Asharq Al-Awsat Saudi Edition

جولة على معالم »مدريد الإسلامية«

{مجريط« هو الاسم الذي أطلقه عليها مؤسسها محمد الأول القرطبي

- مدريد: شوقي الريّس

من نارٍ أسواري

وعلى الماء بُنيت هـــــــــ­ذا كـــــــــ­ان الـــــشــ­ـــعـــــا­ر الأول لـلـعـاصـم­ـة الأوروبـــ­ـيــــة الــوحــيـ­ـدة التي أسسها العرب ًأواسط ًالقرن التاسع ًبوصفها حامية عسكرية مـتـقـدمـة عـلـى الـطـريـق الرئيسية التي كانت تعبر الثغر الأوسط من بلاد الأندلس حتى مدينة طليطلة. و»مجريط« هو الاسم الذي أطلقه عـلـيـهـا مـؤسـسـهـا الأمــيــر محمد الأول الــقــرطـ­ـبــي، الابـــــن الأصــغــر لعبد الرحمن الثاني، عندما قرر تـشـيـيـده­ـا عـلـى مـرتـفـعـا­ت قريبة مــن مــجــاري المــيــاه لمـراقـبـة قـوافـل التجار وتحركات جيوش الإمارات المـسـيـحـ­يـة الــتــي كــانــت تـغِـيـر من حـــين لآخــــر عــلــى مـــواقـــ­ع الـــقـــو­ات المسلمة التي كانت سيطرتها قد امتدت حتى أبواب برشلونة شرقاً وتخوم فرنسا شمالاً.

قليلة وغير معروفة كثيراً هي الآثـــار الـتـي مـا زالـــت تشهد على الماضي العربي المسلم للعاصمة الإسبانية التي تحاول المجالس البلدية التي تعاقبت على إدارتها في العقدين الماضيين إبراز معالم الوجود العربي في المدينة حتى أواخــر الـقـرن الـحـادي عـشـر. وقد نــظّــمــت بــلــديــ­ة مـــدريـــ­د مـــؤخـــر­ا، بـالـتـعـا­ون مــع »الـبـيـت الـعـربـي،« جــــــولا­ت ســيــاحــ­يــة عــلــى المــعــال­ــم الـتـاريـخ­ـيـة الــعــربـ­ـيــة، وأصــــدرت نــــشــــ­رة عـــــن »مــــــدري­ــــــد المــســلـ­ـمــة« بــالــلــ­غــات الإســبــا­نــيــة والــعــرب­ــيــة والإنـجـلـ­يـزيـة ووضــعــت إشـــارات تــــــدّل عــلــى الــــطـــ­ـرق المــــؤدي­ــــة إلــى »الـسـور الإســلامـ­ـي« الــذي مـا زال يــقــوم جـــزء مـنـه إلـــى الــيــوم على مقربة من القصر الملكي.

تــبــدأ الــجــولـ­ـة مـــن الـحـديـقـ­ة الجميلة التي تحمل اسم مؤسس المدينة؛ حيث تستقبل الزائر روائح النباتات العطرية والـزهـور التي كـانـت تـعـجّ بها جنائن الأنـدلـس كـــالـــغ­ـــار والــقــصـ­ـعــين والــصــعـ­ـتــر والورود من شتى الأنواع والألوان. وفي تلك السكينة الهانئة خارج صخب المدينة وضجيجها، يقف الزائر على بعد عشرات الأمتار من السور العربي ليتخيّل العاصمة الإســبــا­نــيــة عــنــدمــ­ا كـــانـــت قـلـعـة مسوّرة ينطق أهلها بلغة الضاد وتعبر القوافل شوارعها الضيّقة الــتــي تــتــعــرّج بــين نــوافــيـ­ـر المـيـاه والمـسـاجـ­د الـصـغـيـر­ة الـتـي كانت تعدّ بالعشرات.

والـــــلا­فـــــت أن مــعــظــم الآثــــــ­ار الـــعـــر­بـــيـــة المـــتـــ­بـــقـــيّـــة الـــــيــ­ـــوم فـي مــدريــد تـقـع فــي الـــجـــو­ار المـحـيـط بـــ »قــصــر الــشــرق الــكــبــ­يــر«، وهــو الــقــصــ­ر المــلــكـ­ـي الــــــذي يـسـتـخـدم للمناسبات الاحتفالية الكبرى، والــذي استضاف فـي خريف عام ١٩٩١ مــؤتــمــ­ر الــــســـ­ـلام الـشـهـيـر بـين الـعـرب والإسـرائـ­يـلـيـين. وقـد بيّنت الحفريات والدراسات التي يجريها منذ سنوات علماء متحف الآثــار في مـدريـد، أن الكاتدرائي­ة المـبـنـيـ­ة عـلـى الــطــرف الـغـربـي من القصر تقوم فـوق ما يرجّح أنها كـانـت أبـــراج مـراقـبـة عـلـى الـسـور

ِّ العربي الذي كان يُزِنر المدينة.

مـــــن المــــعــ­ــالــــم الأخــــــ­ــــرى الــتــي تـعـرّج عليها الـجـولات السياحية والتاريخية لمعاينة الآثار العربية في العاصمة الإسبانية »أهراءات الحبوب« التي كانت منتشرة في المــدن الأنـدلـسـ­يـة. ويـقـول الباحث دانــيــيـ­ـل بـــن أمــــيّــــة، واضـــــع كـتـاب »مــــدريــ­ــد المــســلـ­ـمــة«: ...» عـنـدمـا أدرك محمد الأول القرطبي أهمية مـــدريـــ­د كـحـامـيـة عـسـكـريـة لـصـدّ الهجمات التي كانت تتعرّض لها مناطق الثغرين الأوسـط والأدنـى من بلاد الأندلس، عمد إلى زيادة عدد سكانها، مما اقتضى توفير الإمــــدا­دات التموينية والـخـدمـا­ت المـعـيـشـ­يـة الــتــي تـحـتـاجـه­ـا المــدن الـــكـــب­ـــرى،« ويــضــيــ­ف أن »الــعــرب صـمـمـوا شبكة لـتـوزيـع المـيـاه في المدينة عبر أقنية جوفية استمرّت في ضخ المياه على نوافير العاصمة حتى أواخر القرن الماضي.«

ويــقــول رافــايــي­ــل سانتشيث الــــــذي يــنــظّــم هـــــذه الــــجـــ­ـولات إن »رمــــوزاً كـثـيـرة فــي ثـقـافـة مـدريـد الاجـتـمـا­عـيـة تـعـود أصـولـهـا إلـى

ُ الحقبة العربية التي خصِّص لها جـنـاح مــؤخــرا فــي مـتـحـف (ســان إيــســيــ­درو) بـعـد تــجــديــ­ده؛ حيث تعرض آثار من الحفريات الأخيرة فـي سـاحـة القصر الملكي ووسـط المدينة «. ويرجّح عالم الآثار خوان كــورتــيـ­ـث أن يــكــون بـــرج كنيسة الــقــديـ­ـس نــيــكــو­لاس فـــي الــوســط الــتــاري­ــخــي مـبـنـيـاً عــلــى أنــقــاض مئذنة أحد المساجد الذي كان يقع داخــــل الـــســـو­ر. ومـــا زالــــت بعض المــبــان­ــي الــــبـــ­ـارزة فـــي الـعـاصـمـ­ة الإسـبـانـ­يـة تــذكّــر، فـي مـعـمـارهـ­ا، بالحقبة الإسلامية التي تأسست خلالها مدريد، مثل مبنى »البيت العربي « وساحة مصارعة الثيران الشهيرة.

 ??  ?? حافظت إسبانيا على الطراز الإسلامي على مدار السنين
حافظت إسبانيا على الطراز الإسلامي على مدار السنين
 ??  ?? إحدى الباحات ويبدو فيها الطراز الإسلامي في البناء
إحدى الباحات ويبدو فيها الطراز الإسلامي في البناء
 ??  ?? رسم توضيحي لإحدى قاعات مسجد في الأندلس
رسم توضيحي لإحدى قاعات مسجد في الأندلس
 ??  ?? رسم لأحد المساجد العتيقة في مدريد
رسم لأحد المساجد العتيقة في مدريد

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia