ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻦ اﳊﻜﻢ اﳌﻠﻜﻲ ﰲ اﻟﻌﺮاق
ﻛــﺎن اﻟــﻌــﺮاق ﻳـﺰﺧـﺮ ﻓــﻲ أﻳــﺎم اﻟﺨﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮاء واﻷدﺑــﺎء واﳌﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎرﺿﻮا اﻟﺤﻜﻢ اﳌﻮاﻟﻲ ﻟﻺﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﻘﻮة وﺟــﺮأة ﻣﻦ دون أن ﻳﺘﻠﻘﻮا اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺖ أو اﳌﻀﺎﻳﻘﺔ، ﺑﻞ وﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻛــﺎن اﳌــﺴــﺆوﻟــﻮن ﻳـﺘـﺠـﺎوﺑـﻮن وﻳـﺘـﻌـﺎﻃـﻔـﻮن ﻣﻌﻬﻢ وﻻ ﻳــﺘــﺠــﺎوزون ﻏـﻴـﺮ اﻟـﻨـﻘـﺪ واﻟــﻠــﻮم واﻟــﻌــﺘــﺎب ﻓﻲ اﻟــﺮد ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣـﻌـﺮوف اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﺧﻴﺮ ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ. وﻓﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﻨﺜﺮ ﺑﺮز اﻷدﻳﺐ واﻟــﻜــﺎﺗــﺐ اﻟـﺼـﺤـﺎﻓـﻲ إﺑــﺮاﻫــﻴــﻢ ﺻــﺎﻟــﺢ ﺷـﻜـﺮ اﻟــﺬي ﺗﻤﻴﺰ ﺑﻘﻠﻢ ﺳﻴﺎل ووﻃﻨﻴﺔ داﻓﻘﺔ وﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻜﻼم واﻟـﻨـﻘـﺪ واﳌــﻌــﺎرﺿــﺔ. أﺻـــﺪر ﻋــﺪة ﺻـﺤـﻒ ﻋـﻠـﻰ ﻣﺮ اﻷﻳﺎم ﻣﻨﺬ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ وﺣﺘﻰ ﻗﺒﻴﻞ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﺎم ٤٤٩١. ودأب ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺼﺤﻒ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻻت ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪي اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﳌﺘﻌﺎوﻧﺔ ﻣﻌﻬﻢ.
اﺿﻄﺮ اﳌﺴﺆوﻟﻮن ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ واﺣﺪة، ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻘﺬف اﻟـﺬي ﺗﻀﻤﻨﺘﻪ إﺣـﺪى ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ إﻟـﻰ إﺣﺎﻟﺘﻪ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻢ، ﺣﻴﺚ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻷرﺑﻌﺔ أﺷﻬﺮ. ورﻏﻢ ﺧﻔﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﻜﻢ، ﻓﺴﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺻﺪر ﻗﺮار ﻣﻦ وزﻳﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﺑﺎﻹﻋﻔﺎء ﻋﻨﻪ وإﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻪ ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺣﻤﺔ واﺣﺘﺮام أﻫﻞ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻘﻠﻢ، ﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰات اﻟﺤﻜﻢ اﳌﻠﻜﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم.
ﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻛﻮﻓﺊ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺷﻜﺮ ﺑﺘﻌﻴﻴﻨﻪ ﻗﺎﺋﻤﻘﺎﻣﴼ ﻓـﻲ ﻋــﺪة أﻗﻀﻴﺔ. وﻛــﺎن أﺧﻴﺮﴽ ﻗﺎﺋﻤﻘﺎﻣﴼ ﻓﻲ ﻗﻀﺎء ﺧﺎﻧﻘﲔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺮد رﺷﻴﺪ ﻋﺎﻟﻲ اﻟﻜﻴﻼﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ. ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻧﺰﻋﺘﻪ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﳌﺘﻄﺮﻓﺔ إﻟﻰ إرﺳﺎل ﺑﺮﻗﻴﺔ ﻧﺸﺮﺗﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺼﺤﻒ ﻋﻨﺪﺋﺬ وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻬﺎ ﻓـــﻲ ﻏـﻠـﻴـﺎﻧـﻬـﺎ اﻟــﻌــﺎﻃــﻔــﻲ وﺣــﻤــﺎﺳــﻬــﺎ اﳌــﻠــﺘــﻬــﺐ ﻓﻲ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻴﻼﻧﻲ وﺷﺘﻢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﳌـﻮاﻟـﻴـﺔ ﻟـﻬـﻢ. ﻟﻘﺪ ﻗـﺎﻣـﺮ، ﻛﻤﺎ ﻳـﻘـﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﺎن اﻟـﺨـﺎﺳـﺮ. ﻓـﺴـﺮﻋـﺎن ﻣــﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺣﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﻴﻼﻧﻲ وﻫﺮب رﺟﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ إﻳﺮان. وﻫﻨﺎ زاد إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺷﻜﺮ اﻟﻄﲔ ﺑﻠﺔ ﺑﺄن زودﻫﻢ ﺑﺠﻮازات ﺳﻔﺮ ﻣﻜﻨﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ إﻳﺮان. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻫﺮﺑﻬﻢ ﻣﻦ أﻳﺪي اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد.
أدرك ﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺘﺄﻳﻴﺪه اﻟﻘﻮي ﻟﻠﻜﻴﻼﻧﻲ وﺷﺘﻤﻪ ﻟﺨﺼﻮﻣﻪ ﺛﻢ ﻣﺴﺎﻋﺪة أﻋﻮاﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺮب. ﻓﺸﻌﺮ ﺑﺄن أﻳﺎﻣﻪ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻌﺪودة. ﺗﺮك وﻇﻴﻔﺘﻪ وﻫـﺮب إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺠﺄ إﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﳌﺜﻨﻰ. ﻓـﺨـﺒـﺄوه ﻓــﻲ ﻣـﺨـﺰن اﻟـﻜـﺘـﺐ. ﺳﻤﻊ ﻧــﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ ﺑـﺬﻟـﻚ. ﻓـﺮﻛـﺐ ﺳـﻴـﺎرﺗـﻪ وﺗـﻮﺟـﻪ إﻟــﻰ ﺳــﻮق اﻟـﺴـﺮاي ﺛـﻢ ﻣﺸﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ إﻟــﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﳌـﺜـﻨـﻰ. ﺗﻼﻃﻒ ﻣــﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ وﺳــﺄﻟــﻪ ﻋﻤﺎ ﻟـﺪﻳـﻪ ﻣــﻦ ﻛﺘﺐ ﺟﺪﻳﺪة ﻳـــﻮد اﻟــﺘــﻔــﺮج ﻋـﻠـﻴـﻬـﺎ. أدرﻛـــــﻮا ﻣــﺎ وراء ذﻟـــﻚ، وﻫـﻮ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﳌﺘﻤﺮد. ﻓﻈﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﳌﻜﺘﺒﺔ ﻳﻤﺎﻃﻞ وﻳﻌﺘﺬر ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻧﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ. ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻳــﺎم، ﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻣﻦ ﺗﺨﻠﻴﺺ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣـﻦ ﺳﺠﻨﻪ ﺑـﲔ اﻟﻜﺘﺐ وإﻋﻔﺎﺋﻪ واﻛﺘﻔﻮا ﺑﻤﺠﺮد ﻧﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻀﺎء ﺧﺎﻧﻘﲔ إﻟﻰ ﻗﻀﺎء ﻗﻠﻌﺔ ﺻـﺎﻟـﺢ. ﻧﻔﺾ اﻟـﻐـﺒـﺎر ﻋـﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﺧــﺮج ﻣﻦ ﻣﺨﺒﺌﻪ ﻓﻲ اﳌﻜﺘﺒﺔ وﺗﺴﻠﻢ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة.
ﺑـﻌـﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﺷـﻬـﺮ ﺳـﻤـﻊ ﻧـــﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ ﺑـﺄن ذﻟﻚ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﳌﺘﺤﻤﺲ ﻗﺪ أﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﺴﻞ واﻟﺴﻜﺮي وﺗــــﺪﻫــــﻮرت ﺣــﺎﻟــﺘــﻪ اﻟــﺼــﺤــﻴــﺔ ﺗــﻤــﺎﻣــﴼ ﻓــﺘــﻮﺳــﻄــﻮا ﻟﺘﻌﻴﻴﻨﻪ ﻣــﺪﻳــﺮﴽ ﳌﻜﺘﺒﺔ اﻷوﻗــــﺎف ﻓــﻲ ﺑــﻐــﺪاد ﺣﻴﺚ ﻳـﻤـﻜـﻦ ﻣــﻌــﺎﻟــﺠــﺘــﻪ. ﺑــﻘــﻲ ﻓـــﻲ ﺑـــﻐـــﺪاد ﻳـﻘـﺒـﺾ راﺗــﺒــﴼ ﻣﺤﺘﺮﻣﴼ ﻟﻘﺎء أﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ. ﻇﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﺎه اﻟﻠﻪ ﻋﺎم ٤٤٩١.
اﺷﺘﻬﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺷﻜﺮ ﺑﺘﺼﻮﻳﺮه اﻷدﺑﻲ ﻟﻠﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﻟﺸﻌﺎراﺗﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺧﻠﺪت ﺑﲔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﲔ ﻟﺴﻨﻮات ﺑﻌﺪه ﻛﻘﻮﻟﻪ »ﻣﻦ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺮﺣﻤﻦ«. وأﻳﻀﴼ ﻗﻮﻟﻪ: »ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل أن ﺗﻠﻄﻢ ﺷﺨﺼﴼ وﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﻟﺬة اﻟﺼﻴﺎح واﻟﻌﻮﻳﻞ«.