة بنغازي، خاصة منطقة الرجمة التي يدير منها المشير حــفــتــر الــعــمــلــيــات الــقــتــالــيــة. وتمكن خلال الشهور الماضية مـن فـرض حصار محكم على درنـــة لتضييق الـخـنـاق على الـجـمـاعـات المـتـطـرفـة. ونجح فــي فـتـح مـعـسـكـرات لــه داخــل بـنـغـازي، وفــي مـنـاطـق القبة والبيضاء، وغيرها.
ولــــلــــجــــيــــش وجــــــــــــود فــي الــشــمــال الأوســــــط مـــن الــبــلاد أيـــضـــا، يــمــتــد مـــن إجــدابـــيـــا، حــتــى مـــشـــارف مــديــنــة ســرت غربا. وإلى الجنوب من سرت انـتـزع الجيش قـاعـدة الجفرة الـحـيـويـة مــن أيـــدي جـمـاعـات مـتـبـايـنـة الــتــوجــهــات، لكنها كانت متحدة ضد الجيش.
وفـــــــــــي الــــــجــــــنــــــوب قــــاتــــل حـــفـــتـــر بـــــــضـــــــراوة مــــــن أجــــل استعادة قاعدة براك الشاطئ الاســـتـــراتـــيـــجـــيـــة مـــــن أيـــــدي متطرفين في الشهور الماضية. ومـــــــا زال يـــســـيـــطـــر عــلــيــهــا، حــيــث يـــقـــوم بـــين حـــين وآخـــر بـاسـتـخـدام قـاعـدتـهـا الجوية لتنفيذ غــارات على جماعات متشددة في أقصى الجنوب.
وتتوزع القوى الرئيسية ذات التسليح القوي بين أربع مـــنـــاطـــق الآن هــــــي: الــــشــــرق، وطــــرابــــلــــس، ومــــصــــراتــــة فـي الغرب، وسبها في الجنوب.
وقــعــت فــي طـرابـلـس ومـا حولها حروب صغيرة متعددة كان أبرزها الحرب التي دارت في ٢٠١٤ بين قوات من مدينة الزنتان الواقعة إلـى الجنوب الغربي من العاصمة، وقوات مــــن مــديــنــة مـــصـــراتـــة، الــتــي تـبـعـد نـحـو مـائـتـي كيلومتر إلـى الشرق من طرابلس. لكن الأمـــــور تـغـيـرت والـتـحـالـفـات أيـــضـــا. وفــيــمــا بــعــد تـمـكـنـت قــــــوات تــتــكــون فـــي مـعـظـمـهـا مـن أبـنـاء العاصمة، مـن طرد مقاتلي مصراتة وتحالفاتهم مــع الإســلامــيــين المـتـشـدديـن، من طرابلس في صيف العام المــــــاضــــــي. وتــــــوالــــــي الــــقــــوات الـطـرابـلـسـيـة وجــــود الــســراج كحاكم في طرابلس.
من ناحية أخـرى، الاثنين المـــاضـــي، جــــرى رصــــد تـحـرك مـــن عــنــاصــر مـــن مـيـلـيـشـيـات مــصــراتــة فـــي اتـــجـــاه مـنـطـقـة الـــــــــقـــــــــره بــــــــولــــــــي فـــــــــي شــــــرق العاصمة، حيث تتمركز قوات أخـــرى مـنـاوئـة لـلـسـراج، منذ شــهــور، فــي منطقة تــاجــوراء الـتـي تـفـصـل الــقــره بـولـي عن طرابلس. وتعرف هذه القوات بــاســم كـتـيـبـة بـشـيـر الــبــقــرة، وهــــي خــلــيــط مـــن مـتـعـاونـين سابقين مع السراج، وجماعات متطرفة.
وفــي الـيـوم الـتـالـي وصـل عــــدد الـــقـــوات الــجــديــدة الـتـي قدمت مـن مصراتة، إلـى أكثر من تسعين سيارة دفع رباعي وعليها نحو خمسمائة مقاتل مدجّجين بالأسلحة. وكان من الـسـهـل رؤيـتـهـا فــي منطقتي الــعــلــوص والــقــويــعــة، بينما أرســلــت قــــوات الــبــقــرة وفـــودا لـلـتـرحـيـب بـالمـقـاتـلـين الــذيــن وصلوا توا.
يــــقــــول قــــائــــد فـــــي إحـــــدى المـيـلـيـشـيـات، إن مـمـثـلـين عن قوات على خصومة مع السراج جـــــــاءت مــــن مـــقـــار تــمــركــزهــا قــرب مـطـار طـرابـلـس الـدولـي في الجنوب، لتقديم التهنئة بـسـلامـة وصـــول تـلـك الـقـوات المــصــراتــيــة أيـــضـــا، و»هـــــذا لا يــصــب فـــي مـصـلـحـة الـــقـــوات الطرابلسية .«
بـيـد أن هـــذا لا يـمـنـع من أن تـتـغـيــر كـــل هــــذه الـخـطـط خـــلال أيــــام. فـقـد وقـــع تململ مـن جـانـب بعض العسكريين المـنـخـرطـين فــي الــقــوات الـتـي جـــاءت مــؤخــرا مــن مـصـراتـة، بـسـبـب تـأخـيـر ســاعــة الـتـقـدم إلى وسط العاصمة، فكان الرد أنه لم يتم حسم الأمر بعد، لأن هناك آراء، في مصراتة، تقول إن توجيه الـقـوات لاستعادة قاعدة الجفرة العسكرية، من قـوات حفتر، أهـم من الدخول في حرب مع قوات السراج في طرابلس.
ولـــــدى الـــقـــوات المــتــمــركــزة فـــي شــــرق الــعــاصــمــة تـنـسـيـق مع قوات تابعة لقائد عسكري يفترض أنه يعمل تحت قيادة السراج، في غرب وجنوب غربي العاصمة. لكن في الوقت الراهن يبدو أن هذا القائد، وهو برتبة لواء، لم يعد على سابق الوفاق مع السراج. ويعتقد كبار رجال الأمـــن فــي طـرابـلـس أنــه إذا ما قــام هــذا الــلــواء بـالاشـتـراك مع مـــصـــراتـــة فــــي الـــهـــجـــوم عـلـى العاصمة مـن الـغـرب والـشـرق، فإنه يمكن لقواتهما السيطرة على المدينة بسهولة. وتتحرك قــــوات »الــــلــــواء« فــي ورشـفـانـة حيث تسيِّر دوريـــات عسكرية في مناطق الزهراء، والعزيزية، والساعدية، والتوغار، والماية، والكسارات، وغيرها.
وفـــــــي أحــــــــدث مــــؤشــــر عـلـى مــــا يــشــبــه الـــتـــمـــرد فــــي أوســـــاط قيادات عسكرية في الغرب على السراج، يتحدث مصدر عسكري عـــن مـــشـــادة وقــعــت بـــين ضـبـاط بـالمـنـطـقـة الـدفـاعـيـــة لـطـرابـلـس، بقيادة اللواء عبد الباسط مروان الـتـي تعمل تـحـت إمــرة الـسـراج، وضــبــاط تـابـعـين لـقـائـد المنطقة الـعـسـكـريـة الـغـربـيـة، المــعــين من السراج، اللواء أسامة الجويلي.
ولقد لاحظ عسكريو المنطقة الـــدفـــاعـــيـــة لـــطـــرابـــلـــس، وجــــود تحركات لأكثر من ألف عنصر من قوات تابعة لجويلي، على تخوم طرابلس، دون أن تحصل على إذن من السراج بصفته القائد الأعلى للجيش... »وهــذا مثير للقلق«، كـمـا يـشـيـر المــصــدر نـفـسـه. وتـم إخطار السراج بهذه التطورات، إلا أن كل شيء تغير سريعا إلى الأسوأ بالنسبة لرئيس المجلس الـــرئـــاســـي، إذ تـــمـــادت دوريـــــات الـقـوات المـشـار إلـيـهـا، فـي اتـجـاه طــرابــلــس، دون إبــــلاغ الــســراج، ووصلت إلى مناطق متقدمة من جنوب العاصمة مثل العزيزية، على بعد ٤٥ كيلومترا، والسواني على بعد ٢٠ كيلومترا.
تـــوجـــد حــالــيــاً فـــي وســط الــعــاصــمــة قـــــوات هـــي خـلـيـط مـــن المــدنــيـــين والــعــســكــريــين، مـحـسـوبـة عـلـى الــســراج، وإن كـانـت تـعـمـل بـشـكـل فـيـه نـوع كبير مـن الاستقلالية. وهـذه الــقــوات تـتـبـع قـــادة مـعـروفـين منهم هيثم التاجوري، وعبد الــــــرؤوف كـــــارا، وعــبــد الـغـنـي الــكــكــلــي. لــكــن قـــواتـــهـــم تـعـد مـــتـــواضـــعـــة إذا مـــــا قـــورنـــت بالقوات التي تملكها كـل من مـصـراتـة والـزنـتـان مجتمعة. وتـعـمـل الــقــوات الـطـرابـلـسـيـة بــاعــتــبــار أنــهــا قـــــوات تـابـعـة لــوزارتــي الــدفــاع والـداخـلـيـة، لـكـنـهـا مــع ذلـــك تـتـصـرف في معظم الوقت كقوات مستقلة، ولديها سجون خاصة لا تتبع أي سـلـطـة بـمـا فـيـهـا السلطة الــقــضــائــيــة. وفـــــي كــثــيــر مـن الأحيان تدخل في مناوشات مع السراج نفسه.
وتسببت مخاوف القوات الطرابلسية مـن تنامي قـوات الـحـرس الـرئـاسـي، وهــي قوة نظامية تابعة للسراج، برئاسة الـعـمـيـد نـجـمـي الــنــاكــوع، في الـتـضـيـيـق عــلــى هـــذه الــقــوة، وتهميش الناكوع نفسه. بيد أن القوات الطرابلسية ليست عـــلـــى قـــلـــب رجـــــــل واحــــــــد فـي معظم الــوقــت. فـهـي تتنافس أيضا على النفوذ فيما بينها. ودخلت في صراع ضد بعضها بـعـضـا، قـبـل شـهـريـن، بسبب رغبة كل منها في الاستحواذ عــلــى شــحــنــة ســـيـــارات »بـيـك آب« مــســتــوردة مــن الــخــارج. ويـــقـــول وســيــط شــــارك مـــرات عــــدة فـــي حـــل الـــخـــلافـــات بـين القوات الطرابلسية: التاجوري وكــــــارا، هـمـا عـمـود الدفاع عن طرابلس، إلا أنهما لـم يعودا على وفاق كما كانا في الماضي. قــام بمحاولة لاقـتـحـام مطار إمعيتيقة، ما دفع السراج إلى رفع الغطاء القانوني عنه.
ووجــــــد خـــصـــوم الـــســـراج فرصة لدعم البقرة والتحالف معه. وتتمركز قــوات البقرة، المـكـونـة مــن مــئــات المـقـاتـلـين، في تاجوراء شرق العاصمة، ُوتتعاون مع قوات من ترهونة والــــخــــمــــس، بــــالإضــــافــــة إلـــى مصراتة. وهـي حاليا مصدر تهديد كبير.
وزيــر الــدفــاع فـي حكومة المــجــلــس الـــرئـــاســـي، الـعـقـيـد المــهــدي الــبــرغــثــي، يــبــدو أنــه ليس على وفــاق مـع الـسـراج. ووقــــع الــخــلاف بــين الـطـرفـين بـــعـــد حــــــــادث الـــهـــجـــوم عـلـى قــــاعــــدة بـــــــراك الـــشـــاطـــئ، فـي جنوب البلاد منذ نحو سنة، التي تهيمن عليها قـوات من الجيش الوطني الـذي يقوده حـفـتـر. وجـــرى قـتـل وإصــابــة عشرات الجنود في القاعدة. وتبادل السراج ووزيـر دفاعه الاتــــهــــامــــات حــــــول المــتــســبــب فــي هـــذه الــكــارثــة الــتــي هـزت المجتمع الليبي.
وفي الوقت الراهن يعمل وزيــــــــر الـــــدفـــــاع بــشــكــل شـبـه مـسـتـقـل عــن الـــســـراج، ولـديـه قوات في محيط طرابلس، ولا يعلن عــادة عـن نياته. ولديه اتــصــالات مــع قــوى مختلفة، بما فيها قوات تقع في الخانة المناوئة للسراج. ويبلغ عدد الـقـوات الموالية لوزير الدفاع نحو ألــف مـقـاتـل، ويـوجـدون فـــي مــجــمــوعــات لــهــا أســمــاء عـسـكـريـة مـنـهـا الـكـتـيـبـة ٢٨، ومــوجــودة فـي طـريـق الـشـط، مــــــا زال مــــوالــــيــــا لــــلــــســــراج، والــــبــــعــــض الآخــــــــر يــنــاصــبــه العداء وينحاز للمتطرفين.
ولم يعرف موقف البرغثي مــــن هـــــذه الاخــــتــــلافــــات. ولـــم يـسـجـل أي اشــتــبــاك مـبـاشـر لقواته في مناطق التماس بين الإخوة الأعداء حول طرابلس، أي فـــي تــــاجــــوراء والــــزاويــــة، ووادي الـربـيـع، حـيـث يوجد هــنــاك خـلـيـط مـــن المـــئـــات من الـعـنـاصـر المـسـلـحـة، بعضها من الموالين للسراج وبعضها من خصومه.
جدير بـالـذكـر، أنـه وقعت الحرب بين مصراتة والزنتان في ٢٠١٤. وكان آخر مظاهرها الاقـتـتـال الـشـرس حــول مطار طـــــرابـــــلـــــس الــــــــدولــــــــي. ولـــقـــد تـحـصـن مـقـاتـلـو الــزنــتــان في المطار، وقامت قوات مصراتة بقصفهم بكل أنواع الأسلحة، مــــا أدى لـــحـــرق المــــطــــار بـمـا فـيـه مــن طــائــرات، وانـسـحـاب الزنتان إلى مدينتهم.
واليوم، إذ تخشى أطراف في المجلس الرئاسي من مغبة تحالف هاتين القوتين، يجري بـحـث مـقـتـرحـات تقدمتا بها لأطراف في المجلس الرئاسي، بشكل غير رسمي، لكي تقتسم مصراتة والزنتان إدارة المطار ومـا حوله مـن أراض ومــزارع في جنوب العاصمة.
ويــــــقــــــول مــــســــتــــشــــار فــي طرابلس، إن هـذا مخرج مهم لــتــجــنــب وقــــــوع حــــــرب، لـكـنـه يضيف أن هناك من يعارض هــــــذا المــــقــــتــــرح، وعــــلــــى رأس هــــؤلاء الــقــوات الـطـرابـلـسـيـة، فأي وجود لمصراتة والزنتان فــــي أي مـــكـــان فــــي طــرابــلــس هـو بمثابة تهديد مــبــاشــر لمـــئـــات مـن قـــــوات الـــتـــاجـــوري، وكـــــــــارا، والــكــكــلــي، وهـــي الـــقـــوات الـتـي يـــــعـــــتـــــمـــــد عـــلـــيـــهـــا الـــســـراج فـــي نـهـايـة المطاف.