Asharq Al-Awsat Saudi Edition

الممر الإيراني تحت النار الإسرائيلي­ة!

- راجح الخوري

الـــرابــ­ـع مـــن مــايــو (أيـــــار)

ّ من العام الماضي وقع ممثلو الــــــــ­ـدول الــــراعـ­ـــيــــة لمـــحـــا­دثـــات أســــتـــ­ـانــــة (روســــــي­ــــــا وتـــركـــ­يـــا وإيــــران) عـلـى مـذكـرة تـفـاهـم، قــــيــــ­ل إنــــهـــ­ـا تــــهــــ­دف لــخــفــض الـتـصـعـي­ـد فــي ســوريــا، وإنــه سـيـتـم تـطـبـيـقـ­هـا خـــلال سـتـة أشـهـر قـابـلـة لـلـتـمـدي­ـد، وقـبـل انـتـهـاء هــذه المــدة سـرعـان ما تـبــيّن أن هــذه لـيـسـت مـنـاطـق »خفض التصعيد« بل مناطق »رفع التدمير«، فهذا مثلاً ما تعرض له أولاً شمال محافظة حمص، ثـم جـاء دور الغوطة الـشـرقـيـ­ة الــتــي تـعـرضـت إلـى تـدمـيـر كـامـل انـتـهـى بترحيل مقاتلي »النصرة« وعائلاتهم إلى إدلب.

بــعــد الـــغـــو­طـــة جـــــاء دور مــخــيــم الـــيـــر­مـــوك، الـــــذي لـقـي تدميراً كبيراً انتهى بوصول حـــافـــل­ات الــنــظــ­ام الــخــضــ­راء، الــتــي قــامــت بــإجــلاء مـقـاتـلـي »داعش« وعائلاتهم إلى بادية الشام، حيث تدور الآن معارك كر وفر بين هؤلاء الإرهابيين والنظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياته­م المسلحة!

لا داعــــي لــتــكــر­ار الــســؤال الـــدائــ­ـم: لمــــاذا لــم يـتـم اعـتـقـال هـــؤلاء وزجــهــم فــي الـسـجـون مــثــلاً بـــــدلاً مـــن إجــلائــه­ــم مـن مــــكــــ­ان إلــــــى آخــــــر كـــمـــا جـــرى دائـــمـــ­اً، فــفــي الــســابـ­ـق وعـلـى حــــــــا­فــــــــة هــــــزيـ­ـــــمــــ­ــة مــــقــــ­اتــــلـــ­ـي »الـنـصـرة«، وإطـبـاق الجيش اللبناني عليهم فـي الـجـرود اللبنانية، تولى »حـزب الله« في عملية مشتركة مع النظام السوري نقلهم مع أسلحتهم في حافلات مبردة إلى إدلب!

وفــي حــين كــانــت الأنــظــا­ر تتجه إلى التطورات المحتملة في منطقة »خفض التصعيد« الـثـالـثـ­ة فــي مـحـافـظـت­ـي درعــا والـــقـــ­نـــيـــطـ­ــرة جـــنـــوب شــرقــي ســــوريــ­ــا، بــعــدمــ­ا قـــــال بــشــار الأسد لقناة »العالم« الإيرانية إن ما طُـرح بعد الغوطة، هو الـتـوجّـه إلــى الـجـنـوب ونـحـن أمــام خـيـاريـن؛ إمـا المصالحة وإمـــــــ­ــــا الــــتـــ­ـحــــريــ­ــر بــــالـــ­ـقــــوة، وهـــنـــا­ك طــــرح روســـــي يــدعــو إلى إعطاء فرصة للتسويات والمصالحات، جاء ت المفاجأة مـن ديــر الـــزور، وتـحـديـداً من مــــنــــ­طــــقــــ­ة المــــمــ­ــر الاســتــر­اتــيــجــ­ي، الــــــــ­ــــــــــ­ــذي ســــعــــ­ى الإيــرانـ­ـيــون إلـى تـثـبـيـتـ­ه كـمـعـبـر لـهـم مــن الــعــراق إلـــى لـبـنـان عبر سوريا.

لــــيــــ­ل الأحــــــ­د - الاثـنـين تاريخ ١٨ الــــــــ­ـجــــــــ­ـاري قـتـل ٥٢ مسلحاً غــالــبــ­يــتــهــم مــن المــــوال­ــــين لــلــنــظ­ــام فـــي ضــربــة جوية، استهدفت رتلاً عسكرياً أثناء توقفه عند نقطة تابعة إلـــى قــــوات الــنــظــ­ام وحـلـفـائـ­ه الإيرانيين وميليشياته­م، في بلدة الهري الواقعة في ريف ديـر الــزور الجنوبي الشرقي والمحاذية للحدود العراقية، دمـــــشــ­ـــق ســـــارعـ­ــــت كــــالـــ­ـعــــادة إلـــى اتــهــام أمــيــركـ­ـا قــائــلــ­ة إن التحالف الدولي اعتدى على أحـــد مـواقـعـنـ­ا، وإن الـهـجـوم اســـتـــه­ـــدف مــــواقــ­ــع مــشــتــر­كــة ســـوريـــ­ة عــراقــيـ­ـة فـــي مـنـطـقـة الهري!

لكن التكذيب جاء فوراً من مكانين؛ أولاً عندما أكّد المكتب الإعـــلام­ـــي لـلـتـحـال­ـف الــدولــي أنــــــه لـــــم تـــكـــن هــــنــــ­اك غــــــارا­ت لــلــولاي­ــات المــتــحـ­ـدة أو قـــوات الــتــحــ­الــف فـــي هـــذه المـنـطـقـ­ة، وثـــــانـ­ــــيـــــ­اً عـــــنـــ­ــدمـــــا ســـــارعـ­ــــت الــقــيــ­ادة الــعــراق­ــيــة المـشـتـرك­ـة إلى التنصّل كلياً من تابعية ثــــــلاث مــيــلــي­ــشــيــات مـسـلـحـة عراقية موالية لإيران وتقاتل إلــى جـانـب الـنـظـام الـسـوري، وهذه الكتائب هي »حزب الله الـــعـــر­اق« و»عــصــائــ­ب الـحـق« و»والنجباء العراقية«، التي تعمل داخل سوريا وهي التي تعرضت للضربة الجوية في منطقة البوكمال عند الحدود العراقية!

الـهـجـوم أثــار الـتـسـاؤل­ات في اتجاهين:

أولا: لجهة من الذي نفذه، وخــصــوصـ­ـاً أن الأجــــــ­ـواء فـي تلك المنطقة تنشط فيها عادة المقاتلات الروسية والسورية والــــعــ­ــراقــــي­ــــة وتــــلـــ­ـك الــتــابـ­ـعــة للتحالف الدولي، وسبق في ٢٤ مـايـو المــاضــي أن قـتـل ١٢ مـسـلـحـاً مــوالــيـ­ـاً لــلــنــظ­ــام فـي ضــــــربـ­ـــــة جــــويـــ­ـة فـــــــــ­ــــي مــــنــــ­طــــقــــ­ة البوكمال أيضاً، واتـهـمـت دمشق التحالف الدولي بـالـعـمـل­ـيـة، لـكـن كـــل الـتـحـلـي­ـلات ذهــــــــ­ــــــبـــ­ــــــــــ­ـت فــــــي اتجاه إسرائيل، الــــتـــ­ـي ســـبـــق أن أعـــلـــن­ـــت تــــكــــ­راراً أنــهــا لــن تـسـمـح بــتــمــر­كــز قــواعــد ومناطق عسكرية إيرانية في سـوريـاً، ولا بـوصـول السلاح الإيـرانـي إلـى »حـزب الله« في لبنان، ولهذا فإن كسر الإمداد التسليحي الإيراني، الذي يمر بمنطقة البوكمال والذي كان قاسم سليماني أشرف هناك عـلـى المــعــار­ك لـتـثـبـيـ­تـه الـعـام المـاضـي، سيكون دائـمـاً هدفاً إسرائيلياً وربما أميركياً!

ثـانـيـاً: لـجـهـة الـتـسـاؤل­ات حـــــــــ­ـــول المـــــــ­ــوقــــــ­ـــف الـــــــر­وســـــــي المـتـغـاض­ـي عـن هــذا الـهـجـوم، فــــــقــ­ــــد تـــــــسـ­ــــــاء لـــــــت تـــــقـــ­ــاريـــــ­ر دبـــلـــو­مـــاســـي­ـــة عـــمـــا إذا كـــان هناك مؤشر جديد إلى تفاقم التوتر في العلاقات الروسية - الإيـــــر­انـــــيــ­ـــة، حــــــول تــرتــيــ­ب الأوضاع في سوريا، وهو ما يدفع موسكو إلى رفع غطائها الـجـوي عـن الـقـوات الإيـرانـي­ـة وميليشياته­ا المـرابـطـ­ة غـرب نهر الفرات، وهذا ما يضاعف عملياً مخاوف الإيرانيين من خسارة طريقهم الاستراتيج­ي إلى لبنان وشاطئ المتوسط، ولــــهـــ­ـذا كــــــان مــــن الــــلافـ­ـــت أن يـسـارع قـاسـم سليماني بعد الـضـربـة مـبـاشـرة إلــى تـكـرار المزاعم الإيرانية، عن أن طهران بــاتــت تـسـيـطـر عــلــى بــيــروت والــعــوا­صــم الــعــربـ­ـيــة الــثــلاث دمـــشـــق وبـــــغــ­ـــداد وصـــنـــع­ـــاء، رغــــم أن الأرض تــمــيــد تـحـت الإيـــران­ـــيـــين فـــي الــيــمــ­ن وفــي العراق وسوريا!

وتــــــــ­ــــقـــــ­ـــــــول الـــــــت­ـــــــقــ­ـــــاريــ­ـــــر الدبلوماسي­ة إن رفـع الغطاء الــجــوي الــروســي عــن الـقـوات الإيــــــ­ـرانــــــ­ـيـــــــة والمـــيــ­ـلـــيـــش­ـــيـــات المـــوالـ­ــيـــة لــهــا غـــــرب الـــفـــر­ات، يـــــأتــ­ـــي فــــــي ســـــيـــ­ــاق ضـــغـــوط تصاعدية تمارسها موسكو لـحـسـم الأمـــــو­ر فـــي مـنـطـقـتـ­ي »خفض التصعيد« فـي إدلـب شـمـالاً وفـي محافظتي درعـا والقنيطرة جنوباً.

إســــرائـ­ـــيــــل كـــعـــاد­تـــهـــا لــم تــعــتــر­ف بـــأن مـقـاتـلات­ـهـا هـي الــــتـــ­ـي نــــفــــ­ذت الــــضـــ­ـربــــة ضــد المـيـلـيـ­شـيـات الإيـــران­ــيــة غــرب الـفـرات والـتـي تنصّلت منها بـغـداد، لكن ذلـك لا يخرج في نظر المراقبين الدبلوماسي­ين، عما كان بنيامين نتنياهو قد أعـلـنـه نـهـايـة مــايــو المــاضــي، من أن المعركة ضد التموضع الإيــرانـ­ـي فـي سـوريـا لـم تنتهِ ولا تـــــــزا­ل فــــي أوجـــــهـ­ــــا، وأن إســــرائـ­ـــيــــل تــعــمــل عـــلـــى مـنـع امــتــلاك إيــــران ســلاحــاً نـوويـاً وفي الوقت عينه ستعمل على منع تموضعها العسكري في سوريا.

ولعل ما يؤكد أن إسرائيل هــي الـتـي نـفـذت الـضـربـة في الـبـوكـمـ­ال، قــول نـتـنـيـاه­ـو إن حـــكـــوم­ـــتـــه لــــن تــســمــح بـنـقـل أسلحة فتّاكة من سوريا إلى لــبــنــا­ن، فـــي إشــــــار­ة واضــحــة طبعاً إلــى شـحـنـات الأسلحة الُمـــرســـل­ـــة إلــــى »حــــــزب الـــلـــه«، التي تمر من خلال ذلك المعبر الاســتــر­اتــيــجــ­ي عــنــد مـنـطـقـة الـبـوكـمـ­ال، كـمـا أنـهـا ستمنع إنـــتـــا­ج هــــذه الأســلــح­ــة داخـــل لـــبـــنـ­ــان، وهـــــو مــــا وجـــــد فـيـه المـــراقـ­ــبـــون تــلــويــ­حــاً بــإمــكــ­ان اسـتـهـداف مـا تـقـول إسـرائـيـل إنـــه مـصـنـع صــواريــخ دقـيـقـة أقامته إيران داخل لبنان!

بـــالـــع­ـــودة إلـــــى مــوضــوع رفـع الـغـطـاء الـجـوي الـروسـي عــــن المــيــلـ­ـيــشــيــ­ات الإيـــران­ـــيـــة غرب الفرات، تحاول المصادر الـدبـلـوم­ـاسـيـة أن تــربــط بـين المـسـاعـي الـروسـيـة الأميركية والأردنـــ­ـيــــة لــتــرتــ­يــب الــوضــع عــــلــــ­ى الـــجـــب­ـــهـــة الـــجـــن­ـــوبـــيـ­ــة الـــشـــر­قـــيـــة، وبــــــين مـــحـــاو­لات إيــران عـرقـلـة هـذه الترتيبات فـــــي ســـعـــي إلـــــــى الــــبـــ­ـقــــاء فــي محاذاة جبهة الجولان، بينما تــــمــــ­ارس الـــــولا­يـــــات المــتــحـ­ـدة وإســـــرا­ئـــــيـــ­ــل ضـــغـــوط­ـــاً عــلــى مـوسـكـو، لـتـعـمـل عـلـى إبـعـاد المـيـلـيـ­شـيـات الإيـرانـي­ـة بعمق ٨٠ كــيــلــو­مــتــراً إلـــــى مــــا بـعـد دمــشــق، بـيـنـمـا كــان الـحـديـث في السابق عن مسافة ٢٥ إلى ٣٠ كيلومتراً!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia