ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن... ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺮﺧﺔ اﳌﺪﻣﺮة
ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ورﺳﺎﻣﻮه ﻟﻢ ﻳﻮﻟﻌﻮا ﺑﺮﺳﺎم ﻣﺜﻠﻪ
ﻟـــﺴـــﺒـــﺐ ﻣــــــــﺎ، ﻟــــــﻢ ﻳـــﺴـــﺘـــﻄـــﻊ ﻫــﻮ ﻧــﻔــﺴــﻪ ﻋـــﻠـــﻰ اﻹﻃــــــــﻼق ﺗـــﻔـــﺴـــﻴـــﺮه أو ﺗـــﺒـــﺮﻳـــﺮه، ﻛـــــﺎن »اﻟــــﺒــــﻮرﺗــــﺮﻳــــﻪ« اﻟــــﺬي رﺳﻤﻪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ ﻟﻠﺒﺎﺑﺎ إﻳﻨﻮﺗﺸﻨﺘﻲ اﻟـﻌـﺎﺷـﺮ، واﺣــﺪﴽ ﻣــــﻦ اﻷﻋـــــﻤـــــﺎل اﻟــﻔــﻨــﻴــﺔ اﻟــﻜــﻼﺳــﻴــﻜــﻴــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺷـﻐـﻒ ﺑﻬﺎ اﻟـﻔـﻨـﺎن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻟﻮﺣﺔ أﺧــــــﺮى. ﺷــﻐــﻒ ﺑــﻬــﺎ إﻟــــﻰ درﺟـــــﺔ أﻧــﻪ »ﻧﺴﺨﻬﺎ« وﻃــﻮرﻫــﺎ وأﻋـــﺎد ﻧﺴﺨﻬﺎ ﻋــﺸــﺮات اﳌـــﺮات وﻟـﻴـﺲ ﺧــﻼل ﻣﺮﺣﻠﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﺑﻞ ﻃﻮال ﺳﻨﻮات، ﺑــﺪأت أواﺧـــﺮ اﻷرﺑـﻌـﻴـﻨـﺎت ﺣﻴﺚ ﻛﺎن داﺋــﻤــﴼ ﻣــﺎ ﻳــﻌــﺎود رﺳـﻤـﻬـﺎ ﻣــﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻊ ﺗﻐﻴﻴﺮات ﻃﻔﻴﻔﺔ ﺟﺪﴽ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ إدراﻛــﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺑـﻌـﺾ اﻟــﺤــﺎﻻت. واﻷﻛﺜﺮ ﻏﺮاﺑﺔ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ، ﻫﻮ أن ﺑﻴﻜﻮن ﻟﻢ ﻳﺸﺎﻫﺪ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ. ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳـﺮﻳـﺪ أن ﻳﻔﻌﻞ ﻟﺴﺒﺐ ﻟــﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻻ ﺗﻔﺴﻴﺮه وﻻ ﺗﺒﺮﻳﺮه. ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺧﻼل زﻳــــﺎراﺗــــﻪ اﻟـــﻌـــﺪﻳـــﺪة إﻟــــﻰ روﻣـــــﺎ ﺣﻴﺚ ﻛــﺎن ﻳـﻌـﺮف أن ﻣـﻜـﺎن وﺟـــﻮد اﻟﻠﻮﺣﺔ )ﻛﺎﻟﻴﺮي دوﻣﻴﺎ ﻓﺎﻣﺠﻴﻞ( ﻻ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن إﻗﺎﻣﺘﻪ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮات ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﻪ اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻴﻬﺎ. رﺳﻤﻬﺎ ﻧﻘﻼ ﻣﻦ ﻣﻨﺴﻮﺧﺎت وﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة. وﻣﻊ ﻫــﺬا ﻳﺒﻘﻰ ﺳــﺆال ﻣﻬﻢ: ﻫـﻞ ﻫـﻮ رﺳﻢ ﺣﻘﴼ ﻧﺴﺨﴼ ﻣـﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ؟ وﻫــــﻞ اﻟــﺸــﺨــﺺ اﳌـــﺎﺛـــﻞ ﻓـــﻲ ﻟــﻮﺣــﺎﺗــﻪ اﻟـﻌـﺪﻳـﺪة ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳـﻜـﻮن ﺣﻘﴼ اﻟﺒﺎﺑﺎ إﻳــﻨــﻮﺗــﺸــﻨــﺘــﻲ اﻟـــﻌـــﺎﺷـــﺮ؟ ﻟــﻴــﺲ ﻫــﺬا ﻣﺆﻛﺪﴽ، ﺣﺘﻰ وإن ﻛـﺎن ﻗﺪ ﻗﻴﻞ داﺋﻤﴼ إﻧﻪ ﻣﺎ إن اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺮﺳﺎم اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻣﻦ رﺳﻤﻬﺎ وﻋـﺮﺿـﻬـﺎ أﻣــﺎم اﻟـﺒـﺎﺑـﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺮخ ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻨﺪﻫﺸﴼ: ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻛﻢ ﺗﺸﺒﻬﻨﻲ! اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ ﻛﺎن ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﻪ ﻫﻮ اﻵﺧـﺮ أن ﻳﺼﺮخ أﻣــــﺎﻣــــﻬــــﺎ: ﻳـــــﺎ إﻟــــﻬــــﻲ ﻛـــــﻢ ﺗــﺸــﺒــﻬــﻨــﻲ! وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﺑﻴﻜﻮن ﻧﻔﺴﻪ ﺑــﻌــﺪ ﻣــﺌــﺎت اﻟــﺴــﻨــﲔ ﻛــــﺎن ﻣـــﻦ ﺷـﺄﻧـﻪ أن ﻳـــﺮى ﺑـــــﺪوره أن ﻣــﻨــﺴــﻮﺧــﺎﺗــﻪ ﻣﻦ ﻟــﻮﺣــﺔ ﺳـﻠـﻔـﻪ اﻹﺳــﺒــﺎﻧــﻲ ﺗﺸﺒﻬﻪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ أﻛـﺜـﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺸﺒﻪ ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ أو اﻟــﺒــﺎﺑــﺎ. ﺗــﺮى أوﻟـــﻢ ﻳﻜﺘﺐ »ﺳــﻴــﺪ« اﻟﺮواﻳﺔ اﳌﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﺒﺎردة ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ آﻻن روب ﻏﺮﻳﻴﻪ، ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ »أﻧﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻟﻢ أﻛﺘﺐ ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻲ إﻻ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ«. ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ ﻫﻨﺎ ﻗﺪ ﻳﺒﺪو، إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻋﺎدﻳﴼ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﻧـﻈـﺮﻳـﺎت اﻟــﻔــﻦ. ﻟﻜﻨﻪ ﻓــﻲ ﻫــﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺑــﺎﻟــﺬات ﻳـﺘـﺨـﺬ ﺑــﻌــﺪﴽ ﻣﻀﺨﻤﴼ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﻴﻜﻮن ﻧﻔﺴﻪ. وﻳﺠﻌﻞ اﳌــﺮء ﻓﻲ ﺣﻴﺮة أﻣــﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي راح ﺑﻴﻜﻮن ﻳﻜﺮره ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة ﻋﺎﻣﴼ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ﻓﻲ وﻗــﺖ ﻛـﺎﻧـﺖ ذاﺗـﻴـﺘـﻪ اﳌـﻔـﺮﻃـﺔ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻮﻗﻊ ﻏﺮﻗﻪ ﻓﻲ ﻋﺸﺮات اﻟﺒﻮرﺗﺮﻳﻬﺎت اﻟــﺬاﺗــﻴــﺔ ﻳــﺮﺳــﻤــﻬــﺎ وﻳــﻤــﻀــﻲ ﺣـﻴـﺎﺗـﻪ ﻣﺘﺄﻣﻼ إﻳﺎﻫﺎ!
ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣـﻦ أﻣــﺮ، ﻣـﻊ ﻟﻮﺣﺎت ﺑﻴﻜﻮن ﻫﺬه ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﻘﺒﻞ اﻷﻣـﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﻨﺒﺤﺚ داﺋﻤﴼ ﻋﻤﺎ رآه ﻓــﻲ ﻟــﻮﺣــﺔ ﻣــﻦ ﻟــﻮﺣــﺎت ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ اﻟﺒﺮاﻧﻴﺔ: ﺣﻀﻮر اﻟــــﺒــــﺎﺑــــﺎ ﻓـــﻴـــﻬـــﺎ ﺑــــﻘــــﻮﺗــــﻪ وﺟــــﺒــــﺮوﺗــــﻪ وﺳﻠﻄﺘﻪ، ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺑﻴﻜﻮن ﺣﲔ ﻳﺤﺎﻛﻴﻬﺎ ﺳﻮى إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ رﺳﻢ ﺻﺮﺧﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻲ رأس اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﲔ اﻷﻟــﻢ واﻟــﺮﻋــﺐ واﻟﺸﻔﻘﺔ واﻹﺣـﺴـﺎس ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﻳﺔ. وﻛﺄن اﻟﺮﺳﺎم ﺣﻤﻞ اﻟﺼﺮاخ اﻟـــــــﺬي ﻟـــﻄـــﺎﳌـــﺎ ﺟــﻌــﻠــﻪ أﺳـــﺎﺳـــﻴـــﴼ ﻓــﻲ ﻟـﻮﺣـﺎﺗـﻪ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋـﻦ ﺷــﺮط إﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﻤﺰﻳﻘﻲ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﻮﺿﻮع ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت وﺟﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺤﺒﺮ اﻷﻋــﻈــﻢ ﺳــﺎﺋــﻼ إﻳـــﺎه ﻋــﻦ ﻣـﻌـﻨـﻰ ﻫـﺬا اﻟـﺸـﺮط وﻋـﻤـﺎ إذا ﻛــﺎن ﻓـﻲ وﺳـﻌـﻪ أن ﻳﻔﺴﺮ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺮورة.
وﻧﻌﺮف أن ﻫﺬا ﻛﺎن ﻫﻢ ﺑﻴﻜﻮن وﺳﺆاﻟﻪ، وﻣﺼﺪر ﺳﺤﺮه أﻳﻀﴼ.
وﻧـــﻌـــﺮف أﻳـــﻀـــﴼ أن ﻛـــﺘـــﺎب اﻟــﻘــﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ورﺳﺎﻣﻴﻪ ﻟﻢ ﻳﻮﻟﻌﻮا ﺑﺮﺳﺎم وﻟﻌﻬﻢ ﺑﻔﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن. ﻓﻬﻢ وﻣﻨﺬ وﻗــﺖ ﻣـﺒـﻜـﺮ، أدرﻛـــــﻮا، ﻋـﻠـﻰ ﺣــﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣــﻴــﺸــﺎل ﻟــﻴــﺮﻳــﺲ، ﻣـــﺎ ﻓـــﻲ ﻟــﻮﺣــﺎﺗــﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺎﺻﺮ، وﻣـﻦ ﺷﺎﻋﺮﻳﺔ ﺗﻠﻮح ﻣﻦ ﺧـﻼل ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ اﻷﺷـﻜـﺎل اﳌﺸﻮﻫﺔ اﻟﺘﻲ ﺳـﻜـﻨـﺖ ﺗــﻠــﻚ اﻟــﻠــﻮﺣــﺎت ﻣــﻦ ﺑــﺪاﻳــﺎﺗــﻬــﺎ، وﻛــﺬﻟــﻚ أدرﻛـــــﻮا ﻣــﺎ ﻳــﺮﻳــﺪ ذﻟـــﻚ اﻟــﺮﺳــﺎم اﻟــﺬي ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻟﺪﻳﻪ اﳌــﺮح ﺑـﺎﳌـﺄﺳـﺎة، أن ﻳﻘﻮﻟﻪ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﺨﺼﻴﺎت ﺗﻤﻸ ﻓﻀﺎء اﻟﻠﻮﺣﺎت وﺗﺤﻴﻞ اﳌـﻜـﺎن اﻟــﺬي ﺗﺮﺳﻤﻪ اﻟﻠﻮﺣﺔ إﻟﻰ ﻗﻀﺒﺎن ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﺗﺄﺳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺠﻬﺎت.
ﻟـﻠـﻮﻫـﻠـﺔ اﻷوﻟـــــﻰ، ﺗــﺒــﺪو ﻟــﻮﺣــﺎت ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ذﻟــﻚ »اﻟــﻜــﺎﺑــﻮس اﻟـﺴـﻌـﻴـﺪ«، ﻓـﻬـﻲ ﻣﻦ اﻟـﻨـﺎﺣـﻴـﺔ اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ ﻗــﺪ ﺗـﺒـﺪو ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺒﻌﺾ أﻋــﻤــﺎل أوﺳــﻜــﺎر ﻛﻮﻛﻮﺷﻜﺎ، وﻗـــــﺪ ﻳـــــﺮى اﻟـــﺒـــﻌـــﺾ ﻗـــــﺮاﺑـــــﺔ ﻣــــﺎ ﺑـﲔ ﺟﻴﻤﺲ آﻧــﺴــﻮر وﺳــﻮﺗــﲔ ﻣــﻦ ﺟﻬﺔ، وﺑـــﲔ ﺑــﻴــﻜــﻮن ﻣــﻦ ﺟــﻬــﺔ ﺛــﺎﻧــﻴــﺔ، ﻏﻴﺮ أن ﻫـﺬا ﻟﻴﺲ إﻻ ﻟﻠﻮﻫﻠﺔ اﻷوﻟــﻰ، ﻷن ﺗــﺄﻣــﻼ دﻗــﻴــﻘــﴼ ﻓــﻲ ﻋــﻮاﻟــﻢ ﻓـﺮاﻧـﺴـﻴـﺲ ﺑﻴﻜﻮن وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺘﺄﻧﻴﺔ ﳌﺴﺎره اﻟﻔﻨﻲ ﺳﻴﺠﻌﻼﻧﻨﺎ ﻧﺮى ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﴼ ﻣﺨﺘﻠﻔﴼ ﺗﻤﺎﻣﴼ، ﻫـﺬا إذا وﺿﻌﻨﺎ ﺟﺎﻧﺒﴼ ﻗﻮﺗﻪ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ أي ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻪ ﺗﺒﺪو أﺷﺒﻪ ﺑﻤﺘﺎﻫﺔ ﺧﻄﻮط وأﻟﻮان ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻈﺮة ﻗﺒﻞ إدراك ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ.
ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن اﻟﺬي رﺣﻞ ﻋﻦ ﻋـﺎﳌـﻨـﺎ ﻋــﺎم ٢٩٩١ ﺑﻔﻌﻞ أزﻣـــﺔ ﻗﻠﺒﻴﺔ ﻧﺘﺠﺖ ﻣـﻦ ﻧﻮﺑﺔ رﺑــﻮ أﳌــﺖ ﺑـﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺎﺟﺊ، ﻛـﺎن ﺣﲔ وﻓﺎﺗﻪ ﻻ ﻳــﺰال ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﻋﻄﺎﺋﻪ، ﻋﻠﻰ اﻟـﺮﻏـﻢ ﻣـﻦ أﻧـﻪ ﻛﺎن ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﲔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه، ﻓﻬﻮ وﻟﺪ ﻋﺎم ٩٠٩١ ﻓﻲ دﺑﻠﻦ ﺑﺂﻳﺮﻟﻨﺪا، ﻣﻦ واﻟﺪﻳﻦ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﲔ. وﻛﺎن اﻟﺼﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﺣﲔ اﻧﺘﻘﻠﺖ اﻷﺳــﺮة ﻟﺘﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻟﻨﺪن، ﻏﻴﺮ أن ذﻟﻚ ﻟــﻢ ﻳـﻤـﻨـﻊ ﻓــﺮاﻧــﺴــﻴــﺲ وﺑــﻘــﻴــﺔ أﻗــﺮﺑــﺎء اﻷﺳــــﺮة ﻣــﻦ اﻟـﺘـﻨـﻘـﻞ ﻣـﻨـﺬ ذﻟـــﻚ اﻟﺤﲔ ﺑﲔ ﻟﻨﺪن ودﺑﻠﻦ، ﻣﺎ ﺟﻌﻞ وﻋﻲ اﻟﻔﺘﻰ ﻳـﺘـﻔـﺘـﺢ ﻋـﻠـﻰ ﻋــﺎﳌــﲔ ﺛـﻘـﺎﻓـﻴـﲔ ﺳـﻮف ﻳﺘﻜﺎﻣﻼن ﻟﺪﻳﻪ ﻻﺣﻘﴼ. ﻓﻲ ﻋﺎم ٥٢٩١ وﻛﺎن ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة، ﺣﺼﻞ ﺧﻼف ﻋﻨﻴﻒ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﲔ واﻟﺪه دﻓﻌﻪ إﻟـﻰ ﺗـﺮك اﻷﺳــﺮة ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻣـﺘـﺨـﺬﴽ ﻗـــﺮاره ﺑــﺄن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺑــﺄن ﻳـﻜـﻮن ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻓﻨﻴﴼ، وﻛـﺎن ﻗﺪ اﻛﺘﺸﻒ اﻷدب واﻟﺮﺳﻢ ﻗﺒﻞ ﺣﲔ واﻃﻠﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﺎﻣﲔ اﻷﳌﺎن واﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﲔ. وﻟﻘﺪ ﺗﻠﺖ ذﻟﻚ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات )٦٢٩١ - ٨٢٩١( ﺗﻨﻘﻞ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑــﲔ ﺑﺮﻟﲔ وﺑـﺎرﻳـﺲ، ﺣﻴﺚ اﻛﺘﺸﻒ، إﻟـﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟــﺮﺳــﻢ، ﻓـﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﺪى ﺑـــﻮﻧـــﻴـــﺎل واﻳــﺰﻧــﺸــﺘــﺎﻳــﻦ ﺛـــﻢ اﻛـﺘـﺸـﻒ اﻟﺴﻮرﻳﺎﻟﻴﲔ وأﻋﻤﺎل اﳌﺼﻮر ﺳﺎﻧﺪر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ، وﻟﻜﻦ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻮﺣﺔ »ﻣﺠﺰرة اﻷﺑـﺮﻳـﺎء« ﻟﺒﻮﺳﺎن اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﺒﺮح ﺧﻴﺎﻟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺑﺪﴽ، وﺳﺘﻜﻮن واﺣــﺪﴽ ﻣـﻦ اﻷﺳــﺲ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓـــﻦ اﻟـــﺮﺳـــﻢ ﻟــﺪﻳــﻪ إﻟــــﻰ ﺟــﺎﻧــﺐ ﻟــﻮﺣــﺔ ﺑﻴﻼﺳﻜﻮﻳﺚ.
ﻓــﻲ ﺗــﻠــﻚ اﻵوﻧــــﺔ ﻛـــﺎن ﺑــﻴــﻜــﻮن ﻗﺪ ﺑــــﺪأ ﻳـــﺮﺳـــﻢ، وﻛـــﺎﻧـــﺖ ﻟــﻮﺣــﺎﺗــﻪ ﺑـــﺪأت ﺗﻠﻘﻰ ﺗﺮﺣﻴﺒﴼ ﻣﻦ ﻟـﺪن اﻟﺴﻮرﻳﺎﻟﻴﲔ اﻟـــﻔـــﺮﻧـــﺴـــﻴـــﲔ. وراح ﻳــــﺮﺳــــﻢ ﺑــﻜــﺜــﺮة وﻳــــــﺸــــــﺎرك ﻓـــــﻲ ﻣـــــﻌـــــﺎرض ﺟــﻤــﺎﻋــﻴــﺔ وﻳــــﺮﺗــــﺒــــﻂ ﺑــــﺼــــﺪاﻗــــﺎت ﻣـــــﻊ ﺷـــﻌـــﺮاء رﺳﻤﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻓﻴﻠﻴﺐ ﺳﻮﺑﻮ وﻣﻴﺸﺎل ﻟـﻴـﺮﻳـﺲ، ﻛﻤﺎ ﻣــﻊ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻣــﻦ أﻣﺜﺎل ﺟﻮرج ﺑﺎﺗﺎي اﻟﺬﻳﻦ اﻛﺘﺸﻔﻮا اﻷﺑﻌﺎد اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﻴـﺔ ﻟــﻠــﻮﺣــﺎﺗــﻪ. ﻟــﻜــﻦ ﺑــﻴــﻜــﻮن، ورﻏﻢ إﻋﺠﺎب اﳌﺜﻘﻔﲔ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ، ﻛﺎن ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ أزﻣﺎت ﺧﻠﻖ ﻣﺮﻋﺒﺔ. وﻟﻘﺪ ﻗﺎدﺗﻪ واﺣــﺪة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣــﺎت ﻷن ﻳـﺪﻣـﺮ ﻛـﻞ ﻟـﻮﺣـﺎﺗـﻪ، ﻣـﺎ ﻋــﺪا ﻋﺸﺮ ﻟــﻮﺣــﺎت آﺛــﺮ اﺳـﺘـﺒـﻘـﺎءﻫـﺎ. وﻛــﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم ١٤٩١. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، ﺑﻘﻲ ﺑﻴﻜﻮن ﻣــﻨــﻜــﺒــﴼ ﻃــــــــﻮال ﻋــــﺸــــﺮة أﻋـــــــــﻮام ﻋــﻠــﻰ ﻣـﺤـﺎوﻟـﺔ اﻟـﻌـﺜـﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺘﺎح ﺟﺪﻳﺪ ﻹﺑـــﺪاﻋـــﻪ، وﻫــﻜــﺬا ﺗــﻮﺻــﻞ ﻓــﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﻨﻮات اﻷرﺑﻌﲔ إﻟﻰ اﻛﺘﺸﺎف »ﻗﺎرة ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة« -وﻓﻖ ﺗﻌﺒﻴﺮه- ﻫﻲ وﺟــــﻪ اﻹﻧـــﺴـــﺎن وﺟـــﺴـــﺪه. وﻣــــﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ أوﺻـــﻠـــﺖ ﺷــﻬــﺮة ﻓــﺮاﻧــﺴــﻴــﺲ ﺑـﻴـﻜـﻮن إﻟــﻰ اﻟـــﺬروة ﻃــﻮال اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎت، واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ اﻷﺳـﺎﺳـﻲ، وﺟــﻮه اﻷﺷـﺨـﺎص. وﻛﺎن ﻳﺮى أن أﻓﻀﻞ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻪ أن ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ وﺟﻮه اﻟﺸﻌﺮاء واﻟــــﻔــــﻼﺳــــﻔــــﺔ، وﻫـــــﻜـــــﺬا راح ﻳـــﺮﺳـــﻢ أﺻﺪﻗﺎءه ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎت، ﻛﺎن ﻳﻘﻮل: إن ﻣﺜﻠﻪ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﻛﺎن اﻟﺼﺮﺧﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗﻄﻠﻘﻬﺎ اﳌـــﺪرﺳـــﺔ ﻓﻲ أﺣـــﺪ أﻗــﺴــﻰ ﻣـﺸـﺎﻫــﺪ ﻓـﻴـﻠـﻢ »اﻟـــﺪارﻋـــﺔ ﺑﻮﺗﻤﻜﲔ« ﻟﺴﻴﺮﻏﻲ اﻳﺰﻧﺸﺘﺎﻳﻦ، أي اﻟــﺼــﺮﺧــﺔ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ اﻟــﺘــﻲ ﻧــﺠــﺪﻫــﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎت »اﻟﺒﺎﺑﺎ إﻳﻨﻮﺗﺸﻨﺘﻲ«.
ﻓـﻲ ﻋــﺎم ٧٥٩١ أﻗـﻴـﻢ أول ﻣﻌﺮض اﺳﺘﻌﺎدي ﻟﻠﻮﺣﺎت ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ﻓـــﻲ ﺑـــﺎرﻳـــﺲ، وﻛــــﺎن رد اﻟــﻔــﻌــﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺤﺒﺬﴽ، ﺑﺨﺎﺻﺔ أﻧﻪ ﻛﺎن -ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻘﺎد- ﻣﺪﺧﻼ ﻟﻌﻮدة اﻟﻔﻦ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎب، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻴﻜﻮن اﻋﺘﺒﺮ ﻧﻔﺴﻪ، داﺋﻤﴼ، أوروﺑﻴﴼ ﻗـــﺎرﻳـــﴼ، أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻨــﻪ ﺑــﺮﻳــﻄــﺎﻧــﻴــﴼ. وﺑـﻌـﺪ ﺑــﺎرﻳــﺲ، ﻛــﺎن دور اﻟــﻮﻻﻳــﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻟﺘﻜﺘﺸﻒ أﻋﻤﺎل ﺑﻴﻜﻮن ﻓﻲ ٣٦٩١.
أﻣﺎ ﺑﺎرﻳﺲ ﻓﻠﻘﺪ ﻋﺎدت وﺧﺼﺘﻪ ﺑﻤﻌﺮض ﺷﺎﻣﻞ ﻷﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ »اﻟﻐﺮان ﺑـــﺎﻟـــﻴـــﻪ« )اﻟـــﻘـــﺼـــﺮ اﻟـــﻜـــﺒـــﻴـــﺮ( أدﺧـــﻠـــﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﺎﻟﻢ ﻛﺒﺎر »ﻛﻼﺳﻴﻜﻴﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ« وﻣـﻨـﺬ ذﻟــﻚ اﻟـﺤـﲔ وﺣﺘﻰ وﻓــــﺎﺗــــﻪ ﻓــــﻲ ٢٩٩١، ﻇــــﻞ ﻓــﺮاﻧــﺴــﻴــﺲ ﺑﻴﻜﻮن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻻﺑــﻦ اﳌـﺪﻟـﻞ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻟــﺘــﺸــﻜــﻴــﻠــﻴــﺔ ﻓــــﻲ اﻟـــﻌـــﺎﻟـــﻢ، وﺻـــــﺎرت ﻟــﻮﺣــﺎﺗــﻪ ﻣــﻦ أﺷــﻬــﺮ ﻣــﺎ رﺳــﻤــﻪ ﻓـﻨـﺎن ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، إذا اﺳـﺘـﺜـﻨـﻴـﻨــﺎ زﻣــﻴــﻠــﻪ دﻳــﻔــﻴــﺪ ﻫــﻮﻛــﻨــﻲ، اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻵﺧــﺮ اﻟــﺬي ﻟـﻢ ﻳﻘﻞ ﻋﻨﻪ ﺷﻬﺮة وأﻫﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺛﻢ ﻻﺣﻘﴼ ﻟﻮﺳﻴﺎن ﻓﺮوﻳﺪ ﺻﺪﻳﻘﻪ وﺣﻔﻴﺪ ﻣﺒﺪع اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ.