ﺗﺮﻛﻴﺎ... أزﻣﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أم ﻣﺆاﻣﺮة؟!
ﺑﻌﺪ ﺳﺘﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻣﻦ إﻋﺎدة اﻧﺘﺨﺎب رﺟـــﺐ ﻃـﻴـﺐ إردوﻏـــــﺎن رﺋـﻴـﺴـﴼ ﻟــﺒــﻼده، ﺗﺸﻬﺪ اﻟﻠﻴﺮة اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ اﻧﺤﺪارﴽ رﻫﻴﺒﴼ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻣﺜﻴﻠﻪ اﻻﻗـﺘـﺼـﺎد اﻟـﺘـﺮﻛـﻲ، ﺑﻌﺪ اﻧﺨﻔﺎﺿﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٠٤ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺎم، ﻗﺒﻞ أن ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻘﺸﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺼﻤﺖ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ، ﻣﻊ اﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻫﻨﺎ ﺑﺄن اﻟﺮﺳﻮم اﻟــﺠــﻤــﺮﻛــﻴــﺔ ﻋــﻠــﻰ اﻷﳌـــﻨـــﻴـــﻮم واﻟــﺤــﺪﻳــﺪ اﻟﺼﻠﺐ اﻟﺘﺮﻛﻲ، ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﺮﻛﻲ ﺑﻞ ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ.
ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺧﺮ اﻟﺴﺎﺳﺔ اﻷﺗﺮاك ﻓﻲ اﻟﺮد، وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ إردوﻏﺎن ورﺋﻴﺲ وزراﺋﻪ ووزﻳــﺮ ﺧﺎرﺟﻴﺘﻪ، ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ أﺻﺎﺑﻊ اﻻﺗــﻬــﺎم إﻟــﻰ وﺟــﻮد ﻣــﺆاﻣــﺮة، وأن ذﻟﻚ أﻓــﻀــﻰ إﻟــﻰ ﻫــﺬه اﻟـﺤـﺎﻟـﺔ اﳌــﺰرﻳــﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﻬﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﺮﻛﻲ، اﻟﺬي أﺳﺎﺳﴼ ﻳﻜﺎﺑﺪ دﻳـﻮﻧـﴼ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، وﺗﻀﺨﻤﴼ ﻣﺮﺗﻔﻌﴼ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎد ﺑﻨﺤﻮ ٥١ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ )»ﺳﺘﺎﻧﺪرد أﻧﺪ ﺑﻮرز« ﺗﻮﻗﻌﺖ أن اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺳﻴﺼﻞ إﻟــﻰ ذروﺗـــﻪ ﻋﻨﺪ ٢٢ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻷﺷﻬﺮ اﻷرﺑﻌﺔ اﳌﻘﺒﻠﺔ(.
وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻓـﺈن ﻣﺒﺮر اﳌـﺆاﻣـﺮة ﻛﺎن اﻷﺳـﻬـﻞ ﺗـﻨـﺎوﻻ ﻟــﺪى ﺳﻴﺎﺳﻴﻲ أﻧﻘﺮة، ﺑــــﺪﻻ ﻣــﻦ اﻻﻋـــﺘـــﺮاف ﺑــﻤــﺎ ﻳــﺤــﺪث، ﻛــﺎن ﻣــﻦ اﻟـﺼـﻌـﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻹﻗــــﺮار ﺑﻬﺸﺎﺷﺔ اﻻﻗــﺘــﺼــﺎد اﻟــﺘــﺮﻛــﻲ اﻟـــﺬي ﻛـــﺎن آﺧـــﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺴﺎﺳﺔ، ﻗﺮارات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻬﻮرة ﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﺒﻼد إﻟﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻬﺎوﻳﺔ.
إردوﻏــﺎن اﻟـﺬي ﻓﺎز ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ٢٠٠٢ ﺑﺨﻤﺴﺔ اﻧـﺘـﺨـﺎﺑـﺎت ﺑـﺮﳌـﺎﻧـﻴـﺔ، وﺛــﻼث دورات ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﳌﺤﻠﻴﺔ، واﺛﻨﲔ ﻣــﻦ اﻻﻧـﺘـﺨـﺎﺑـﺎت اﻟـﺮﺋـﺎﺳـﻴـﺔ ﺑـﺎﻻﻗـﺘـﺮاع اﻟﺸﻌﺒﻲ واﺳﺘﻔﺘﺎء ﻳﻦ ﺑﲔ ﻋﺎﻣﻲ ٢٠٠٢ وأواﺋــــــﻞ ٨١٠٢، اﻋــﺘــﻤــﺪ ﻓـــﻲ ﻧـﺠـﺎﺣـﺎﺗـﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻛﻠﻴﴼ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺴﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻜﺒﻴﺮ، اﻟــﺬي ﺣﻘﻘﻪ ﻓـﻲ ﺑــﻼده ﻛﺒﻮاﺑﺔ ﻟﺼﻌﻮد ﻧﺠﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
ﻳﺘﺴﺎﻗﻂ ﺧﺼﻮﻣﻪ وﺣﻠﻔﺎؤه داﺧﻞ اﻟﺤﺰب وﺧﺎرﺟﻪ إﻻ ﻫﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ، ﺗـــــﺎرة رﺋــﻴــﺴــﴼ ﻟــــﻠــــﻮزراء وﺗــــــﺎرة زﻋـﻴـﻤـﴼ ﻟــﻠــﺤــﺰب وﺗـــــﺎرة ﺛــﺎﻟــﺜــﺔ رﺋــﻴــﺴــﴼ ﻟـﻠـﺒـﻼد. ﻳﺘﻐﻴﺮ اﻟﻄﺮﺑﻮش واﻟﺰﻋﺎﻣﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ. ﻣﻦ أﺳـﻬـﻢ ﻓــﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗـﺘـﺼـﺎدي وﺗﺤﺴﲔ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﳌﻌﻴﺸﺔ، ﻋﻨﺪﻣﺎ دﻗﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ، وأﺗﺖ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻬﺮ اﻟﻌﺴﻞ ﻻﻗﺘﺼﺎد ﺑﻼده، رﻣﻰ اﻟــﻜـــﺮة ﻓـــﻲ ﻣـﻠـﻌـﺐ اﻟــﺸــﻤــﺎﻋــﺔ اﻟـﺸـﻬـﻴـﺮة »اﳌﺆاﻣﺮة«، ﻣﺘﺨﻠﺼﴼ ﻣﻦ ﻋﺐء اﻻﻧﻜﺴﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﻠﻰ ﻳﺪي اﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻌﻮدﻫﺎ، ﻣﻊ ﻋﺪم إﻏﻔﺎل أن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺸﻌﺒﻮﻳﺔ ﺗﻌﺠﺐ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ، وإﻟــﻘــﺎء اﻟــﻠــﻮم ﻋﻠﻰ اﻟــﻐــﺮب اﻹﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻲ ﺗـﻄـﺮب ﻟـﻪ اﻵذان، ﻟـﺬﻟـﻚ وﻣــﻊ أن اﻷزﻣــﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ، ﻓﺈن ﺧﻴﺎرات اﻟﺮد ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﳌـﺎﻟـﻴـﺔ ﺷﺒﻪ ﻣﺸﻠﻮﻟﺔ، ﻓـﻼ أﺣــﺪ ﻳﺮﻳﺪ ﻣــﻮاﺟــﻬــﺔ اﻷزﻣــــــﺔ ﺑــﺤــﻠــﻮل اﻗــﺘــﺼــﺎدﻳــﺔ ﺿــﺮورﻳــﺔ، ﻣـﺜـﻞ اﻟﺘﻘﺸﻒ اﻻﻗـﺘـﺼـﺎدي أو رﻓــﻊ أﺳـﻌـﺎر اﻟـﻔـﺎﺋـﺪة أو ﻛﺒﺢ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻗﻠﻴﻼ.
ﺑــــﻘــــﻲ أن ﻧـــﺸـــﻴـــﺮ إﻟـــــــﻰ اﻟـــﺼـــﺤـــﻮة اﻟـﻘـﻄـﺮﻳـﺔ ودﻋـﻤـﻬـﺎ ﻟﺘﺮﻛﻴﺎ ﻓــﻲ أزﻣﺘﻬﺎ ﻫــﺬه، ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻘﺪت ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ اﻟﺪوﺣﺔ ﻋﻠﻰ »ﻧﻜﺮان اﻟﺠﻤﻴﻞ«، واﻟــــﺘــــﺰاﻣــــﻬــــﺎ اﻟـــﺼـــﻤـــﺖ ﺗــــﺠــــﺎه اﻷزﻣــــــﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺗﺮﻛﻴﺎ، وﻋﻠﻰ أﺛــﺮ ذﻟــﻚ، ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟـﺪوﺣـﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻧﻘﺎذ ﺣﻠﻴﻔﺘﻬﺎ، ﻟﻜﻦ اﻟﺨﺒﺮ اﻟﺴﻴﺊ ﻫﻨﺎ أن اﻟـــ٥١ ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر اﻟﺘﻲ وﻋﺪت ﺑﺎﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ ﻟﻦ ﺗﻔﻌﻞ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ، ﻓﻤﺎ ﻳــﺤــﺘــﺎج إﻟـــﻴـــﻪ اﻻﻗـــﺘـــﺼـــﺎد اﻟــﺘــﺮﻛــﻲ ﻣﻦ دﻋﻢ اﻗﺘﺼﺎدي وﺑﺼﻮرة ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻳﻘﺪر ﺑﻨﺤﻮ ٠٥١ ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر، ﻓــﺈذا أﺿﻔﻨﺎ أن اﻟــﺸــﺮﻛــﺎت اﻟـﺘـﺮﻛـﻴـﺔ ﺗــﻌــﺪت دﻳـﻮﻧـﻬـﺎ ٠٤٣ ﻣـﻠـﻴـﺎر دوﻻر، ﻓﻠﻴﺲ ﻫـﻨـﺎك دوﻟــﺔ ﻓــﻲ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛـﺎﻧـﺖ ﻗـﻮﻳـﺔ وﻏﻨﻴﺔ، ﺗــﺴــﺘــﻄــﻴــﻊ أن ﺗـــﻘـــﺪم ﻣــﺜــﻞ ﻫــــﺬا اﻟــﺪﻋــﻢ اﳌﺎﻟﻲ اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺴﺮﻳﻊ، ﺳﻮى ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟــﺪوﻟــﻲ، وﻫــﻮ ﻣـﺎ ﺗﺮﻓﻀﻪ أﻧﻘﺮة ﺣﺘﻰ اﻵن، ﻟﻘﻨﺎﻋﺘﻬﺎ وإﺻــﺮارﻫــﺎ ﻋﻠﻰ أن اﻷزﻣـﺔ ﻟﻴﺲ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أﺑـﺪﴽ، وإﻧﻤﺎ ﻣﺆاﻣﺮة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ.