ﺻﺮاﻋﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﺑﲔ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ اﻷدب واﻟﻔﻜﺮ
ﻻ ﲣﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴﺌﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ
اﻟﺼﺮاﻋﺎت ﺑﲔ اﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮاء واﻟــﻔــﻼﺳــﻔــﺔ ﻗــﺪﻳــﻤــﺔ ﻗــــﺪم اﻟــﺘــﺎرﻳــﺦ، وﻻ ﺗــﻮﺟــﺪ ﺑـﻴـﺌـﺔ واﺣــــﺪة ﻓــﻲ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ ﺗﺨﻠﻮ ﻣـﻨـﻬـﺎ. ﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﳌﺜﻘﻔﲔ اﻟـﻌـﺮب أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ ﻣﺜﻼ. إﻧﻬﻢ ﻳﺤﺴﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﴼ، وﻳــﻜــﺮه ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑـﻌـﻀـﴼ، وﻻ ﻳﻄﻴﻖ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑـﻌـﻀـﴼ، ﺗـﻤـﺎﻣـﴼ ﻛﺎﻟﺴﻴﺪات اﻟــﺠــﻤــﻴــﻼت. ﻫـــﻞ ﺳــﻤــﻌــﺘــﻢ ﻳـــﻮﻣـــﴼ ﻣﺎ اﻣــﺮأة ﺗﻌﺘﺮف ﺑﺠﻤﺎل اﻣــﺮأة أﺧــﺮى؟ اﻧـــﻈـــﺮوا ﻣــﺎ ﻳــﻘــﻮﻟــﻪ ﺷــﻮﺑــﻨــﻬــﺎور ﻋﻦ ﻫﻴﻐﻞ؛ ﺷﻲء ﻳﺸﻴﺐ اﻟــﺮأس، ﺷﺘﺎﺋﻢ ﻣﻘﺬﻋﺔ ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ، واﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮ أن ﻫﻴﻐﻞ ﻛــﺎن ﻣـﺸـﻬـﻮرﴽ ﺟـــﺪﴽ، وﻳـﺠـﺬب ﻣـﺌـﺎت اﻟــﻄــﻼب إﻟــﻰ درﺳـــﻪ، ﻓــﻲ ﺣﲔ أن ﺷﻮﺑﻨﻬﺎور ﻛﺎن ﻣﻐﻤﻮرﴽ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣــﻦ أرﺑــﻌــﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ ﻃﻼب. وﻣﻌﻠﻮم أﻧﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻌﻄﻴﺎن دروﺳـــﻬـــﻤـــﺎ ﻓـــﻲ اﻟــﺠــﺎﻣــﻌــﺔ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ، وﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ! )ﺑﺮﻟﲔ(. ﻓﻴﺠﻦ ﺟﻨﻮﻧﻪ، وﻳﻐﻠﻲ اﻟﺤﺴﺪ ﻓـﻲ ﻋﺮوﻗﻪ ﺗــﺠــﺎه زﻣــﻴــﻠــﻪ ﻫــﻴــﻐــﻞ، ﻓـﻴـﺼـﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺷــﺘــﺎﺋــﻢ ﻣــﻘــﺬﻋــﺔ ﻣـــﻦ اﻟـــﻨـــﻮع اﻟــﺘــﺎﻟــﻲ: »ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺘﺎﻓﻪ اﳌﺪﻋﻮ ﻫﻴﻐﻞ! ﻫــﺬا اﻟــﺪﺟــﺎل اﻟـﻌـﺪﻳـﻢ اﻟـــﺮوح، اﳌـﻘـﺰز، اﳌﻨﻔﺮ، اﻟﺠﺎﻫﻞ، ﻫﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم؟ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺧﺪﻳﻌﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ أو أﻛﺬوﺑﺔ ﻛﺒﺮى، إﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺗﺸﺪق ﻟﻔﻈﻲ ﻓـﺎرغ، وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻫﺮاء أو ﺳﻔﺴﻄﺔ، وﻫﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻏﺒﺎء ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﻋﺪا ﺑﻴﻮت اﳌﺠﺎﻧﲔ أو اﳌﺼﺤﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪوا ﻛﻼﻣﴼ ﻓﺎرﻏﴼ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻼم ﻫﺬا اﻟﺪﺟﺎل... إﻟﺦ«. ﺣﻘﺪ ﻫﺎﺋﻞ، وﺣﺴﺪ رﻫـــﻴـــﺐ ﻳـــﺄﺧـــﺬ ﻋــﻠــﻴــﻪ أﻗـــﻄـــﺎر ﻧـﻔـﺴـﻪ، ﻓــﻼ ﻳـﻌـﻮد ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ أﻋـﺼـﺎﺑـﻪ. اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻔﻘﺪ ﺻــﻮاﺑــﻪ ﻓـﻌـﻼ ﻋـﻨـﺪﻣـﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ واﺣﺪ ﻣﻦ أﻛﺒﺮ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. ﻓﻬﻴﻐﻞ ﻫﻮ أرﺳﻄﻮ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﺎﻋﺘﺮاف اﻟﺠﻤﻴﻊ. وﻣـﻊ ذﻟــﻚ، ﻳﻘﻮل ﻋﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم. وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻋﺒﻘﺮي، وﻟﻜﻦ ﺷﻮﺑﻨﻬﺎور ﻟﻢ ﻳﺸﺘﻬﺮ إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺄﺧﺮ، ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻫﻴﻐﻞ. وﻟـﻜـﻦ ﻣـــﺎذا ﻛــﺎن ﻳـﻘـﻮل اﻟــﺸــﻌــﺮاء ﻋﻦ اﳌــﺘــﻨــﺒــﻲ ﻓـــﻲ ﺑــــﻼط ﺳــﻴــﻒ اﻟـــﺪوﻟـــﺔ؟ اﻟـــﺸـــﻲء ﻧــﻔــﺴــﻪ! ﻟــﻜــﻦ ﻗــﺒــﻞ أن ﻧــﻐــﺎدر ﺷــﻮﺑــﻨــﻬــﺎور، دﻋــﻮﻧــﻲ أﻋﻄﻴﻜﻢ رأﻳــﻪ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﺼﺪاﻗﺔ واﻟﺰواج وأﻧﺎ أﻛﺎد أﻣﻮت ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ، ورﺑﻤﺎ اﻹﻋﺠﺎب. ﻳـــﻘـــﻮل ﻋــــﻦ اﻟــــﺼــــﺪاﻗــــﺔ: »اﻷﺻــــﺪﻗــــﺎء ﻳـﻘـﻮﻟـﻮن إﻧـﻬـﻢ ﻣﺨﻠﺼﻮن ﻛــﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻟـﻶﺧـﺮ، وﻟﻜﻦ ﻓـﻲ اﻟـﻮاﻗـﻊ اﳌﺨﻠﺼﲔ اﻟــﺤــﻘــﻴــﻘــﻴــﲔ ﻛــــﻞ ﻣــﻨــﻬــﻢ ﻟـــﻶﺧـــﺮ ﻫـﻢ اﻷﻋــﺪاء«. وأﻣﺎ ﻋﻦ اﻟـﺰواج اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻜﺮﻫﻪ ﻛــﺮه اﻟـﻨـﺠـﻮس، وﻳـﻬـﺮب ﻣﻨﻪ ﺑﺄي ﺷﻜﻞ، ﻓﻴﻘﻮل ﻣﺎ ﻳﻠﻲ: »إﺻﺮارك ﻋـــﻠـــﻰ ﻋــــــﺪم اﻟــــــــــﺰواج ﻣــــﻦ دون ﺣــﺐ ﺣــﻤــﺎﻗــﺔ ﻫــﺎﺋــﻠــﺔ ﺳـــﻮف ﺗــﻨــﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﺪﻣﴼ ﻣﺮﴽ، وﺑﺄﺳﺮع ﻣﻤﺎ ﺗﺘﻮﻗﻊ«، ﺛﻢ ﻳﺮدف: »ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، إن إﺻﺮارك ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﺑﺤﺐ وﻣﻦ دون ﺣﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻛﺒﺮى ﻻ ﺗﻐﺘﻔﺮ«. أﻧﺎ ﺷﺨﺼﻴﴼ ﻟﻜﻲ أﺷـﺒـﻊ ﻣــﻦ اﻟـﻀـﺤـﻚ، ﻣــﺎ ﻋــﺪت أذﻫــﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ أو اﳌﺴﺮح، وإﻧﻤﺎ ﻓﻘﻂ أﻓﺘﺢ ﻛﺘﺐ ﺷﻮﺑﻨﻬﺎور أو ﻓﻮﻟﺘﻴﺮ أو اﻟﺠﺎﺣﻆ. ﻓﻲ ﻫـﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات، أﺿﻊ ﻛﺘﺎب »اﻟﺒﺨﻼء« ﺗﺤﺖ اﳌﺨﺪة، ﻟﻜﻲ أﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ أي ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻈﺎت، ﻛﻠﻤﺎ أﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻏﻤﺔ أو أﻃﺒﻘﺖ ﻋﻠﻲ ﻇﻠﻤﺔ.
وﺑﺎﳌﻨﺎﺳﺒﺔ، ﻓﺎﻟﺸﻲء ﺑﺎﻟﺸﻲء ﻳﺬﻛﺮ: ﻓﻲ إﺣﺪى اﳌﺮات، ﻗﺎل ﻟﻲ ﺷﺎﻋﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺷﺎﻋﺮ ﻛﺒﻴﺮ آﺧﺮ )ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ذﻛـــــﺮ اﻷﺳــــﻤــــﺎء ﻟــﻜــﻴــﻼ ﺗـــﻨـــﻬـــﺎل ﻋــﻠــﻲ ﺻﻮارﻳﺦ »ﺳﻜﻮد« ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت(: »ﻳـﻌـﻨـﻲ... ﻋـﻨـﺪه ﺑﻌﺾ اﻟـﻘـﺼـﺎﺋـﺪ... وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﳌﺤﺼﻠﺔ ﻫﻮ ﺷﺎﻋﺮ وﺳﻂ ﻟﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺷـﻲء ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﳌـﻄـﺎف«. وﻫــﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻮﺳﻂ ﻫﻮ ﻣﺆﺳﺲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﺻـــﺎﺣـــﺐ ﻗــﺼــﺎﺋــﺪ ﻋــﺒــﻘــﺮﻳــﺔ ﺧــﺎرﻗــﺔ ﻏﻴﺮت ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻌﺒﻘﺮﻳﺔ أﺧــــﺮى ﻏــﻴــﺮ ﻋــﺒــﻘــﺮﻳــﺘــﻪ، وﻫــــﺬا ﺷــﻲء إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، أو »ﺑﺸﺮي ﺟﺪﴽ«، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻧﻴﺘﺸﻪ. ﻓﻨﺤﻦ إذ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﺈﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻏﻴﺮﻧﺎ، ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﻠﻐﻲ أﻧﻔﺴﻨﺎ أو ﻧﺨﻔﺾ ﻣﻨﻬﺎ وﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ. ﻋﻠﻰ أي ﺣــﺎل، ﻓﺎﻟﻐﻴﺮة أو اﻟﺤﺴﺪ ﺑﲔ اﻟﺸﻌﺮاء ﻻ ﻳﻘﻞ ﺧﻄﻮرة ﻋـــﻦ اﻟــﺤــﺴــﺪ اﻟـــﻀـــﺎري ﺑـــﲔ اﻟــﻨــﺴــﺎء اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت.
اﳌـــﻬـــﻢ ﻛــــﺎﻧــــﻮا ﺛـــﻼﺛـــﺔ ﻓــــﻲ اﻟــﻘــﺮن اﻟـــﺘـــﺎﺳـــﻊ ﻋــــﺸــــﺮ: دوﺳـــﺘـــﻮﻳـــﻔـــﺴـــﻜـــﻲ، وﺗﻮﻟﺴﺘﻮي، وﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ. وﻟﻜﻦ إذا ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﺟﻤﻴﻌﴼ ﺑﺎﻻﺳﻤﲔ اﻷوﻟﲔ، ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻴﻠﲔ ﻳﻌﺮﻓﻮن اﻻﺳﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ. وﻟـــﺪ ﺗـﻮرﻏـﻴـﻨـﻴـﻒ ﻋـــﺎم ٨١٨١، وﻣــﺎت ﻋﺎم ٣٨٨١، ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟــﺴــﺘــﲔ. وﻗــﺪ ﻋــﺎش ﻣﻌﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓـﻲ اﻟــﺨــﺎرج، أي ﻓـﻲ أﳌﺎﻧﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص. واﺷﺘﻬﺮ ﺑﺤﺒﻪ ﳌﻐﻨﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﺗﺪﻋﻰ ﺑﺎوﻟﲔ ﻓﻴﺎردو. ورﻏـﻢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰوﺟﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻇﻞ ﻳﻼﺣﻘﻬﺎ ﳌﺪة أرﺑﻌﲔ ﺳﻨﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ دون ﺟــــﺪوى، راﻓــﻀــﴼ أن ﻳـﻌـﻴـﺶ إﻻ ﻓﻲ ﻛﻨﻔﻬﺎ أو ﻇﻠﻬﺎ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﺑﺸﻜﻞ ذﻟﻴﻞ ﻓﻲ أﺣﻴﺎن ﻛﺜﻴﺮة، ﻓﺎﻟﺤﺐ ﻳﻌﻤﻲ وﻳﺼﻢ، اﻟﺤﺐ ﻳـﺬل. أﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻛﺎﺗﺐ ﻗﺼﺔ راﺋﻌﺔ ﺑﻌﻨﻮان »اﻟﺤﺐ اﻷول«؟ ﻣﺎ اﻟﺤﺐ إﻻ ﻟﻠﺤﺒﻴﺐ اﻷول!
ﻻ أﻋـــﺮف ﳌـــﺎذا أﺷـﻌـﺮ ﺑﺎﻧﺴﺠﺎم ﻋـﻤـﻴـﻖ وأﻟــﻔــﺔ ﻛـﺒـﻴـﺮة ﻋـﻨـﺪﻣـﺎ أﻏﻄﺲ ﻓﻲ ﻧﺼﻮص أدﺑﺎء روﺳﻴﺎ وﻣﺸﺎﻛﻠﻬﻢ وﻗــﻀــﺎﻳــﺎﻫــﻢ. ﻻ أﻋـــــﺮف ﳌـــــﺎذا أﺷــﻌــﺮ وﻛﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻲ وﻫﻤﻮﻣﻲ وﻣﺸﺎﻛﻠﻲ. ﻫﻞ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺮب ﻧﻌﻴﺶ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؟ أﻗﺼﺪ اﻟﺘﺬﺑﺬب ﻧﻔﺴﻪ، أو اﻟﺤﻴﺮة واﻟﻀﻴﺎع واﻟﺘﻤﺰق ﻧــﻔــﺴــﻬــﺎ ﺑــــﲔ اﳌــــﺎﺿــــﻲ واﻟـــﺤـــﺎﺿـــﺮ، ﺑــﲔ اﻟــﻐــﺮب واﻟـــﺸـــﺮق، ﺑــﲔ اﻷﺻــﺎﻟــﺔ واﳌــﻌــﺎﺻــﺮة، ﺑــﲔ اﻟــﺘــﺮاث واﻟـﺤـﺪاﺛـﺔ، رﺑـﻤـﺎ. ﻋﻠﻰ أي ﺣــﺎل، ﻧﺤﻦ أﻳـﻀـﴼ ﻟﻢ ﻧـﺤـﺴـﻢ أﻣـــﻮرﻧـــﺎ ﺑــﻌــﺪ، وﻧــﺤــﻦ أﻳـﻀـﴼ ﻧﺪﻓﻊ ﺛﻤﻦ اﻟﻌﺒﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺛــــﻤــــﻦ اﳌــــــﺎﺿــــــﻲ اﻟــــــــــﺬي ﻻ ﻳـــﻤـــﻀـــﻲ، واﳌـﺴـﺘـﻘـﺒـﻞ اﻟــــﺬي ﻻ ﻳــﺠــﻲء. وﻧـﺤـﻦ أﻳــﻀــﴼ ﻟــﻢ ﻧــﺘــﻮﺻــﻞ ﺑــﻌــﺪ إﻟـــﻰ إﻳــﺠــﺎد ﺗــﻠــﻚ اﻟـﺤـﻠـﻘـﺔ اﳌــﻔــﺮﻏــﺔ، ﺗــﻠــﻚ اﳌــﻌــﺎدﻟــﺔ اﳌﺴﺘﺤﻴﻠﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻮﻓــﻖ ﺑــﲔ ﺗـﺮاﺛـﻨـﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، واﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧـﺮى. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، إﻧﻨﺎ ﻛﺎﻟﺮوس، أﺻﺤﺎب ﺗﺮاث ﻋﺮﻳﻖ، ﺗﺮاث ﻃﻮﻳﻞ ﻋﺮﻳﺾ ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻻﻧــﺴــﺤــﺎق أﻣـــﺎم اﻟــﺤــﺪاﺛــﺔ اﻟـﻐـﺮﺑـﻴـﺔ، ﻛــﻤــﺎ ﺗــﻔــﻌــﻞ اﻷﻣــــــﻢ اﻷﺧـــــــﺮى اﻟـــﺘـــﻲ ﻻ ﺗـــﺮاث ﻋﻈﻴﻤﴼ ﻟــﺪﻳــﻬــﺎ. ﻟــﻬــﺬا اﻟـﺴـﺒـﺐ، ﻓــﺈن ﻗﺼﺘﻨﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ وﻋـﺬاﺑـﻨـﺎ ﻛﺒﻴﺮ. وﻟــﻬــﺬا اﻟــﺴــﺒــﺐ، ﻓـﺈﻧـﻨـﺎ ﻧﻨﻘﺴﻢ ﻋــﺎدة إﻟﻰ ﻗﺴﻤﲔ ﻛﺒﻴﺮﻳﻦ، ﻛﻤﺜﻘﻔﻲ روﺳﻴﺎ: ﻗــﺴــﻢ ﻳــﺮﻳــﺪ اﻻﻟــﺘــﺤــﺎق ﺑــﺎﻟــﻐــﺮب ﺑــﺄي ﺷــﻜــﻞ، وﻳــﺨــﺠــﻞ ﻣـــﻦ دﻳــﻨــﻪ وﺗـــﺮاﺛـــﻪ، وﻗـــﺴـــﻢ ﻳـــﺮﻓـــﺾ ذﻟـــــﻚ رﻓـــﻀـــﴼ ﻗــﺎﻃــﻌــﴼ ﻣﻔﺘﺨﺮﴽ ﺑﺪﻳﻨﻪ وﺗﺮاﺛﻪ، زاﻫﺪﴽ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻔﺎﺳﺪة اﳌﻔﺴﺪ. ﻗﺪ أﻛﻮن أﻗﺪم ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮﴽ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﻼ اﳌﻮﻗﻔﲔ، وﻟﻜﻦ أﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻫﻨﺎك ﻗﺴﻤﴼ ﺛﺎﻟﺜﴼ ﻫﻮ اﻷﻛﺒﺮ واﻷﻛﺜﺮ ﻋﺪدﴽ: ﻗﺼﺪت أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون اﳌﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻬﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ، ﻓـﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻔﺘﺤﻮن ﻓﻴﻪ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﻴﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻮاﻓﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ؟ ﻛﺎن دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻗﺪ ﻋﺒﺮ ﻋــﻦ ذﻟـــﻚ أﻓــﻀــﻞ ﺗـﻌـﺒـﻴـﺮ ﻓــﻲ ﺧـﻄـﺎﺑـﻪ اﻟـــﺸـــﻬـــﻴـــﺮ أﻣــــــــﺎم ﺗـــﻤـــﺜـــﺎل ﺑـــﻮﺷـــﻜـــﲔ، وﺑــــﺤــــﻀــــﺮة ﻛـــــﺒـــــﺎر أدﺑـــــــــــﺎء روﺳــــﻴــــﺎ وﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ، وﻛﺎن ﺧﻄﺎب اﻟﻮداع اﻷﺧـﻴـﺮ. اﻟﻠﻬﻢ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ! وﻓﻴﻪ ﻋﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺠﺪ ﻫﻤﺰة اﻟﻮﺻﻞ ﺑﲔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ واﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ، ﺑﲔ اﳌﺤﻠﻴﺔ واﻟﻌﺎﳌﻴﺔ، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻣﻮﻓﻘﺔ. ﻋﻨﺪﺋﺬ، ﻋﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺠﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﳌﻔﺮﻏﺔ، ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﻀﺎﺋﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ دون أن ﻳــﺠــﺪوﻫــﺎ. ﻋﻨﺪﺋﺬ، ﺣﺴﻢ اﳌﺴﺄﻟﺔ ﻣﺮة واﺣﺪة، وإﻟﻰ اﻷﺑﺪ. وﻗﺪ أﺑﻜﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻨﺪﺋﺬ، ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﺪوه اﻟﻠﺪود ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ اﻟﺬي ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻘﺒﻠﻪ وﻳﻌﺎﻧﻘﻪ وﻳﻌﺘﺮف ﺑﻌﺒﻘﺮﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺎوم. ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﻟﺮﺟﻠﲔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ داﺋﻤﴼ ﻫﻜﺬا ﻓﻲ اﻟــﻮاﻗــﻊ. ﻓﻘﺒﻞ ذﻟــﻚ، ﺣﺼﻠﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أﺷﻴﺎء وأﺷﻴﺎء. وﻗﺪ آن اﻷوان ﺑﻌﺪ أن وﺻﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ أن ﻧﻄﺮح اﻟﺴﺆال اﻟﺘﺎﻟﻲ:
ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺎت ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﻣـــﻊ ﺗــﻮﻟــﺴــﺘــﻮي ودوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ، ﻣــــﻨــــﺎﻓــــﺴــــﻴــــﻪ ﻋـــــﻠـــــﻰ ﻋــــــــــﺮش اﻵداب اﻟـﺮوﺳـﻴـﺔ؟ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻫﻨﺎ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋـــﻠـــﻰ ﺳـــــــﺆال واﺳـــــــﻊ ﻛــــﻬــــﺬا، وإﻧـــﻤـــﺎ ﺳﻮف ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﻠﻤﻴﺢ ﻟﻌﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ. ﻓـــﻲ اﻟـــﻮاﻗـــﻊ، إﻧـﻬـﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻘﻠﺒﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﻌﻘﺪة. ﻓﺒﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﺳﻴﺪﴽ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﴼ ﻣﺮﻓﻬﴼ، ﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻟﺤﺎﺟﺔ اﳌﺎدﻳﺔ ﻓﻲ ﺣــﻴــﺎﺗــﻪ أﺑــــــﺪﴽ، ﻛــــﺎن دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ ﻓﻘﻴﺮﴽ ﻣﻌﺬﺑﴼ ﻣﻌﻘﺪﴽ ﻧﻔﺴﻴﴼ، ﻳﺮﻛﺾ وراء ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻌﻴﺶ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار.
وﺑـــــﻘـــــﺪر ﻣـــــﺎ ﻛــــــﺎن ﺗــﻮرﻏــﻴــﻨــﻴــﻒ ﻣﻌﺠﺒﴼ ﺑﺄوروﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، راﻏﺒﴼ ﻓﻲ أن ﺗﻠﺤﻖ روﺳﻴﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﺄي ﺷﻜﻞ، ﻛﺎن دوﺳـﺘـﻮﻳـﻔـﺴـﻜـﻲ ﻣـﻌـﺘـﺰﴽ ﺑﺴﻼﻓﻴﺘﻪ، ﻣــــﺘــــﻤــــﺴــــﻜــــﴼ ﺑـــــﻤـــــﺬﻫـــــﺒـــــﻪ اﳌـــﺴـــﻴـــﺤـــﻲ اﻷرﺛـــﻮذﻛـــﺴـــﻲ، أو ﻗــﻞ ﺑـﺎﻟـﺮوﺣـﺎﻧـﻴـﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، دون أن ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﺠﺒﴼ ﺑﺒﻌﺾ إﻧـﺠـﺎزات اﻟﺤﻀﺎرة اﻷوروﺑــﻴــﺔ. وﻗـﺪ ﺣﺼﻞ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ﺑـﻴـﻨـﻬـﻤـﺎ ﻓــﻲ ﻣــﺪﻳــﻨــﺔ »ﺑـــــﺎدن ﺑــــﺎدن«، ﺑﺄﳌﺎﻧﻴﺎ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻘﻴﻢ ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﻓﻲ ﻓﻴﻼ ﻓﺨﻤﺔ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻘﺼﺮ اﳌﻨﻴﻒ. ﺛـﻢ ﻛﺘﺐ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻷﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻠﻘﺎء: »ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ﻟﻲ إﻧﻪ ﻣﻠﺤﺪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ، وﻫﻮ ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺘﺒﺠﺤﴼ. وﻟﻜﻦ ﳌﺎذا ﻳﻜﻮن ﻣﻠﺤﺪﴽ إذا ﻛﺎن اﻟﻠﻪ ﻗﺪ أﻋﻄﺎﻧﺎ اﻟﺼﻮرة اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ واﻟﺨﺎﻟﺪة ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﺘﺠﺴﺪة ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ اﳌـــﺴـــﻴـــﺢ؟ وﻣـــــــــﺎذا ﻧـــﺘـــﺞ ﻋــــﻦ ﻫــــﺆﻻء اﳌـــــﻼﺣـــــﺪة ﻣــــﻦ أﻣــــﺜــــﺎل ﺗــﻮرﻏــﻴــﻨــﻴــﻒ وﻫﻴﺮزن وأوﺗﲔ وﺗﺸﻴﺮﻧﺸﻔﺴﻜﻲ... إﻟﺦ؟ إﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﴼ ﻣﺘﻜﺒﺮون ﺻﻠﻔﻮن ﻣـــﺘـــﻌـــﺠـــﺮﻓـــﻮن. ﻓــــﻲ ﻣـــــــﺎذا ﻳـــﺄﻣـــﻠـــﻮن؟ وﻣـــﻦ ﺳﻴﺘﺒﻌﻬﻢ ﻓــﻲ روﺳــﻴــﺎ؟ إﻧﻬﻢ واﻫــﻤــﻮن. وﻣــﺎ ﻳـﺰﻋـﺠـﻨـﻲ أﻛــﺜــﺮ ﻟـﺪى ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﻫــﻮ اﺣــﺘــﻘــﺎره ﻟـﺮوﺳـﻴـﺎ، ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻬﺎ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﻦ أوروﺑﺎ. إﻧﻪ ﻳﺨﺠﻞ ﻣـﻦ ﺑــﻼده أﻣــﺎم اﻷوروﺑــﻴــﲔ. وﻗﺪ ﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﻮاﺣﺪ: ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧـﺘـﺒـﻊ اﻷﳌـــــﺎن، وﻧــﺰﺣــﻒ وراءﻫــــﻢ زﺣــﻔــﴼ ﺑـﺒـﻄـﻮﻧـﻨـﺎ، ﻷﻧـــﻪ ﻻ ﻳــﻮﺟــﺪ إﻻ ﺧــﻂ واﺣــــﺪ ﻟـﺠـﻤـﻴـﻊ اﻟــﺸــﻌــﻮب، ﻫــﻮ: ﺧـــﻂ اﻟـــﺤـــﻀـــﺎرة. واﻟـــﺤـــﻀـــﺎرة اﻵن أوروﺑﻴﺔ، وﻻ ﺷﻲء ﻏﻴﺮﻫﺎ. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻓــــــﺈن ﻣــــﻦ ﻳــــﺪﻋــــﻮن إﻟــــــﻰ اﺗــــﺒــــﺎع ﺧـﻂ اﻷﺻـﺎﻟـﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ أﻏﺒﻴﺎء ﻟﻴﺲ إﻻ. وﻗﺎل ﻟﻲ إﻧﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻋﻦ ﻋــﺒــﺪة اﻷﺻــﺎﻟــﺔ اﻟـﺮوﺳـﻴـﺔ واﻷﺻــﺎﻟــﺔ اﻟﺴﻼﻓﻴﺔ، ﻟﻜﻲ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻧﻮاﻗﺼﻬﻢ وأﺧــﻄــﺎﺋــﻬــﻢ. وﻫـــﻜـــﺬا، اﻛـﺘـﺸـﻔـﺖ أﻧــﻪ ﺧــﺎﺋــﻦ ﻟــﺮوﺳــﻴــﺎ، ﻳــﺮﻛــﻊ أﻣــــﺎم اﻷﳌـــﺎن ﻛـــﺎﻟـــﻌـــﺒـــﺪ اﻟــــﺬﻟــــﻴــــﻞ. ﻻ أﺳـــﺘـــﻄـــﻴـــﻊ أن أﺗـﺤـﻤـﻞ ﻫـــﺬا اﻟـﺸـﺨـﺺ أﺑــــﺪﴽ«. ﻫﻜﺬا اﻧﺘﻬﺖ رﺳﺎﻟﺔ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻒ ﺗﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺗﻬﺎم اﻟﺨﻄﻴﺮ؟
ﻟـﻘـﺪ رد ﻋـﻠـﻴـﻪ ﺑــﺮﺳــﺎﻟــﺔ ﻣـﻀـﺎدة ﺷــﺪﻳــﺪة اﻟــﻌــﻨــﻒ ﻗـــﺎﺋـــﻼ: »أوﻻ، أﺟــﺪ ﻧـــﻔـــﺴـــﻲ ﻣـــﻀـــﻄـــﺮﴽ ﻟـــﻠـــﺘـــﺼـــﺮﻳـــﺢ ﺑــﻤــﺎ ﻳــﻠــﻲ: ﻣـــﻦ ﻏــﻴــﺮ اﳌــﻌــﻘــﻮل أن أﺗــﺤــﺪث ﻋــﻦ ﻗـﻨـﺎﻋـﺎﺗـﻲ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﻋــﻦ روﺳـﻴـﺎ واﻟــــﺸــــﻌــــﺐ اﻟـــــﺮوﺳـــــﻲ أﻣــــــــﺎم اﻟــﺴــﻴــﺪ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ، ﻟﺴﺒﺐ ﺑﺴﻴﻂ: ﻫﻮ أﻧــــﻲ أﻋــﺘــﺒــﺮه ﺷــﺨــﺼــﴼ ﻣــﺮﻳــﻀــﴼ ﻣـﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ. ﻓﺒﺴﺒﺐ اﻟـﻬـﺰات اﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺒﻪ، ﺑﺴﺒﺐ اﻟــﻌــﺼــﺎب واﻟـــﺼـــﺮع وﻣـــﺎ إﻟـــﻰ ذﻟـــﻚ، ﺑﺴﺒﺐ أوﺿــﺎﻋــﻪ اﳌﻌﻴﺸﻴﺔ اﳌــﺰرﻳــﺔ، ﻓــــﺈﻧــــﻪ ﻻ ﻳــﺘــﻤــﺘــﻊ ﺑــﺠــﻤــﻴــﻊ ﻣــﻠــﻜــﺎﺗــﻪ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ. وﻫﺬا ﻟﻴﺲ رأﻳﻲ ﻓﻘﻂ، وإﻧﻤﺎ رأي ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس. ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﺑـﺄﻧـﻲ ﻟــﻢ أر اﻟـﺴـﻴـﺪ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻓــﻲ ﺣـﻴـﺎﺗـﻲ إﻻ ﻣــﺮة واﺣــــﺪة، ﻋﻨﺪﻣﺎ زارﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻲ، وأﺧﺬ ﻳﺸﺘﻢ اﻷﳌﺎن وﻳــﺸــﺘــﻤــﻨــﻲ ﳌــــﺪة ﺳــﺎﻋــﺔ ﻛــﺎﻣــﻠــﺔ، ﺛﻢ اﻧﺼﺮف. ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ. وﻟﻢ أرد ﻋﻠﻴﻪ أﺑﺪﴽ ﻷﻧﻲ أﻋﺘﺒﺮه، ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻜﻢ، ﺷﺨﺼﴼ ﻣﺮﻳﻀﴼ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ«.
ﻫﻜﺬا، ﻧﺠﺪ أن اﳌﻌﺎرك اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﺤﺼﻞ ﻓﻘﻂ ﺑﲔ اﳌﺜﻘﻔﲔ اﻟﻌﺮب، ﺣـــﻴـــﺚ ﺗـــﻨـــﺤـــﺪر أﺣـــﻴـــﺎﻧـــﴼ إﻟـــــﻰ أدﻧــــﻰ ﻣـﺴـﺘـﻮى، وإﻧـﻤـﺎ ﺗﺤﺼﻞ أﻳـﻀـﴼ ﺑﲔ اﳌﺜﻘﻔﲔ اﻟﺮوس، وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ، وﻏــﻴــﺮﻫــﻢ. وﻻ ﺗـﺴـﺘـﺨـﺪم ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﻂ اﻟــﻜــﻠــﻤــﺎت اﳌــﻬــﺬﺑــﺔ، وإﻧــﻤــﺎ اﻷﺳـﻠـﺤـﺔ ﻛﺎﻓﺔ، ﻣﻦ ﻣﺸﺮوﻋﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮوﻋﺔ. ﻓﺘﻮرﻏﻴﻨﻴﻒ ﻟـﻢ ﻳـﺘـﻮان ﻋـﻦ اﻹﺷــﺎرة إﻟﻰ اﳌﺸﺎﻛﻞ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻟﺪﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ، ﻣـــــﻦ أﺟـــــــﻞ أن ﻳــــﺴــــﺪد ﻟـــــﻪ اﻟـــﻀـــﺮﺑـــﺔ اﻟــﻘــﺎﺿــﻴــﺔ. وﻣــﻌــﻠــﻮم أن اﻹﺷـــﺎﻋـــﺎت ﺣـــــﻮل ﻫـــــﺬه اﻟــﻨــﻘــﻄــﺔ ﻛـــﺎﻧـــﺖ راﺋـــﺠـــﺔ ﻣﻨﺘﺸﺮة ﺟﺪﴽ آﻧــﺬاك، ﺑﻞ وﻛـﺎن ﻫﻨﺎك أﻧـــــﺎس ﻣــﺨــﺘــﺼــﻮن ﻓــﻴــﻬــﺎ ﻳــﻐــﺬوﻧــﻬــﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار. وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻧﺴﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﺸﻬﻴﺮة، أو ﻗﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ: ﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻓـﻲ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ »اﻟﺸﺨﺺ« ﻛﻞ ﻋﻘﺪ اﻷرض وﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ. وﻟﻜﻦ أﻣﺎم دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻌﺒﻘﺮي، ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﴼ، ﻏﻴﺮ ﺷﻲء واﺣﺪ: أن ﺗﺮﻛﻊ وﺗﻨﺤﻨﻲ!