Asharq Al-Awsat Saudi Edition

جادة الشانزليزي­ه تستعجل محو آثار التخريب والعنف

رئيس الحكومة يعرض سلسلة من الإجراءات الجديدة لكبح المشاغبين

- باريس: ميشال أبو نجم

منظر جـــادة الـشـانـزل­ـيـزيـه كـان حــزيــنــ­اً يــــوم أمـــــس، رغــــم أن بـلـديـة بــاريــس جــهــدت لمــحــو آثــــار الـعـنـف الأعـــمــ­ـى الـــــذي ضــــرب هــــذه الــجــادة الــتــي تــوصــف بــأنــهــ­ا »الأجـــمــ­ـل في الـعـالـم«. فمن سـاحـة الإتـــوال، حيث قوس النصر الذي يخلد انتصارات الإمــبــر­اطــور نـابـلـيـو­ن الأول، نــزولاً نـــحـــو ســــاحـــ­ـة الــــكـــ­ـونــــكــ­ــورد حـيـث المــســلّــة الــفــرعـ­ـونــيــة، لا يــقــع الــزائــر إلا عـلـى مـحـلات غـالـبـيـت­ـهـا مقفلة. أكــشــاك الــجــرائ­ــد تــرمــدت. واجـهـات زجاجية مهشمة تـدأب فـرق العمال فــي إزالـتـهـا ووضـــع ألــــواح خشبية مكانها. محل المجوهرات »ألباني«

ُ وجـاره »سواروفسكي« نهبا تماماً وســــــدت واجــهــات­ــهــمــا، ولـــــن يــعــود الــنــشــ­اط إلـيـهـمـا إلا بـعـد أسـابـيـع. الحال نفسها ألمت بمقهى »فوكيه« الــــذي أحــــرق وبــعــثــ­رت مـحـتـويـا­تـه. محل ومقهى »نسبريسو« الشهير الواقع يمين الجادة نزولاً اختفى عن الوجود وسدت واجهاته بالعرائض الـــخـــش­ـــبـــيــ­ـة. مـــحـــل »ســـامـــس­ـــونـــغ« للحواسيب والهواتف النقالة الذي افتتح منذ شهور قليلة عرف المصير نفسه وهكذا دواليك.

ثــمــة ســيــاحــ­ة جـــديـــد­ة تـعـرفـهـا جــادة الشانزليزي­ه، مختلفة تماماً عن التسوق أو الجلوس في مقاهيها والاستمتاع بمناظرها. إنها سياحة الـتـقـاط صــور الـدمـار الــذي حـل بها طيلة يوم كامل، عجزت فيه الأجهزة الأمــنــي­ــة عــن احـــتـــو­اء وجــبــة مـوجـة المواجهات التي حولت الشانزليزي­ه لساحة حـرب بين مجموعات بالغة التنظيم والـحـركـي­ـة أهمها المسماة »بلاك بلوكس« والقوى الأمنية.

ورغــــــم حــشــد مـــا لا يــقــل عـــن ٥ آلاف رجـــل أمـــن، فـــإن الــوضــع أفـلـت من أيديهم تماماً، الأمر الذي يفسر الــدمــار الكبير وعـمـلـيـا­ت التخريب والنهب والتحطيم التي قامت بها هذه المجموعات المنتمية إلى اليسار المــتــطـ­ـرف الـــخـــا­رج عـــن أي تـنـظـيـم. ومرة أخرى، يجد الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه حكومة إدوار فيليب ووزير داخليته كريستوف كاستانير في موضع الاتهام، لـ »عجزهم« عن كف يد المندسين والمخربين الذين قدر الأخير عددهم بـ١٥٠٠ شخص.

كذلك، فإن صورة ماكرون يتزلج في محطة جبلية في سلسلة جبال البيرينيه بينما جادة الشانزليزي­ه تـحـتـرق كـــان لـهـا أســــوأ الأثــــر على الــفــرنـ­ـســيــين الـــذيـــ­ن أغــاظــتـ­ـهــم قـبـل أسبوع مقاطع فيديو لوزير الداخلية راقـصـاً فـي أحــد المــرابــ­ع الليلية في بـــاريـــ­س بــعــد يــــوم مـــن المــظــاه­ــرات والعنف.

إزاء هــــذه الأوضـــــ­ــــاع، لـــم تـكـف عـودة ماكرون من منتجعه الجبلي المــتــعـ­ـجــلــة مـــســـاء الـــســـب­ـــت وعـــقـــد­ه اجـتـمـاعـ­ات مـتـلاحـقـ­ة بـحـثـاً عــن رد »مناسب« لطمأنة الفرنسيين لجهة ســيــطــر­ة الــحــكــ­ومــة عــلــى الـــوضـــ­ع. لــذا، فـقـد طـلـب مـن رئـيـس الحكومة والـــــوز­راء المـعـنـيـ­ين أن يـقـدمـوا إليه سريعاً اقـتـراحـا­ت جـديـدة تتناسب مع ما عرفته العاصمة وأيضاً لدرء الانتقادات التي انصبت على أدائـه وأداء حكومته مـن اليمين واليسار على السواء.

وذهــبــت بـعـض الأصــــوا­ت مثل الناطقة باسم حزب »الجمهوريون« اليميني، لورانس ساييه، للمطالبة باستقالة وزير الداخلية لفشله في التعامل مع العنف، خصوصاً أن ما حصل يوم السبت كان منتظراً وأن المـظـاهـر­ات ومـا يرافقها دخلت في شهرها الـرابـع. وفـي تـغـريـدة على »فــيــســب­ــوك«، اتــهــم رئــيــس الـحـزب لــــــورا­ن فـوكـيـيـه الــرئــيـ­ـس مــاكــرون بـ »العجز« وبأنه »لم يكن بمستوى التحدي«، والفشل في إيجاد الردود المـنـاسـب­ـة عـلـى تـفـجـر الــعــنــ­ف. أمـا أخــطــر اتــهــام مــن الـيـمـين فـقـد جـاء عـلـى لـسـان بــرونــو روتــيــو، رئيس مجموعة أعـضـاء مجلس الشيوخ مــن »الــجــمــ­هــوريــون«، الـــذي اعتبر ما حصل يـوم السبت بأنه »إجـازة أعــطــيــ­ت لــلــتــخ­ــريــب« لـلـمـشـاغ­ـبـين الذين اندسوا في صفوف السترات الــصــفــ­راء كـمـا كــل يـــوم ســبــت. ولـم يسلم ماكرون ولا حكومته من سهام اليسار الاشتراكي ولا من انتقادات رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، ولا من انتقادات عامة الناس وعلى الأخــص أصـحـاب المصالح وسكان هـــذه الـــجـــا­دة ومـتـفـرعـ­اتـهـا الـذيـن سـئـمـوا تـكـرار مـشـاهـد الـعـنـف منذ ١٧ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تاريخ انطلاقة الحركة الاحتجاجية.

فــــــي مـــــواجـ­ــــهـــــ­ة هـــــــــ­ذا الـــفـــي­ـــض مــن الانـــتــ­ـقـــادات، لــم يــتــردد رئـيـس الحكومة إدوار فيليب في الاعتراف بوجود »اختلالات« في عمل الأجهزة الأمنية، بينما رأى وزير الأمن لوران نوناس أنها وصلت إلى حد »الفشل« ولمح إلى الرغبة في إحداث تغييرات عــلــى رأس مـــديـــر­يـــة الـــشـــر­طـــة فـي باريس، المسؤولة عن أمن العاصمة. ونقل عن رئيس الجمهورية قوله إن طريقة التعامل الوحيدة مع العنف هــو »الــــرد الأمــنــي« وأنـــه »لا مـجـال بـتـاتـاً لــلــحــو­ار مــع الـــنـــو­اة الـصـلـبـة المتطرفة« من المحتجين الذين سبق لـــه أن وصــفــهــ­م بــأبــشــ­ع الــنــعــ­وت. واستدعى مجلس الشيوخ وزيـري الداخلية والاقتصاد لجلسة استماع الـيـوم فيما تـكـاثـرت الــدعــوا­ت لمنع مظاهرات »الـسـتـرات الـصـفـراء« في كل أنحاء فرنسا.

كــان عـلـى الـحـكـومـ­ة أن تتحرك بــســرعــ­ة وأن تــســتــج­ــيــب مــــن غـيـر تأخير لما طلبه ماكرون من إجراءات جديدة تمنع تكرار ما حصل السبت المــاضــي. وبـعـد اجـتـمـاعـ­ات مطولة شارك فيها وزراء الداخلية والعدل والأمـــــ­ـن الــداخــل­ــي وقــــــاد­ة الأجــهــز­ة الأمـــنــ­ـيـــة، بـــلـــور رئـــيـــس الــحــكــ­ومــة مجموعة تدابير عرضها عصراً في مقر رئاسة الحكومة. وأولى التدابير إزاحة مدير شرطة العاصمة »الشبيه بــــالمــ­ــحــــافـ­ـــظ« مـــيـــشـ­ــال دلـــبـــو­يـــش، واستبداله بمحافظ منطقة أكيتانيا »جنوب غربي فرنسا « ديديه لالمون، مما يعني أن الحكومة تحمل الأول مـسـؤولـيـ­ة الـعـجـز عــن الـتـعـامـ­ل مع المتظاهرين.

كذلك أعلن فيليب عن استعداد الحكومة لمنع مظاهرات »السترات الــصــفــ­راء« فــي الـشـانـزي­ـلـيـزيـه وفـي مـدن فرنسية أخـرى »منذ أن تتوفر لدينا معلومات عن وجـود عناصر متطرفة، وعـن عزمها على اللجوء إلـــــــى الـــتـــح­ـــطـــيــ­ـم«. وإضــــــا­فــــــة إلـــى الشانزليزي­ه، ذكـر فيليب منطقتين إضافيتين هما حي بي بيرلاند في مدينة بــوردو، وحـي الكابيتول في مدينة تولوز.

إضــافــة إلـــى ذلـــك، أعــلــن رئـيـس الحكومة زيـــادة الـغـرامـة المفروضة على كل من يشارك في مظاهرة غير مرخص لها كما كـان الحال السبت الماضي، بحيث ترتفع من ٣٨ يورو إلى ١٣٥ يـورو. ومن جملة ما أعلنه عزم وزارة الداخلية على طلب تدخل القضاء عند صدور دعوات من قادة السترات الصفراء للجوء إلى العنف. وميدانياً، حث فيليب القوى الأمنية على مزيد من الاعتقالات في صفوف المـحـتـجـ­ين والـلـجـوء إلــى الـطـائـرا­ت المسيرة (درون) لمتابعة المظاهرات وإعادة السماح باستخدام الرصاص المطاطي ضد من يرتكب أعمال عنف.

ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستكفي هـذه الإجـــراء­ات؟ وكثيرون يشككون بفعاليتها. وفـي أي حال، فــإن الأنــظــا­ر تـتـجـه مـنـذ الــيــوم إلـى مـا سيستخلصه الـرئـيـس مـاكـرون مـن »الـحـوار الوطني الكبير« الـذي أطــلــقــ­ه والـــــــ­ذي انــتــهــ­ى رســمــيــ­اً فـي ١٥ مــن الـشـهـر الـــجـــا­ري. ويـتـخـوف كــثــيــر­ون مـــن أن تــكــون »الأجـــوبـ­ــة« الرئاسية على ما طرحه المواطنون خـلال مئات الاجتماعات ومـن آلاف المقترحات دون المستوى المطلوب، مما سيسبب خيبة كبيرة ويقود إلى موجات جديدة من الاحتجاجات.

 ??  ?? محال جادة الشانزيليز­يه المخرّبة أمس (رويترز)
محال جادة الشانزيليز­يه المخرّبة أمس (رويترز)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia