ﺑﲔ اﳍﻮاﻳﺔ واﻻﺣﺘﺮاف
ذﻫــﺒــﺖ ﻹﺟـــــﺮاء ﻣـﻘـﺎﺑـﻠـﺔ ﺗـﻠـﻔـﺰﻳـﻮﻧـﻴـﺔ ﻣــﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻧﺎﺑﻠﻲ، اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺒﺎرز وﻣﺤﺎﻓﻆ اﻟﺒﻨﻚ اﳌﺮﻛﺰي ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﺳﺎﺑﻘﴼ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﻠﺴﻨﺎ ﻹﺟﺮاء اﻟﺤﻮار ﺳﺄﻟﻨﻲ: أﻳﻦ أوراﻗﻚ واﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻌﻚ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﺸﻬﺪ ﺷﻬﻴﺮ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﻳﻘﻮل ﺑﻄﻠﻪ: »اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟـﺮأس وﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻜﺮاس«، ﻓﻀﺤﻚ اﻟﺮﺟﻞ. وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﻮار ﻗﺎل ﻟﻲ ﺿﻴﻔﻲ اﻟﻌﺰﻳﺰ: »اﻟﺮأس أﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺮاس«.
اﳌــﺴــﺄﻟــﺔ ﺑـﺒـﺴـﺎﻃـﺔ ﺗــﻌــﻮد إﻟـــﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ اﻹﻋــﻼﻣــﻴــﺔ، اﻟــﺘــﻲ ﺑـــﺪأت ﺧـﻄـﻮاﺗـﻬـﺎ اﻷوﻟــــﻰ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻛﻤﺤﺮرة ﻟﻸﺧﺒﺎر وﻣﻌﺪة ﻟﻠﺒﺮاﻣﺞ. وﻟﻠﺤﻖ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫـﺬا ﺧﻴﺎري؛ ﻟﻜﻦ اﻟﻈﺮوف ﻓﺮﺿﺖ ذﻟــﻚ؛ ﻷن اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻤﺬﻳﻌﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﺎﺣﴼ ﻟﻲ ﺑﻬﺬه اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ.
ﻋﻤﻠﺖ أﻳﻀﴼ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻣﺮاﺳﻠﺔ، ﺛﻢ »رﺋﻴﺴﺔ ﺗﺤﺮﻳﺮ« ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺎدة اﻟﺘﻲ أﻗﺪﻣﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ ذاﺗـﻴـﺔ. أذﻛــﺮ ذات ﻣــﺮة أﻧــﻪ ﺗﺼﺎدف أن ﻋــﻤــﻠــﺖ رﺋــﻴــﺴــﺔ ﺗــﺤــﺮﻳــﺮ ﺑـــﺮﻧـــﺎﻣـــﺞ، وﻣــﺬﻳــﻌــﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺣﻠﻘﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻵن ﻧﻔﺴﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﺤﺘﻢ أن أﺻﻮغ اﻟـﻨـﺼـﻮص اﳌـﻔـﺘـﺮض أن ﺗـﻘـﺮأﻫـﺎ اﳌـﺬﻳـﻌـﺔ، وأن أﻗـﻮم ﺑﻘﺮاءﺗﻬﺎ أﻳﻀﴼ، وﻫﻨﺎ ﺣﺪث ﺷﻲء ﻏﺮﻳﺐ؛ إذ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻟﺘﺰم ﺑﺎﻟﻨﺺ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪ زﻣﻼﺋﻲ: »ﳌﺎذا ﻻ ﺗﻠﺘﺰﻣﲔ ﺑﺎﻟﻨﺺ رﻏﻢ أﻧﻚ ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻪ؟«، ﻟﻢ أﺟﺪ إﺟﺎﺑﺔ.
أؤﻣـــﻦ ﺑـــﺄن اﳌــﺬﻳــﻊ أو اﳌــﺤــﺎور ﻋـﻠـﻴـﻪ أن ﻳﻨﺎﻗﺶ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ وﻓﺮﻳﻘﻪ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻪ، وأن ﻳﻜﻮن ﺷﺮﻳﻜﴼ وﻓﺎﻋﻼ رﺋﻴﺴﴼ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﳌﺤﺘﻮى، أي »ﻣﻦ أول اﻟﺨﻂ« ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن. وﻋﻨﺪﻫﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻤﺴﻜﴼ ﺑﻜﺎﻓﺔ اﻟﺨﻴﻮط أو أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ، وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺳﻴﻨﻌﻜﺲ إﻳﺠﺎﺑﻴﴼ ﻓﻲ أﺳﺌﻠﺘﻪ وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻪ.
ﻗــﺪ ﻳــﺮى اﻟـﺒـﻌـﺾ، ﻓــﻲ ﻣـــﺪارس أﺧـــﺮى، أﻧــﻪ ﻋﻠﻰ اﻟــﺼــﺤــﺎﻓــﻲ أن ﻳــﻤــﺴــﻚ ﺑــــﺄوراﻗــــﻪ وأﺳــﺌــﻠــﺘــﻪ اﳌــﻌــﺪة واﳌــﺤــﺪدة ﺳـﻠـﻔـﴼ، ﻣﻜﺘﻔﻴﴼ ﺑــﻘــﺮاءﺗــﻬــﺎ، ﺣـﺘـﻰ ﻟــﻮ ﻛـﺎن ﻗﺪ ﺷـﺎرك ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ وﺿﻌﻬﺎ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أن ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻻﺣﺘﺮاف ﺑﻌﻴﻨﻪ، وأن ﻣﺎ دوﻧﻪ ﻫﻮ ﻋﻤﻞ اﻟﻬﻮاة؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺘﺮك اﻟﻌﻨﺎن ﻟﻠﻤﺬﻳﻊ ﻟﻴﺘﺤﺮك وﻓﻘﴼ ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻪ، ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺠﻠﺐ اﻷﺧﻄﺎء أﺣﻴﺎﻧﴼ.
أﺣــﺘــﺮم ﻫــﺬه اﻟـﻨـﻈـﺮﻳـﺔ وﻟــﺴــﺖ ﺿــﺪﻫــﺎ؛ ﺑــﻞ ﻋﻠﻰ اﻟــﻌــﻜــﺲ ﻗــﺪ ﺗـﺴـﻤـﺢ ﻓــﻲ ﻛـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ اﻷﺣـــﻴـــﺎن ﺑﻀﺒﻂ إﻳﻘﺎع اﻟﺤﻮار ﻓﻲ ﻣﺪﺗﻪ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ وأﺳﺌﻠﺘﻪ اﻟﻘﺼﻴﺮة وﺗﻐﻄﻴﺘﻪ ﳌﺤﺎور ﻛﺜﻴﺮة؛ ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻳﻮﻣﴼ أن أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ. ﺣﺘﻰ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻟﻔﺘﺮة ﻣﺤﺪودة ﻗﺎرﺋﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮة، ﻛﻨﺖ أﻋﻴﺪ ﺗﺤﺮﻳﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮاء، وﻫﻮ ﻣﺎ اﺳﺘﺪﻋﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﻠﻮم اﻟﻌﻨﻴﻒ ﻟﻲ ذات ﻣﺮة ﻣﻦ أﺣﺪ أﺳﺎﺗﺬﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﻋﻼم، وﻫﻮ اﻹﻋﻼﻣﻲ اﳌﻐﺮﺑﻲ اﻟـــﺒـــﺎرز ﻣـﺤـﻤـﺪ ذو اﻟـــﺮﺷـــﺎد، ﻗـــﺎﺋـــﻼ: »اﳌــﺤــﺘــﺮﻓــﻮن ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻫﻜﺬا«. وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ اﺳﺘﻄﻊ ﻳﻮﻣﴼ أن أﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺘﻲ، رﻏﻢ ﺑﻌﺾ ﻣﺤﺎوﻻﺗﻲ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ.
ذات ﻳــﻮم ﻧﺎﻗﺸﺖ اﳌــﻮﺿــﻮع ﻣـﻊ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﺗﻬﻮى اﳌﻄﺒﺦ وﺗﺘﻤﻴﺰ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻲ: »وﻣـﺎ اﻟﻌﺠﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﲔ؟ ﻫـﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳـﺬﻫـﺐ اﳌﺤﺘﺮﻓﻮن ﻓـﻲ اﻟﻄﻬﻲ ﻹﻋـــﺪاد اﻟـﻄـﻌـﺎم ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻣﻌﻬﻢ اﻷوراق ﺑﺎﳌﻘﺎدﻳﺮ واﻟــﺨــﻄــﻮات؟«. ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ: »ﻻ ﻟﻴﺲ ﺷـﺮﻃـﴼ«، ﻓﻘﺎﻟﺖ: »إذن ﻣـﺎ ﻳﺤﺪث رﺑﻤﺎ ﻫـﻮ ﻋـﲔ اﻻﺣــﺘــﺮاف، ﻓﺎﻟﻄﻌﺎم ﻻ ﻳــﻄــﻬــﻰ ﺑــﺎﳌــﻘــﺎدﻳــﺮ واﻟــﺨــﻄــﻮات، وﻟــﻜــﻦ ﻛــﻤــﺎ ﻳـﻘـﺎل ﺑﺎﳌﺼﺮي )ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﺨﺔ(«.
ﻟــﻄــﺎﳌــﺎ ﺗــﺴــﺎءﻟــﺖ: »ﻫـــﻞ ﻟـــﻮ ﺗـﻤـﻜـﻨـﺖ ﻣـــﻦ إﺟـــﺎدة اﻟـﻄـﺮﻳـﻘـﺔ اﻷﺧـــﺮى ﻓــﻲ اﻟـﻌـﻤـﻞ، ﻓﺴﻴﻈﻞ ﻣـﻮﻗـﻔـﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ؟ ﻫﻞ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﺧﺮى ﻣﺰﻳﺪﴽ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎح؟«، اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟــﻢ أﺻــﻞ إﻟــﻰ إﺟــﺎﺑــﺎت ﻣــﺤــﺪدة، وﻟـﻜـﻦ ﻇﻞ ﻳﻘﻴﻨﻲ داﺋـﻤـﴼ ﻫـﻮ ﺿـــﺮورة ﺑــﺬل أﻗـﺼـﻰ ﻣﺠﻬﻮد ﻓﻲ اﻟــﻌــﻤــﻞ، وﻃــــﺮح اﻷﺳــﺌــﻠــﺔ واﻟــﺒــﺤــﺚ ﻋـــﻦ اﳌــﻌــﻠــﻮﻣــﺎت واﻹﻋـــﺪاد اﻟﺠﻴﺪ ﻷي ﺣﻠﻘﺔ أو ﻣـﻮﺿـﻮع ﻧﻘﺎﺷﻲ أو ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ، ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﻨﺖ ﺳﺄﺣﻤﻞ أوراﻗﴼ ﻣﻌﻲ أم ﻻ.
ﻻ ﻳﻬﻢ أن ﺗﻘﺮأ ﻣـﻦ اﻟــﻮرق أو أن ﺗـﺒـﺎدر ﻣﺮﺗﺠﻼ ﺑﻄﺮح اﻷﺳﺌﻠﺔ وﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﻨﻘﺎش؛ ﻟﻜﻦ اﳌﻬﻢ أن ﺗﻜﻮن ﺟــﺎﻫــﺰﴽ ﻟــﻠــﻤــﻮﺿــﻮع اﻟــــﺬي ﺗــﺘــﺼــﺪى ﻟـــﻪ، وأن ﻳـﻜـﻮن ﺣﺪﻳﺜﻚ ﻧﺘﺎج ﺟﻬﺪ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻣﻨﻈﻢ ودؤوب.