المواجهة بين النظام والمعارضة الفنزويلية تدخل مرحلة جديدة
بـعـد الــظــهــور المــفــاجــئ لـخـوان غــوايــدو صـبـاح أمــس الـسـبـت على مسرح »المـهـرجـان الموسيقي« الـذي نــظّــمــتــه المــــعــــارضــــة الــفــنــزويــلــيــة، بـدعـم مـن رجـل الأعـمـال البريطاني ريـــتـــشـــارد بــــرانــــســــون، فــــي مـديـنـة كـوكـوتـا الـكـولـومـبـيـة عـلـى الـحـدود مــع فـنـزويـلا، دخـلـت المـواجـهـة بين الـنـظـام والمـعـارضـة مـرحـلـة جـديـدة من التصعيد يصعب معها التكهّن بـتـداعـيـات الـخـطـوات الـتـي سيقدم عليها كلٌّ من الطرفين.
كان غوايدو، الذي أعلن منذ شهر تولّيه رئاسة الجمهورية بالوكالة، قـد أمـضـى ٣٠ سـاعـة لـلـوصـول إلـى الـــحـــدود الــكــولــومــبــيــة الــتــي تـبـعـد ٨٠٠ كــلــم عـــن الــعــاصــمــة كـــاراكـــاس بـعـد أن اجــتــاز عــــدداً مــن الـحـواجـز الأمـنـيـة َقـبـل أن يـعـبـر الــحــدود من نقطة لـم يُكشف عنها »وبمساعدة الـــقـــوات المــســلّـحـة« عـلـى حــد قـولـه. ولــــــدى ظـــهـــوره مــحــفــوفــاً بـــرؤســـاء كـولـومـبـيـا إيــفــان دوكــــي، وتشيلي سباستيان بينييرا، والـبـاراغـواي ماريو عبدو، والأمـين العام لمنظمة الـبـلـدان الأمـيـركـيـة لـويـس آلمـاغـرو، أعلن أنه يعتزم العودة بالطائرة إلى كـاراكـاس، مؤكداً »أن نهاية النظام بـاتـت قـريـبـة جــداً، والـحـواجـز التي تضعها الـديـكـتـاتـوريـة فـي طريقنا اليوم ستصبح غداً أنهاراً من السلام ومساعي المـلايـين مـن أبـنـاء الشعب لإنقاذ فنزويلا .«
فــــي غـــضـــون ذلـــــــك، كـــــان وزيــــر الـــخـــارجـــيـــة الــفــنــزويــلــي خــورخــي آرّيــــــــــــازا، يــــصــــرّح مــــن مــبــنــى الأمــــم المــــتــــحــــدة فــــــي نـــــيـــــويـــــورك قـــــائـــــلاً: »كثيرون في فنزويلا ليسوا راضين عــن وجــــود الــســيّــد غـــوايـــدو خــارج السجن بعد الانتهاكات القانونية والدستورية الكثيرة التي ارتكبها،« فـي تلميح إلــى اسـتـعـداد الحكومة لمــلاحــقــتــه قــضــائــيّــاً. وكـــــان آرّيـــــــازا يـجـري مــحــادثــات مــع الأمـــين الـعـام للمنظمة أنطونيو غوتيريش الذي دعـا الحكومة الفنزويلية إلـى عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين.
ويـــخـــشـــى كـــثـــيـــرون أن تــكــون الخطوة التالية التي سيُقدِم عليها الــنــظــام هـــي إصــــــدار مــــذكّــــرة جـلـب بحق غوايدو، واعتقاله في حال قرر العودة إلى فنزويلا، كما صرّح خلال تـفـقـدّه المــخــازن الـتـي تـتـكـدّس فيها المـسـاعـدات الإنسانية على الحدود الـكـولـومـبـيـة. ولــيــس واضــحــاً بعد كيف ستقوم المعارضة بتوزيع هذه المساعدات أمـام إصـرار النظام على مـنـع دخـولـهـا ونـشـر قــوات الجيش على كل المعابر البرّية مع كولومبيا، وبـعـد سـقـوط قتيلين مـن المواطنين برصاص حرس الحدود الفنزويلي عــلــى الـــحـــدود مـــع الـــبـــرازيـــل خــلال محاولة لإدخال مساعدات بالقوة.
وكان نظام مادورو قد فشل في »المواجهة الموسيقية« مع المعارضة عـنـدمـا نـظّـم مـهـرجـانـاً مــوازيــاً على جـسـر تـيـنـديـتـاس، الـــذي يـقـع على بعد ٥٠٠ متر من المكان الذي نظّمت فيه المعارضة مهرجانها الحاشد، ولم يحضره سوى عدد ضئيل جداً من المشاهدين معظمهم من موظّفي الدولة وكوادر الحزب الحاكم.
وفي ردّ على تصريحات لوزير الــخــارجــيــة الـفـنـزويـلـي اتــهّــم فيها الولايات المتحدة باستخدام أراضي جمهورية الدومينيكان لحشد قوات، تـحـضـيـراً لـلـقـيـام بعملية عسكرية ضــد فــنــزويــلا، نـفـى نــاطــق بـلـسـان الحكومة الدومينيكية بشكل قاطع تلك المعلومات، وأكّـد أن بـلاده التي »اعترفت بشرعيّة الرئيس الجديد، وتدعو مادورو إلى التنحّي وتسليم الــســلــطــة إلـــــى المـــعـــارضـــة بــالــطــرق الــســلــمــيــة، لـــن تــســمــح بــاســتــخــدام أراضيها فـي أي عمل عسكري ضد فنزويلا .«
من جهته دعا الرئيس الكولومبي إيــــفــــان دوكـــــــــي، الـــــقـــــوات المــســلّــحــة الفنزويلية، إلى »الوقوف في الجانب الـصـحـيـح مــن الــتــاريــخ، والـتـعـاون مــن أجــل تـوحـيـد أمـيـركـا اللاتينية حــول الـحـريـة والـديـمـقـراطـيـة«، رداً عـلـى الـتـصـريـحـات الـتـي أدلـــى بها نيكولاس مادورو مؤخراً ودعا فيها الـجـيـش الـكـولـومـبـي »إلـــى الـوقـوف بوجه دوكي ومحاولاته الانتحارية لافتعال مواجهة مسلحة مع فنزويلا خدمة للولايات المتحدة«.
فــــي مــــدريــــد قـــــــررت الــحــكــومــة الإسـبـانـيـة تأجيل الـلـقـاء الــذي كان مــقــرراً بــين المــوفــد الــخــاص لـخـوان غـــــوايـــــدو والمــــــســــــؤول عــــن أمــيــركــا اللاتينية في وزارة الخارجية »إلى أن تـنـهـي إسـبـانـيـا مـشـاوراتـهـا مع الشركاء الأوروبيين، وتنجز الأجهزة القانونية الدراسات اللازمة لتحديد الــصــفــة الــرســمــيــة الـــتـــي سـتـعـطـى للموفد الــخــاص«، كـمـا قــال مصدر رســــمــــي فـــــي حــــديــــث مـــــع »الــــشــــرق الأوســــــط«. وأضــــاف المــصــدر أن »لا نـــيّـــة فـــي الـــوقـــت الــحــاضــر لـسـحـب الاعــتــراف بـالـسـفـيـر الـحـالـي« الــذي
ّ يـمـثـل حـكـومـة مــــــادورو، خـشـيـة أن تـنـعـكـس هـــذه الــخــطــوة سـلـبـاً على المــصــالــح الإســبــانــيــة الـضـخـمـة في فنزويلا، حيث يقيم ويعمل أكثر من ١٦٠ ألـف إسباني. وتـواجـه مدريد، كـغـيـرهـا مـــن عـــواصـــم الــــــدول الـتـي اعترفت بشرعية الرئيس الفنزويلي الجديد ورفضت الاعتراف بشرعية الــولايــة الـثـانـيـة لمــــــادورو، ّمعضلة دبـلـومـاسـيـة وقـانـونـيـة مـعـق ـدة في الـتـعـاطـي مـع دولـــة لـهـا حـكـومـتـان؛ واحـــدة مـا زالــت افـتـراضـيـة لا تملك الـقـدرة على إدارة الـواقـع السياسي مــيــدانــيّــاً، والأخـــــــرى تـسـيـطـر عـلـى جميع الأجهزة التنفيذية، وبالتالي تملك القدرة على التأثير في مصالح الدول التي تتعامل معها.
ويـــــــقـــــــول المـــــــصـــــــدر الــــرســــمــــي الإســبــانــي إن الاتـــجـــاه فـــي الــوقــت الـراهـن هـو نـحـو الاعــتــراف بالموفد الـخـاص لـغـوايـدو مـمـثـلاً شخصياً لـلـرئـيـس الــــذي اعــتــرفــت الـحـكـومـة الإسبانية بشرعيته، والإبـقـاء على الاعتراف بالسفير الحالي ما لم يقدِم الـنـظـام عـلـى خـطـوة بـسـحـبـه. ومـن المنتظر أن تحذو العواصم الأوروبية الأخرى حذو الموقف الإسباني الذي يوجّه الجهود والمساعي التي يبذلها الاتــحــاد الأوروبـــــي لمـعـالـجـة الأزمــة الفنزويلية.