ﻫﻞ »اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟـ »اﳌﻮت ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ«؟
رواﻳﺘﺎن ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ وأﳌﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻤﻢ اﻷدب اﻟﻌﺎﳌﻲ
ﻇﻠﺖ »اﳌـــﻮت ﻓــﻲ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ« ﻟﺘﻮﻣﺎس ﻣﺎن و»اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﻟﺴﺎﻧﺖ إﻛﺰوﺑﺮي ﺗﺘﺒﺎدﻻن اﳌﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﺒﺔ ﺳﻔﺮي ﺣﺘﻰ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ اﻟـــــــــ»آﻳــــــــﺒــــــــﺎد« ﺿــــﻤــــﻦ ﻣــﻜــﺘــﺒــﺘــﻲ اﻹﻟــﻜــﺘــﺮوﻧــﻴــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺣــﻠــﺖ ﻣـﺤـﻞ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻮرﻗﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ.
ﻓـــــﻲ واﺣــــــــــﺪة ﻣـــــﻦ ﻗـــــﺮاءاﺗـــــﻲ اﳌـﺘـﻜـﺮرة ﻟـــ»اﳌــﻮت ﻓـﻲ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ« ﳌـﻊ ﺗﺤﺖ ﻋﻴﻨﻲ وﺻــﻒ آﺷﻨﺒﺎخ ﻟﻠﺼﺒﻲ ﺗﺎدزﻳﻮ اﳌﺪﻟﻞ ﻣﻦ أﺳﺮﺗﻪ وأﻗــــﺮاﻧــــﻪ ﺑــــ»اﻷﻣـــﻴـــﺮ اﻟــﺼــﻐــﻴــﺮ«، وﻋﻠﻲ اﻟﻔﻮر أﺣﺎﻟﻨﻲ اﻟﻮﺻﻒ إﻟﻰ رواﻳﺔ »اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ«.
ﻫــﻞ ﺛــﻤــﺔ ﻋــﻼﻗــﺔ ﺑــﲔ واﺣـــﺪة ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﻋﻤﺎل اﻟﺮواﻳﺔ اﻷﳌﺎﻧﻴﺔ، ورواﻳـــﺔ ﺗـﺒـﺪو ﻣﻌﺠﺰة ﻓـﻲ اﻷدب اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻛﻠﻪ؟
ﻛــﺘــﺐ ﺗـــﻮﻣـــﺎس ﻣــــﺎن »اﳌــــﻮت ﻓـﻲ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ« ٠١٩١ ﻓـﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣــﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮه ﻛــﺎن ﻣﺘﺤﻤﺴﴼ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﻨﺰﻋﺔ اﻟﺠﺮﻣﺎﻧﻴﺔ ﺿﺪ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ، ﻣﻌﺎدﻳﴼ ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﻣـــﺪﻋـــﻤـــﴼ ﻟــﻠــﻨــﺰﻋــﺔ اﻟــﺸــﻮﻓــﻴــﻨــﻴــﺔ اﻟـﻌـﺴـﻜـﺮﻳـﺔ، ﻣﺘﺴﻠﺤﴼ ﺑــﺎﻋــﺘــﺰازه ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺑـﻤـﻌـﺎرﻓـﻪ وﻣــﻮاﻗــﻔــﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة. ورﻏﻢ اﻧﻘﻼﺑﻪ اﻟﻔﻜﺮي ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، ﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻣﻦ ﺣﺲ اﻟﺘﻔﻮق اﻷﳌﺎﻧﻲ، وﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺳــﻮداوﻳــﺔ ﺷﻮﺑﻨﻬﺎور وﻧﻴﺘﺸﻪ، ﻛــﻤــﺎ ﻟـــﻢ ﻳــﺴــﺘــﻄــﻊ اﻟــﺘــﺨــﻠــﺺ ﻣـﻦ ﺑـــﺮﺟـــﻮازﻳـــﺔ ﻋــﺎﺋــﻠــﺘــﻪ اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻤــﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺧﺘﺎر اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. ﻛﺎن واﻋﻴﴼ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺑﺎﺧﺘﻼل ﺗﻮازن اﻟــــﺒــــﺮﺟــــﻮازﻳــــﺔ وﺟــﺸــﻌــﻬــﺎ اﻟــــﺬي ﻳﺼﻨﻊ اﻧﺤﻄﺎﻃﻬﺎ واﻧـﻬـﻴـﺎرﻫـﺎ، دون أن ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻧﺘﻤﺎﺋﻪ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ وﻗــﺖ ﻣـﻦ اﻷوﻗــــﺎت، وﻻ ﻣـﻦ ﻧﺰﻋﺔ اﻟـﺘـﻔـﻮق إذ ﻳـــﺮد ﻋـﻠـﻰ ﺧـﺒـﺮ ﻓــﻮزه ﺑﻨﻮﺑﻞ: »ﻛﻨﺖ أﻋﺮف«!
ﻫـــــــﺬا اﻟـــﺘـــﻜـــﻮﻳـــﻦ ﺿـــــــــﺮوري، ﻟــﻔــﻬــﻢ اﺳـــﺘـــﺮاﺗـــﻴـــﺠـــﻴـــﺎت اﻟـــﺴـــﺮد؛ اﻟﺒﻄﻞ ﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ ﻓﻴﻨﻴﺴﻴﺎ ﻋﺎﻣﺪﴽ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ اﻟﻨﺸﺎط واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺗـــﻔـــﻮﻗـــﻪ اﻷدﺑــــــــﻲ اﻟـــــــﺬي أﺿــﻴــﻔــﺖ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻋــﻼﻣـﺔ اﻟـﻨـﺒـﺎﻟـﺔ »آل« ﻓﻲ اﺳﻤﻪ.
ﻧــﺰﻋــﺔ اﻟــﺘــﻔــﻮق واﻹﺣـــﺴـــﺎس ﺑﺎﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟـﻠـﺬان ﻛﺎﻧﺎ ﻣﻨﻄﻠﻖ آﺷـــﺒـــﻨـــﺎخ إﻟــــــﻰ اﻟــــﺮﺣــــﻠــــﺔ، ﺣـﻜـﻤـﺎ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺘﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﺗﺎدزﻳﻮ ﻛﻤﻮﺿﻮع ﺻﺎﻣﺖ ﻟﻠﺠﻤﺎل دون أن ﻳـﺤـﺎول اﻟﺘﻘﺮب ﻣـﻨـﻪ أو ﻣــﻦ أي أﺣـــﺪ آﺧـــﺮ. ﻟــﻢ ﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﻐﻼم ذاﺗﴼ ﻣﺴﺎوﻳﺔ، ﺑﻞ رأى ﻣﻮﺿﻮﻋﴼ ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ. وﻗﺪ ﺗﻀﺎﻓﺮت ﻧﻈﺮﺗﻪ اﻟﺴﻮداوﻳﺔ وﻧﺰﻋﺔ اﻟﻌﺪم ﻣــﻊ اﻟـﺠـﻤـﺎل اﻟـﺤـﺴـﻲ ﻟـﻠـﻐـﻼم ﻓﻲ ﺗــﺤــﻘــﻴــﻖ ﻫــﺰﻳــﻤــﺔ ﺑــﻜــﻬــﻞ وﺟـﻌـﻠـﻪ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﻤﻮت.
وﻓـــﻲ ٢٤٩١، ﻳـﻜـﺘـﺐ أﻧــﻄــﻮان دو ﺳـــﺎﻧـــﺖ إﻛـــــﺰوﺑـــــﺮي »اﻷﻣـــﻴـــﺮ اﻟـــﺼـــﻐـــﻴـــﺮ« وﻫـــــﻲ رﺣـــﻠـــﺔ أﺧــــﺮى ﳌﺪة ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم ﺑﲔ اﻟﻜﻮﻳﻜﺒﺎت اﻟــﻘــﺮﻳــﺒــﺔ ﻣــﻦ اﻷرض، ﻳــﻘــﻮم ﺑﻬﺎ ﻃﻴﺎر ﺗﻌﻄﻠﺖ ﻃﺎﺋﺮﺗﻪ وﻫﺒﻂ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء، ﻣﻊ ﻏﻼم ﺑﺎﻟﻎ اﻟﻌﺬوﺑﺔ ﻫﺒﻂ ﻫـﻮ اﻵﺧــﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﻦ ﻛﻮﻳﻜﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﺴﻊ إﻻ ﺑﻴﺘﻪ.
ﻛــﺘــﺐ إﻛـــﺰوﺑـــﺮي رواﻳـــﺘـــﻪ ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ، ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﺗــﻮﻣــﺎس ﻣـــﺎن ﻳـﻌـﻴـﺶ ﻓــﻲ اﳌﻠﺠﺄ ذاﺗـــــﻪ، ﺑــﻌــﺪ أن أﺳــﻘــﻂ اﻟــﻨــﺎزﻳــﻮن ﻋﻨﻪ ﺟﻨﺴﻴﺘﻪ اﻷﳌﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎم ٦٣٩١، ﺟﺮاء اﻧﻘﻼﺑﻪ ﺿﺪ اﻟﻨﺎزﻳﺔ.
إﻛــﺰوﺑــﺮي اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﳌـﻮﻟـﻮد ﻓــــﻲ ﺳـــﻨـــﺔ رﺣــــﻴــــﻞ ﻧـــﻴـــﺘـــﺸـــﻪ، اﺑـــﻦ ﻃﺒﻘﺔ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﻮﻣﺎس ﻣــــﺎن، ﻟــﻜــﻦ ﺧــﻴــﺎراﺗــﻪ ﻓــﻲ اﻟـﺤـﻴـﺎة واﻟـــﺤـــﺐ ﻛــﺎﻧــﺖ ﺧـــﻴـــﺎرات إﻧــﺴــﺎن ﻃﻠﻴﻖ. ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻳﻪ اﻻﻧﻌﻄﺎﻓﺎت اﻟـﻔـﻜـﺮﻳـﺔ اﻟــﺤــﺎدة وﻻ ﺛـﻘـﻞ اﻟــﺮوح اﻷﳌــــﺎﻧــــﻴــــﺔ اﳌـــﺴـــﻜـــﻮﻧـــﺔ ﺑــﺎﻟــﺘــﻔــﻮق وﺣـــــﺲ اﳌـــﺴـــﺆوﻟـــﻴـــﺔ، وﻟـــــﻢ ﻳــﻘــﺪه اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑـﺎﻟـﻮﺟـﻮد واﻟــﻌــﺪم، إﻟﻰ ﺗـﺸـﺎؤﻣـﻴـﺔ ﻧﻴﺘﺸﻪ اﻟــﺘــﻲ ﺻﺒﻐﺖ ﺗــﻮﻣــﺎس ﻣـــﺎن، ﺑــﻞ ﺑﺤﺚ ﻋــﻦ اﻟﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﻧﻴﺘﺸﻪ، واﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ أن اﻟﻠﻪ ﻣــﻮﺟــﻮد ﻓــﻲ اﻟــﺤــﺐ وﻓـــﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟـﻨـﺎﻓـﻊ، ﺣﺘﻰ أﺻـﺒـﺢ ﻳـﺸـﺎر إﻟﻴﻪ ﺑـ»ﻧﻴﺘﺸﻪ اﻟﺬي وﺟﺪ اﻟﻠﻪ«.
رﺣـــــــــﻠـــــــــﺔ إﻛــــــــــــــﺰوﺑــــــــــــــﺮي ﺑـــﲔ اﻟـﻜـﻮﻳـﻜـﺒـﺎت ﺧـﻴـﺎﻟـﻴـﺔ ﺗــﺼــﺪر ﻋﻦ روح إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ رﺣــﺒــﺔ، ﻓــﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﴼ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮوح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪﴽ. وﻫﻲ ﺗﺠﺮي ﻣﺼﺎدﻓﺔ، وﺗﺒﺪأ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎرﻳﺔ. ﻳﻬﺒﻂ اﻟﺮاوي اﺿﻄﺮارﻳﴼ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء، وﻳــﻮﺷــﻚ ﻣـﺨـﺰوﻧـﻪ ﻣــﻦ اﳌـــﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺎد دون أن ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﺻﻼح ﻋﻄﻞ ﻃﺎﺋﺮﺗﻪ، ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ »اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﻟﻴﻨﻄﻠﻘﺎ ﻣﻌﴼ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺑـــﲔ اﻟــﻜــﻮﻳــﻜــﺒــﺎت. رﺣــﻠــﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﻠﻬﺮوب ﻣﻦ اﳌﻮت ﻻ ﺗﺄﺑﻪ ﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻻﻧــﺘــﻘــﺎل، ﻛـﻤـﺎ ﻧـــﺮى ﻓــﻲ رﺣــﻼت أﻟـــــﻒ ﻟــﻴــﻠــﺔ وﻟـــﻴـــﻠـــﺔ؛ ﻓــﻨــﺤــﻦ ﻧــﺮى اﳌﺮﺗﺤﻠﲔ، ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻳﻜﺐ أو ذاك، دون أن ﻧﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺘﻘﻼن، ﻟﻢ ﻧﻌﻠﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻴﻒ ﻫﺒﻂ »اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« إﻟــﻰ اﻷرض. اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟـﻮﺣـﻴـﺪ ﻓــﻲ اﻟــﺮواﻳــﺔ ﻫــﻮ ﻫﺒﻮط ﻃــﺎﺋــﺮة ﺻــﻐــﻴــﺮة، ﺑــﻼ رﻛـــﺎب ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ، وﻫــﺬا ﻫﻮ ﻧـﻮع اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟــﺘــﻲ ﻗــﺎدﻫــﺎ أﻧــﻄــﻮان دو ﺳﺎﻧﺖ إﻛــﺰوﺑــﺮي ﻓﻌﻠﻴﴼ ﺑـﻮﺻـﻔـﻪ ﻃـﻴـﺎرﴽ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺒﺮﻳﺪ، ﺛﻢ ﻃﻴﺎرﴽ ﺣﺮﺑﻴﴼ ﻣﺘﻄﻮﻋﴼ.
ﻳــﺆﺛــﺮ ﻋــﻦ اﻟـﻄـﻴـﺎر إﻛــﺰوﺑــﺮي أن دﻋـــﺎءه إﻟــﻰ اﻟـﻠـﻪ ﻛـــﺎن: »اﻟـﻠـﻬـﻢ إﻧﻲ ﻻ أﺳﺄﻟﻚ ﻣﻌﺠﺰة، ﺑﻞ ﻋﺰﻳﻤﺔ ﻛــﻞ ﻳـــﻮم، أﻟﻬﻤﻨﻲ ﻓــﻦ اﻟـﺨـﻄـﻮات اﻟـﺼـﻐـﻴـﺮة«. وﻗــﺪ ﻛــﺎن ﻣﺴﺘﺠﺎب اﻟــﺪﻋــﺎء ﻋـﻠـﻰ اﻷرﺟــــﺢ، ﻓـﻘـﺪ ﻋـﺮف ﻓﻦ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮ »اﻟــﻘــﻠــﻌــﺔ« وﻓـــﻲ »اﻷﻣــﻴــﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ«، وﺗﻮﺻﻞ إﻟـﻰ أن اﻷﻟﻢ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد.
ﻻ ﺧﻠﻮد ﻋﻠﻰ اﻷرض، ورﻏﻢ ﺣﺘﻤﻴﺔ اﳌﻮت، ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﺘﺬوق ﻃـــﻌـــﻢ اﻟـــﺨـــﻠـــﻮد ﻓــــﻲ اﻟـــﻌـــﻤـــﻞ، ﻓـﻲ ﻋﺰﻳﻤﺔ ﻛﻞ ﻳـﻮم، ﻓﻲ اﻟﺮﺿﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺒﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ.
ﻟــﻴــﺴــﺖ »اﻷﻣــــﻴــــﺮ اﻟــﺼــﻐــﻴــﺮ« ﺳــﻮى ﻫــﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﻃﻔﺎل، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ رواﻳﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻋﻤﺎر.
ﻳـــﻀـــﻤـــﺮ ﺳــــﺎﻧــــﺖ إﻛـــــﺰوﺑـــــﺮي اﺣـﺘـﺮاﻣـﴼ ﻷﺻـﻐـﺮ اﻷﺷــﻴــﺎء، ﺣﺘﻰ إن اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ ﺳـﻴـﺨـﺘـﻞ إذا ﻣـــﺎ أﻛــﻞ ﺧــﺮوف زﻫــﺮة ﻓـﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺠﻬﻮل ﻣـﻦ اﻟـﻜـﻮﻛـﺐ. واﻟــﺰﻫــﺮة ﺗـﻌـﺮف أن أﺷﻮاﻛﻬﺎ ﻻ ﺗﺤﻤﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوف، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻜﻒ ﻋﻦ إﻧﺘﺎج اﻷﺷﻮاك.
ﻟــﻴــﺲ ﻫــﻨــﺎك ﻣـــﻦ اﻟــﺮواﺋــﻴــﲔ ﻣـﻦ ﺳﺒﻖ أﻛــﺰوﺑــﺮي ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺲ اﻟﺒﻴﺌﻲ اﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺣﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؛ ﻓﺎﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﴼ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻐﺴﻞ وﺟـﻬـﻪ ﻣــﻦ اﻟﻨﻮم ﺳــــــﻮى ﺗــﻨــﻈــﻴــﻒ ﻓــــﻮﻫــــﺔ ﺑـــﺮﻛـــﺎن ﻛــــﻮﻛــــﺒــــﻪ. وﻫـــــــﻮ ﻣـــــﺼـــــﺪر إﻟــــﻬــــﺎم ﻟـــــﻠـــــﺮاوي اﻟـــــﺮاﺷـــــﺪ. ﺣـــﻴـــﺚ ﺗــﻘــﻮم اﻟـــﻌـــﻼﻗـــﺔ ﺑــﻴــﻨــﻬــﻤــﺎ ﻋــﻠــﻰ اﻟـــﺤـــﻮار واﻟﺘﻮاﻓﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ واﻻﻛﺘﺸﺎف اﳌﺸﺘﺮك، ﺑﻞ إن اﻟﻄﻔﻞ ﻫﻮ اﻟﺬي اﻗﺘﺤﻢ اﻟﻄﻴﺎر اﳌﺸﻐﻮل ﺑﺈﺻﻼح اﳌــﺤــﺮك ﻣﻨﺬ اﻟـﺒـﺪاﻳـﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﻄﻠﺐ ﻣـﻨـﻪ أن ﻳـﺮﺳـﻢ ﻟــﻪ ﺧــﺮوﻓــﴼ. وﺑﻌﺪ أن رﺳــــــﻢ ﻟــــﻪ اﻟــــﻄــــﻴــــﺎر أﻛــــﺜــــﺮ ﻣــﻦ ﺧــــﺮوف ﻟــﻢ ﻳـﻌـﺠـﺒـﻪ، ﺛــﻢ رﺳـــﻢ ﻟﻪ ﺻــﻨــﺪوﻗــﴼ وﻗــــﺎل ﻟــﻪ إن اﻟــﺨــﺮوف اﻟــــﺬي ﺗــﺮﻳــﺪ ﺑـــﺪاﺧـــﻞ اﻟــﺼــﻨــﺪوق، وﻟﺪﻫﺸﺘﻪ ﻓﻘﺪ اﻧــﺸــﺮح اﻟﺼﺒﻲ. ﻣــــﻦ ﻫـــــﺬا اﻟـــﺘـــﻮاﻓـــﻖ ﻋـــﻠـــﻰ ﺗـﺨـﻴـﻞ وﺟــﻮد ﺧــﺮوف داﺧــﻞ اﻟﺼﻨﺪوق ﺑـﺪأت ﺻﺪاﻗﺘﻬﻤﺎ ورﺣﻠﺔ اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻋﺒﺮ اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺼﻐﻴﺮة؛ ﻓﻴﺮﻳﺎن ﻣــﺸــﻌــﻞ ﻣــﺼــﺎﺑــﻴــﺢ ﻳــﻌــﻤــﻞ ﺑـــﺪأب رﻏﻢ أن اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﻛﻮﻛﺒﻪ ﻻ ﻳﺪوم إﻻ ﻟــﺤــﻈــﺔ، وﻳـــﻘـــﺎﺑـــﻼن اﳌـــﻐـــﺮور، واﻟﺴﻜﻴﺮ، واﳌـﻮﻟـﻊ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎﺑﺎت، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﺑﻼن ﻣﻠﻜﴼ ﻋـﺎﻗـﻼ، ﻳﻌﺮف أن ﺳﺮ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ أن أواﻣﺮه ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ.
ﻓــﻲ رواﻳــــﺔ ﺗــﻮﻣــﺎس ﻣــــﺎن، ﻻ ﻧــﺠــﺪ ﻫـــﺬا اﻟــﺴــﻌــﻲ إﻟـــﻰ اﳌــﻌــﺮﻓــﺔ، ﻓﺂﺷﻨﺒﺎخ ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﺰﻫﺮة واﻟﺘﻤﺜﺎل وﺗـــــﺎدزﻳـــــﻮ واﻟـــﺒـــﺤـــﺮ واﳌـــــــﻮت ﻓـﻲ ﻣﻮﻧﻮﻟﻮغ ﻣﻨﻔﺮد ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺮواﺋﻲ اﳌﻜﺘﻔﻲ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ، اﳌﺪرك ﻟﺴﺮ اﻟﺠﻤﺎل، واﳌــﻮت، ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻹدراك أي ﻧﺒﻞ!
ﻳﻌﺮف ﺟﻮﺳﺘﺎف آﺷﻨﺒﺎخ أن اﳌــﻮت آت، وﻳﻮاﺟﻬﻪ ﺑﺎﺳﺘﺴﻼم وﺧﻤﻮد ﻫﻤﺔ، وﻳﻤﻮت ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ رواﺋـــﻴـــﺔ ﻣـﻌـﺘـﻤـﺔ ﺑـــﻼ ﻧـــﻮاﻓـــﺬ. ﻓﻲ رواﻳــﺔ »اﻷﻣـﻴـﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﻳﺘﺒﻘﻰ اﻟـﺮاوي اﻟﻜﻬﻞ، إذ ﻳﺨﺘﻔﻲ اﻷﻣﻴﺮ اﻟــﺼــﻐــﻴــﺮ، وﻗـــﺪ ﺟــﻌــﻞ إﻛـــﺰوﺑـــﺮي اﺧـــﺘـــﻔـــﺎءه ﻣــــﺎ ﺑــــﲔ اﻧــــﻄــــﻼق إﻟــﻰ اﻷﺑــــﺪﻳــــﺔ ﻣــــﻦ أﺳـــــﺮ ﺛــﻘــﻞ اﻟــﺠــﺴــﺪ وﺑــــــﲔ ﻋـــــــﻮدة إﻟــــــﻰ ﻛـــﻮﻛـــﺒـــﻪ ﻟـﻜـﻲ ﻳــﻌــﺘــﻨــﻲ ﺑـــــﺰﻫـــــﺮة ﺳــــــﺎذﺟــــــﺔ، ﻓــﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻀﻌﻒ، ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ إﻻ أرﺑﻊ ﺷﻮﻛﺎت ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺗﺤﺘﻤﻲ ﺑﻬﺎ.
ﻻ ﺗﻘﻮى ﻳﺪ أﻛﺰوﺑﺮي اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻛﻠﻤﺔ اﳌــﻮت، ﻣﻔﻀﻼ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﳌﻔﺘﻮﺣﺔ، وﻓـﻲ ﻋﺒﺎرات ﻣﻦ أرق ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﺎب اﻟﺸﻮق واﻟﺮﺛﺎء، ﻳﻮﺟﻪ ﻧﻈﺮ ﻗﺮاﺋﻪ إﻟـﻰ اﻟﻨﺠﻮم ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳــﺮون اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺎﺋﺪﴽ ذات ﻳــﻮم، وﻳﻮﺻﻴﻬﻢ ﺑﺄن ﻳﻜﺘﺒﻮا إﻟﻴﻪ إن رأوه!
ﺑــﻴــﻨــﻤــﺎ رﺳـــــﻢ ﺗـــﻮﻣـــﺎس ﻣــﺎن ﺑــﻜــﻠــﻤــﺎت ﻣــﺸــﺤــﻮﻧــﺔ ﺑـﺸـﻬـﻮاﻧـﻴـﺔ ﻳﺎﺋﺴﺔ ﺟﻤﺎﻻ ﻣـﻬـﺪدﴽ ﻟﺼﺒﻲ، ﻟﻢ ﻳﺮ إﻛﺰوﺑﺮي ﻓﻲ ﺟﻤﺎل ﺻﺒﻴﻪ أي ﺗـﻬـﺪﻳـﺪ، رﺳــﻤــﻪ ﺑـﺎﻟـﺮﻳـﺸـﺔ، وﺗــﺮك ﻟـﻠـﻜـﻠـﻤـﺎت اﻟـﺘـﻌـﺒـﻴـﺮ ﻋــﻦ ﻋﺎﻃﻔﺘﻪ وﻋــﺎﻃــﻔــﺔ اﻟـﺼـﺒـﻲ ﺗــﺠــﺎه اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ. ﻣــﻨــﺎﺻــﺒــﺔ اﻟــﺠــﻤــﺎل اﻟــــﻌــــﺪاء ﻋﻨﺪ ﺗﻮﻣﺎس ﻣﺎن، ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺘﻮﺣﺪ ﻣﻊ اﻟﺠﻤﺎل ﻋﻨﺪ إﻛﺰوﺑﺮي.
ورﻏــﻢ ﻛـﻞ ﻫــﺬه اﻻﺧـﺘـﻼﻓـﺎت، ورﻏــﻢ ﻛﻞ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻧﺤﻦ أﻣﺎم رواﻳـــــﺘـــــﲔ ﻓــــﻲ ﻛــــﻞ ﻣــﻨــﻬــﻤــﺎ ﻛـﻬـﻞ وﺻــــﺒــــﻲ ﺟـــﻤـــﻴـــﻞ، وأﻓـــــﺘـــــﺮض أن »اﳌــــﻮت ﻓــﻲ ﻓـﻴـﻨـﺴـﻴـﺎ« ﻛــﺎﻧــﺖ ﻓﻲ ذﻫﻦ أﻧﻄﻮان دو ﺳﺎﻧﺖ إﻛﺰوﺑﺮي، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ رواﻳـﺘـﻪ، وأﻧــﻪ وﺿﻊ وﺻـــــــﻒ ﺗـــــﻮﻣـــــﺎس ﻣـــــــﺎن ﻟــﻠــﻐــﻼم ﻋﻨﻮاﻧﴼ ﻟﺮواﻳﺘﻪ، ﻛﻤﻔﺘﺎح ﻳﻨﺒﻬﻨﺎ إﻟﻰ أن »اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﻣﻌﺎرﺿﺔ أدﺑــﻴــﺔ ﻟــــ»اﳌـــﻮت ﻓــﻲ اﻟـﺒـﻨـﺪﻗـﻴـﺔ«. ﻫﺬا اﻓﺘﺮاض اﻓﺘﺮﺿﺘﻪ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﺎﺋﺤﴼ ﻣﻌﺰوﻻ، وﻻ أﺳﺘﻨﺪ ﻓﻴﻪ إﻟﻰ ﻧﻘﺪ ﺳﺎﺑﻖ.