مجزرة نيوزيلندا وتداعياتها الخطرة
المــــجــــزرة الإرهـــابـــيـــة الــتــي ارتُـــكـــبـــت ضـد مسلمي مدينة »كرايستشيرش« النيوزيلندية أثـبـتـت عـــدداً مــن الـحـقـائـق المـخـيـفـة؛ مـنـهـا أن مـسـاحـة الـيـمـين الـديـنـي الـعـنـصـري المـتـشـدد فـي الـــدول الـغـربـيـة فـي اتـسـاع وإن كـانـت هي الأصـغـر، وأن مساحة الاعـتـدال في الغرب في تـقـلـص وإن كــانــت هــي الأكـــبـــر، وأثــبــتــت هـذا التنامي المطرد لهذه الفئة المتطرفة التي تعمل باحترافية للسيطرة على المساحات السياسية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية، وأثبتت أن هـــذا الـيـمـين المـتـطـرف يـتـشـكـل كـــأي حـركـة عنف متشددة، إذ له أذرع إعلامية وبرلمانية وسياسية وعسكرية.
لقد كان العالم في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات ينظر إلـى عناصر اليمين الديني المتشدد بــازدراء واحتقار، وأن هؤلاء عبارة عن معتوهين سيلفظهم الشارع، ولكن الحقائق على الأرض أثبتت عكس ذلك، فأصبح لـهـم مـمـثـلـون فــي الــبــرلمــانــات الـغـربـيـة ولـهـم وزراء ومـسـؤولـون وأكـاديـمـيـون وإعـلامـيـون وسينمائيون يدعمون طروحاتهم العنصرية المتشددة.
والمقلق أن شعبية اليمين المتشدد تتنامى بـاطّـراد، حتى إنـهـا بــدأت تـؤثـر على الأحــزاب الـتـقـلـيـديـة المــعــتــدلــة، فـــصـــارت هـــي الأخــــرى تتبنى سياسة أكثر تشدداً مع أنظمة الهجرة ومع المؤسسات التي تتبع ًالمسلمين في الدول الغربية، ليس بالضرورة قناعة بهذا التشدد، ولكن العين على الناخب الـذي يرفع أسهمها فـي الـسـوق السياسية أو يخفضها، فتخاف أن يقضم العنصريون المتشددون من حصتها الانـتـخـابـيـة فـتـجـاريـه فــي بـعـض طـروحـاتـهـا وأجندتها، ولعل النتائج الانتخابية الأخيرة في عدد من الدول الغربية أثبتت فعلاً أن الأجدر بالنجاح في الانتخابات البرلمانية، بل وربما الـرئـاسـيـة، هــو الأكــثــر تــشــدداً تـجـاه »الـغـيـر« دينياً وعرقياً، والتكتيك المرحلي هو الدفع في هذه الفترة بمرشحين رئاسيين يتعاطفون أو يتقاطعون معهم، والغاية في الأخير أن يتولى السلطة السياسية العليا متشدد منهم، وهذا بـالـتـحـديـد مــا حــذر مـنـه الـصـديـق فـيـصـل بن عبد الرحمن بن معمر في مقاله المهم في هذه الصحيفة الأحد الماضي، والذي تحدث فيه عن جريمة نيوزيلندا الإرهابية وقال ما مختصره »بأننا مقبلون على إرهـاب خطر مسنود من شخصيات سياسية منتخبة يوجهها اليمين المــتــشــدد، ولـــو وصــلــت لـلـحـكـم، فــلا تستبعد إبادات جماعية، وقد يبلغ الخطر ذروته عندما تـكـون الــقــرارات الـنـوويـة بيد قـيـادات يمينية متطرفة«.
هـــــــذه المــــتــــغــــيــــرات الــــخــــطــــرة تُـــحـــتـــم عـلـى حــكــومــات الـــــدول الإســلامــيــة، ومـعـهـا قــيــادات الأقليات المسلمة، العمل على سن القوانين ضد »الإسـلامـوفـوبـيـا«، وكـذلـك الضغط دولـيـاً لسن تـشـريـعـات تــجــرّمــه، تـمـامـاً كـمـا نـجـح الـيـهـود فـي سـن قـوانـين قـويـة وعـقـوبـات مـتـشـددة ضد »أعداء السامية«، وإلا فإن وتيرة العنف الديني والــعــرقــي ضـــد المـسـلـمــين فـــي الــــــدول الـغـربـيـة سترتفع وتيرتها ودرجـة خطورتها، لأن قوى الـيـمـين المـتـطـرف غـيَّـرت تكتيكاتها مـؤخـراً من الـهـجـمـات التنظيرية الـكـلامـيـة إلــى الهجمات الفعلية الـدمـويـة، فقد أدركــت أن التعويل على مسار اللوبيات السياسية والإعلامية والتربوية للحد مـن تـنـامـي الـنـسـب السكانية للمسلمين ومؤسساتهم لـن يثمر نتائج قـويـة ملموسة، فـقـررت هــذه الـعـنـاصـر اليمينية الإرهـابـيـة أن تـأخـذ بـزمـام المــبــادرة بتنظيم أعـمـال إرهـابـيـة دمــويــة مـمـنـهـجـة تـسـتـهـدف الأقــلــيــات المسلمة في أعز ما تملك (المساجد) لتخويف مَن ينوي الهجرة والضغط على المهاجرين للعودة إلى بـلـدانـهـم، ومــا جــرى عـلـى الـثـرى النيوزيلندي من قتل ٥٠ مسلماً يعد باكورة لأعمال إرهابية قادمة تتلوها أعمال إرهابية انتقامية مضادة، في دوامة دموية خطرة ليس على العالم الغربي فحسب بـل على السلم الـعـالمـي، مـا لـم يتكاتف المجتمع الدولي لوقف تناميها ثم القضاء عليها.