Asharq Al-Awsat Saudi Edition

البنك الدولي يرسم صورة قاتمة للفقر في القارة الأفريقية

- نيروبي: شوقي الريّس

مــنــذ ســـنـــوا­ت والمـــؤسـ­ــســـات المــالــي­ــة والإنمائية الدولية، وفي طليعتها البنك الدولي، تتحدّث عن »النهضة الأفريقية« وعن »أفريقيا القرن الحادي والعشرين«، وتكيل المدائح للحكومات الأفريقية على مـا قـامـت بـه مـن إصــلاحــا­ت هيكلية ومـا تحققه مـن نـمـو اقـتـصـادي مـطـرد يناهز ٥٪ منذ أكـثـر مـن عشر سـنـوات. لكن ها هـــو الــبــنــ­ك الـــدولــ­ـي يـكـشـف فـــي تـقـريـره السنوي »الفقر في أفريقيا«، الـذي قدّمه في العاصمة الكينية، عن أرقام ومعلومات تــلــقــي ظــــــــل­الاً كــثــيــف­ــة عـــلـــى الإنـــــج­ـــــازات الاقـتـصـا­ديـة الأفـريـقـ­يـة الـتـي يتغّنى بها الخبراء ويدعون إلى الاقتداء بها.

يــكــشــف الــتــقــ­ريــر أن نــصــف ســكّــان أفريقيا جـنـوب الـصـحـراء يعيشون ّدون خط الفقر، وأن الدول التي ما زالت مصنفة الأفقر في العالم كلّها أفريقية، باستثناء واحدة.

أكـــثـــر مـــن ربـــــع الـــجـــي­ـــاع فـــي الــعــالـ­ـم يـعـيـشـون هــنــا فـــي الـــقـــا­رة الــتــي يـعـانـي خـمـسُ سـكّـانـهـا مــن ســوء الـتـغـذيـ­ة، ومـا زال ٢٥ مـلـيـونـاً مـنـهـم يُـحـتـضـرون ببطء جــــــرّاء إصــابــتـ­ـهــم بــمــرض الإيــــــ­دز وعـــدم

ّ توفر المنشآت الصحّية والأدويـة اللازمة لعلاجهم.

منذ ّمطلع تسعينات الـقـرن الماضي إلـى الـيـوم، حقق العالم تقدّماً هـائـلاً في خــفــض عــــدد الــجــيــ­اع الــــــذي تـــراجـــ­ع مـن ٣٦٪ إلى ١٠٪، لكن هذا التقدّم كان شبه مـحـصـور فـي الـقـارة الآسـيـويـ­ة، والـصـين خاصة، وبعض الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الـهـادئ. أمـا في أفريقيا، فقد ارتـفـع عـدد الجياع خـلال هـذه الفترة من ٢٧٨ مليوناً إلـى ٤٦١ مليوناً حسب آخر إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة التي

ّ تـحـذر مـن تـداعـيـات الـجـوع والـفـقـر على الأوضاع الاجتماعية والأمنية، وارتباطها المـبـاشـر بـالاسـتـق­ـرار الـسـيـاسـ­ي وظـاهـرة الهجرة.

وتعترف المؤسسات الدولية بأنها ما زالت تواجه صعوبات في تحديد العوامل التي تستند إليها الدراسات وتشخيص ّحالات الفقر عموماً، تضاف إليها مشكلة دقــــــة الـــبـــي­ـــانـــات وجـــودتــ­ـهـــا فــــي الــحــالـ­ـة الأفريقية. ويستند برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تحديد مستويات الفقر، إلى مجموعة من المؤشرات تشمل معدّل العمر ونـسـبـة الالـتـحـا­ق بــالمــدا­رس والـخـدمـا­ت الصحّية الأساسية والتعليم ودخل الفرد والـوضـع الأمـنـي، ويشكو خـبـراؤه من أن البيانات التي تقدّمها الأجهزة الرسمية الأفـريـقـ­يـة عـن هـذه المـؤشـرات غير دقيقة ومحدودة جداً.

مؤسسة »مليندا وبيل غيتس« التي تــمــوّل عـــدداً كـبـيـراً مــن مـشـاريـع التنمية

ّ والـرعـايـ­ة الصحيّة التي تنفذها وكـالات الأمــــم المــتــحـ­ـدة المـتـخـصـ­صـة فــي الـبـلـدان الأفــريــ­قــيــة، تــدعــو إلـــى إعـــــادة الـنـظـر في

ّ نمط النمو الاقتصادي ّالأفريقي وتحذر من تداعياته الاجتماعية. ويتوقع خبراء المؤسسة، إذا لم يعالَج هذا الخلل، أن ٤٤٪ من جياع العالم في عام ٢٠٥٠ سيكونون من سكّان دولتين أفريقيتيّن فقط: نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطي­ة، أغنى البلدان الأفريقية بالموارد الطبيعية.

ويـــعـــز­و تــقــريــ­ر الــبــنــ­ك الــــدولـ­ـــي هــذا الــتــراج­ــع فــي مـــؤشـــر­ات الـفـقـر والـتـنـمـ­يـة الاجــتــم­ــاعــيــة فـــي أفــريــقـ­ـيــا، رغــــم الـنـمـو الاقـــتــ­ـصـــادي الــــذي تــشــهــد­ه الــــقـــ­ـارة، إلــى أســبــاب عــــدة، فــي طـلـيـعـتـ­هـا أن مـفـاعـيـل الـنـجـاحـ­ات الاقـتـصـا­ديـة تـعـطّـلـت بسبب النمو الـديـمـغـ­رافـي الـسـريـع الــذي ينتظر أن يـؤدي إلى تضاعف عدد سكّان القارة بحلول عـام ٢٠٥٠، رغـم حـمـلات التوعية والوقاية العديدة التي نظّمتها المؤسسات الدولية في العقود الأخيرة. وتضاف إليها أسـبـاب أخــرى مـثـل: الـحـروب والـنـزاعـ­ات المسلّحة (نصف النزاعات في العالم تدور فـــي أفــريــقـ­ـيــا، مـــن جــنــوب الــــســـ­ـودان إلــى الصومال ونيجيريا ومـالـي وجمهورية الكونغو الديمقراطي­ة وجمهورية أفريقيا الـوسـطـى...) التي تشلّ النشاط الزراعي وتزيد من عدد النازحين... وتغيّر المناخ الذي تنجم عنه فيضانات وفترات جفاف غير مسبوقة تؤدي إلى فقدان ّ المحاصيل الزراعية... والأمراض التي تتفشى بسرعة

ّ لـعـدم تـوفـر الـخـدمـات والمــرافـ­ـق الصحية الأســاســ­يــة، وتــــؤدي إلـــى نـقـص فــي الـيـد العاملة التي يعتمد عليها قطاع الزراعة مــمــا يــــؤدي بـــــدوره إلـــى تــراجــع الإنــتــا­ج الغذائي، ناهيك بهشاشة البنى التحتية الزراعية مثل الطرق ونظم الـري ومرافق التخزين والمستلزما­ت الزراعية.

الــفــجــ­وة الاقــتــص­ــاديــة الــهــائـ­ـلــة بـين الفقراء والأغنياء، والتي اتسّعت بنسبة كـبـيـرة فــي الـعـقـديـ­ن المـاضـيـي­ن بـالـتـزام­ـن مـع الـنـمـو الاقـتـصـا­دي الــعــام، هـي أيضاً من العوامل التي يحددها التقرير كسبب وراء ازدياد حدّة ّالفقر في القارة الأفريقية، ويـــدعـــ­و إلــــى الــتــوق ــف عــنــد مـــوضـــو­ع لـم توله الدراسات السابقة الاهتمام الكافي لتشخيص حـال التخلّف الإنـمـائـ­ي الـذي تعاني منه القارة، وهو انعدام الاستقرار السياسي الـذي كان السبب الرئيسي في فـشـل مـعـظـم الـخـطـط الإنـمـائـ­يـة وضـيـاع نـتـائـجـه­ـا. وإذ يــذكّــر الـتـقـريـ­ر بـــأن أربــع دول أفريقية فحسب كانت مستقلّة مطلع خمسينات القرن الماضي، يقدّر أن القارة بحاجة إلــى أربـعـة أو خمسة عـقـود لكي تـسـتـقـرّ أنـظـمـتـه­ـا الـسـيـاسـ­يـة وتـتـرسّـخ فيها المؤسسات الرسمية اللازمة لقطف ثمار النمو الاقتصادي وتعميم منافعها بصورة مستديمة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia