ﻛﻴﺴﻨﺠﺮ وراﺑﲔ... و»ﺣﻤﺎس« وﻋﺎﻃﻒ
ﻓـﻲ أوج اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ اﻷوﻟـــﻰ اﻟـﺘـﻲ ﻏﻴﺮت ﻣﺴﺎر اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﻧﺸﺮت وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋــــﻼم اﻟـﻌـﻤـﻼﻗـﺔ وﻋــﻠــﻰ رأﺳــﻬــﺎ اﻷﻣـﻴـﺮﻛـﻴـﺔ واﻷوروﺑـــــﻴـــــﺔ، ﻓــﻴــﺪﻳــﻮ ﻟــﺠــﻨــﻮد إﺳــﺮاﺋــﻴــﻠــﻴــﲔ ﻳﻬﻮون ﺑﺎﻟﻬﺮاوات وأﻋﻘﺎب اﻟﺒﻨﺎدق ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﺤﻄﻴﻢ ﻋﻈﺎﻣﻪ.
أﺣﺪﺛﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة اﻧﻘﻼﺑﴼ ﺟﺬرﻳﴼ ﻓﻲ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﻌﺎﳌﻲ، وﺻﺎرت اﻟﻌﻨﻮان اﳌﻔﻀﻞ ﻟﻮﺻﻒ اﻧﺘﻔﺎﺿﺔ اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻌﺰﻻء وﺻﺮاﻋﻬﺎ ﻣﻊ أﻗﻮى ﺟﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ.
ذﻟﻚ اﻻﻧﻘﻼب اﻟﺬي ﺧﺴﺮت ﻓﻴﻪ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻟـﺘـﻲ أﻧﻔﻘﺖ اﳌـﻠـﻴـﺎرات ﻟﺘﻈﻬﻴﺮﻫﺎ ﻛــﻮاﺣــﺔ ﺣـﻀـﺎرﻳـﺔ أو ﻛﺼﺎﺣﺒﺔ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺣـﺪﻳـﺜـﺔ ﻓــﻲ ﺻــﺤــﺮاء اﻟــﺸــﺮق اﻷوﺳـــــﻂ.. ذﻟـﻚ اﺳﺘﻔﺰ وزﻳﺮ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ اﻷﺷﻬﺮ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻪ ﻫﻨﺮي ﻛﻴﺴﻨﺠﺮ اﻟـﺬي أرﺳـﻞ ﻧﺼﻴﺤﺔ إﻟﻰ إﺳﺤﻖ راﺑﲔ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: »اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء وﻟﻜﻦ ﺑﻌﻴﺪﴽ ﻋﻦ ﻋﺪﺳﺎت اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا«.
اﺳﺘﺮﺟﻌﺖ ﻫــﺬه اﻟـﻮاﻗـﻌـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗـــﻐـــﺎدر ذاﻛـــــﺮة أي ﺳــﻴــﺎﺳــﻲ أو إﻋــﻼﻣــﻲ، وأﻧــﺎ أﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ واﺟـﻬـﺎت اﻟﺼﺤﻒ ﺻﻮرة اﻟــﺮواﺋــﻲ اﻟﻔﻨﺎن واﳌﻨﺎﺿﻞ اﳌﺴﺘﻨﻴﺮ ﻋﺎﻃﻒ أﺑﻮ ﺳﻴﻒ، ﺑﻌﺪ أن ﻧﺎل وﺟﺒﺔ ﺿﺮب ﻫﻲ أﻗﺴﻰ وأﻣﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﻬﺎ ﻓﺘﻰ اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻗﺒﻞ ﺛــﻠــﺚ ﻗــــﺮن، ﻓـــﺎﻟـــﻬـــﺮاوة ﻫـــﻲ ذاﺗـــﻬـــﺎ، ﺳـــﻮى أن اﻟﻘﺒﻀﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻛـﺎﻧـﺖ ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫـﻲ ﻫﺬه اﳌﺮة ﻣﻦ ﺷﻘﻴﻖ ﻳﺸﺘﺒﻚ ﻣﻊ ﻋﺎﻃﻒ أﺑﻮ ﺳﻴﻒ ﻓﻲ ﺷﻬﺎدة اﳌﻨﺸﺄ.
ﺻﻮرة ﻋﺎﻃﻒ اﻟﺬي ﻳﺮﻗﺪ اﻵن ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ اﻟﻌﻼج ﻓﻲ أﺣـﺪ ﻣﺸﺎﻓﻲ رام اﻟﻠﻪ، ﻟﻢ ﺗﺤﺪث اﻻﻧــﻘــﻼب اﻟــﺬي أﺣـﺪﺛـﺘـﻪ ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻟــﻴــﺲ ﻷﻧــﻬــﺎ أﻗـــﻞ ﺑــﺸــﺎﻋــﺔ، ﺑـــﻞ ﻷﻧــﻬــﺎ ﻣـــﻦ ﻳﺪ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ، وﻛﺜﻴﺮون ﻣﻦ ﺳﻴﺘﻌﺎﻣﻠﻮن ﻣﻊ اﻷﻣـــﺮ ﺑﻤﻨﻄﻖ دﻋـــﻮا اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﲔ ﻳﻨﻜﻠﻮا ﺑــﺒــﻌــﻀــﻬــﻢ اﻟـــﺒـــﻌـــﺾ، ﻓــﺘــﻠــﻚ ﻫــــﻲ اﻟــﻮﺻــﻔــﺔ اﳌﻀﻤﻮﻧﺔ واﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻛـﻲ ﻳﺘﻌﺎﻇﻢ وﻳﺘﺴﻊ اﻟﺮأي اﻟﺬي ﻳﻘﻮل: »اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ﻟﻴﺴﻮا ﺟﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﺪوﻟﺔ«.
أﺟﺮﻳﺖ اﺗﺼﺎﻻ ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻏﺰة، ﻫﻮ وﻗﻠﻤﻪ واﻧﺘﻤﺎؤه ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﺄي ﻓﺼﻴﻞ أو ﺗﺸﻜﻴﻞ، ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ وﻳﻘﻮل ﻳﻨﺒﺊ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﻓﻠﺘﻮا ﻣﻦ ﻛﻤﺎﺷﺔ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﺒﻐﻴﺾ واﻟــﺠــﺎﻫــﻞ واﻟـﺘـﻌـﺼـﺒـﻲ، اﻟـــﺬي أوﺻــﻠــﻨــﺎ إﻟـﻰ اﳌﻨﺤﺪر اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ اﻵن.. ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻟﻌﺎﻃﻒ؟
ﺟـــﺎءﻧـــﻲ ﺟـــﻮاﺑـــﻪ ﻣـــﺮﻋـــﺒـــﺎ.. إذ ﻗـــــﺎل: »ﻣــﺎ ﺷـﺎﻫـﺪﺗـﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ ﻋـﺎﻃـﻒ ﻫـﻮ ﻣـﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟــﻜــﺎﻣــﻴــﺮا ﻣــﻦ اﻟــﺘــﻘــﺎﻃــﻪ، أﻣـــﺎ ﻣــﺎ ﻳــﺠــﺮي وراء اﻟــﻌــﺪﺳــﺎت ﻓــﻬــﻮ أﻓــــﺪح وأﻗـــﺴـــﻰ«، وﺳــــﺮد ﻟﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻬﻮي اﳌﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم أﺣــﺪ ﺿـﺤـﺎﻳـﺎه ﺑـﻤـﺎ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ »اﳌــﻬــﺪة« اﻟﺘﻲ ﻳﺰن ﺣﺪﻳﺪﻫﺎ ﻋﺸﺮة ﻛﻴﻠﻮﻏﺮاﻣﺎت إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻛﺜﺮ... ﳌـﺎذا؟ ﺑﻞ اﻟﺴﺆال اﻷﺻـﺢ: ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻟﻚ داﻓﻊ أو ﻫﺪف ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﻠﻮﻏﻪ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﺴﻮة، وﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﻤﻊ ﻷﺑﺴﻂ ﺣﻘﻮق اﳌﻮاﻃﻦ، وﻫﻮ اﻟﺼﺮاخ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺠﻮع واﻟﻌﻄﺶ، وﺗﺠﺮؤه ﻋﻠﻰ رﻓــﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﺸﻌﺎر ﺑﺴﻴﻂ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺣﺘﻰ اﻟﻠﻮم ﻋﻠﻴﻪ: »ﺑﺪﻧﺎ ﻧﻌﻴﺶ«.
ﻛﻢ ﻫﻮ ﻣﺆﻟﻢ ﻟﻠﺮوح واﻟﻀﻤﻴﺮ واﻷﺧﻼق أن ﻧﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﻻﺳﺘﻌﺎدة واﻗﻌﺔ ﻃـﺒـﻖ اﻷﺻـــﻞ ﺣــﺪﺛــﺖ ﻋـﻠـﻰ ﻳــﺪ اﳌـﺤـﺘـﻠـﲔ ﻗﺒﻞ ﺛﻠﺚ ﻗﺮن.
إن ﺗﻘﻤﺺ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺣﺘﻼل ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣــﻊ اﻟــﻨــﺎس ﺗـﺤـﺖ ﻋــﻨــﻮان ﻣــﻘــﺎوﻣــﺔ اﻻﺣــﺘــﻼل ﻫـﻮ أﺧـﻄـﺮ ﻣـﺎ ﻧــﻮاﺟــﻪ، وﻧـﺤـﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﲔ ﻻ ﻳـﻨـﻘـﺼـﻨـﺎ اﳌـــﺰﻳـــﺪ ﻣـــﻦ ﺑــﻘــﻊ ﺳــــــﻮداء ﺗﻠﻄﺦ وﺟـــﻮﻫـــﻨـــﺎ، ذﻟــــﻚ ﻓـــﻲ زﻣــــﻦ اﻟــــﺴــــﻮاد اﻟــﺤــﺎﻟــﻚ اﻟــﺬي ﻳﺨﻴﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻀﺎﻓﺮ ﻛﺎرﺛﺘﲔ... اﻻﺣﺘﻼل واﻻﻧﻘﺴﺎم.