ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﺸﻌﺮاء اﶈﺪﺛﻮن ﻣﻊ ﺛﻴﻤﺔ اﳌﻮت؟
ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ اﻋﺘﱪوه وﺣﺸﴼ ﻛﺎﺳﺮﴽ أو ﺻﻴﺎدﴽ وآﺧﺮون زاﺋﺮﴽ
ﻛــﻠــﻤــﺎ اﻣـــﺘـــﺪ اﻟــﻌــﻤــﺮ ﺑــﺎﻟــﺸــﻌــﺮاء اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎة وﻟﻠﻤﻮت ﻣﻌﺎ، ﻓﺎﻟﺰﻣﻦ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﻛﺜﺮ أﺛﺮﴽ ﻋﻠﻰ اﻟـﺸـﻌـﺮاء، واﻷﺷـــﺪ وﻃــﺄة ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ، إذ ﻛﻠﻤﺎ اﺧـﺘـﻄـﻒ ﻋــﺎم ﻣــﻦ أﻋــﻮاﻣــﻬــﻢ ﺑـــﺪوا ﺑــﺮﺛــﺎﺋــﻪ، وﻛﻠﻤﺎ اﻧﻬﺪرت ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ ﺑﲔ أﺻﺎﺑﻌﻬﻢ ﺑـﻜـﻮﻫـﺎ ﺑــﻜــﺎء ﺣــــﺎرﴽ، ﻓــﺎﻟــﺸــﻌــﺮاء ﻫﻢ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﺗﺤﺴﺴﴼ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ، واﻷﺷﺪ ﺧﻮﻓﴼ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺗﻮﻏﻠﺖ ﺳﻨﻮات اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﺗﻮﻏﻠﺖ رؤﻳﺘﻪ ﻧﺤﻮ زﻣﻦ ﻳﺮاوح ﻣﺎ ﺑﲔ اﳌﻮت واﻟﺤﻴﺎة.
إن ﻣﺴﺄﻟﺔ اﳌـﻮت ﻗﺎﻫﺮ اﻟﺸﻌﺮاء وﻗـــﺎﻫـــﺮ اﻟــﻜــﺎﺋــﻨــﺎت ﺟـﻤـﻴـﻌـﺎ ﺷـﻜـﻠـﺖ ﺛﻴﻤﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﻣﻌﻈﻢ اﻟــﺸــﻌــﺮاء، ﻓــﺎﳌــﻮت ﻫـﺎﺟـﺴـﻬـﻢ اﻟــﺬي ﻳــــﻄــــﺎردوﻧــــﻪ، وﺻـــﺪﻳـــﻘـــﻬـــﻢ اﻟــــــﺬي ﻻ ﻳﺤﺒﻮﻧﻪ، ﻓﻴﺮاوﻏﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻫﺬا ﻣــﺎ دﻋــﺎ دروﻳـــﺶ أن ﻳـﻘـﻮل )ﻫﺰﻣﺘﻚ ﻳـﺎ ﻣــﻮت اﻟﻔﻨﻮن ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻫﺰﻣﺘﻚ ﻳــــﺎ ﻣــــــﻮت اﻟـــﻨـــﻘـــﻮش ﻋـــﻠـــﻰ ﺣـــﺠـــﺎرة ﻣــــﻌــــﺒــــﺪ....(، ﺑـــﻬـــﺬه اﳌــــﺮاوﻏــــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻳﺒﺘﻜﺮﻫﺎ اﻟﺸﻌﺮاء، ﺗﻌﺪدت ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ ﻟــﻪ، ﻓـﻤـﺎ ﺑــﲔ اﻟــﻮﺣــﺶ اﻟـــﺬي ﻳﻨﺸﺐ أﻇــﻔــﺎره إﻟـــﻰ ﻛــﺎﺋــﻦ ودﻳـــﻊ ﻳﺼﺎﺣﺐ اﳌــﻮﺗــﻰ ﻓــﻲ رﺣــﻠــﺔ ﻳــﺴــﻴــﺮة، ﻣــﺎ ﺑﲔ ﻫـﺬا وذاك ﻧﺠﺪ ﺗﻤﻈﻬﺮات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻤﻮت أﻃﻠﻘﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء، ﺻﺮﺧﺎت اﺣـﺘـﺠـﺎج وﺧــﻮف ﻣـــﺮات، وﻟﺤﻈﺎت ﺗﺼﺎﻟﺢ واﺳﺘﺴﻼم ﻣﺮات أﺧﺮى.
ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ »أﺑــﻮ ذؤﻳــﺐ اﻟﻬﺬﻟﻲ« ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻗـﺎل ﻋﻦ اﳌـﻮت وأﺻﺒﺢ ﺑﻴﺘﻪ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻓﻴﻪ:
وﺑــﻬــﺬه اﻟــﻨــﻈــﺮة ﻫـﻴـﻤـﻨـﺖ ﻓـﻜـﺮة اﻟـــﻮﺣـــﺶ ﻋــﻠــﻰ ﻣــﺠــﻤــﻞ اﻟــﺨــﻄــﺎﺑــﺎت اﻟــﺸــﻌــﺮﻳــﺔ، ﻓــﻘــﺪ ﺑــﻘــﻲ اﻟـــﻮﺣـــﺶ ذو اﻷﻇﺎﻓﺮ اﻟﺪاﻣﻴﺔ ﻳﻬﻴﻤﻦ زﻣﻨﴼ ﻃﻮﻳﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻌﺎﻣﻠﻮن ﻣﻊ اﳌـﻮت، ﻓﺎﻟﺠﻮاﻫﺮي ﻳﻜﺎد ﻳﻜﺮر ﺗﻠﻚ اﻟــــﺼــــﻮرة اﻟــﻨــﻤــﻄــﻴــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺗــﺴــﺎوق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
وﻫــــﻮ ﺑـــﻬـــﺬه اﻟـــﻨـــﻈـــﺮة ﻳـﺘـﻄـﺎﺑـﻖ ﺗﻤﺎم اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﻮت ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺒﻬﻪ ﺑﺎﻟﻮﺣﺶ ذي اﻟﻨﻴﻮب اﳌــﺪﻣــﺎة، وأﻧــﻪ ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ ﻛﺄي ﺣﻴﻮان ﻣﻔﺘﺮس.
ﻟــﻘــﺪ ﺑـﻘـﻴـﺖ اﻟــﻨــﻈــﺮة اﻟـﺘـﻘـﻠـﻴـﺪﻳـﺔ ﻟـــﻠـــﻤـــﻮت ﻣــﻬــﻴــﻤــﻨــﺔ ﻋـــﻠـــﻰ أﻏـــﻠـــﺐ ﻣـﻦ ﺗﻨﺎول ﻫﺬه اﳌﻮﺿﻮﻋﺔ ﺑﻮﺻﻒ اﳌﻮت وﺣــﺸــﺎ ﻛــﺎﺳــﺮا، ﻋﻠﻤﺎ ﺑــﺄن اﻟــﺠــﺬور اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﳌﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟـﻢ ﺗﺘﺤﺪث ﻋــﻦ اﳌـــﻮت ﺑـﻮﺻـﻔـﻪ وﺣــﺸــﺎ، ورﺑـﻤـﺎ ﺗـﺤـﺘـﺎج ﻫــﺬه اﻟـﻔـﻜـﺮة إﻟــﻰ ﻣـﺰﻳـﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺪراﺳﺔ.
ﺑﻘﻴﺖ اﻟﻨﻈﺮة ﻟﻠﻤﻮت ﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﻟـــﺘـــﺤـــﻮل اﻟـــﺤـــﺪاﺛـــﻲ ﻓـــﻲ اﻟــﻘــﺼــﻴــﺪة اﻟـــــﻌـــــﺮﺑـــــﻴـــــﺔ، ﻓـــــﻘـــــﺪ ﺗـــــﺤـــــﻮﻟـــــﺖ ﻣــﻌــﻪ ﻣـــــﻮﺿـــــﻮﻋـــــﺎت ﻣـــــﺘـــــﻌـــــﺪدة، وﻣـــﻨـــﻬـــﺎ ﻣــــﻮﺿــــﻮﻋــــﺔ اﳌـــــــــــﻮت، اﻟـــــﺘـــــﻲ ﺑــﻘــﻴــﺖ ﺗﺘﻨﺎوﺑﻬﺎ ﻧﻈﺮﺗﺎن: اﻷوﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋـﻦ اﻟـﺴـﻴـﺎق، ﻓﻴﻤﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻘﺎدة ﻟﻠﺴﻴﺎق اﳌﻌﺮوف، وإن اﺧﺘﻠﻒ اﻷداء واﻟﻠﻐﺔ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺎب أﺣﺪ أﻫﻢ ﺷﻌﺮاﺋﻨﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻜﻞ اﳌﻮت ﻫﺎﺟﺴﴼ ﻣﻘﻠﻘﴼ ﻟﻪ، ﻓﺘﻨﺎوﻟﻪ ﺑﻨﺼﻮص ﻛﺜﻴﺮة ﻣﺼﺮﺣﴼ وﻣﻠﻤﺤﴼ ﻟﻪ، إﻻ أﻧﻪ ﻟﺪى »اﻟﺴﻴﺎب« ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ )اﳌﻮت اﻟﻮﺣﺶ( اﳌﻌﺘﺎد ﻟـــﺪى اﻵﺧـــﺮﻳـــﻦ، ﻓــﻬــﻮ ﻋــﺎﻟــﻢ ﻏـﺎﻣـﺾ وﻣﺨﺘﻠﻒ وﻟﻜﻨﻪ ﺑﻼ ﻣﻼﻣﺢ. ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺧﺼﺺ ﻣﺤﻤﻮد دروﻳﺶ ﻋﻤﻼ ﻛﺎﻣﻼ ﻳﺘﺤﺪث ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﳌﻮت، وﻣﺎ ﺑﻌﺪه، وﻫﻮ )اﻟﺠﺪارﻳﺔ( وأزﻋﻢ أن ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺷﻜﻞ ﺗﺤﻮﻻ ﻣﻬﻤﴼ ﻓﻲ ﺷــﻌــﺮﻳــﺔ دروﻳــــــﺶ، وأﺻــﺒــﺢ ﻳـﺆﺷـﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﺪارﻳﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ، وﻋـﻠـﻰ اﻟـﺮﻏـﻢ ﻣـﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟـــﺠـــﺪارﻳـــﺔ واﻟــــﺤــــﻮار اﻟــﻠــﺬﻳــﺬ اﻟـــﺬي اﺟﺘﺮﺣﻪ »دروﻳـــﺶ« ﻣﻊ اﳌــﻮت ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ زال ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻧﻈﺮة اﻟﺼﻴﺎد، أي إن اﻟﻨﻈﺮة إﻟﻰ اﳌﻮت ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻧﻔﺲ اﻟــﻨــﻈــﺮة اﻟـﺘـﻘـﻠـﻴـﺪﻳـﺔ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺮﻏــﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﻮل اﻟﻠﻐﺔ ودﻫﺸﺔ اﻟﺼﻮر واﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪراﻣﻲ اﻟﺴﺎﺣﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺪارﻳﺔ ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮل:
)وﻳﺎ ﻣﻮت اﻧﺘﻈﺮ ﻳﺎ ﻣﻮت / ﺣﺘﻰ أﺳـﺘـﻌـﻴـﺪ ﺻــﻔــﺎء ذﻫــﻨــﻲ ﻓــﻲ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﺻﺤﺘﻲ / ﻟﺘﻜﻮن ﺻﻴﺎدا ﺷﺮﻳﻔﺎ ﻻ ﻳﺼﻴﺪ اﻟﻈﺒﻲ ﻗـﺮب اﻟﻨﺒﻊ / وﻟﺘﻜﻦ اﻟـﻌـﻼﻗـﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ ودﻳــﺔ وﺻــﺮﻳــﺤــﺔ.... / ﻟﻢ ﻳﻤﺖ أﺣـﺪ ﺗﻤﺎﻣﺎ / ﺗﻠﻚ أرواح ﺗـــﺒـــﺪل ﺷــﻜــﻠــﻬــﺎ وﻣـــﻘـــﺎﻣـــﻬـــﺎ(، وﻫــﻨــﺎ ﻳﺪﺧﻞ دروﻳﺶ ﺑﺤﻮار داﻓﺊ وﺷﻴﻖ ﻣﻊ اﳌﻮت ﻟﻐﺔ وﺑﻨﺎء وﺟـﺪاﻻ، وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﺨﻠﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﻫــﺬا اﳌﻘﻄﻊ ﻓــﺈن دروﻳـــﺶ ﻟـﻢ ﻳﻐﺎدر اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﻮت، ﻓﻤﺎ زال ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻـﻴـﺎدﴽ ﻻ أﻛﺜﺮ )ﻟــﺘــﻜــﻮن ﺻـــﻴـــﺎدﴽ ﺷــﺮﻳــﻔــﴼ ﻻ ﻳﺼﻴﺪ اﻟﻈﺒﻲ ﻗﺮب اﻟﻨﺒﻊ( واﻹﻧﺴﺎن ﻋﺒﺎرة ﻋـﻦ ﻇﺒﻲ ﻳﺘﺮﺻﺪه اﻟﺼﻴﺎد ﻓـﻲ أي ﻟـــﺤـــﻈـــﺔ. وﻳــــﺆﻛــــﺪ »دروﻳــــــــــﺶ« ﻋـﻠـﻰ ﻓﻜﺮة اﻟﺼﻴﺎد ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻃﻊ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟـﺠـﺪارﻳـﺔ )اﺟـﻠـﺲ ﻋﻠﻰ اﻟـﻜـﺮﺳـﻲ / ﺿﻊ أدوات ﺻﻴﺪك ﺗﺤﺖ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ/ وﻋـــﻠـــﻖ ﻓـــــﻮق ﺑـــــﺎب اﻟــﺒــﻴــﺖ ﺳـﻠـﺴـﻠـﺔ اﳌــﻔــﺎﺗــﻴــﺢ اﻟــﺜــﻘــﻴــﻠــﺔ / ﻻ ﺗـــﺤـــﺪق ﻳـﺎ ﻗـﻮي إﻟـﻰ ﺷﺮاﻳﻴﻨﻲ/ ﻟﺘﺮﺻﺪ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻀﻌﻒ اﻷﺧــﻴــﺮة / أﻧــﺖ أﻗـــﻮى ﻣﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﻄﺐ/ أﻗﻮى ﻣﻦ ﺟﻬﺎز ﺗﻨﻔﺴﻲ / أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻞ اﻟﻘﻮي / وﻟﺴﺖ ﻣﺤﺘﺎﺟﴼ / ﻟﺘﻘﺘﻠﻨﻲ / إﻟﻰ ﻣﺮﺿﻲ/ ﻓﻜﻦ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺮات...(، وﻋﻠﻰ اﻟــﺮﻏــﻢ ﻣــﻦ دﻫــﺸــﺔ اﻟـﺒـﻨـﺎء واﺟــﺘــﺮاح اﻟﺼﻮر اﳌﺪﻫﺸﺔ ﻓﺈن اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻫﻲ ﻓﻜﺮة اﻟﺼﻴﺎد اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺎﺿﺪ ﻣﻊ ﻓﻜﺮة اﻟﻮﺣﺶ.
وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺷﻌﺮاء اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳــﻨــﺤــﺮﻓــﻮا ﺑــﻤــﻮﺿــﻮﻋــﺔ اﳌــــﻮت، وﻳﺒﺘﻜﺮوا ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺎدة، ﻓﻌﺒﺪ اﻟــﺮزاق ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻦ اﳌﻮت ﻓﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻫﻢ ﻧﺼﻮﺻﻪ - ﻛﻤﺎ أرى - وﻫــﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ - ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﺎت وﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻟﻔﲔ - ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻲ، واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ، ﻟﻦ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺷﻌﺮي إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ، ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »اﻟﺤﺮ اﻟـــﺮﻳـــﺎﺣـــﻲ«، واﻟــﺤــﺪﻳــﺚ ﻣــﺎ زال ﻟــﻪ، وﺳﺘﺒﻘﻰ »اﻟــﺰاﺋــﺮ اﻷﺧـﻴـﺮ« وﺑﻌﺾ اﻟــــﻨــــﺼــــﻮص اﻷﺧــــــــــﺮى، وﺳـــﻴـــﺬﻫـــﺐ »ﺛﻠﺜﺎ ﺷﻌﺮي« أدراج اﻟﺮﻳﺎح، ﻫﻜﺬا ﻛــﺎن ﻳــﻘــﻮل. و»اﻟــﺰاﺋــﺮ اﻷﺧــﻴــﺮ« أﺣﺪ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺼﻮص ﺗﻌﺎﻣﻼ ﻣـﻊ اﳌـﻮت، وﻟــﻜــﻨــﻪ ﺗــﻌــﺎﻣــﻞ ﻣــﺨــﺘــﻠــﻒ، ﻳــﺒــﺪأ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻮان، ﻓﺎﳌﻮت ﻟﻴﺲ وﺣﺸﴼ، إﻧﻤﺎ ﻫﻮ زاﺋـﺮ ﺳﻴﻄﺮق اﻟﺒﺎب، وﻳﺠﻠﺲ، ﺑﺤﻴﺚ أﺿﻔﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻛﻞ ﺻﻔﺎت اﻹﻧــــﺴــــﺎن إﻟـــــﻰ اﳌــــــﻮت ﻣــــﻦ ﺣـــﺪﻳـــﺚ، وﺣــــﺮﻛــــﺔ، وﺗــﻌــﺎﻣــﻞ ﻟــﻄــﻴــﻒ. ﻳــﻘــﻮل: )ﻣﻦ دون ﻣﻴﻌﺎد/ ﻣﻦ دون أن ﺗﻘﻠﻖ أوﻻدي / اﻃـﺮق ﻋﻠﻲ اﻟﺒﺎب / أﻛﻮن ﻓــﻲ ﻣﻜﺘﺒﺘﻲ ﻓــﻲ ﻣـﻌـﻈـﻢ اﻷﺣــﻴــﺎن/ إﺟﻠﺲ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﺜﻞ أي زاﺋﺮ / وﺳﻮف
ٍْ ﻻ أﺳﺄل ﻻ ﻣﺎذا وﻻ ﻣﻦ أﻳﻦ / وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺒﺼﺮﻧﻲ ﻣــﻐــﺮورق اﻟﻌﻴﻨﲔ / ﺧﺬ ﻣﻦ ﻳﺪي اﻟﻜﺘﺎب / أﻋﺪه ﻟﻮ ﺳﻤﺤﺖ دون ﺿـــﺠـــﺔ ﻟــــﻠــــﺮف ﺣـــﻴـــﺚ ﻛــــــﺎن / وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺨﺮج ﻻ ﺗﻮﻗﻆ ﺑﺒﻴﺘﻲ أﺣﺪا / ﻷن ﻣﻦ أﻓﺠﻊ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺒﺼﺮه اﻟــــﻌــــﻴــــﻮن / وﺟــــــــﻮه أوﻻدي ﺣــﲔ ﻳـﻌـﻠـﻤـﻮن(. ﻓﻴﻤﺎ ﻧـﻈـﺮ »أﻣـــﻞ دﻧـﻘـﻞ« ﻧﻈﺮة أﺧــﺮى ﻟﻠﻤﻮت، وﺷﻜﻞ اﻟﻠﻮن أﺣﺪ أﻫﻢ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺤﻮار ﻣﻊ اﳌﻮت، وﻟﻜﻨﻪ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﻴﺎﺋﺲ واﳌﻨﻘﺎد ﻟﻪ، وﻟﻜﺎﻣﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ، ﻓﺪﻳﻮاﻧﻪ »اﻟﻐﺮﻓﺔ رﻗـــﻢ ٨« ﻫــﻮ اﺷــﺘــﻐــﺎل واﺳـــﻊ ﻟﻔﻜﺮة اﳌﻮت أﺟﺠﺘﻬﺎ أﻣﺮاض »أﻣﻞ دﻧﻘﻞ« ورﻗﺎده اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻓﻲ اﳌﺴﺘﺸﻔﻰ، وﻓﻲ اﻟـﻐـﺮﻓـﺔ رﻗــﻢ ٨ اﻟـﺘـﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑــﻌــﺪ ﻋــﻨــﻮاﻧــﴼ ﳌـﺠـﻤـﻮﻋـﺘـﻪ اﻷﺧــﻴــﺮة، وﻫــﻲ ﻣــﻦ أﻫــﻢ أﻋـﻤـﺎﻟـﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ:
)ﻓـــــﻲ ﻏـــــﺮف اﻟــﻌــﻤــﻠــﻴــﺎت / ﻛـــﺎن ﻧﻘﺎب اﻷﻃﺒﺎء أﺑﻴﺾ / ﻟﻮن اﳌﻌﺎﻃﻒ أﺑﻴﺾ / ﺗــﺎج اﻟﺤﻜﻴﻤﺎت أﺑﻴﺾ / أردﻳـــﺔ اﻟــﺮاﻫــﺒــﺎت / اﳌــــﻼءات / ﻟـﻮن اﻷﺳــــﺮة / أرﺑــﻄــﺔ اﻟــﺸــﺎش واﻟـﻘـﻄـﻦ / ﻗــﺮص اﳌــﻨــﻮم / أﻧـﺒـﻮﺑـﺔ اﳌـﺼـﻞ / ﻛﻮب اﻟﻠﱭ / ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺎض ﻳﺸﻴﻊ ﺑﻘﻠﺒﻲ اﻟــﻮﻫــﻦ / ﻛــﻞ ﻫـــﺬا اﻟـﺒـﻴـﺎض ﻳـﺬﻛـﺮﻧـﻲ ﺑﺎﻟﻜﻔﻦ / ﻓـﻠـﻤـﺎذا إذا ﻣـﺖ / ﻳﺄﺗﻲ اﳌـﻌـﺰون ﻣﺘﺸﺤﲔ ﺑﺸﺎرات ﻟﻮن اﻟﺤﺪاد/ ﻫﻞ ﻷن اﻟﺴﻮاد / ﻟﻮن اﻟـﺘـﻤـﻴـﻤـﺔ ﺿــﺪ اﻟــﺰﻣــﻦ / ﺿــﺪ ﻣــﻦ / وﻣﺘﻰ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﺨﻔﻘﺎن اﻃﻤﺄن(.
إن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﺸﻌﺮاء وﻧــﻈــﺮﺗــﻬــﻢ ﻟــﻠــﻤــﻮت، ﺣــﺪﻳــﺚ ﻃـﻮﻳـﻞ وﻣــﺘــﺸــﻌــﺐ، وﻧـــﺎﺑـــﻊ ﺑـــﺎﻷﺳـــﺎس ﻣﻦ ﺛـﻘـﺎﻓـﺔ اﻟــﺸــﻌــﺮاء، واﻋـﺘـﻜـﺎﻓـﻬـﻢ ﻋﻠﻰ ﻣــﺸــﺮوﻋــﺎﺗــﻬــﻢ اﻟــﺸــﻌــﺮﻳــﺔ، وﺗـﻐـﻠـﻐـﻞ اﻟﺤﻴﺎة واﳌــﻮت ﺑﺬواﺗﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮة، وﻫـــﺬا ﻣــﺎ دﻋــﺎ ﺷــﺎﻋــﺮﴽ ﻣـﺜـﻞ »ﻣﺤﻤﺪ ﻋــﻠــﻲ ﺷــﻤــﺲ اﻟـــﺪﻳـــﻦ« أن ﻳـﺨـﺎﻃـﺒـﻪ ﺑﺮوح ﺻﻮﻓﻴﺔ داﻓﺌﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
وأﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻗﻮﻳﺎ ﻛﻴﻤﺎ ﺗﻨﻬﺮﻧﻲ ﺑﺎﳌﻮت