ﺑﺎﺧﺘﲔ... ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب واﺳﻌﴼ أﻣﺎم اﻟﺮواﻳﺔ ﻛﻲ ﺗﺰدﻫﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟـ١٢
٤٤ ﻋﺎﻣﴼ ﻋﻠﻰ رﺣﻴﻞ ﻣﺒﺘﻜﺮ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ »اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ« و»ﺗﻌﺪد اﻷﺻﻮات«
ﻏـــﺎﻟـــﺒـــﴼ ﻣـــــﺎ ﻳـــﻨـــﺘـــﺎﺑـــﻨـــﻲ ﺷـــﻌـــﻮر ﻋﻨﺪ اﻟـﺪﺧـﻮل إﻟــﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺄن ﻛـﻞ اﳌﺆﻟﻔﲔ اﻟـﺬﻳـﻦ اﺳﺘﻘﺮت ﻛﺘﺒﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮد ﻋﻠﻰ رﻓﻮﻓﻬﺎ ﻗﺪ ﻏــﺎدروا اﻟﺤﻴﺎة، وأﻧﻬﻢ اﻵن ﻳﺘﻮﺳﻠﻮن ﺑﻲ ﻣﻦ وراء ﺣﺎﺟﺰ اﻟﻐﻴﺐ ﻛﻲ أﺳﺘﻞ ﻣﺆﻟﻔﴼ ﻣﺎ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ، وﻟﻌﻞ ﺗﺼﻔﺤﻪ ﻓﻘﻂ ﺳﻴﻜﻮن ﻛﺎﻓﻴﴼ ﳌﻨﺤﻬﻢ ﺧﻴﻄﴼ واﻫﻴﴼ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺨﻠﻮد، ﺣﺘﻰ ﻟﻠﺤﻈﺔ واﺣﺪة.
وﻗﺪ ﻻ أﺳﺘﺒﻌﺪ أن ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر راود ﻃﺎﻟﺐ اﻟــﺪراﺳــﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟـﺬي دﺧــﻞ إﻟــﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ أﻛـﺎدﻳـﻤـﻴـﺔ اﻟﻌﻠﻮم ﻓـــــﻲ ﻣـــﻮﺳـــﻜـــﻮ ﺑـــﺤـــﺜـــﴼ ﻋـــــﻦ ﻣـــﺼـــﺎدر ﻷﻃــــﺮوﺣــــﺘــــﻪ، وﻋـــــــﺎدة ﺗـــﻜـــﻮن أﻏــﻠــﺐ اﻟــﻜــﺘــﺐ ﻓـﻴـﻬـﺎ ﻣــﺤــﺠــﻮﺑــﺔ ﻋـــﻦ اﻟــﻘــﺮاء ﺧــﺎرج أﺳــﻮار اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣﺎ ﺗﺘﻌﺎرض )ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ( ﻣـﻊ اﻟﻔﻜﺮ »اﳌـﺎرﻛـﺴـﻲ - اﻟﻠﻴﻨﻴﻨﻲ«.
ﺧــﻼل ﺗـﺠـﻮاﻟـﻪ اﻟـﻌـﺸـﻮاﺋـﻲ ﺑﲔ اﻟـــﺮﻓـــﻮف وﻗــﻌــﺖ ﻋــﻴــﻨــﺎه ﻋــﻠــﻰ ﻛـﺘـﺎب ﺑــﻌــﻨــﻮان ﻣــﺜــﻴــﺮ: »ﻣــﺴــﺎﺋــﻞ اﻟـﺸـﻌـﺮﻳـﺔ ﻟﺪى دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ« )اﻟﺬي ﺗﺮﺟﻤﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻤﻴﻞ ﻧﺼﻴﻒ اﻟــﺘــﻜــﺮﻳــﺘــﻲ ﺗــﺤــﺖ ﻋـــﻨـــﻮان »ﺷــﻌــﺮﻳــﺔ دوﺳـــــﺘـــــﻮﻳـــــﻔـــــﺴـــــﻜـــــﻲ«، وراﺟـــــﻌـــــﺘـــــﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺣﻴﺎة ﺷــﺮارة، وﺻــﺪر ﻋﻦ دار ﺗﻮﺑﻘﺎل، ﻋـﺎم ٦٨٩١(، وﺣـﲔ ﻗﺮأ اﺳــــﻢ ﻣـــﺆﻟـــﻔـــﻪ: ﻣــﻴــﺨــﺎﺋــﻴــﻞ ﺑــﺎﺧــﺘــﲔ، ﺧﺎﻣﺮه ﺷﻌﻮر ﻋﻤﻴﻖ ﺑﺄن ﻫﺬا اﳌﺆﻟﻒ اﳌﺠﻬﻮل ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻗﺪ ﻏﺎدر اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮد ﻛﺜﻴﺮة.
ﺗﺤﺖ اﻹﺛﺎرة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻫـﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻗـــﺎم ذﻟـــﻚ اﻟــﻄــﺎﻟــﺐ ﺑــﺈﺷــﺮاك ﻋـــﺪد ﻣﻦ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﲔ اﻟﺸﺒﺎب ﻓـﻲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ. ﻫﺂﻧﺬا أراﻫــﻢ ﻣﺼﻌﻮﻗﲔ أﻣــﺎم اﻟﻜﻨﺰ اﻟـــﺬي أﺧــﺮﺟــﻪ زﻣـﻴـﻠـﻬـﻢ ﻣــﻦ اﻟﻘﻤﻘﻢ، ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺸﺒﻪ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺠﻨﻲ اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺎرورة ﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎﺋﻪ دﻫﺮﴽ ﻃﻮﻳﻼ داﺧـﻠـﻬـﺎ ﻋـﻘـﺎﺑـﴼ ﻟــﻪ ﻋـﻠـﻰ ﻋــﺪم إﻃـﺎﻋـﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن.
ﻻ ﺑـــﺪ أن ﻫـــﺬا اﻻﻛــﺘــﺸــﺎف ﺟــﺎء ﺑﻔﻀﻞ اﻻﻧﻔﺮاج اﻟﺬي ﻋﺮﻓﻪ اﻻﺗﺤﺎد اﻟـﺴـﻮﻓـﻴـﺎﺗـﻲ ﺑـﻌـﺪ ﻋــﺎم ٦٥٩١، ﺣﻴﺚ ﺧﻔﺖ ﻛﻒ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﺿﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏﻴﺮ اﳌﺪﺟﻨﺔ.
ﺑﻌﺪ ﺑﺤﺚ ﻃﻮﻳﻞ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﳌﺆﻟﻒ اﳌـﺠـﻬـﻮل ودراﺳـــﺎﺗـــﻪ، اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺗﻠﻚ اﳌﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻣــﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ اﻟـﺸـﺒـﺎب ﻓــﻲ ﻣﻌﻬﺪ اﻵداب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم، أن اﳌﺆﻟﻒ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻢ ﺑﺎﺧﺘﲔ، اﻟﺬي رﺣﻞ ﻓﻲ ٧ ﻣــﺎرس )آذار( - ﻋـﺎم ٥٧٩١- ﻣﺎ زال ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة.
ﻛـــــﺬﻟـــــﻚ، ﻓــــــﺈن ﻛــــﺘــــﺎب »ﺷـــﻌـــﺮﻳـــﺔ دوﺳـــﺘـــﻮﻳـــﻔـــﺴـــﻜـــﻲ« ﻓـــﺘـــﺢ أﻋــﻴــﻨــﻬــﻢ ﻋــﻠــﻰ ﻣـــﻘـــﺎﻻت ودراﺳـــــــــﺎت ﻣـﺒـﻌـﺜـﺮة ﻓــﻲ أرﺷــﻴــﻔــﺎت ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻫـﻨـﺎ وﻫــﻨــﺎك، وﻗـــﺎدﻫـــﻢ إﻟـــﻰ أن أﻃـــﺮوﺣـــﺔ ﺑﺎﺧﺘﲔ اﻟـﺘـﻲ رﻓـﻀـﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﳌـﻨـﺎﻗـﺸـﺔ ﻟﻬﺎ ﻣــﻨــﺤــﻪ درﺟـــــﺔ دﻛــــﺘــــﻮراه ﻓـــﻲ أواﺧــــﺮ اﻷرﺑﻌﻴﻨﺎت، ﻣـﻮﺟـﻮدة ﻫﻲ اﻷﺧـﺮى وراء أﺑـــﻮاب ﻣﻘﻔﻠﺔ أﻣــﺎم اﻟﺠﻤﻬﻮر، وﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان: »راﺑﻠﻴﻪ وﻋﺎﳌﻪ«.
ﻻ أﺳـــﺘـــﺒـــﻌـــﺪ أن ﻳــــﻜــــﻮن ﻗــــﺪوم ﺛﻼﺛﺔ ﺷﺒﺎب ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻜﻮ إﻟـﻰ ﺑﻴﺘﻪ اﻟـــﻮاﻗـــﻊ ﻓـــﻲ ﺑــﻠــﺪة ﻧــﺎﺋــﻴــﺔ، ﻣــﻌــﺰوﻟــﺔ، ﻋﺎم ٣٦٩١، ﻗﺪ أﺛﺎر ﻗﺪرﴽ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ﻓـــﻲ ﻧــﻔــﺴــﻪ. ﻓــﻬــﻮ ﻣــﻨــﺬ وﻗـــﻮﻓـــﻪ أﻣـــﺎم اﳌﺤﻜﻤﺔ اﻟـﺜـﻮرﻳـﺔ ﻋــﺎم ٩٢٩١ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﻧﺸﺮ اﻷﻓـﻜـﺎر اﻟـﻬـﺪاﻣـﺔ ﺑـﲔ اﻟﺸﺒﺎب، وﺻـــﺪور ﺣﻜﻢ ﺿــﺪه ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﻟﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات إﻟﻰ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ، ﻳﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﻫﺎﺟﺲ ﻋﻮدة رﺟﺎل اﳌﺨﺎﺑﺮات ﺛﺎﻧﻴﺔ إﻟــﻴــﻪ. ﻛــﺎن اﻟﺴﺒﺐ وراء ذﻟــﻚ اﻟﺤﻜﻢ ﻫﻮ اﻧﻀﻤﺎﻣﻪ إﻟﻰ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﳌﺜﻘﻔﲔ ﺗـﻌـﻤـﻞ ﻋــﻠــﻰ ﺗـﺤـﻘـﻴـﻖ اﻟــﺘــﻮﻓــﻴــﻖ ﺑﲔ اﻟﺪﻳﻦ واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻛﺎﻓﻴﴼ ﻓﻲ أواﺧﺮ ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ أن ﻳﻌﺎﻗﺐ اﻟﻔﺮد ﻋﻠﻰ ﻫﺬه »اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ« ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ أو اﻟﺴﺠﻦ أو اﳌﻮت أو اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻘﺴﺮي اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ.
ﺣــــﺘــــﻰ ذﻟــــــــﻚ اﻟــــــﻮﻗــــــﺖ ﻟــــــﻢ ﻳــﻜــﻦ ﺻــﺪر ﻟﺒﺎﺧﺘﲔ أي ﻛﺘﺎب أو دراﺳــﺔ ﻓــﻲ ﻣـﺠـﻠـﺔ ﻣـﺘـﺨـﺼـﺼـﺔ، ﻋـــﺪا ﻛـﺘـﺎب »ﺷــﻌــﺮﻳــﺔ دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ«. وﻟـﻌـﻞ اﻻﺣﺘﻔﺎء اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي أﻇﻬﺮه ﻣﺜﻘﻒ ﺑﻠﺸﻔﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﻛﺎن وراء ﺗﺠﻨﺒﻪ اﻟﻨﻔﻲ إﻟﻰ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ. إﻧـﻪ أﻧﺎﺗﻮﻟﻲ ﻟﻮﻧﺎﺗﺸﺎرﺳﻜﻲ، اﻟﺬي ﻋـــﻴـــﻨـــﻪ ﻟــﻴــﻨــﲔ ﺑـــﻌـــﺪ ﺛـــــــﻮرة أﻛــﺘــﻮﺑــﺮ )ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول( ﻛﻮﻣﻴﺴﺎرا )وزﻳــﺮﴽ( ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ؛ ﺗﻌﺒﻴﺮﴽ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮه ﻹﻧﺠﺎزاﺗﻪ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮة.
ﺗـــﺮك ﻛــﺘــﺎب ﺑــﺎﺧــﺘــﲔ ﻓـــﻲ ﻧﻔﺲ اﳌــﺴــﺆول اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻧﻄﺒﺎﻋﴼ إﻳﺠﺎﺑﻴﴼ ﻛـﺒـﻴـﺮﴽ، ﺗـﺮﺟـﻤـﻪ ﺑﻨﺸﺮ ﻣـﻘـﺎﻟـﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﺗــﻤــﺘــﺪح ﻋــﺎﻟــﻴــﴼ ﻣـــﺆﻟـــﻔـــﻪ، وﻟــﻌــﻞ ﺗﻠﻚ اﳌﻘﺎﻟﺔ وﺗﺪﺧﻞ ﻟﻮﻧﺎﺗﺸﺎرﺳﻜﻲ وراء إﻧﻘﺎذه ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻲ إﻟﻰ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ.
ﺑــﻌــﺪ اﺳــﺘــﺌــﻨــﺎف اﻟــﺤــﻜــﻢ ﻋـﻠـﻴـﻪ، وﻣـــﻊ اﻟــﺘــﻘــﺮﻳــﺮ اﻟــﻄــﺒــﻲ اﻟــــﺬي ﻗــﺪﻣــﻪ، ﺑﺈﺻﺎﺑﺘﻪ ﺑﻤﺮض ﻣﺰﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻈﺎم، وأن إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓـﻲ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ ﺳﺘﻘﺘﻠﻪ، ﺑــﺪﻟــﺖ اﳌـﺤـﻜـﻤـﺔ ﺣـﻜـﻤـﻬـﺎ ﺿــــﺪه، ﻣﻦ ﺣــﻴــﺚ اﳌـــﻜـــﺎن اﻟـــــﺬي ﺳــﻴــﻨــﻔــﻰ إﻟــﻴــﻪ. إﻧﻬﺎ ﺑﻠﺪة ﻛﻮﺳﺘﺎﻧﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻓﻲ ﻛــﺎزﺧــﺴــﺘــﺎن، ﺣـﻴـﺚ ﻋـﻤـﻞ ﻣﺤﺎﺳﺒﴼ ﺻــﻐــﻴــﺮﴽ. وﺧــــﻼل اﻟــﺴــﻨــﻮات اﻟـﺴـﺖ اﻟـﺘـﻲ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﻫــﻨــﺎك، ﻛﺘﺐ ﺑﺎﺧﺘﲔ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻓﺮاﻏﻪ دراﺳﺎت ﻣﻬﻤﺔ )ﻟﻢ ﺗﻨﺸﺮ( ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ »ﺧﻄﺎب اﻟﺮواﻳﺔ«.
ﻋـﺎم ٧٣٩١، اﻧﺘﻘﻞ ﺑﺎﺧﺘﲔ إﻟﻰ ﺑﻠﺪة ﻛﻴﻤﺮي اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻧﺤﻮ ٠٠٢ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﺳﻜﻮ. وﻫﻨﺎك أﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﴼ ﻋﻦ اﻟﺮواﻳﺔ اﻷﳌﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟـﺜـﺎﻣـﻦ ﻋــﺸــﺮ. وﻗــﺪ ﻗـﺒـﻠـﺖ ﻣــﻦ »دار ﻧﺸﺮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻮﻓﻴﺎت«، ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻆ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻟﻔﻪ؛ إذ إن اﳌﺒﻨﻰ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺨﻄﻮﻃﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻓﻴﻪ ﻗﺼﻔﻬﺎ اﻷﳌﺎن ﻋﻨﺪ ﻏﺰوﻫﻢ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ ﻋﺎم ١٤٩١.
اﺷــــﺘــــﺪ ﻣــــــﺮض اﻟـــﻌـــﻈـــﺎم ﻋــﻠــﻴــﻪ آﻧـــــﺬاك، ﻟـﻜـﻦ ﺻـﺤـﺘـﻪ ﺗﺤﺴﻨﺖ ﺑﻌﺪ ﻗـــﻄـــﻊ ﺳــــﺎﻗــــﻪ ﻋــــــﺎم ٨٣٩١، وﺧـــــﻼل ﺳــﻨــﻮات اﻟــﺤــﺮب أﻗـــﺎم ﻓــﻲ ﻣﻮﺳﻜﻮ، وواﺻـــــــــﻞ إﻧــــﺘــــﺎﺟــــﻪ اﻟــــﻔــــﻜــــﺮي، ﻟــﻜــﻦ اﻟﺤﺼﺎر اﻟــﺬي ﻋﺎﻧﺘﻪ اﳌﺪﻳﻨﺔ دﻓﻌﻪ إﻟـﻰ اﺳﺘﻬﻼك ﺟـﺰء ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ أوراق ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ أﺧﺮى ﻟﻪ ﻟﺴﺠﺎﺋﺮه.
ﺑـــــﻌـــــﺪ رﻓــــــــــﺾ ﻣــــﻨــــﺤــــﻪ درﺟـــــــﺔ اﻟــﺪﻛــﺘــﻮراه ﻋﻠﻰ أﻃـﺮوﺣـﺘـﻪ »راﺑﻠﻴﻪ وﻋــــﺎﳌــــﻪ« ﻓـــﻲ أواﺧــــــﺮ اﻷرﺑــﻌــﻴــﻨــﺎت، اﻛﺘﻔﻰ »ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺘﻔﻮﻳﺾ اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ« ﺑﻤﻨﺤﻪ ﻟﻘﺒﴼ أﻛﺎدﻳﻤﻴﴼ أﻗﻞ ﺷﺄﻧﴼ.
اﻧـــــــﺘـــــــﻘـــــــﻞ ﺑـــــــﺎﺧـــــــﺘـــــــﲔ ﺧـــــــﻼل اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ إﻟﻰ ﺑﻠﺪة ﺳـﺎرﻧـﺴـﺎرك ﻓـﻲ ﻣـﻮردوﻓـﻴـﺎ، ﺣـــﻴـــﺚ ﻋـــﻤـــﻞ ﻣــــﺪرﺳــــﴼ ﻓــــﻲ اﳌــﻌــﻬــﺪ اﻟﺘﺮﺑﻮي اﳌﻮردوﻓﻲ. وﻣﻊ ﺗﺪﻫﻮر وﺿﻌﻪ اﻟﺼﺤﻲ ﺗﻘﺎﻋﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﺎم ١٦٩١، وﻛـﺎن ﻣﻦ اﳌﻔﺘﺮض أن ﺗﺨﺘﻔﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗـﺮﻛـﻬـﺎ ﻫـﻨـﺎ وﻫــﻨــﺎك، ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓـــﻲ أﻣـــﺎﻛـــﻦ ﻣـﺨـﺘـﻠـﻔـﺔ، ﻟــــﻮﻻ ﻛـﺘـﺎب »ﺷﻌﺮﻳﺔ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ«.
ﻓــــــﻲ اﻟــــــﻮﻗــــــﺖ ﻧــــﻔــــﺴــــﻪ، ﻋـــﺮﻓـــﺖ أﻋﻤﺎل دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﺧـﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ إﻫــﻤــﺎﻻ ﻣــﻄــﺮدﴽ، واﻋﺘﺒﺮه اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣـﻦ اﻟﻨﻘﺎد ﻣﻔﺘﻘﺪﴽ ﻷﺳﻠﻮب أدﺑــﻲ ﻣﺘﻤﻴﺰ، وآﺧـــﺮون ﻧـﻈـﺮوا إﻟﻰ أﻋـــﻤـــﺎﻟـــﻪ ﻣــــﻦ زاوﻳـــــــﺔ ﺳــﻴــﻜــﻮﻟــﻮﺟــﻴــﺔ ﺿـﻴـﻘـﺔ، ﺑـﺎﻋـﺘـﺒـﺎر أﺑــﻄــﺎﻟــﻪ ﻣﺼﺎﺑﲔ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎب، ﻓﻀﻼ ﻋـﻦ إﻗﺼﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟـﺤـﺮﻛـﺎت اﻟﻴﺴﺎرﻳﺔ اﻟﺼﺎﻋﺪة ﺑﺴﺒﺐ أﻓﻜﺎره »اﻟﺮﺟﻌﻴﺔ«.
وﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﻤﺲ ﻫﺬا اﻹﻫﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﻧﺠﻠﻮ - ﺳﺎﻛﺴﻮﻧﻲ، ﻓﺮواﺋﻲ ﻣﺜﻞ د. إﺗﺶ. ﻟﻮراﻧﺲ ﻧﺒﺬ ﻛﻞ أﻋﻤﺎﻟﻪ واﻛـﺘـﻔـﻰ ﺑﺎﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺑﻄﻞ »اﻹﺧــﻮة ﻛــﺎرﻣــﻮزوف«، إﻳﻔﺎن، ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﳌﻔﺘﺶ اﻟﻌﺎم«. أﻣﺎ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ اﻟﺒﺎرز ﻫﺎروﻟﺪ ﺑﻠﻮم، ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺎﻫﻠﻪ ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻓﻲ دراﺳﺘﻪ اﳌــﻬــﻤــﺔWestern Canon »)اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى(.
ﺟـــﺎء ﻛــﺘــﺎب ﺑــﺎﺧــﺘــﲔ »ﺷـﻌـﺮﻳـﺔ دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ« ﻓـــﻲ ﺣــﻘــﻞ اﻟـﻨـﻘـﺪ اﻷدﺑـــــﻲ ﺷـﺒـﻴـﻬـﺎ ﺑــﻤــﺎ ﺣـﻘـﻘـﻪ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ اﻟﻔﻠﻜﻲ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس اﻟﺬي ﻛﺸﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ أن اﻷرض ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ ﻻ اﻟﻌﻜﺲ.
ﻫــﻨــﺎ ﺗــﻘــﺪم ﻟــﻨــﺎ ﻫــــﺬه اﻟـــﺪراﺳـــﺔ اﻟـــﻘـــﻴـــﻤـــﺔ ﺟـــﻤـــﻠـــﺔ ﻣـــﻔـــﺎﻫـــﻴـــﻢ ﺟـــﺪﻳـــﺪة ﺗــــﺴــــﺎﻋــــﺪﻧــــﺎ ﻋــــﻠــــﻰ إﻋـــــــــــــﺎدة ﻗـــــــــﺮاءة واﻛــــﺘــــﺸــــﺎف دوﺳـــﺘـــﻮﻳـــﻔـــﺴـــﻜـــﻲ ﻣــﻦ ﺟﺪﻳﺪ؛ ﻓﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺜﻞ »اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ«، و»ﺗﻌﺪد اﻷﺻــﻮات« )اﻟﺒﻮﻟﻴﻔﻮﻧﻲ(، و»اﻟﻌﺘﺒﺔ« و»اﻟﺒﺎرودﻳﺎ« )اﳌﺤﺎﻛﺎة اﻟﺴﺎﺧﺮة(، و»اﻟﺤﻮارﻳﺔ« ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟـــﺮواﺋـــﻲ اﻟـــﺮوﺳـــﻲ اﻟـﻜـﺒـﻴـﺮ ﻣﻨﺘﻤﻴﴼ إﻟــﻰ ﻛـﻞ ﻣـﺎ ﺳﺒﻘﻪ ﻣـﻦ أﺷـﻜـﺎل أدﺑﻴﺔ وﻣـــــﻤـــــﺎرﺳـــــﺎت اﺟـــﺘـــﻤـــﺎﻋـــﻴـــﺔ ﻛـــﺒـــﺮى ﺑﻤﺪﻟﻮﻻﺗﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮة. ﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﺖ أﻋــﻤــﺎﻟــﻪ ﻣــﺼــﺪر اﻫــﺘــﻤــﺎم ﻛــﺒــﻴــﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺳﻮاء ﺑﲔ اﻟﻘﺮاء اﻟﻌﺎدﻳﲔ أو ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ.
ﻓــﻔــﻲ ﻛــﺸــﻒ ﺑــﺎﺧــﺘــﲔ ﻟﻠﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟــــﺘــــﻲ اﺳـــﺘـــﺨـــﺪم دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ اﻟــﻜــﺮﻧــﻔــﺎﻟــﻴــﺔ، ﻋــﻠــﻰ ﺳــﺒــﻴــﻞ اﳌـــﺜـــﺎل، ﺗﻤﻜﻦ اﻟﻘﺎرئ أن ﻳﺘﻠﻤﺲ ﻛﻴﻒ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻴﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺘﺮاﺗﺒﻴﺔ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺧﻼل اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻻت، وﻛﻴﻒ أن دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓــﻲ رواﻳــﺎﺗــﻪ، وﻛـﻴـﻒ ﺗﺘﻘﻠﺐ ﻣـﻮاﻗـﻊ ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻪ ﺧﻼل ﻟﻘﺎء اﺗﻬﻢ ﻓﻴﺼﺒﺢ اﻷﻗـــﻞ أﻫـﻤـﻴـﺔ ﻣﻬﻤﺎ واﻷﻛــﺜــﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﺿﺌﻴﻼ.
ﻛــــﺬﻟــــﻚ اﻟــــﺤــــﺎل ﻣــــﻊ »اﳌـــﺤـــﺎﻛـــﺎة اﻟـــــﺴـــــﺎﺧـــــﺮة«، ﺣـــﻴـــﺚ ﺧـــﻠـــﻖ ﻓـــﻴـــﺪور دوﺳــﺘــﻮﻳــﻔــﺴــﻜــﻲ أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ﺷﺨﺺ ﻳﻘﻠﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣـﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ رﺋﻴﺴﻴﺔ. وﻟــﻌــﻞ ﻣــﺒــﺪأ »ﺗــﻌــﺪد اﻷﺻـــــﻮات« ﻫﻮ اﻷﻛـﺜـﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﻓـﻲ أﻋـﻤـﺎﻟـﻪ. ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺘﺎﺑﻊ رأي اﻟـﻜـﺎﺗـﺐ ﻓــﻲ أﺑـﻄـﺎﻟـﻪ، ﺑﻞ رأي ﻛــﻞ ﺷـﺨـﺼـﻴـﺔ ﺑــﻐــﻴــﺮﻫــﺎ، وﻫــﺬا ﻣـﺎ ﺳﻤﺢ ﺑﺨﻠﻖ اﻟﻄﺒﺎق اﳌﻮﺳﻴﻘﻲ counterpoint ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ.
ﻗـــﺪ ﻳــﻤــﻜــﻦ اﻟـــﻘـــﻮل إن دراﺳـــــﺎت ﺑﺎﺧﺘﲔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب واﺳﻌﴼ ﻟﻠﺮواﻳﺔ ﻛﻲ ﺗﺰدﻫﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻮاﺣﺪ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺑﻌﻴﺪﴽ ﻋﻦ ذﻟــﻚ اﻟـﺘـﻘـﻨـﲔ اﻟـــﺬي ﻓـﺮﺿـﺘـﻪ رواﻳــﺘــﺎ ﺑﺮوﺳﺖ وﺟﻴﻤﺲ ﺟﻮﻳﺲ: »اﻟﺒﺤﺚ ﻋــﻦ اﻟــﺰﻣــﻦ اﻟــﻀــﺎﺋــﻊ« و»ﻋــﻮﻟــﻴــﺲ«، اﻟــﻠــﺘــﺎن ﺣـــﺪدﺗـــﺎ اﳌــﺴــﺎﺣــﺔ اﻟــﺮواﺋــﻴــﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﻓﻘﻂ.
ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ اﻟﺘﻔﺖ ﺣﻮل »اﳌﻌﻠﻢ« ﺑــﺎﺧــﺘــﲔ ﻓـــﻲ آﺧـــﺮ ﺳـــﻨـــﻮات ﺣـﻴـﺎﺗـﻪ، وﺗﻌﺎوﻧﺖ ﻣﻌﻪ ﻟﻴﻌﻴﺪ ﻗﺮاءة ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ وﻳﻨﻘﺢ أو ﻳﻀﻴﻒ ﻣـﺎ ﻳـﺸـﺎء، وﻋﻨﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﺎم ٥٧٩١، ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻮرة اﻹرث اﻟـﻔـﻜـﺮي اﻟـــﺬي ﺗـﺮﻛـﻪ ﺑـﺎﺧـﺘـﲔ وراءه واﺿــﺤــﺔ: إﻧــﻪ ﻟــﻢ ﻳـﻜـﻦ ﻣـﻨـﻈـﺮﴽ أدﺑـﻴـﴼ ﻓـﻘـﻂ، ﺑــﻞ إن اﺧـﺘـﺼـﺎﺻـﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ )ﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﻪ( ﻫﻮ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، وﺑﺎﻟﺬات ﺿــﻤــﻦ ﻣـــﺎ ﻋــــــﺮف ﻓـــﻲ ﺑـــﺪاﻳـــﺔ اﻟــﻘــﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺑـ»اﻟﻜﺎﻧﻄﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة«.
ﻧﺤﻦ إذن أﻣﺎم ﻣﻌﻠﻢ ﻓﻜﺮي ﻛﺒﻴﺮ ﻛــــﺎدت اﻟـــﻬـــﺰات اﻟــﺘــﻲ ﻋـﺎﺷـﻬـﺎ اﻟـﻘـﺮن اﻟـﻌـﺸـﺮون أن ﺗﻔﻘﺪ أﺛـــﺮه إﻟــﻰ اﻷﺑــﺪ. وﻛـــﺎن اﻟـﻌـﻤـﻞ اﻟــــﺪؤوب اﻟـــﺬي ﻗــﺎم ﺑﻪ ﻣﻔﻜﺮون وأﻛﺎدﻳﻤﻴﻮن ﻣﺜﻞ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻓﺔ ﺟﻮﻟﻴﺎ ﻛﺮﻳﺴﺘﻴﻔﺎ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣـــﻦ ﺑـــﻘـــﺎع اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ وراء اﺳــﺘــﺮﺟــﺎع ﻫـــﺬه اﻟـﻠـﻘـﻰ اﳌـﻨـﺘـﺸـﺮة ﻫـﻨـﺎ وﻫــﻨــﺎك. ﻟﻨﻜﺘﺸﻒ ﻓــﻲ ﻣـﺆﻟـﻔـﺎﺗـﻪ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف وﻋــــﺎﻟــــﻢ اﻟــــــــــﺪﻻﻻت واﻟــﻔــﻴــﻠــﻮﻟــﻮﺟــﻲ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻲ وﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻠﻐﺔ واﻷﺧﻼق واﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻲ.
ﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻳﻈﻞ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻓﺘﺢ اﻵﻓــﺎق أﻣــﺎم ﺑﺎﺧﺘﲔ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي أﻧﻘﺬه ﻣﻦ ﻣﻮت ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ، وﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي أﻧﻘﺬ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻣﻦ ﻣــﻮت اﻟـﻨـﺴـﻴـﺎن: »ﻣـﺴـﺎﺋـﻞ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟﺪى دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ« أو ﻓﻲ ﻃﺒﻌﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ: »ﺷﻌﺮﻳﺔ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ«.
ﻻ ﺑــــــﺪ ﻣــــــﻦ اﻹﺷـــــــــــــﺎرة إﻟـــــــﻰ أن اﻟــﺘــﺮﺟــﻤــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﻗــــﺎم ﺑــﻬــﺎ اﻟــﺪﻛــﺘــﻮر ﺟﻤﻴﻞ ﻧﺼﻴﻒ اﻟﺘﻜﺮﻳﺘﻲ ﺑﻤﺮاﺟﻌﺔ اﻟـــﺪﻛـــﺘـــﻮرة اﻟـــﺮاﺣـــﻠـــﺔ ﺣـــﻴـــﺎة ﺷــــﺮارة ﻫــــﻲ اﻷﺧــــــــﺮى ﻣــﻌــﻠــﻤــﴼ ﻣــﺘــﻤــﻴــﺰﴽ ﻓـﻲ اﳌﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻓﻜﺘﺎﺑﺎت ﺑﺎﺧﺘﲔ ﻣﻌﻘﺪة ﺑﺘﺮاﻛﻴﺒﻬﺎ وﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺗﻬﺎ وﻃﺮاﺋﻖ ﺑﺤﺜﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﳌﺘﺮﺟﻤﲔ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب.
ﻣﻨﺬ ﻣﺜﻮﻟﻪ أﻣﺎم اﶈﻜﻤﺔ اﻟﺜﻮرﻳﺔ ﻋﺎم ٩٢٩١ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﻧﺸﺮ اﻷﻓﻜﺎر اﳍﺪاﻣﺔ ﺑﲔ اﻟﺸﺒﺎب وﺻﺪور ﺣﻜﻢ ﺿﺪه ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﻟﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات إﻟﻰ ﺳﻴﺒﲑﻳﺎ ﻇﻞ ﺑﺎﺧﺘﲔ ﺣﱴ ﻣﻤﺎﺗﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﲢﺖ ﻫﺎﺟﺲ ﻋﻮدة رﺟﺎل اخملﺎﺑﺮات ﺛﺎﻧﻴﺔ إﻟﻴﻪ