Asharq Al-Awsat Saudi Edition

بين السياسة والفلسفة

-

أو لغيري، وسبق أن أساتذتنا الكبار فـــي كـــل المــــجــ­ــالات، بـــدايـــ­ة مـــن تـوفـيـق الــحــكــ­يــم، تــعــرضــ­وا لــهــذه الاتــهــا­مــات وغيرها، والزمن أسقطها لأنه لا يصح إلا الصحيح، هكذا علمتنا الدنيا.«

وأوضــــــ­ــــح قــــــائـ­ـــــلاً: »الــــصـــ­ـمــــت هـو سـلاحـي، فـي مـثـل هــذه الأمــــور، وفيلم (خيال مآتة) وشخصية الرجل العجوز بدأت عام ٢٠٠٩ وتم الاتفاق أن يخرجه شريف عرفة باسم (فركة كعب)، وأجيز رقــابــيـ­ـا، ولــكــن شــريــف ارتـــبـــ­ط بــأفــلام أخرى، وكذلك حلمي، وتوقف المشروع، إلى أن جدد حلمي رغبته في استكماله وبـنـفـس شـخـصـيـة الـعـجـوز فــي ٢٠١٣ بــاســم (تــحــت وفــــــوق)، وأجــيــز رقـابـيـاً وعدنا في ٢٠١٦ وأطلقنا عليه (شباك رزق)، ثم أصبح في اللحظات الأخيرة (خيال مآتة .«(

وقبل شهور ترقب الجمهور المصري طرح فيلم حلمي الجديد، لا سيما بعد ظـــهـــور­ه الـسـيـنـم­ـائـي المــتــقـ­ـطــع، وعـــدم تحقيق أفلامه الأخيرة النجاح المنشود على غرار فيلم »عسل أسود« عام ٢٠١٠ الذي تعاون فيه حلمي مع المخرج خالد مرعي. فيما أشار بعض النقاد إلى أن آخر أفلام حلمي المميزة كان فيلم »إكس لارج« عام ٢٠١١، وشن كثيرون هجوماً لاذعــــاً عـلـى حـلـمـي، وفـيـلـمـه الـجـديـد، معتبرين أن »خـيـال مــآتــة«، لـم يخرج حلمي من سلسلة الأفلام »الفقيرة« التي ظهر بها بالسنوات الأخيرة.

المعتاد في المفكرين أن يغوصوا في كتبهم الفلسفية والـعـلـمـ­يـة والاجـتـمـ­اعـيـة، ويـتـحـاشـ­وا زج أنـفـسـهـم في مستنقعات السياسة والشؤون الحزبية. بيد أن شؤون الساعة وحـراجـة الموقف العام كثيراً ما تجرهم وتلقي بهم فـي آتــون السياسة والأحـــزا­ب السياسية. كـان من هذا الصنف المستر ستانلي بولدوين. كان من خريجي جامعة كمبردج وكرّس وقته للبحث والدرس. لكن القوم اسـتـطـاعـ­وا جــره بـعـيـداً عـن كتبه وألــقــوا بـه فـي جحيم السياسة في أوائـل الثلاثينات وانتخبوه لزعامة حزب المحافظين، وبالتالي رئاسة الحكومة البريطانية. كان ذلك في أيام المد اليساري والأزمـة الاقتصادية العالمية. واحتاجوا إلى دماغ ثاقب وضليع ليتولى الرد على حزب العمال والمنظمات الثورية. والطريف أنه رغم كل أفكاره لم يستطع التأثير على ابنه الذي جنح نحو اليسار وانتمى إلى حزب العمال. ياما انشق الأولاد وتمردوا على أهلهم.

لكنه ظل نبراساً للشباب المحافظين، وكثيراً ما زاروه وأصغوا إلى أفكاره. كان منهم الكاتب المستر لونغفورد، أسـتـاذ الـعـلـوم الـسـيـاسـ­يـة فـي كـلـيـة الـعـمـال الـــذي دوّن ملاحظاته عنه. فقال إن بولدوين لم يكن يشعر بالراحة في صحبة الشبيبة رغم كل تعلقهم به. وهذا ما شعر به عندما خرج معه في مشوار عصر يوم الأحد في الريف الإنجليزي. جرى الحديث بينهما فسأله لونغفورد من كان المفكر السياسي الذي يدين له بولدوين أكثر من أي مفكر آخر عرفه؟

تأمل في سؤالي للحظات عدة، ثم تكلم بصوت هادئ ونـبـرة رصينة قـائـلاً: »كــان هـنـاك مفكر سياسي واحـد تــرك أثــراً فـي نفسي أكـثـر مـن أي مفكر آخــر. إنــه السير هنري بن. فعندما كنت تلميذاً في كمبردج كنا نعتبره حجة مطلقة. وما زلت شاكراً له فيما تعلمته منه. قال لونغفورد: كنت أصغي بالطبع لكل كلمة قالها بولدوين. وهكذا لم يكن مشوارنا عقيماً أو من دون معنى. أسرعت إلى سؤاله: ما الذي تعتقد أنه كان أكبر مساهمة علمية تلقيناها؟ فتوقف بولدوين عن الكلام لهنيهة أطول، ثم قـال بثقة وتأكيد: جـان جـاك روسـو. لقد علمنا بـأن كل التقدم البشري انطلق من فكرة العقد الاجتماعي الذي أثر على الوضع الاجتماعي. أما هنري بن فقد أوضح لنا بصورة حاسمة وقاطعة أن التقدم الحقيقي انطلق من الوضع الاجتماعي الذي تمخض عن العقد الاجتماعي الذي كتبه جان جاك روسو.

قال ذلك ثم توقف عن الكلام قليلاً. وفي هذه المرة لمدة أطـول حتى لاحـت على سيماء وجهه في الأخير معالم الرعب. لكنه لم يكن زعيماً مجرداً من الإنسانية العميقة والشعور بالمشاركة. مـال برأسه نحوي قليلاً ثم تمتم قائلاً: »أم هل كان الأمر على عكس ما قلته تماماً«؟ أعـطـانـا سـتـانـلـي بـولـدويـن فـي هــذه الـعـبـارة التي سـاقـهـا عـفـويـاً لأحــد مـريـديـه مـوقـف المـفـكـر الأصـيـل في التردد والشك والاستعداد للمراجعة وتصحيح الموقف، كأننا بـه يـقـول: هـل كـان للعقد الاجـتـمـا­عـي لـجـان جاك روسو هذا التأثير حقاً في مسيرة المجتمع الغربي؟ ومما يلفت النظر أن كـلا الباحثين لـم يتطرق لـكـارل ماركس وجماعته في تلك الأيام التي تفاجأ فيها العالم الغربي بثورة أكتوبر (تشرين الأول) وتطلعات الثورة الاشتراكية في كل مكان عندئذ (في الثلاثينات).

وفيات

> انتقلت إلى رحمة الله تعالى في محافظة الجيزة أول من أمــس، والـــدة الـزمـيـل محمد عـلـي، بقسم التصحيح فـي »الـشـرق الأوسط.« ويتقدم منتسبو الجريدة للزميل محمد علي بخالص العزاء وصادق المواساة، وندعو الباري عز وجل أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويدخلها فسيح جناته، وأن يلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان. »إنا لله وإنا إليه راجعون.«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia