ما لا تريد »اللوبيات« الليبرالية الداعمة لطهران فهمه
ليس لإيران كـ »دولة« مشكلة مع أحد... لكنها كـ »أداة للخمينية« لديها مشاكل مع الجميع
يوم الثلاثاء الفائت رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على بيان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بنقاطه الـ١٢ ببيان مضاد ضم ١٥ نقطة، مـــا يــؤشــر بـــوضـــوح إلــــى عـــودة ســـلـــطـــات طــــهــــران إلــــــى اعــتــمــاد سياسات التعطيل والتسويف. أمــــا »الـــــكـــــورس« الـــــذي تـشـكــل – ويتشكل – في الغرب دعماً للنظام الخميني يبني منطقه في مسألة الـتـعـامـل مــع إيــــران عـلـى أســاس وجـــــود خــيــاريــن لا ثـــالـــث لـهـمـا هما إما الاستسلام لمشيئة حكام طهران ورغباتهم، أو غزو إيران عسكرياً!
من وجـوه »الـكـورس« المهمة وزير الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت التي طرحت في كتابها الصادر حديثاً »الفاشية: تحذير« سؤالا بسيطاً اختصرت به الخيارات السياسية هو »هل نــرغــب فــي تــكــرار مـغـامـرتـنـا في العراق ؟«.
كذلك هناك أحد من خلفوها في وزارة الخارجية جون كيري، الـــذي ذهـــب أبـعـد فــي دفــاعــه عن حكام طهران، بجولات قام بها في العواصم الغربية للترويج لفكرة »لا بديل عن القبول بنفوذ إيران« في منطقة الشرق الأوسط.
وهــــــــــــــذه الــــــفــــــكــــــرة ردّدهــــــــــــــا الأكـــاديـــمـــي الأمـــيـــركـــي جــوشــوا لانـــديـــس (الأســــتــــاذ فـــي جـامـعـة أوكـلاهـومـا)، الـذي يعد مـن أكثر المتحمسين للدفاع عن نظام بشار الأســـــد فـــي ســـوريـــا، بــقــولــه بــأن التدخل الإيراني في سوريا، الذي حظي لاحـقـاً بـدعـم روســـي، حال دون انتصار المعارضة السورية الـــتـــي تــتــكــون حـــصـــراً – حـسـب رأيـــه – مــن »داعـــش والـجـمـاعـات المـــــتـــــشـــــددة«. ومــــــن ثــــــم، اعــتــبــر ضمناً أن على الـولايـات المتحدة ّوحـلـيـفـتـهـا إســرائــيــل أن تـكـونـا ممتنتين لإيـــران لـكـونـهـا منعت سقوط الأسد.
ولا يــخــتــلــف كــثــيــراً تـفـكـيـر بــــــن رودز، مــــســــاعــــد الـــرئـــيـــس الأمـيـركـي الـسـابـق بـــاراك أوبـامـا لشؤون الأمن القومي، الذي عبر عـنـه بـبـلاغـة فــي كـتـابـه الـجـديـد »الـعـالـم كما هـو على حقيقته.« رودز يــشــدد عـلـى أن فــي إيـــران طبقة وسطى ومجتمعاً متطوراً يصلح لأن يكون نموذجاً أفضل للشرق الأوسـط. وهذا الـرأي، إذا جرى التعبير عنه بلغة مبسطة يعني أن على واشنطن الاعتراف بحضور إيران في العراق وسوريا ولبنان واعتباره تطوراً إيجابياً.
عـودة إلى الدكتور لانديس، الــــــذي يــتــطــرق لـــهـــذا الأمــــــر لــدى تـشـديـده فـي تحليل سياسي له بـقـولـه »إنــهــا المــــرة فــي الـتـاريـخ الحديث التي تربط دول الحزام الــشــمــالــي مـــن الـــشـــرق الأوســـــط علاقات طيبة«. وبالتالي، إذا كان هـنـاك اتـفـاق عـلـى »بــدء الـتـاريـخ الحديث« يجوز القول أيضاً بأن الـــــدول الــتــي يـقـصـدهـا لانـديـس كــانــت أيــضــاً تـرتـبـط بـــ »عــلاقــات طــــيــــبــــة« عــــنــــدمــــا كـــــانـــــت تــحــت الحكم الاسـتـعـمـاري البريطاني والفرنسي!
ولكن، هل الهيمنة الأجنبية الـــعـــامـــل الأوحـــــــــد لــــ »الـــعـــلاقـــات الـطـيـبـة« بــين الـــدول المـتـجـاورة؟ أكثر من هـذا، كيف يمكن وصف العلاقات بين الحكومة اللبنانية المـنـقـسـمـة عــلــى ذاتـــهـــا، وبـقـايـا نظام الأسـد، والنخب السياسية العراقية بأنها »طيبة« وأن الدور الـــــذي تـلـعـبـه طـــهـــران فـــي الــــدول الثلاث (العراق وسوريا ولبنان) بأنه لمصلحة شعوبها.
فكرة أن يكون نظام الخميني نــمــوذجــاً مـثـالـيـاً اســتــوحــيــت مـن مـفـهـوم »نــمــاذج للتنمية« العائد لعقد الستينات من القرن الماضي. غير أنه ينظر إلى هذا المفهوم اليوم على أنه أقرب إلى خداع فكري منه إلـى دليل إرشــادي جـدّي للتحليل الــســيــاســي – الاجــتــمــاعــي. حـتـى الديمقراطيات الغربية، رغم جوانب الــشــبــه فــيــمــا بـيـنـهـا وتـقـاسـمـهـا الكثير من القيَم الثقافية والدينية، بــنــيــت وفــــق تــصــامــيــم وأوصــــــاف مختلفة. ومن ثم، لا يوجد ما يبرر لمـاذا يتوجب تشجيع دول الشرق الأوســــــط – بـــل حــتــى إجــبــارهــا – على اعتماد نظام »ولايــة الفقيه« نموذجاً مثالياً لها.
وسـواءً يجري عن عمد أو عن جهل، فإن سوء فهم أو رفض قراءة الــدور السلبي الُمقلقل الـذي يلعبه الـنـظـام الإيــرانــي فــي المـنـطـقـة ومـا هو أبعد من حدودها، أدى إلى ما يـمـكـن وصـفـه بـشـلـل سـيـاسـي يلم بالديمقراطيات الغربية وحلفائها بينما يواجه هذا النظام معارضة متزايدة من الشعب الإيراني. وهذا الـشـلـل يـشـجـع راهــنــاً الــقــيــادة في طهران على رفض الإصلاح داخلياً والمــــقــــاربــــات الــتــســوويــة الـعـاقـلـة خارجياً خدمة للسلام والاستقرار.
»المرشد الأعلى« علي خامنئي في إحدى كلماته اللافتة قال : »حكام أميركا حلموا دائماً بإجبارنا على تغيير سـلـوكـنـا، لكنهم أخـفـقـوا،« وأردف »خــمــس إدارات رئـاسـيـة انتهت وغـربـت مـن دون أن تحقق هــــذا الــحــلــم المـسـتـحـيـل. والــشــيء نفسه سيتكرّر مع الإدارة الحالية .« حــقــيــقــة الأمــــــــــر، أن هـــذا الــتــحــلــيــل مــــن خـامـنـئـي لـيـس بـعـيـداً تـمـامـاً عن الــصــواب، ذلــك أن عـدداً من الرؤساء الذين تعاقبوا على الــبــيــت الأبـــيـــض حــــاولــــوا جـهـد طاقتهم إقـنـاع النظام الخميني فــــــي طــــــهــــــران بـــتـــعـــديـــل بــعــض جـــوانـــب ســيــاســتــه الــخــارجــيــة، ولــكــن حــتــى الـلـحـظـة بـــــاءت كـل المحاولات بالفشل. ولعل السبب في ذلك أنه إما لم تتوافر القدرة أو لـم تتوافر الرغبة عند هـؤلاء الرؤساء المتعاقبين، ومعهم لفيف من النخب السياسية والثقافية الأمـــيـــركـــيـــة، فـــي إدراك طـبـيـعـة النظام الخميني.
الرئيس جيمي كارتر تصوّر أن استيلاء الخميني على السلطة
ّ مثل عودة الدين إلى قلب الحياة العامة. ولذا، حرصت إدارته على وصف الخميني بـ »رجل مقدس« و»غـــانـــدي الإســـــــلام«. كـمـا بعث كارتر برسائل إلى الخميني »من رجل مؤمن إلى رجل مؤمن«، بل، وأمـــر بـاسـتـئـنـاف بـيـع الأسـلـحـة لإيـران. وفي نهاية المطاف، كلنا يتذكر كيف كوفئ كارتر.
وجـــــاء رونــــالــــد ريـــغـــان إلــى الـرئـاسـة، وهـو الــذي كـان قـد زار إيران قبل سنة واحدة من الثورة الخمينية، وكان أدرى بالإيرانيين من كارتر. ذات يوم وصف ريغان الساسة الإيرانيين بأنهم »تجار ســجّــاد وعــاقــدو صــفــقــات«. ولـم يلبث أن هـرّب للملالي الأسلحة التي كـانـوا بحاجة إليها لوقف زحـــــف الــجــيــش الـــعـــراقـــي أبــعــد داخـــــل إيـــــــران، وأهــــــدى آيــــة الـلـه كعكة حلويات ضخمة على شكل قلب، ونسخة تحمل توقيعه من الإنـجـيـل ومـسـدسـين مــن أحــدث الـــطـــرازات. وفــي الـنـهـايـة، كـانـت الحصيلة الأهـم فضيحة »إيـران – كونترا« )إيران غيت) التي هزّت رئاسة ريغان.
وبـــعـــد ذلــــــك، مـــع الانــشــغــال بمعالجة تداعيات تلك الفضيحة، أحجم الرئيس جورج بوش الأب - الــــذي خـلـف ريــغــان فــي الـبـيـت الأبيض – عن تطوير أي سياسة حقيقية تـجـاه إيـــران باستثناء إجراء مباحثات سرّية مع جناح عـلـي أكـبـر هـاشـمـي رفسنجاني لـــم تـسـفـر عـــن شــــيء بـاسـتـثـنـاء طمأنة سلطات طهران إلـى أنهم اســتــطــاعــوا تـحـيـيـد »الـشـيـطـان الأكبر « الأميركي. إعجاب كلينتون... واعتذاره وجاء الرئيس بيل كلينتون، بعد بوش الأب. ورأى كلينتون في النظام الخميني نظاماً »تقدمياً«، وهـــــــو الــــــــــرأي الــــــــذي يــتــقــاســمــه مــعــه كــثــيــرون مـــن الـلـيـبـرالـيـين الأميركيين الذين يذهب بعضهم إلــــى حـــد اعــتــبــار إعـــــلان الــعــداء لــواشــنــطــن عـــلامـــة أكــــيــــدة عـلـى المـعـتـقـدات الـتـقـدمـيـة. وذات يـوم مـــــن عـــــــام ٢٠٠٥، عـــلـــى هــامــش »مــنــتــدى دافـــــوس الاقــتــصــادي« فــــي ســـويـــســـرا، قـــــال كـلـيـنـتـون: »إيـــــران الــيــوم، بـطـريـقـة مــا، هي الـبـلـد الـوحـيـد الـــذي تتمتع فيه الأفكار التقدمية بقاعدة شعبية هائلة. هناك، تدافع الغالبية عن الأفكار التي أؤمن بها«. ثم قال في مقابلة تلفزيونية، مـع تشارلي روز: »إيـــــران الـبـلـد الــوحــيــد في العالم، الوحيد الـذي تجرى فيه انتخابات، بما في ذلك الولايات المتحدة... بما في ذلك إسرائيل... بــمــا فــــي ذلـــــك مــــا شـــئـــت، حـيـث ربـح الليبراليون أو التقدميون بــين الـثـلـثـين و٧٠ فــي المــائــة من الأصــــــوات فــي سـتـة انـتـخـابـات، منها انتخابان للبرلمان وانتخاب للمجلس، وانتخابات للبلديات. وفـــي كــل انـتـخـاب حـصـل أولـئـك الــــذيــــن يــقــتــربــون مــــن تـفـكـيـري بــين الـثـلـثـين و٧٠ فــي المــائــة من الأصـــــــوات. لـيـس هــنــاك بـلـد في العالم أستطيع أن أقول هذا الكلام عنها... حتى بلدي.«
أضـــــــف إلـــــــى مـــــا ســــبــــق، أن كلينتون، ومعه وزيـر خارجيته مادلين أولبرايت، اعتذرا للملالي عن »جرائم« غير محدّدة ارتكبتها »حـــضـــارتـــي«، وأزال جـمـلـة مـن العقوبات كانت قد فرضت على النظام الإيراني بعد عملية خطف الرهائن الأميركيين في طهران.
مـا هـي تلك الـجـرائـم؟ أجـاب كــلــيــنــتــون مـــوجـــزاً »إنـــهـــا قـصـة مــحــزنــة بــــــدأت حــقــاً خـــــلال عـقـد الــخــمــســيــنــات عــنــدمــا أطــاحــت الولايات المتحدة السيد (محمد) مـــــصـــــدّق، الـــــــذي كـــــان سـيـاسـيـا مـنـتـخـبـاً بـــصـــورة ديــمــقـراطـيـة، وأعادت الشاه الذي أطاحه لاحقاً آيـة الله الخميني، ودفعتنا إلى أحضان صدام حسين. لقد أزحنا ديمقراطية برلمانية (فـي إيــران) في الخمسينات: على الأقـل هذا ما أؤمن به.«
ما لا يعرفه الرئيس كلينتون، أن نـظـام الخميني الــذي يعجب به أيما إعجاب لا يعامل محمد مصدّق إطلاقاً كبطل وطني، بل يكيل عليه مختلف الافــتــراءات. وكـان مـن الخطوات الأولــى التي اتخذها المـلالـي بعد استيلائهم على الحكم إزالة اسم مصدّق عن أحد شوارع طهران.
بـــعـــد دخـــــــول جـــــــورج بـــوش الابن البيت الأبيض، فإنه انشغل تماماً بملفي أفغانستان والعراق لدرجة أنه لم يهتم كثيراً بشؤون إيــــــران. ولــكــنــه، مــع هــــذا، حــاول خـــلال فـتـرتـه الـرئـاسـيـة الـثـانـيـة إقـنـاع المـلالـي بتغيير سلوكهم. وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس أرسلت دعوة - كي لا نقول رسالة تـــوسّـــل – إلــــى المـــلالـــي لــــ »حـــوار بــــنــــاء.« غــيــر أنـــهـــم ردوا بـقـتـل أتباعهم والميليشيات التابعة لهم مزيداً من العسكريين الأميركيين فـي كـل مـن أفغانستان والـعـراق. وبـالـتـالـي، لـم يـتـصـرف بـصـورة أفضل من أسلافه.
غير أن أحداً لم يفعل ما فعله باراك أوباما. لم يذهب أي رئيس إلى الحد الذي ذهب إليه أوباما في التقرب من الملالي.
حتى في العام ٢٠٠٩. عندما كـانـت مـيـلـيـشـيـات نـظـام طـهـران تـقـتـل الـــنـــاس فـــي شـــــوارع المـــدن الإيرانية أيام الانتفاضة الشعبية الواسعة التي عمت البلاد، اختار أوبــامــا تـأيـيـد المــلالــي. واعـتـرف أوبـامـا رسمياً بـأن تقترب إيـران من أن تغدو »دولة نووية« مقابل تـــــنـــــازلات مــشــبــوهــة ومــشــكــوك بصدقيتها قـدمـتـهـا طـهـران في إطار ما عرف بـ »الصفقة النووية « التي يدينها دونالد ترمب اليوم.
والحقيقة أن بين أهم أسباب سوء فهم طبيعة النظام الحالي فـي طـهـران هـو رفـض الاعـتـراف، عــلــى امــــتــــداد الـــعـــقـــود الأربـــعـــة الأخـــيـــرة، بـــأن إيــــران تـعـانـي من انـــفـــصـــام فـــــي الــشــخــصــيــة بـين »الدكتور جيكل« الطيب و»المستر هايد« الشرير.
لا شــك إطــلاقــا فــي جـاذبـيـة إيـران كشعب وكثقافة. وفاليري جــــاريــــت، الـــتـــي تـــوصـــف بـأنـهـا المستشار الأقـرب لأوبـامـا تتذكر بحنين وإعـجـاب مدينة شـيـراز، الــعــاصــمــة الــثــقــافــيــة الإيــرانــيــة و»فلورنسا الشرق«، حيث ولدت وترعرعت.
قـبـل الــثــورة، كـانـت شـيـراز، بــــعــــمــــارتــــهــــا الــــبــــديــــعــــة تـــزخـــر بــالــحــدائــق الـــغـــنـــاء والــطــيــبــات والمـوسـيـقـى، وكـانـت تستضيف مهرجاناً دولياً مرموقاً للفنون. كيف يمكن للمرء ألا يقع في هوى شيراز؟
إلا أن المــديــنــة الــتــي عـمـلـت فــــيــــهــــا شـــقـــيـــقـــة جــــــــــون كـــيـــري لسنوات، تنتصب فيها المشانق ويـجـلـد المــدانــون فـي سـاحـاتـهـا، وتـغـص سـجـونـهـا بـالمـعـارضـين السياسيين والجماعات الدينية المغضوب عليها.
الـنـجـم الـسـيـنـمـائـي الـعـالمـي شــــون بــــن، زار إيـــــــران كــمــراســل غير متفرغ، وكتب تقارير مليئة بـــالإطـــراء. شــاهــد خـــلال زيــارتــه أصفهان عاصمة إيــران القديمة واعتبرها فردوساً أرضياً. ومثل بــيـــل كــلــيــنــتــون، أعـــجـــب كــثــيــراً بــ »الـتـقـدمـيـة المـدهـشـة« عـنـد من الــتــقــاهــم. إلا أن مــا تـجـاهـلـه أن إيــران تتبوأ الـصـدارة فـي العالم فــي عـــدد الإعـــدامـــات والـسـجـنـاء السياسيين. وحالياً هناك نحو ١٥٠٠٠ رجــل وامــــرأة محكومون بـــالإعـــدام ويـنـتـظـرون المـــوت في السجون الإيرانية.
نـــجـــم ســيــنــمــائــي آخــــــر هـو جـــــــورج كـــلـــونـــي أغـــــــدق المـــدائـــح عـلـى السينما الإيـرانـيـة معتبراً إيـــاهـــا »وحـــدهـــا الأصـــلـــيـــة« فـي الــعــالــم. وبـــــــدوره، غــض الـطـرف عن حقيقة أن الأفلام التي أعجب بــهــا، وتــشـاهــد فــي المـهـرجـانـات الـسـيـنـمـائـيـة الـعـالمـيـة مـمـنـوعـة مـن الـعـرض داخــل إيـــران، وكثرة مـن العاملين فـي قطاع السينما
جون كيري، وزيـر خارجية أوبـــــامـــــا، مــعــجــب بــــإيــــران لأنــه يعرف عنها عبر صهره الإيراني المـتـحـدر مــن عـائـلـة مــن الطبقة الوسطى في أيام ما قبل الثورة. إلا أنــه يجهل أن عـائـلات كهذه كانت الأشــد معاناة مـن إرهـاب الخمينيين وقمعهم، وهــذا هو السبب الذي جعلها - بما فيها عـائـلـة صـهـره - تـفـر مــن الـبـلاد للعيش في المنفى.
كــ »دولـة - أمـة« ليس لإيـران مشكلة مع أحد، غير أنها كأداة للفكر الخميني لديها مشاكل مع الجميع، وعـلـى رأسـهـم الشعب الإيـــرانـــي بـــالـــذات. والـــواقـــع أن الــــنــــظــــام لا يـــخـــفـــي كـــراهـــيـــتـــه الشديدة للثقافة الإيرانية، التي يعتبر أن جــذورهــا فــي »عصر الجاهلية .«
ومـن ثـم، فـإن إعجاب كيري بالنظام بسبب الثقافة الإيرانية أشـبـه بـالإعـجـاب بهتلر بسبب عـــبـــقـــريـــة غــــوثــــه وبــيــتــهــوفــن، وستالين تقديراً لنبوغ بوشكين وتشايكوفسكي.
لـقـد أعـــدم الـنـظـام الإيــرانــي عـشـرات الألــوف مـن الإيـرانـيـين، ودفـــع نـحـو سـتـة مـلايـين منهم إلـــى المــنــافــي، وحـــرم الــبــلاد من حرياتها السياسية. فضلاً عن ذلك، قتل من الأميركيين - بسلاح أتباعه وميليشياته – أكثر مما قـتـل تنظيم »الــقــاعــدة« يــوم ١١ سبتمبر (أيلول) ٢٠٠١. ولم يمر يوم من دون أن هناك في قبضته أسـرى ورهـائـن أميركيين وغير أميركيين.
ثم إن النظام نفسه لا يخفي دوره في دعم وإسناد الانقلاب الـــحـــوثـــي فــــي الـــيـــمـــن. وتـــزعـــم وكالة »فارس« للأنباء، التابعة للحرس الــثــوري، أن الحوثيين »يمثلون جزءاً من حركة مقاومة عــالمــيــة« تــقــودهــا طـــهـــران. أمــا صحيفة »كـيـهـان«، المـعـبـرة عن مــواقــف »المــرشــد الأعــلــى« علي خـامـنـئـي، فـتـزعـم أن الـبـحـريـن جـــزء مــن إيــــران »تـخـلـى عـنـهـا« الشاه، ولا بد من استعادتها.
وبـــمـــا يــخــص لـــبـــنـــان، فــإن الجنرال قاسم سليماني، الرجل المولج بـ »تصدير الـثـورة،« فلقد حوّل لبنان – حسب كلامه – إلى »دولة مقاومة« تديرها إيران. في حين تباهى آية الله علي يونسي، أحـــد كــبــار مـسـتـشـاري الـرئـيـس حسن روحاني، بأن إيران تتحكم راهناً بأربع عواصم عربية هي: صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت. ورغـم أن في هذا التباهي شيئا مـن المبالغة، فإنه يعطي فـي أي حال صورة عن نمط تفكير حكام إيران الحاليين.
المـــحـــلـــل الإيـــــــرانـــــــي نــاصــر زماني في تعليق له قـال أخيراً »اللوبيات المؤيدة لنظام طهران في الغرب تقوم بعمل مؤذ لكل مـن إيــران ولـلـدول الديمقراطية حيث يعيشون. إنهم يشجعون أوهــام نـظـام طـهـران الـتـي زجت الـبـلاد فـي مـــأزق تـاريـخـي«. إلا أن هذا الكلام لا يختصر الحالة ككل.
فناشطو هــذه »الـلـوبـيـات« يعملون فعلياً على إحـبـاط أي فرصة قد تستغلها القوى الكبرى لاعتماد سياسة تساعد إيـران، وتـقـنـعـهـا بــاســتــعــادة هـويـتـهـا كـ »دولة – أمة،« والتصرف على هــــــذا الأســـــــــاس بــحــيــث تــطــوي صفحة ثورة أغرقت إيران وجزءاً كـبـيـراً مــن الــشــرق الأوســـــط في الفتن والاضطراب.