اﻟﺤﺮب وأزﻣﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ
ﺛﻼث رواﻳﺎت ﺗﺸﻴﻜﻴﺔ ﺗﺮﺟﻤﻬﺎ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺒﻠﺘﺎﺟﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﺛـــﻼﺛـــﺔ أﻋـــﻤـــﺎل رواﺋــــﻴــــﺔ ﻣــﺘــﻤــﻴــﺰة ﻣـﻦ اﻷدب اﻟــﺘــﺸــﻴــﻜــﻲ ﺻـــــﺪرت ﺣــﺪﻳــﺜــﴼ دﻓــﻌــﺔ واﺣـــﺪة، وﺗﺮﺟﻤﻬﺎ إﻟــﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺒﻠﺘﺎﺟﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ واﺣﺪﴽ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﺘﺮﺟﻤﻲ اﻷدب اﻟﺘﺸﻴﻜﻲ ﻋـﻠـﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﳌﺼﺮﻳﺔ ﻧﺸﺎﻃﴼ.
اﻟــــﺮواﻳــــﺔ اﻷوﻟــــــﻰ ﻟـــﻸدﻳـــﺐ اﻟـﺘـﺸـﻴـﻜـﻲ اﳌﻌﺮوف إﻣﻴﻞ ﻫﺎﻛﻞ وﻫﻲ »ﺣﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ« ﻋـﻦ دار »اﻟﻜﺘﺐ ﺧــﺎن« ﺑـﺎﻟـﻘـﺎﻫـﺮة. وﻛﺎﻧﺖ ﻗــﺪ ﺻـــﺪرت ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ اﻷﺻـﻠـﻴـﺔ ﻋــﺎم ٣١٠٢، واﻋــــﺘــــﺒــــﺮت واﺣــــــــﺪة ﻣــــﻦ أﻓـــﻀـــﻞ اﻷﻋـــﻤـــﺎل اﻟـﺮواﺋـﻴـﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﺤﻴﺎة اﳌﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ ﺑﻠﺪه.
ﻳـــﺴـــﻌـــﻰ أﺑــــــﻄــــــﺎل اﻟـــــــــﺮواﻳـــــــــﺔ، ﺣــﺴــﺐ اﻟـــﺒـــﻠـــﺘـــﺎﺟـــﻲ اﻟـــــــﺬي ﻳــﻌــﻤــﻞ أﺳـــــﺘـــــﺎذﴽ ﻟـﻠـﻐـﺔ اﻟــﺘــﺸــﻴــﻜــﻴــﺔ ﺑــﺠــﺎﻣــﻌــﺔ ﻋــــﲔ ﺷـــﻤـــﺲ، إﻟـــﻰ »اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺻﻴﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﻣﺼﺎﺋﺮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ. ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺑـﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺣـــﻘـــﻴـــﻘـــﻴـــﺔ ﺟـــــــــﺎدة ﻳـــﺼـــﺒـــﻐـــﻮن ذﻗــــﻮﻧــــﻬــــﻢ، وﻳﺮﻓﻀﻮن ﺗﺤﻤﻞ أي ﻣﺴﺆوﻟﻴﺎت«. ﻳﻔﻜﻚ ﻫﺎﻛﻞ، اﳌﻮﻟﻮد ﻓﻲ ﻣﺎرس )آذار( ٨٥٩١ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺘﺸﻴﻜﻴﺔ ﺑــﺮاغ، ﺣﺎﻟﺔ اﳌﺠﺘﻤﻊ اﻟــﺘــﺸــﻴــﻜــﻲ ﻓــــﻲ اﻟــــﻮﻗــــﺖ اﻟـــــﺮاﻫـــــﻦ. وﻳـــﻘـــﻮم ﺑﺘﺸﺮﻳﺢ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﺟﺎل، ﻣﺤﺎوﻻ ﻛﺸﻒ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﻣﻦ ﺧﻠﻒ »ﺻﻮر اﻟﻨﺠﺎح واﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟــﺠــﻮﻓــﺎء«، ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﴼ ﻟﻐﺘﻬﻢ اﻟﺴﻮﻗﻴﺔ، اﻟـﺘـﻲ ﺗﻜﺸﻒ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ اﻟـﻌـﺎدي، وﺗﻀﻴﻴﻌﻬﻢ ﺣﻴﻮاﺗﻬﻢ ﻫﺒﺎء ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺔ أﻟﻌﺎب ﺣﺎﺳﻮﺑﻴﺔ ﻏﺒﻴﺔ.
ﺗــــــــــﺪور رواﻳــــــــــــﺔ »ﺣــــــــــﺪث ﺑــــﺎﻟــــﻔــــﻌــــﻞ«، اﻟـــﺘـــﻲ ﺣــﺼــﻠــﺖ ﻋـــــﺎم ٤١٠٢ ﻋـــﻠـــﻰ ﺟـــﺎﺋـــﺰة »ﻣﺎﻧﺠﻨﻴﺰﻳﺎ ﻟﻴﺘﻴﺮا«، وﻫــﻲ أﻛـﺒـﺮ ﺟﺎﺋﺰة أدﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺘﺸﻴﻚ، ﺣـﻮل ﺛﻼث ﺷﺨﺼﻴﺎت، اﻷول أدﻳــﺐ ﻳﺘﻘﺪم ﺑـﻪ اﻟﻌﻤﺮ وﻳﺮﻓﺾ أن ﻳﻤﺎرس أي ﻋﻤﻞ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ. واﻟﺮﺟﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺼﺒﻎ ذﻗــﻨــﻪ ﻛـــﻞ ﻳـــﻮم ﺑــﻠــﻮن ﻣــﺨــﺘــﻠــﻒ، ﻟــﻴــﺲ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻴﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ، ﺑﻞ ﳌﺠﺮد أن ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻠﻨﺎس أن »أﻓﻜﺎره ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺷـﺎﺑـﺔ«. أﻣـﺎ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﺸﺎب ﻏﺎﺿﺐ داﺋﻤﴼ، ﻳﺸﻐﻠﻪ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﳌـﻮت ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻌﺎﻃﻴﻪ اﳌــﺨــﺪرات. وﻳﻨﺘﻤﻲ اﻟـﺜـﻼﺛـﺔ إﻟــﻰ ﺟﻴﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﺸﻤﻮﻟﻲ اﻟﺬي اﻧﺘﻬﻰ وﻫـﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﳌﺮاﻫﻘﺔ. إﻧﻬﻢ ﻳﺮﻓﻀﻮن أي اﻟﺘﺰام ﺗﺠﺎه اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻵﺧﺮﻳﻦ، ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﻤﻞ أو اﻟـﺰوﺟـﺔ أو اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ أو اﻷﺑﻮﻳﻦ أو ﺗـــﺠـــﺎه أﻧــﻔــﺴــﻬــﻢ. اﻟــﻘــﻀــﻴــﺔ اﳌــﺤــﻮرﻳــﺔ ﻓــﻲ اﻟــﺮواﻳــﺔ ﻫــﻲ أزﻣـــﺔ اﻟـﺤـﺮﻳـﺔ وﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻧــﺴــﺎن اﻟــﻌــﺎدي، وﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻪ.
وﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺮاوي ﻓﻲ »ﺣﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ« ﺗــﻘــﻨــﻴــﺎت ﺳـــﺮدﻳـــﺔ ﻣــﺨــﺘــﻠــﻔــﺔ ﻣــﻨــﻬــﺎ اﻟــﻜــﻼم اﳌﺒﺎﺷﺮ واﳌﺨﺎﻃﺒﺎت اﻟﺒﺮﻳﺪﻳﺔ، واﻟـﺤـﻮار وﻛـــﺬﻟـــﻚ اﳌـــﻮﻧـــﻮﻟـــﻮج اﻟـــﺪاﺧـــﻠـــﻲ، ﺿــﻔــﺮﻫــﺎ ﺟﻤﻴﻌﴼ ﺑﺤﻜﺎﻳﺎت وﻣﻘﺘﻄﻔﺎت ﻣﻦ ﻋﺪة ﻛﺘﺐ،
وﺗﺼﺮﻳﺤﺎت وآراء ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﻳـﺮاﻫـﺎ اﻷدﻳـــﺐ ﻗﺮﻳﺒﺔ اﻟﺼﻠﺔ ﺑــﺎﻟــﻮﺿــﻊ ﻓـــﻲ اﻟــﺘــﺸــﻴــﻚ. وﻗــــﺪ ﺣـــــﺎول ﻣـﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ أن ﻳﺴﺘﺤﺚ اﻟﻘﺎرئ ﻋﻠﻰ أﻻ ﻳﺠﻠﺲ وﻳـــﺴـــﺐ وﻳــﻠــﻌــﻦ اﻷوﺿــــــــﺎع، ﺑـــﻞ ﻳﻨﺘﻔﺾ وﻳﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﴼ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻐﻴﻴﺮ اﻷوﺿﺎع.
أﻣـﺎ اﻟـﺮواﻳـﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ »اﻟـﺴـﻮط اﻟﺤﻲ« اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ دار »ﺻﻔﺼﺎﻓﺔ«، ﻓﻬﻲ ﳌﻴﻠﻮ أورﺑﺎن )٤٠٩١ - ٢٨٩١(، وﻫﻲ أﻛﺜﺮ رواﻳﺎﺗﻪ ﺷﻬﺮة، ﻓﻬﻲ ﺷﻬﺎدة ﻋﻦ اﻟﺤﺮب وأﻫﻮاﻟﻬﺎ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ »ﻻ ﺗﺼﻔﻬﺎ ﺑﺼﻮرة ﻣﺒﺎﺷﺮة«.
ﻳــﻘــﻮل ﻋـﻨـﻬـﺎ اﳌــﺘــﺮﺟــﻢ اﻟــﺒــﻠــﺘــﺎﺟــﻲ إن »ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻋـﻦ اﻟــﺤــﺮوب، وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟــﺤــﺮﺑــﲔ اﻟــﻌــﺎﳌــﻴــﺘــﲔ. ﻣـﻨـﻬـﻢ ﻋــﻠــﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌـــﺜـــﺎل إرﻳـــــﻚ ﻣـــﺎرﻳـــﺎ رﻳـــﻤـــﺎرك ﻓـــﻲ رواﻳــﺘــﻪ )ﻛــﻞ ﺷــﻲء ﻫــﺎدئ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ(، أو ﻫﻴﻤﻨﻐﻮاي ﻓــﻲ واﺣـــﺪ ﻣــﻦ أﻫــﻢ أﻋـﻤـﺎل )وداﻋـــــﴼ أﻳــﻬــﺎ اﻟـــﺴـــﻼح(، وﻫــﻤــﺎ ﺗـﻌـﺎﻟـﺠـﺎن ﻣــــﻮﺿــــﻮع اﻟــــﺤــــﺮب ﻣــــﻦ زواﻳــــــــﺎ ﻣــﺨــﺘــﻠــﻔــﺔ، وﻛﺬﻟﻚ ﻳﻔﻌﻞ أورﺑــﺎن ﻓﻲ )اﻟﺴﻮط اﻟﺤﻲ(. ﻓﺮﻏﻢ أن اﻟﺮواﻳﺔ ﻏﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب وأﻫﻮاﻟﻬﺎ وآﺛﺎرﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺪ رواﻳﺔ ﺣﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي. وﻫﺬا ﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺰﻫﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺤﺮب اﻟﺬي ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻪ اﻷدب«.
ﺗﺒﺪأ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﻌﻮدة اﻟﺠﻨﺪي أوﻧﺪري ﻛﻮرﻳﻦ إﻟﻰ ﺑﻠﺪﺗﻪ ﻗﺎدﻣﴼ ﻣﻦ ﺟﺒﻬﺔ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﺎﻗﺪﴽ إﺣﺪى ذراﻋﻴﻪ، أﺧﺮس ﻏﻴﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم، وﻫﻨﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ اﻟﺤﺮب أﻣﺎم أﻋﻴﻨﻨﺎ ﺑﻜﻞ أﻫﻮاﻟﻬﺎ: ﻣﺼﺎﺋﺮ ﺗﻌﺴﺔ ﻷﻧﺎس رﻓﻀﻮا اﻟﺤﺮب، ورﻓﻀﻮا أن ﺗﺮاق دﻣﺎؤﻫﻢ »ﻣﻦ أﺟﻞ أﻣﻮر ﻻ دﺧﻞ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ وﻻ ﺗﺨﺼﻬﻢ أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ«.
وﺗـﺘـﻜـﻮن اﻟــﺮواﻳــﺔ ﻣــﻦ ﺟــﺰأﻳــﻦ؛ اﻷول ﺑﻌﻨﻮان »اﻷﻳﺎدي اﳌﻔﻘﻮدة«، واﻟﺜﺎﻧﻲ »آدم ﻫــﻼﻓــﺎي«، ﻋﻠﻰ اﺳــﻢ أﺣــﺪ أﺑـﻄـﺎل اﻟـﺮواﻳـﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﲔ. ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻷول ﻧﺠﺪ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﺨﺎﻧﻊ ﻟﺴﻠﻄﺔ اﻷﻗــﻮﻳــﺎء. أﻣــﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻨﺸﻬﺪ ﺛﻮرة ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻔﻀﻞ ﺑﻄﻞ اﻟـﺮواﻳـﺔ آدم ﻫﻼﻓﺎي اﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻬﺔ ﻫﺮﺑﴼ ﻣﻦ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﻘﺘﺎل. وﻗﺪ ﻇﻞ اﻟﺮواﺋﻲ ﻣﻴﻠﻮ أورﺑـﺎن، رﻏـــــﻢ ﺻـــﻌـــﻮﺑـــﺔ ﻣــــﻮﺿــــﻮع اﻟــــﺤــــﺮب وﻓــﻴــﴼ ﻷﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮي ﻓﻲ اﻟﺴﺮد. إﻧﻪ ﻳﺼﻒ أﻫﻮال اﻟﺤﺮب ﺑﻠﻐﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻨﻢ ﻋﻦ رﻓﺾ وﻏﻀﺐ وﻛﺮاﻫﻴﺔ، ﻣﻘﺪﻣﴼ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻜﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﻋﻤﻞ إﺑﺪاﻋﻲ ﻣﺘﻤﻴﺰ.
وﺗــــﺄﺗــــﻲ اﻟـــــﺮواﻳـــــﺔ اﻟــﺜــﺎﻟــﺜــﺔ ﺑــﻌــﻨــﻮان »ﻋــــﺎم اﻟــﻠــﺆﻟــﺆ« ﺗــﺄﻟــﻴــﻒ اﻟــﻜــﺎﺗــﺒــﺔ ﺳــﻮزاﻧــﺎ ﺑـﺮاﺑـﺘـﺴـﻮﻓـﺎ )٩٥٩١ – ٥١٠٢(. وﻫـــﻲ ﻣﻦ ﻣــﻮاﻟــﻴــﺪ ﺑــــﺮاغ أﻳــﻀــﴼ، ﻓــﻲ أﺳــــﺮة ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑــﺎﻷدب، ﻓــﺎﻷب ﻧﺎﻗﺪ أدﺑــﻲ ﻣﻌﺮوف واﻷم ﻣﺘﺮﺟﻤﺔ وﻣﺤﺮرة. ﻣﻨﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ إﺑـﺎن اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ، ﻓﻌﻤﻠﺖ أﻣﻴﻨﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ، ﻓﻼﺣﻘﻬﺎ اﻟــﻨــﻈــﺎم وﻟـــﻢ ﺗـﺴـﺘـﻄـﻊ ﻣــﻮاﺻــﻠــﺔ ﻋـﻤـﻠـﻬـﺎ، ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮت إﻟﻰ أن ﺗﻘﺒﻞ وﻇﻴﻔﺔ ﻋﺎﻣﻠﺔ ﻧﻈﺎﻓﺔ ﻓﻲ أﺣﺪ اﳌﺴﺘﺸﻔﻴﺎت. وﻗﺪ ﻧﺸﺮت ﺑــﺮاﺑــﺘــﺴــﻮﻓــﺎ أﻋــﻤــﺎﻟــﻬــﺎ، ﻗــﺒــﻞ اﻟـــﺜـــﻮرة ﻋــﺎم ٩٨٩١ اﻟﺘﻲ أﻧﻬﺖ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺸﻴﻮﻋﻲ، ﻓﻲ دور ﻧﺸﺮ ﺳﺮﻳﺔ. ﺛﻢ ﺻﺪرت أوﻟﻰ رواﻳﺎﺗﻬﺎ »ﺑﻌﻴﺪﴽ ﻋﻦ اﻟﺸﺠﺮة – ٧٨٩١« وﻛﺎﻧﺖ أول ﻣــﻦ ﺣـﺼـﻞ ﻋـﻠـﻰ ﺟــﺎﺋــﺰة »ﻳــﺮﺷــﻲ أورﺗـــﻞ« اﻷدﺑــﻴــﺔ ﺑـﻬـﺎ. واﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﻌﺪ اﻟــﺜــﻮرة ﻓﻲ وزارة اﻟــﺨــﺎرﺟــﻴــﺔ، ﺛــﻢ ﻋـﻤـﻠـﺖ ﻓــﻲ ﻣـﺠـﺎل اﻟــﻨــﺸــﺮ. ﺣـﺼـﻠـﺖ رواﻳــﺘــﻬــﺎ اﻟـﺘـﺎﻟـﻴـﺔ »ﺑـﻠـﺪ اﻟـﻠـﺼـﻮص – ٥٩٩١« ﻋـﻠـﻰ اﻫـﺘـﻤـﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎد اﻷدﺑـﻴـﲔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻠﻖ ﻗﺒﻮﻻ ﻟﺪى اﻟﻘﺮاء. وﻗﺪ ﺻﺪرت ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ »ﻋﺎم اﻟﻠﺆﻟﺆ – ٠٠٠٢«، وﺗﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﻣﺒﻴﻌﴼ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺘﺸﻴﻜﻴﺔ ﻓﻲ وﻗﺘﻬﺎ. ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺑﺮاﺑﺘﺴﻮﻓﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﻰ أن ﻧﺸﺮت ﻋﺎم ٢١٠٢ رواﻳﺘﻬﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ »اﻷﺳﻘﻒ« واﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »دﻳﺘﻮﻛﺲ«.
ﺗﻌﺪ رواﻳﺔ »ﻋﺎم اﻟﻠﺆﻟﺆ«، اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮت ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ دار »اﻟﻜﺘﺐ ﺧـــﺎن«، واﺣـــﺪة ﻣﻦ أﺑﺮز اﻷﻋﻤﺎل اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺘﺸﻴﻜﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻟﻔﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ. إﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﺑﺎﺋﺴﺔ ﻗﺎدﺗﻬﻢ أﻗـﺪارﻫـﻢ إﻟﻰ ﻣﺼﺤﺔ ﻟـﻸﻣـﺮاض اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، وﻣــﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻄﻠﺔ اﻟﺮواﻳﺔ »ﻟﻮﺗﺴﻴﺎ« اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻷوﻟـﻰ، وﻫﻲ ﺗﺘﻌﺎﻓﻰ ﻣﻦ ﻋــﻼﻗــﺔ ﻣﺜﻠﻴﺔ اﺳـﺘـﻤـﺮت ﳌــﺪة ﻋــﺎم ﺳـﺮﻋـﺎن ﻣــﺎ ﺗـﺤـﻮﻟـﺖ إﻟـــﻰ ﺣــﺎﻟــﺔ ﻣـﺮﺿـﻴـﺔ ﺗــﺠــﺎوزت ﺣﺪ اﳌﻌﻘﻮل. وﺑﻠﻐﺖ ﺣﺪﴽ اﺳﺘﻌﺼﻰ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺗﺴﻴﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻬﻤﻪ.
وﻣﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ، ﺗﻄﺮح اﻟﺮواﻳﺔ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ. وﻟﻢ ﺗﻌﺒﺮ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻋﻦ ﻫﺬه اﳌﻮﺿﻮع ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺮؤﻳﺔ اﳌﺸﺘﺘﺔ واﳌﺸﺎﻫﺪ اﻟﻀﺒﺎﺑﻴﺔ اﳌﺘﺪاﺧﻠﺔ، وﻫـﻮ أﻣﺮ ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺘﺸﻴﻜﻲ اﳌﻌﺎﺻﺮ، ﻟﻜﻦ أﻳــﻀــﴼ ﻣــﻦ ﺧـــﻼل اﻟــﻨــﻈــﺮة اﻟــﺨــﺎرﺟــﻴــﺔ إﻟــﻰ ﻣــﺎ ﺗـﺸـﻌـﺮ ﺑــﻪ ﻟـﻮﺗـﺴـﻴـﺎ، وﺑــﺎﳌــﺸــﺎﻫــﺪ اﻟﺘﻲ ﺗـﺘـﻌـﺮض ﻟـﻬـﺎ اﺑـﻨـﺘـﻬـﺎ. ﺗﻈﻬﺮ ﻓــﻲ اﻟــﺮواﻳــﺔ ﺑﻌﺾ اﳌﻘﺎﻃﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻮﺗﺴﻴﺎ ﻛﺮاوﻳﺔ ﺑﻀﻤﻴﺮ اﳌﺘﺤﺪث، وﻳﻜﻮن اﻟﺤﻜﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻀﻤﻴﺮ اﻟﻐﺎﺋﺐ، ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎوب اﻟﺴﺮد أﻛﺜﺮ ﻣﻦ راو ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺟﺰاء. وﺑﺬﻟﻚ، إﻟﻰ أن ﺗﺘﻨﺎول اﻟﺤﺪث ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ أﺻﻮات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺤﻜﻢ ﻟﻠﻘﺎرئ.