Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ما لا تريد »اللوبيات« الليبرالية الداعمة لطهران فهمه

ليس لإيران كـ »دولة« مشكلة مع أحد... لكنها كـ »أداة للخمينية« لديها مشاكل مع الجميع

-

يوم الثلاثاء الفائت رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على بيان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بنقاطه الـ١٢ ببيان مضاد ضم ١٥ نقطة، مـــا يــؤشــر بـــوضـــو­ح إلــــى عـــودة ســـلـــطـ­ــات طــــهــــ­ران إلــــــى اعــتــمــ­اد سياسات التعطيل والتسويف. أمــــا »الـــــكــ­ـــورس« الـــــذي تـشـكــل – ويتشكل – في الغرب دعماً للنظام الخميني يبني منطقه في مسألة الـتـعـامـ­ل مــع إيــــران عـلـى أســاس وجـــــود خــيــاريـ­ـن لا ثـــالـــث لـهـمـا هما إما الاستسلام لمشيئة حكام طهران ورغباتهم، أو غزو إيران عسكرياً!

من وجـوه »الـكـورس« المهمة وزير الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت التي طرحت في كتابها الصادر حديثاً »الفاشية: تحذير« سؤالا بسيطاً اختصرت به الخيارات السياسية هو »هل نــرغــب فــي تــكــرار مـغـامـرتـ­نـا في العراق ؟«.

كذلك هناك أحد من خلفوها في وزارة الخارجية جون كيري، الـــذي ذهـــب أبـعـد فــي دفــاعــه عن حكام طهران، بجولات قام بها في العواصم الغربية للترويج لفكرة »لا بديل عن القبول بنفوذ إيران« في منطقة الشرق الأوسط.

وهــــــــ­ــــــذه الــــــفـ­ـــــكــــ­ــرة ردّدهــــــــ­ــــــا الأكـــادي­ـــمـــي الأمـــيــ­ـركـــي جــوشــوا لانـــديــ­ـس (الأســــتـ­ـــاذ فـــي جـامـعـة أوكـلاهـوم­ـا)، الـذي يعد مـن أكثر المتحمسين للدفاع عن نظام بشار الأســـــد فـــي ســـوريـــ­ا، بــقــولــ­ه بــأن التدخل الإيراني في سوريا، الذي حظي لاحـقـاً بـدعـم روســـي، حال دون انتصار المعارضة السورية الـــتـــي تــتــكــو­ن حـــصـــراً – حـسـب رأيـــه – مــن »داعـــش والـجـمـاع­ـات المـــــتـ­ــــشـــــ­ددة«. ومــــــن ثــــــم، اعــتــبــ­ر ضمناً أن على الـولايـات المتحدة ّوحـلـيـفـت­ـهـا إســرائــي­ــل أن تـكـونـا ممتنتين لإيـــران لـكـونـهـا منعت سقوط الأسد.

ولا يــخــتــل­ــف كــثــيــر­اً تـفـكـيـر بــــــن رودز، مــــســــ­اعــــد الـــرئـــ­يـــس الأمـيـركـ­ي الـسـابـق بـــاراك أوبـامـا لشؤون الأمن القومي، الذي عبر عـنـه بـبـلاغـة فــي كـتـابـه الـجـديـد »الـعـالـم كما هـو على حقيقته.« رودز يــشــدد عـلـى أن فــي إيـــران طبقة وسطى ومجتمعاً متطوراً يصلح لأن يكون نموذجاً أفضل للشرق الأوسـط. وهذا الـرأي، إذا جرى التعبير عنه بلغة مبسطة يعني أن على واشنطن الاعتراف بحضور إيران في العراق وسوريا ولبنان واعتباره تطوراً إيجابياً.

عـودة إلى الدكتور لانديس، الــــــذي يــتــطــر­ق لـــهـــذا الأمــــــ­ر لــدى تـشـديـده فـي تحليل سياسي له بـقـولـه »إنــهــا المــــرة فــي الـتـاريـخ الحديث التي تربط دول الحزام الــشــمــ­الــي مـــن الـــشـــر­ق الأوســـــ­ط علاقات طيبة«. وبالتالي، إذا كان هـنـاك اتـفـاق عـلـى »بــدء الـتـاريـخ الحديث« يجوز القول أيضاً بأن الـــــدول الــتــي يـقـصـدهـا لانـديـس كــانــت أيــضــاً تـرتـبـط بـــ »عــلاقــات طــــيــــ­بــــة« عــــنــــ­دمــــا كـــــانــ­ـــت تــحــت الحكم الاسـتـعـم­ـاري البريطاني والفرنسي!

ولكن، هل الهيمنة الأجنبية الـــعـــا­مـــل الأوحـــــ­ــــد لــــ »الـــعـــل­اقـــات الـطـيـبـة« بــين الـــدول المـتـجـاو­رة؟ أكثر من هـذا، كيف يمكن وصف العلاقات بين الحكومة اللبنانية المـنـقـسـ­مـة عــلــى ذاتـــهـــ­ا، وبـقـايـا نظام الأسـد، والنخب السياسية العراقية بأنها »طيبة« وأن الدور الـــــذي تـلـعـبـه طـــهـــرا­ن فـــي الــــدول الثلاث (العراق وسوريا ولبنان) بأنه لمصلحة شعوبها.

فكرة أن يكون نظام الخميني نــمــوذجـ­ـاً مـثـالـيـاً اســتــوحـ­ـيــت مـن مـفـهـوم »نــمــاذج للتنمية« العائد لعقد الستينات من القرن الماضي. غير أنه ينظر إلى هذا المفهوم اليوم على أنه أقرب إلى خداع فكري منه إلـى دليل إرشــادي جـدّي للتحليل الــســيــ­اســي – الاجــتــم­ــاعــي. حـتـى الديمقراطي­ات الغربية، رغم جوانب الــشــبــ­ه فــيــمــا بـيـنـهـا وتـقـاسـمـ­هـا الكثير من القيَم الثقافية والدينية، بــنــيــت وفــــق تــصــامــ­يــم وأوصــــــ­اف مختلفة. ومن ثم، لا يوجد ما يبرر لمـاذا يتوجب تشجيع دول الشرق الأوســـــ­ـط – بـــل حــتــى إجــبــاره­ــا – على اعتماد نظام »ولايــة الفقيه« نموذجاً مثالياً لها.

وسـواءً يجري عن عمد أو عن جهل، فإن سوء فهم أو رفض قراءة الــدور السلبي الُمقلقل الـذي يلعبه الـنـظـام الإيــرانـ­ـي فــي المـنـطـقـ­ة ومـا هو أبعد من حدودها، أدى إلى ما يـمـكـن وصـفـه بـشـلـل سـيـاسـي يلم بالديمقراط­يات الغربية وحلفائها بينما يواجه هذا النظام معارضة متزايدة من الشعب الإيراني. وهذا الـشـلـل يـشـجـع راهــنــاً الــقــيــ­ادة في طهران على رفض الإصلاح داخلياً والمــــقـ­ـــاربــــ­ات الــتــســ­وويــة الـعـاقـلـ­ة خارجياً خدمة للسلام والاستقرار.

»المرشد الأعلى« علي خامنئي في إحدى كلماته اللافتة قال : »حكام أميركا حلموا دائماً بإجبارنا على تغيير سـلـوكـنـا، لكنهم أخـفـقـوا،« وأردف »خــمــس إدارات رئـاسـيـة انتهت وغـربـت مـن دون أن تحقق هــــذا الــحــلــ­م المـسـتـحـ­يـل. والــشــيء نفسه سيتكرّر مع الإدارة الحالية .« حــقــيــق­ــة الأمــــــ­ــــر، أن هـــذا الــتــحــ­لــيــل مــــن خـامـنـئـي لـيـس بـعـيـداً تـمـامـاً عن الــصــواب، ذلــك أن عـدداً من الرؤساء الذين تعاقبوا على الــبــيــ­ت الأبـــيــ­ـض حــــاولــ­ــوا جـهـد طاقتهم إقـنـاع النظام الخميني فــــــي طــــــهــ­ــــران بـــتـــعـ­ــديـــل بــعــض جـــوانـــ­ب ســيــاســ­تــه الــخــارج­ــيــة، ولــكــن حــتــى الـلـحـظـة بـــــاءت كـل المحاولات بالفشل. ولعل السبب في ذلك أنه إما لم تتوافر القدرة أو لـم تتوافر الرغبة عند هـؤلاء الرؤساء المتعاقبين، ومعهم لفيف من النخب السياسية والثقافية الأمـــيــ­ـركـــيـــ­ة، فـــي إدراك طـبـيـعـة النظام الخميني.

الرئيس جيمي كارتر تصوّر أن استيلاء الخميني على السلطة

ّ مثل عودة الدين إلى قلب الحياة العامة. ولذا، حرصت إدارته على وصف الخميني بـ »رجل مقدس« و»غـــانـــد­ي الإســــــ­ـلام«. كـمـا بعث كارتر برسائل إلى الخميني »من رجل مؤمن إلى رجل مؤمن«، بل، وأمـــر بـاسـتـئـن­ـاف بـيـع الأسـلـحـة لإيـران. وفي نهاية المطاف، كلنا يتذكر كيف كوفئ كارتر.

وجـــــاء رونــــالـ­ـــد ريـــغـــا­ن إلــى الـرئـاسـة، وهـو الــذي كـان قـد زار إيران قبل سنة واحدة من الثورة الخمينية، وكان أدرى بالإيرانيي­ن من كارتر. ذات يوم وصف ريغان الساسة الإيرانيين بأنهم »تجار ســجّــاد وعــاقــدو صــفــقــا­ت«. ولـم يلبث أن هـرّب للملالي الأسلحة التي كـانـوا بحاجة إليها لوقف زحـــــف الــجــيــ­ش الـــعـــر­اقـــي أبــعــد داخـــــل إيـــــــر­ان، وأهــــــد­ى آيــــة الـلـه كعكة حلويات ضخمة على شكل قلب، ونسخة تحمل توقيعه من الإنـجـيـل ومـسـدسـين مــن أحــدث الـــطـــر­ازات. وفــي الـنـهـايـ­ة، كـانـت الحصيلة الأهـم فضيحة »إيـران – كونترا« )إيران غيت) التي هزّت رئاسة ريغان.

وبـــعـــد ذلــــــك، مـــع الانــشــغ­ــال بمعالجة تداعيات تلك الفضيحة، أحجم الرئيس جورج بوش الأب - الــــذي خـلـف ريــغــان فــي الـبـيـت الأبيض – عن تطوير أي سياسة حقيقية تـجـاه إيـــران باستثناء إجراء مباحثات سرّية مع جناح عـلـي أكـبـر هـاشـمـي رفسنجاني لـــم تـسـفـر عـــن شــــيء بـاسـتـثـن­ـاء طمأنة سلطات طهران إلـى أنهم اســتــطــ­اعــوا تـحـيـيـد »الـشـيـطـا­ن الأكبر « الأميركي. إعجاب كلينتون... واعتذاره وجاء الرئيس بيل كلينتون، بعد بوش الأب. ورأى كلينتون في النظام الخميني نظاماً »تقدمياً«، وهـــــــو الــــــــ­ــرأي الــــــــ­ذي يــتــقــا­ســمــه مــعــه كــثــيــر­ون مـــن الـلـيـبـر­الـيـين الأميركيين الذين يذهب بعضهم إلــــى حـــد اعــتــبــ­ار إعـــــلان الــعــداء لــواشــنـ­ـطــن عـــلامـــ­ة أكــــيـــ­ـدة عـلـى المـعـتـقـ­دات الـتـقـدمـ­يـة. وذات يـوم مـــــن عـــــــام ٢٠٠٥، عـــلـــى هــامــش »مــنــتــد­ى دافـــــوس الاقــتــص­ــادي« فــــي ســـويـــس­ـــرا، قـــــال كـلـيـنـتـ­ون: »إيـــــران الــيــوم، بـطـريـقـة مــا، هي الـبـلـد الـوحـيـد الـــذي تتمتع فيه الأفكار التقدمية بقاعدة شعبية هائلة. هناك، تدافع الغالبية عن الأفكار التي أؤمن بها«. ثم قال في مقابلة تلفزيونية، مـع تشارلي روز: »إيـــــران الـبـلـد الــوحــيـ­ـد في العالم، الوحيد الـذي تجرى فيه انتخابات، بما في ذلك الولايات المتحدة... بما في ذلك إسرائيل... بــمــا فــــي ذلـــــك مــــا شـــئـــت، حـيـث ربـح الليبراليو­ن أو التقدميون بــين الـثـلـثـي­ن و٧٠ فــي المــائــة من الأصــــــ­وات فــي سـتـة انـتـخـابـ­ات، منها انتخابان للبرلمان وانتخاب للمجلس، وانتخابات للبلديات. وفـــي كــل انـتـخـاب حـصـل أولـئـك الــــذيــ­ــن يــقــتــر­بــون مــــن تـفـكـيـري بــين الـثـلـثـي­ن و٧٠ فــي المــائــة من الأصــــــ­ـوات. لـيـس هــنــاك بـلـد في العالم أستطيع أن أقول هذا الكلام عنها... حتى بلدي.«

أضـــــــف إلـــــــى مـــــا ســــبــــ­ق، أن كلينتون، ومعه وزيـر خارجيته مادلين أولبرايت، اعتذرا للملالي عن »جرائم« غير محدّدة ارتكبتها »حـــضـــار­تـــي«، وأزال جـمـلـة مـن العقوبات كانت قد فرضت على النظام الإيراني بعد عملية خطف الرهائن الأميركيين في طهران.

مـا هـي تلك الـجـرائـم؟ أجـاب كــلــيــن­ــتــون مـــوجـــز­اً »إنـــهـــا قـصـة مــحــزنــ­ة بــــــدأت حــقــاً خـــــلال عـقـد الــخــمــ­ســيــنــا­ت عــنــدمــ­ا أطــاحــت الولايات المتحدة السيد (محمد) مـــــصـــ­ــدّق، الـــــــذ­ي كـــــان سـيـاسـيـا مـنـتـخـبـ­اً بـــصـــور­ة ديــمــقـر­اطـيـة، وأعادت الشاه الذي أطاحه لاحقاً آيـة الله الخميني، ودفعتنا إلى أحضان صدام حسين. لقد أزحنا ديمقراطية برلمانية (فـي إيــران) في الخمسينات: على الأقـل هذا ما أؤمن به.«

ما لا يعرفه الرئيس كلينتون، أن نـظـام الخميني الــذي يعجب به أيما إعجاب لا يعامل محمد مصدّق إطلاقاً كبطل وطني، بل يكيل عليه مختلف الافــتــر­اءات. وكـان مـن الخطوات الأولــى التي اتخذها المـلالـي بعد استيلائهم على الحكم إزالة اسم مصدّق عن أحد شوارع طهران.

بـــعـــد دخـــــــو­ل جـــــــور­ج بـــوش الابن البيت الأبيض، فإنه انشغل تماماً بملفي أفغانستان والعراق لدرجة أنه لم يهتم كثيراً بشؤون إيــــــرا­ن. ولــكــنــ­ه، مــع هــــذا، حــاول خـــلال فـتـرتـه الـرئـاسـي­ـة الـثـانـيـ­ة إقـنـاع المـلالـي بتغيير سلوكهم. وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس أرسلت دعوة - كي لا نقول رسالة تـــوسّـــل – إلــــى المـــلالـ­ــي لــــ »حـــوار بــــنــــ­اء.« غــيــر أنـــهـــم ردوا بـقـتـل أتباعهم والميليشيا­ت التابعة لهم مزيداً من العسكريين الأميركيين فـي كـل مـن أفغانستان والـعـراق. وبـالـتـال­ـي، لـم يـتـصـرف بـصـورة أفضل من أسلافه.

غير أن أحداً لم يفعل ما فعله باراك أوباما. لم يذهب أي رئيس إلى الحد الذي ذهب إليه أوباما في التقرب من الملالي.

حتى في العام ٢٠٠٩. عندما كـانـت مـيـلـيـشـ­يـات نـظـام طـهـران تـقـتـل الـــنـــا­س فـــي شـــــوارع المـــدن الإيرانية أيام الانتفاضة الشعبية الواسعة التي عمت البلاد، اختار أوبــامــا تـأيـيـد المــلالــ­ي. واعـتـرف أوبـامـا رسمياً بـأن تقترب إيـران من أن تغدو »دولة نووية« مقابل تـــــنـــ­ــازلات مــشــبــو­هــة ومــشــكــ­وك بصدقيتها قـدمـتـهـا طـهـران في إطار ما عرف بـ »الصفقة النووية « التي يدينها دونالد ترمب اليوم.

والحقيقة أن بين أهم أسباب سوء فهم طبيعة النظام الحالي فـي طـهـران هـو رفـض الاعـتـراف، عــلــى امــــتـــ­ـداد الـــعـــق­ـــود الأربـــعـ­ــة الأخـــيــ­ـرة، بـــأن إيــــران تـعـانـي من انـــفـــص­ـــام فـــــي الــشــخــ­صــيــة بـين »الدكتور جيكل« الطيب و»المستر هايد« الشرير.

لا شــك إطــلاقــا فــي جـاذبـيـة إيـران كشعب وكثقافة. وفاليري جــــاريــ­ــت، الـــتـــي تـــوصـــف بـأنـهـا المستشار الأقـرب لأوبـامـا تتذكر بحنين وإعـجـاب مدينة شـيـراز، الــعــاصـ­ـمــة الــثــقــ­افــيــة الإيــرانـ­ـيــة و»فلورنسا الشرق«، حيث ولدت وترعرعت.

قـبـل الــثــورة، كـانـت شـيـراز، بــــعــــ­مــــارتــ­ــهــــا الــــبـــ­ـديــــعــ­ــة تـــزخـــر بــالــحــ­دائــق الـــغـــن­ـــاء والــطــيـ­ـبــات والمـوسـيـ­قـى، وكـانـت تستضيف مهرجاناً دولياً مرموقاً للفنون. كيف يمكن للمرء ألا يقع في هوى شيراز؟

إلا أن المــديــن­ــة الــتــي عـمـلـت فــــيــــ­هــــا شـــقـــيـ­ــقـــة جـــــــــ­ـون كـــيـــري لسنوات، تنتصب فيها المشانق ويـجـلـد المــدانــ­ون فـي سـاحـاتـهـ­ا، وتـغـص سـجـونـهـا بـالمـعـار­ضـين السياسيين والجماعات الدينية المغضوب عليها.

الـنـجـم الـسـيـنـم­ـائـي الـعـالمـي شــــون بــــن، زار إيـــــــر­ان كــمــراسـ­ـل غير متفرغ، وكتب تقارير مليئة بـــالإطــ­ـراء. شــاهــد خـــلال زيــارتــه أصفهان عاصمة إيــران القديمة واعتبرها فردوساً أرضياً. ومثل بــيـــل كــلــيــن­ــتــون، أعـــجـــب كــثــيــر­اً بــ »الـتـقـدمـ­يـة المـدهـشـة« عـنـد من الــتــقــ­اهــم. إلا أن مــا تـجـاهـلـه أن إيــران تتبوأ الـصـدارة فـي العالم فــي عـــدد الإعـــدام­ـــات والـسـجـنـ­اء السياسيين. وحالياً هناك نحو ١٥٠٠٠ رجــل وامــــرأة محكومون بـــالإعــ­ـدام ويـنـتـظـر­ون المـــوت في السجون الإيرانية.

نـــجـــم ســيــنــم­ــائــي آخــــــر هـو جـــــــور­ج كـــلـــون­ـــي أغـــــــد­ق المـــدائـ­ــح عـلـى السينما الإيـرانـي­ـة معتبراً إيـــاهـــ­ا »وحـــدهـــ­ا الأصـــلــ­ـيـــة« فـي الــعــالـ­ـم. وبـــــــد­وره، غــض الـطـرف عن حقيقة أن الأفلام التي أعجب بــهــا، وتــشـاهــ­د فــي المـهـرجـا­نـات الـسـيـنـم­ـائـيـة الـعـالمـي­ـة مـمـنـوعـة مـن الـعـرض داخــل إيـــران، وكثرة مـن العاملين فـي قطاع السينما

جون كيري، وزيـر خارجية أوبـــــام­ـــــا، مــعــجــب بــــإيـــ­ـران لأنــه يعرف عنها عبر صهره الإيراني المـتـحـدر مــن عـائـلـة مــن الطبقة الوسطى في أيام ما قبل الثورة. إلا أنــه يجهل أن عـائـلات كهذه كانت الأشــد معاناة مـن إرهـاب الخمينيين وقمعهم، وهــذا هو السبب الذي جعلها - بما فيها عـائـلـة صـهـره - تـفـر مــن الـبـلاد للعيش في المنفى.

كــ »دولـة - أمـة« ليس لإيـران مشكلة مع أحد، غير أنها كأداة للفكر الخميني لديها مشاكل مع الجميع، وعـلـى رأسـهـم الشعب الإيـــران­ـــي بـــالـــذ­ات. والـــواقـ­ــع أن الــــنـــ­ـظــــام لا يـــخـــفـ­ــي كـــراهـــ­يـــتـــه الشديدة للثقافة الإيرانية، التي يعتبر أن جــذورهــا فــي »عصر الجاهلية .«

ومـن ثـم، فـإن إعجاب كيري بالنظام بسبب الثقافة الإيرانية أشـبـه بـالإعـجـا­ب بهتلر بسبب عـــبـــقـ­ــريـــة غــــوثـــ­ـه وبــيــتــ­هــوفــن، وستالين تقديراً لنبوغ بوشكين وتشايكوفسك­ي.

لـقـد أعـــدم الـنـظـام الإيــرانـ­ـي عـشـرات الألــوف مـن الإيـرانـي­ـين، ودفـــع نـحـو سـتـة مـلايـين منهم إلـــى المــنــاف­ــي، وحـــرم الــبــلاد من حرياتها السياسية. فضلاً عن ذلك، قتل من الأميركيين - بسلاح أتباعه وميليشياته – أكثر مما قـتـل تنظيم »الــقــاعـ­ـدة« يــوم ١١ سبتمبر (أيلول) ٢٠٠١. ولم يمر يوم من دون أن هناك في قبضته أسـرى ورهـائـن أميركيين وغير أميركيين.

ثم إن النظام نفسه لا يخفي دوره في دعم وإسناد الانقلاب الـــحـــو­ثـــي فــــي الـــيـــم­ـــن. وتـــزعـــ­م وكالة »فارس« للأنباء، التابعة للحرس الــثــوري، أن الحوثيين »يمثلون جزءاً من حركة مقاومة عــالمــيـ­ـة« تــقــودهـ­ـا طـــهـــرا­ن. أمــا صحيفة »كـيـهـان«، المـعـبـرة عن مــواقــف »المــرشــد الأعــلــى« علي خـامـنـئـي، فـتـزعـم أن الـبـحـريـ­ن جـــزء مــن إيــــران »تـخـلـى عـنـهـا« الشاه، ولا بد من استعادتها.

وبـــمـــا يــخــص لـــبـــنـ­ــان، فــإن الجنرال قاسم سليماني، الرجل المولج بـ »تصدير الـثـورة،« فلقد حوّل لبنان – حسب كلامه – إلى »دولة مقاومة« تديرها إيران. في حين تباهى آية الله علي يونسي، أحـــد كــبــار مـسـتـشـار­ي الـرئـيـس حسن روحاني، بأن إيران تتحكم راهناً بأربع عواصم عربية هي: صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت. ورغـم أن في هذا التباهي شيئا مـن المبالغة، فإنه يعطي فـي أي حال صورة عن نمط تفكير حكام إيران الحاليين.

المـــحـــ­لـــل الإيــــــ­ـرانــــــ­ـي نــاصــر زماني في تعليق له قـال أخيراً »اللوبيات المؤيدة لنظام طهران في الغرب تقوم بعمل مؤذ لكل مـن إيــران ولـلـدول الديمقراطي­ة حيث يعيشون. إنهم يشجعون أوهــام نـظـام طـهـران الـتـي زجت الـبـلاد فـي مـــأزق تـاريـخـي«. إلا أن هذا الكلام لا يختصر الحالة ككل.

فناشطو هــذه »الـلـوبـيـ­ات« يعملون فعلياً على إحـبـاط أي فرصة قد تستغلها القوى الكبرى لاعتماد سياسة تساعد إيـران، وتـقـنـعـه­ـا بــاســتــ­عــادة هـويـتـهـا كـ »دولة – أمة،« والتصرف على هــــــذا الأســــــ­ـــاس بــحــيــث تــطــوي صفحة ثورة أغرقت إيران وجزءاً كـبـيـراً مــن الــشــرق الأوســـــ­ط في الفتن والاضطراب.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia