ﻃﻘﻮس اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وأﺣﻮاﳍﺎ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ
ﻟــﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻟــﻦ ﺗـﻜـﻮن ﻋﻤﻼ ﺳﻬﻼ ﻳﻤﻜﻦ اﻟـﺸـﺮوع ﺑﻪ ﻓﻲ أي وﻗﺖ، وﻳﺨﻀﻊ ﻹﻣـــﻼءات اﻟﻜﺘﺎب وإرادﺗـﻬـﻢ اﳌﺒﺎﺷﺮة. ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺨﻠﺼﻪ اﳌـــــﺮء ﻣـــﻦ ﺳـــﻴـــﺮ اﻟـــﺸـــﻌـــﺮاء واﳌــﺒــﺪﻋــﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﺪﺛﻮا ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻣــﻜــﺎﺑــﺪاﺗــﻬــﻢ اﻟــﺸــﺎﻗــﺔ ﻣــﻊ اﻟـﻨـﺼـﻮص واﻷﻋــﻤــﺎل اﻟـﺘـﻲ أﻧــﺠــﺰوﻫــﺎ. وﺣـﺘـﻰ ﻟﻮ اﻋﺘﺒﺮ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ »ﻣﻬﻨﺘﻬﻢ« اﻟــﻮﺣــﻴــﺪة واﻟـــﺪاﺋـــﻤـــﺔ، ﻓــﻬــﻲ ﺑـﺎﻟـﺘـﺄﻛـﻴـﺪ إﺣـــــــﺪى أﻛـــﺜـــﺮ اﳌـــﻬـــﻦ ﻣــــﺜــــﺎرﴽ ﻟــﻠــﺪﻫــﺸــﺔ واﻟــﺤــﻴــﺮة اﳌــﻠــﻐــﺰة، أو ﻫــﻲ واﺣــــﺪة ﻣﻦ »ﻣـــﻬـــﻦ اﻟـــﻘـــﺴـــﻮة«، ﻛــﻤــﺎ ﻋـــﺒـــﺮ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟــﻠــﺒــﻨــﺎﻧــﻲ اﻟـــﺮاﺣـــﻞ ﺑــﺴــﺎم ﺣــﺠــﺎر. وﻻ أﺗــﺤــﺪث ﻫـﻨـﺎ ﻋــﻦ اﻟـﻨـﺜـﺮ اﻟــﻌــﺎدي اﻟــﺬي ﻧﺠﺪ ﺗﻤﺜﻼﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﺑﻞ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻹﺑــﺪاﻋــﻴــﺔ، ﺑـﺨـﺎﺻـﺔ اﻟـﺸـﻌـﺮ اﻟـــﺬي ﻫﻮ ﻣﻜﺎﺑﺪة ﻏﻴﺮ ﻣﻀﻤﻮﻧﺔ اﻟﻌﻮاﻗﺐ وﺻﺮاع ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻀﺮاوة ﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ. ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﺸﻌﺮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ إﻻ ﻟـﻠـﻤـﻮﻫـﻮﺑــﲔ وﺣـــﺪﻫـــﻢ، وﻟــﻜــﻦ ذﻟــﻚ اﻹﻟﻬﺎم ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻃﻮع ﺑﻨﺎن اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ وﻣــﺰاﺟــﻪ اﻟـﺸـﺨـﺼـﻲ. وﺳــﻮاء ﻛــﺎﻧــﺖ اﳌــﻮﻫــﺒــﺔ ﺛــﻤــﺮة ﺗــﺤــﺎﻟــﻒ ﺛـﻨـﺎﺋـﻲ وﻃﻴﺪ ﺑﲔ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﺷﻴﻄﺎﻧﻪ اﳌﻘﻴﻢ ﻓﻲ وادي ﻋﺒﻘﺮ، ﻛﻤﺎ ذﻫﺐ اﻟﻌﺮب اﻷﻗﺪﻣﻮن، أو ﻛﺎﻧﺖ رﺑﻴﺒﺔ اﻟﺪاﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻣﺎ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺮﻫﺎﻓﺔ واﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ واﻻﺳـــــﺘـــــﻌـــــﺪاد اﻟـــﺸـــﺨـــﺼـــﻲ، ﻓــــــﺈن ﻛــﻼ اﻟﻔﺮﺿﻴﺘﲔ ﺗﻔﻀﻴﺎن إﻟـﻰ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﺑـــــﺄن اﻟـــﻄـــﺎﻗـــﺔ اﻟــﻜــﺎﻣــﻨــﺔ ﻓــــﻲ دواﺧــﻠــﻨــﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﺑـﺼـﻮرة داﺋـﻤـﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ واﻟﺘﺴﻴﻴﻞ اﻟﻠﻐﻮي، ﺑﻞ إن اﻟﻐﻴﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺰﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟـﻰ ﺷــﺮوط ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﻄﺮ.
وﻷن اﻟﻌﺮب اﻷﻗﺪﻣﲔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮون ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﻛﻼﻣﴼ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﴼ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻦ ﻗﺪرة اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻌﺎدﻳﲔ، ﻓﻘﺪ ﻧﺴﺒﻮا ﻫﺬا اﻟﻔﻦ إﻟﻰ اﻟﺠﻦ واﻟﺸﻴﺎﻃﲔ وﺳﺎﺋﺮ اﻟﻘﻮى اﻟﻐﻴﺒﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺤﻖ اﻟﺤﺼﺮي ﻓﻲ رﻓﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﺤﻨﺎت اﻹﻟﻬﺎم وﻃﺎﻗﺎﺗﻪ وﺷﺮوﻃﻪ اﳌﺆاﺗﻴﺔ. ﻻ ﺑﻞ إن اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻬﻢ ﻗﺪ ذﻫﺒﻮا أﺑــﻌــﺪ ﻣـــﻦ ذﻟــــﻚ، ﺑــﺤــﻴــﺚ ﺗــﺤــﺪث ﺟـــﻮاد ﻋـﻠـﻲ ﻓــﻲ ﻛـﺘـﺎﺑـﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮ »اﳌـﻔـﺼـﻞ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم« ﺑﺄن اﻟﺸﺎﻋﺮ
اﻟــﺠــﺎﻫــﻠــﻲ ﻛــــﺎن ﻳــﺮﺗــﺒــﻂ ﻣـــﻊ ﺷـﻴـﻄـﺎﻧـﻪ ﺑــﻌــﻘــﺪ ﻣـــﺸـــﺮوط، وﻛـــــﺎن ﻳــﺤــﺮص ﻋﻠﻰ ﻋــﺪم اﻹﺧــﻼل ﺑـﺎﻟـﺸـﺮوط اﳌﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑــﲔ اﻟـﻄـﺮﻓـﲔ، ﻛــﻲ ﻻ ﻳــﻐــﺎدره ﺻﺎﺣﺒﻪ إﻟـﻰ ﻏﻴﺮ رﺟﻌﺔ، أو ﻳﻨﻘﻞ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ إﻟﻰ ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻨﺎﻓﺲ. ﻛﻤﺎ ورد ﻓﻲ »ﺟﻤﻬﺮة أﺷﻌﺎر اﻟﻌﺮب« ﻷﺑﻲ زﻳﺪ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﺑﺄن ﻣﻈﻌﻮن اﻷﻋﺮاﺑﻲ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﺸﻴﺦ ﻃﺎﻋﻦ ﻓــﻲ اﻟــﺴــﻦ، وأﺧــــﺬا ﻳــﺘــﺴــﺎﻣــﺮان إﻟـــﻰ أن أﺳﻤﻌﻪ ﻫـﺬا اﻷﺧﻴﺮ أﺑﻴﺎﺗﴼ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ. وﺣﲔ ﻓﺎﺗﺤﻪ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﻫﺬه اﻷﺑـــﻴـــﺎت ﻣــﻦ اﻷﻋـــﺸـــﻰ، أﺟــــﺎب اﻟـﺸـﻴـﺦ: أﻧــﺎ ﺻـﺎﺣـﺐ اﻷﺑــﻴــﺎت، واﺳـﻤـﻲ ﻣﺴﺤﻞ ﺑﻦ ﺟﻨﺪل، ﻓﻌﺮف اﻟﺮﺟﻞ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ. وﻗــﺪ ﺧﻄﺮ ﻟـﻸﻋـﺮاﺑـﻲ أن ﻳـﺴـﺄل اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ أﺷﻌﺮ اﻟﻌﺮب، ﻓﻘﺎل: ﻻﻓﻆ ﺑﻦ ﻻﺣﻆ، ﺻﺎﺣﺐ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ، وﻫﺒﺎب ﺑﻦ ﻫﺒﻴﺪ، ﺻـــﺎﺣـــﺐ ﻋــﺒــﻴــﺪ ﺑـــﻦ اﻷﺑـــــــﺮص، وﻫــــﺎذر ﺑﻦ ﻣﺎﻫﺮ، ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ. وإذا ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻗﺪ ﻟﺠﺄوا، ﻛﻐﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب، إﻟــﻰ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺨﺮاﻓﺎت ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻐﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ، ﻓـﺈن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﳌﻌﺘﻘﺪات ﻻ ﺗﻘﺮأ ﺑﺤﺮﻓﻴﺘﻬﺎ اﻟﻨﺼﻴﺔ، ﺑــــﻞ ﺑــﻤــﺎ ﺗــﺸــﻴــﺮ إﻟـــﻴـــﻪ ﻣــــﻦ اﺳــﺘــﻌــﺼــﺎء اﻟﺸﻌﺮ وﺗﻤﻨﻌﻪ، ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﳌﻮﻫﻮﺑﲔ اﻟﻜﺒﺎر ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء. وﻟﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮوى ﻋﻦ اﻟــﻔــﺮزدق ﻣـﻦ أن ﺧﻠﻌﻪ ﻷﺣــﺪ أﺿـﺮاﺳـﻪ أﻫﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ، ﻫﻮ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ اﳌﻌﻘﻠﻨﺔ ﻟﻔﻜﺮة اﻟﻮﺣﻲ وﻟﺰﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺤﺔ اﳌﺘﻘﻄﻊ.
ﻓـــــــﻲ إﺣــــــــــــﺪى اﻟـــــﺠـــــﻠـــــﺴـــــﺎت اﻟــــﺘــــﻲ ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ ﺑﺄدوﻧﻴﺲ أﺛﻨﺎء وﺟﻮده ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت، ﻗﺒﻞ أﺷﻬﺮ، ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أن أﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، وﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﺷــﺮوط ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ وزﻣـﺎﻧـﻴـﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﻮﻓﺮﻫﺎ ﻟﻠﺸﺮوع ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻧﺼﻮﺻﻪ اﻹﺑــــﺪاﻋــــﻴــــﺔ. واﻟــﺤــﻘــﻴــﻘــﺔ أن إﺟـــﺎﺑـــﺎت ﺻﺎﺣﺐ »ﻣﻔﺮد ﺑﺼﻴﻐﺔ اﻟﺠﻤﻊ« ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ﻟــﻲ ﺑـﻜـﻞ اﳌـﻌـﺎﻳـﻴـﺮ، إذ ﻟــﻢ ﻳـﺪر ﻓـــﻲ ﺧـــﻠـــﺪي ﻋــﻠــﻰ اﻹﻃــــــﻼق أن ﺷــﺎﻋــﺮﴽ ﻛــﺄدوﻧــﻴــﺲ ﻳـﺴـﺘـﻄـﻴـﻊ أن ﻳـﻜـﺘـﺐ ﻣﺘﻰ وأﻧــــــﻰ ﻳــــﺸــــﺎء، دون اﻟـــﺨـــﻀـــﻮع ﳌــــﺰاج ﺷــﻴــﻄــﺎﻧــﻪ اﻟـــﺸـــﻌـــﺮي وإﻣـــــﻼءاﺗـــــﻪ. ﻗــﺎل أدوﻧـــﻴـــﺲ ﻳــﻮﻣــﻬــﺎ إن ﺟــﺴــﺪه ﺑـﺂﻟـﻴـﺎﺗـﻪ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫـﻮ اﻟــﺬي ﻳﻘﺮر زﻣــﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻧــﻮﻋــﻬــﺎ، ﻣﻀﻴﻔﴼ أن ﻻ وﻗـــﺖ ﻣـﺤـﺪدﴽ ﻋﻨﺪه ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺬﻟﻚ. وﻷن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻨﺪه ﻫﻲ زﻣﻦ داﺧـﻞ اﻟﺰﻣﻦ، ﻓﻬﻮ وﺣـﺪه ﻣﻦ
ﻳــﻤــﻠــﻚ زﻣـــــﺎم زﻣــﻨــﻪ اﻹﺑــــﺪاﻋــــﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر، وﻳﻜﺎد ﻻ ﻳﻤﺮ ﻳﻮم واﺣﺪ دون أن ﻳﻨﺠﺰ ﻧـﺼـﴼ ﻣــﺎ أو ﺟـــﺰءﴽ ﻣــﻦ ﻧـــﺺ. وﻫـــﻮ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻹﻣﻼءات اﳌﻜﺎن وﺷﺮوﻃﻪ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ، إذ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻓـــﻲ اﻟــﻔــﻨــﺎدق واﻟـــﻄـــﺎﺋـــﺮات واﳌـــﻄـــﺎرات واﳌـــﻘـــﺎﻫـــﻲ. »وﺣـــــﺪه اﳌـــﻜـــﺎن اﻷﻟـــﻴـــﻒ ﻻ ﻳـﺤـﻔـﺰﻧـﻲ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﻜــﺘــﺎﺑــﺔ، وﺗـﺒـﻌـﴼ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻛﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟـﺬي أﺳﻜﻨﻪ« ﻳﻘﻮل أدوﻧـﻴـﺲ، ﻣﻌﻠﻼ ذﻟـﻚ ﺑـﺄن اﻟﻠﻐﺔ ﻫﻲ رﺑﻴﺒﺔ اﻟﻬﺠﺮة واﻟﺘﺮﺣﺎل واﳌﻨﻔﻰ، وﻫﻲ ﻧﻘﻴﺾ اﻷﻟﻔﺔ واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ اﻟﻮادﻋﺔ.
أﻣــﺎ اﻷﻣــﺮ اﻵﺧــﺮ اﳌـﻔـﺎﺟـﺊ ﻓـﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻮار، ﻓﻬﻮ اﻋﺘﺮاف ﺻﺎﺣﺐ »أﻏﺎﻧﻲ ﻣﻬﻴﺎر اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ« ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﻧﺼﻮﺻﻪ دﻓﻌﺔ واﺣـﺪة، وأن ﺗﻨﻘﻴﺤﻪ اﻟﻼﺣﻖ ﳌﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ، وﺧﻼﻓﴼ ﳌﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﺒﻌﺾ، ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز اﳌﻔﺮدات واﻟﺘﺮاﻛﻴﺐ اﻟﻨﺤﻮﻳﺔ اﻟــﻘــﻠــﻴــﻠــﺔ. وﺣــــﲔ ﻋـــﺒـــﺮت ﻋـــﻦ دﻫـﺸـﺘـﻲ ﳌــﺜــﻞ اﻻﻋـــﺘـــﺮاﻓـــﺎت، ﺑــﺎﻋــﺘــﺒــﺎر أن ﻟﻐﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺗﺸﻲ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣــﻦ اﻟﺘﻨﻘﻴﺢ واﻻﺷـــﺘـــﻐـــﺎل، ﻟــﻢ ﻳـﻨـﻜـﺮ أدوﻧـــﻴـــﺲ ﻫــﺬه اﳌــﻴــﺰة ﻓــﻲ ﻧــﺼــﻮﺻــﻪ، ﻟـﻜـﻨـﻪ ﻗـــﺎل ﺑـﺄﻧـﻪ ﻳـﻨـﻘـﺢ اﻟـﻘـﺼـﻴـﺪة ﻓــﻲ رأﺳــــﻪ أوﻻ، وأن ﻛـﻞ ﻣـﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ ﻳﻨﻀﺞ داﺧــﻞ ﻋﻘﻠﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪون ﻋﻠﻰ اﻟﻮرق. وﺑﺴﺆاﻟﻲ ﻟﻪ ﻋﻦ
أدوات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻗــﺎل ﺑـﺄﻧـﻪ ﻳﻤﻴﻞ إﻟــﻰ اﺳـﺘـﺨـﺪام اﻟﺤﺒﺮ اﻷﺳـــــﻮد، وﻟـﻜـﻨـﻪ ﻻ ﻳــﺄﺑــﻪ ﻟــﻠــﻮن اﻟـــﻮرق اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ، ﺷﺮط أﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻮرﻗﺔ ﻣﺨﻄﻄﺔ ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑـﺂﺧـﺮ، »رﺑـﻤـﺎ ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻓﺾ ﻓﻲ ﻻ وﻋﻴﻪ أن ﻳﺘﺒﻊ أي ﻧﻤﻮذج أو ﻣﺨﻄﻂ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج«.
أﻣــﺎ ﻣـﺤـﻤـﻮد دروﻳـــﺶ ﻓـﻘـﺪ ﺗﺤﺪث ﻏﻴﺮ ﻣﺮة ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ، وﻋﻦ اﻟﺸﺮوط اﳌﻼﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗـﻮﻓـﺮﻫـﺎ ﻟـﻠـﺸـﺮوع ﻓـﻴـﻬـﺎ. وﻓـﻲ اﻟــﺤــﻮار اﻟـﻌـﻤـﻴـﻖ واﻟــﺜــﺮي اﻟـــﺬي أﺟـــﺮاه اﻟـــﺸـــﺎﻋـــﺮ اﳌـــﻐـــﺮﺑـــﻲ ﺣـــﺴـــﻦ ﻧــﺠــﻤــﻲ ﻣـﻊ
ﺻﺎﺣﺐ »اﻟﺠﺪارﻳﺔ« ﻗﺒﻞ رﺣﻴﻠﻪ ﺑﻔﺘﺮة ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﻳﻌﺘﺒﺮ دروﻳـــﺶ أن اﻟـﺸـﻌـﺮ ﻓﻲ اﻷﺻـﻞ ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﳌﻬﻨﺔ واﻟﻬﻮاﻳﺔ. وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻈﻞ ﻫﺎوﻳﴼ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑـﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣـﻊ اﻟـﺰﻣـﻦ أن ﻳﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻗﺮب إﻟﻰ اﳌﻬﻨﺔ. واﻟﻼﻓﺖ أن دروﻳﺶ ﻳﺘﻘﺎﻃﻊ ﻓــﻲ ﺑـﻌـﺾ إﺟــﺎﺑــﺎﺗــﻪ ﻣــﻊ أدوﻧـــﻴـــﺲ، إذ ﻳﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻴﺲ ﺗﺪﻓﻘﴼ ﺳﻠﻴﻘﻴﴼ ﺗـﻠـﻘـﺎﺋـﻴـﴼ ﻓــﻘــﻂ، ﺑــﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻔﻜﺮ ﺷﻌﺮي، وﻟﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻠﻮﺟﻮد. وﻟﻜﻦ دروﻳﺶ ﻳﻌﺘﺮف ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﻟﻠﻨﺼﻮص اﻟﻄﺎزﺟﺔ ﻟﺤﻈﺔ إﻧﺠﺎزﻫﺎ، وﻟﺬا ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺮك اﻟﻨﺺ
ﻟــﻔــﺘــﺮة ﻣـــﻦ اﻟـــﺰﻣـــﻦ ﻛـــﻲ ﻳـــﻌـــﺎود ﻗــﺮاءﺗــﻪ ﺑﻌﲔ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ، ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺧﺬ اﻟــﻘــﺮار ﺑﺤﺬﻓﻪ أو ﺗﻌﺪﻳﻠﻪ أو اﻟـﺪﻓـﻊ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻨﺸﺮ. وإذ ﻳﺤﺚ دروﻳﺶ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺢ ﻛﺴﻞ اﻟﻬﻮاﻳﺔ وﻋــﺪم اﻧﺘﻈﺎر اﻹﻟــﻬــﺎم، ﻳﺤﺬر ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣـﻦ اﻻﻓﺘﻌﺎل، وﻣـﻦ ﺗﻜﺮار ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻟﻬﻢ أن ﻛﺘﺒﻮه، ﻻ ﻟﺸﻲء، إﻻ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺘﺎج اﻟـــﻴـــﻮﻣـــﻲ. وﻷن ﻋـــﻠـــﻰ اﻟـــﺸـــﺎﻋـــﺮ، وﻓـــﻖ دروﻳــــﺶ، أن ﻳـﻈـﻞ ﻣﺘﺮﺑﺼﴼ ﺑﻠﺤﻈﺎت اﻹﻟــﻬــﺎم اﻟـﺘـﻲ ﻻ ﻳـﻌـﺮف ﻣـﻮﻋـﺪﻫـﺎ، ﻓﻬﻮ ﻗـﺪ درب ﻧﻔﺴﻪ، وإن ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ، ﻋـﻠـﻰ ﺧـﻠـﻖ ﻋــــﺎدات ﻛـﺘـﺎﺑـﻴـﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ
اﻟــﺠــﻠــﻮس إﻟـــﻰ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﺻــﺒــﺎح ﻛــﻞ ﻳـﻮم ﺑــﺎﻧــﺘــﻈــﺎر »اﻟــﻠــﺤــﻈــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻳــﺠــﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟــﻼوﻋــﻲ ﻛــﻠــﻤــﺎﺗــﻪ«، ودون أي اﻓـﺘـﻌـﺎل أو إرﻏـــﺎم. ﺛـﻢ ﻳﻤﻌﻦ دروﻳــﺶ ﻓـﻲ ﺳﺮد ﺑـﻌـﺾ ﺗـﻔـﺎﺻـﻴـﻞ »ﻣـﺨـﺘـﺒـﺮه اﻟـﺸـﻌـﺮي« ﻣﻌﺘﺮﻓﴼ ﺑﺄﻧﻪ ﺷﺎﻋﺮ ﻧﻬﺎري ﻻ ﻳﻜﺘﺐ إﻻ ﻓﻲ »اﻟﻀﻮء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ«. ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻘﻠﻢ اﻟﺤﺒﺮ اﻟﺴﺎﺋﻞ ذي اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد، وﻋﻠﻰ ورق أﺑﻴﺾ وﻏﻴﺮ ﻣﺴﻄﺮ. وﻫﻮ ﻛﻠﻤﺎ ﺷﻄﺐ ﺳﻄﺮﴽ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ، ﻣﺰﻗﻬﺎ واﺳـﺘـﺒـﺪﻟـﻬـﺎ ﺑــﺴــﻮاﻫــﺎ. وﻗــﺪ ﻳـﺤـﺪث أن ﺗـﺘـﻌـﺜـﺮ اﻟــﻜــﺘــﺎﺑــﺔ، ﻓـﻴـﺘـﻄـﻴـﺮ ﻣـــﻦ اﻟــﻘــﻠــﻢ، وﻳﺴﺘﺒﺪﻟﻪ ﺑﺴﻮاه، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أن اﳌﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻢ ﻻ ﻓﻲ اﻹﻟﻬﺎم. وردﴽ ﻋﻠﻰ ﺳﺆال
ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑــﺎﻹﻳــﻘــﺎع، ﻳـﻘـﻮل اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻨﺼﺖ أﺛﻨﺎء اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﻰ أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﳌﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﻀﺪ اﻟــﻨــﺒــﺮات اﻹﻳـﻘـﺎﻋـﻴـﺔ ﻟـﻠـﻨـﺺ، »ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أرﻳﺪ أن أﻛﺘﺐ ﻧﺼﴼ ﺧﺎﻓﺘﴼ، أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺷــﻮﺑــﺎن. وﻋـﻨـﺪﻣـﺎ أرﻳــﺪ أن أﻛـﺘـﺐ ﻧﺼﴼ ﻋﺎﻟﻲ اﻟﻨﺒﺮة، أﺳﺘﻤﻊ إﻟـﻰ ﺑﻴﺘﻬﻮﻓﻦ«. وﻳﺘﺎﺑﻊ دروﻳﺶ ﺑﻮﺣﻪ اﻟﺤﻤﻴﻢ ﻟﻨﺠﻤﻲ، ﻣﻮﺿﺤﴼ أﻧــﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎدق واﻟﻄﺎﺋﺮات واﻟﻘﻄﺎرات أو أي ﻣـﻜـﺎن آﺧـــﺮ، ﺳــﻮى اﳌــﻜــﺎن اﻟـــﺬي ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻜﺘﺒﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻣﻘﺮﴽ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ اﳌﻌﺎﺟﻢ، ﺑﻐﻴﺔ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ دﻗﺔ اﳌﻔﺮدات اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ، وﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﺎ اﻟﺼﺮﻓﻴﺔ ودﻻﻻﺗﻬﺎ اﳌﺘﻌﺪدة.
ﻳــﻘــﺮ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟــﺘــﻮﻧــﺴــﻲ ﻣﻨﺼﻒ اﻟـــﻮﻫـــﺎﻳـــﺒـــﻲ، ﻣـــﻦ ﺟــﻬــﺘــﻪ، ﺑــــﺄن اﻹﻟـــﻬـــﺎم اﻟـﺸـﻌـﺮي ﻻ ﻳﺤﻀﺮه إﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﻠﻴﻞ، وﻣـﻊ اﻟﺨﻴﻮط اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻷوﻟـﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻊ اﻟﻔﺠﺮ ﻟﺘﻀﻲء اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻣــﻊ أن ﺻـﺎﺣـﺐ »ﻣـﺨـﻄـﻮط ﺗﻤﺒﻜﺘﻮ« ﻳﺮد ذﻟﻚ إﻟﻰ زﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺔ اﳌﺒﻜﺮة ﻓﻲ »اﻟـﻜـﺘـﺎب«، ﺣﻴﺚ ﻛـﺎن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﻬﺾ ﺑﺎﻛﺮﴽ ﻛﻞ ﻳﻮم، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺮﺑﻂ ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ اﻟــــﺰﻣــــﻨــــﻲ اﻟــــﻴــــﻮﻣــــﻲ ﺑـــﺼـــﻔـــﺎء ﻣـــــﺎ ﺑــﻌــﺪ اﻟـﻨـﻮم، ﺣﻴﺚ اﳌﺴﺎﻓﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺑﲔ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﺣﻼم، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ واﻟﻨﻔﺲ، ﻳﻜﻮﻧﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣــﻦ اﻟـﺘـﻴـﻘـﻆ واﻟــﺤــﻴــﻮﻳــﺔ اﻟـــﻼزﻣـــﲔ ﻷي ﻧﺸﺎط ذﻫﻨﻲ وإﺑﺪاﻋﻲ. »اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ«، ﻳﻘﻮل اﻟﻮﻫﺎﻳﺒﻲ، وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺪﻓﻖ اﳌﺘﻘﻄﻊ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻈﻬﻴﺮة، ﺛﻢ ﺗﺴﺪل اﻟﺴﺘﺎﺋﺮ وﻳﻨﺘﻬﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء. وﻟﺬا ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ أﺣــﺪﴽ ﻓـﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﺨﺎﺿﻪ، وﻻ ﻳﺘﻮاﺻﻞ ﻓــﻲ ﺧـﻠـﻮﺗـﻪ ﻣــﻊ أﺣـــﺪ، ﺳـــﻮى ﻫﺴﻬﺴﺔ اﳌــــﻔــــﺮدات وﺗــﻬــﻮﻳــﻤــﺎﺗــﻬــﺎ. وﻻ ﻓــــﺮق أن ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ أو اﻟﺤﺎﻧﺔ أو اﳌﻘﻬﻰ، إذ ﻻ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻨﺪه ﻟﻠﻤﻜﺎن، ﻓﻲ ﺿﺠﻴﺠﻪ أو ﺻـﻤـﺘـﻪ، ﻷﻧـــﻪ ﻳــﺴــﻮر ﻧـﻔـﺴـﻪ ﺑـﺠـﺪار ﺳﻤﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ، وﻳﺨﺘﻠﻲ ﺗﺤﺖ »ﻗﺒﺘﻪ اﻟﺒﻠﻮرﻳﺔ« ﺑﻤﻦ ﻳﺸﺎء ﻣـﻦ اﳌﺨﻠﻮﻗﺎت. وﻳﻘﻮل اﻟﻮﻫﺎﻳﺒﻲ، اﻟﺤﺎﺋﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة زاﻳــﺪ ﻋـﻦ ﻓﺌﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻬﺬا اﻟـﻌـﺎم، ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳـﻜـﺘـﺐ ﻧـﺼـﻮﺻـﻪ دﻓــﻌــﺔ واﺣـــــﺪة، ﺑﻞ ﻋﻠﻰ دﻓﻌﺎت ﻋﺪة ﻗﺪ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﺷﻬﺮﻳﻦ أو أﻛـــﺜـــﺮ. أﻣــــﺎ اﻟــﺴــﺒــﺐ ﻓـــﻼ ﻳــﻌــﻮد إﻟــﻰ ﻛــﻮن ﻣﻌﻈﻢ ﻗـﺼـﺎﺋـﺪه ﻳﺘﺴﻢ ﺑـﺎﻹﻃـﺎﻟـﺔ ﻓـﺤـﺴـﺐ، ﺑــﻞ ﻷﻧـــﻪ ﻛـﺜـﻴـﺮﴽ ﻣــﺎ ﻳﻠﺠﺄ إﻟـﻰ
ﻣﺼﺎدر ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ وﺑﺤﺜﻴﺔ، وإﻟﻰ ﻣﻌﺎﺟﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪه ﻓﻲ اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت. وﻫﻲ ﻣﻴﺰة ﻳﺘﺸﺎرﻛﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﻮد دروﻳﺶ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻴﺰات أﺧـــــﺮى، ﻛــﺎﻟــﻄــﻘــﺲ اﻟـــﻨـــﻬـــﺎري، واﻟـﺤـﺒـﺮ اﻟــﺴــﺎﺋــﻞ اﻷﺳـــــــﻮد، واﻷوراق ﻧـﺎﺻـﻌـﺔ اﻟـﺒـﻴـﺎض. وﻳـﻀـﻴـﻒ اﻟـﻮﻫـﺎﻳـﺒـﻲ، ﺧـﻼل ﺣـــﻮار ﻫـﺎﺗـﻔـﻲ ﺟـــﺮى ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻗـﺒـﻞ أﻳـــﺎم، ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻘﺼﺎﺋﺪه إﻟـﻰ اﻟﻨﺸﺮ إﻻ ﺑـﻌـﺪ ﺗـﻨـﻘـﻴـﺢ وﻣــﺮاﺟــﻌــﺔ ﻃــﻮﻳــﻠــﲔ. ﻛﻤﺎ أﻧــــﻪ ﻻ ﻳــﺘــﻮاﻧــﻰ ﻋـــﻦ إﺟــــــﺮاء ﺗــﻌــﺪﻳــﻼت أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻮﺻﻪ اﻟـﺠـﺪﻳـﺪة، أو ﻋﻦ ﺣﺬﻓﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ، إﻣﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺮاﺟﻌﺘﻪ اﳌـﺘـﺸـﺪدة ﻟـﻬـﺎ، أو اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺘﻤﻨﻴﺎت اﻟـﺬﻳـﻦ ﻳﻄﻠﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫــﺬه اﻟﻨﺼﻮص، ﻣﻤﻦ ﻳﺜﻖ ﺑﺴﻼﻣﺔ أذواﻗﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ وﻣﺘﺎﺑﻌﻴﻪ.
ﺛﻤﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻃﻘﻮس وﻣﻤﺎرﺳﺎت أﻛﺜﺮ ﻏﺮاﺑﺔ، ﻳﺤﻴﻂ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻨﺎﻧﻮن واﻟـــﻜـــﺘـــﺎب أﻧــﻔــﺴــﻬــﻢ ﺑــﻬــﺎ ﻓـــﻲ ﺑـــﺪاﻳـــﺎت ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ، ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺤﻮل ﻣـﻊ اﻟﺰﻣﻦ إﻟـــــﻰ وﺳــــﺎﺋــــﻂ إﻟـــﺰاﻣـــﻴـــﺔ ﺑــﻴــﻨــﻬــﻢ وﺑــﲔ اﻹﺑــﺪاع. ﻓﺎﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻨﺮوﻳﺠﻲ إﺑﺴﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻤﻜﺎن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو زﻣﺎﻧﻬﺎ، وﻟــﻜــﻨــﻪ ﻣــﻊ ذﻟـــﻚ ﻟــﻢ ﻳــﻜــﻦ ﻳـﺴـﺘـﻄـﻴـﻊ أن ﻳــﻜــﺘــﺐ أي ﻧــــﺺ، ﻣـــﺎ ﻟـــﻢ ﻳــﻀــﻊ أﻣــﺎﻣــﻪ ﺻـــــــﻮرة ﻣــﻨــﺎﻓــﺴــﻪ وﺧـــﺼـــﻤـــﻪ اﻟــــﻠــــﺪود ﺳﺘﺮﻧﺪﺑﺮغ، وﺣﲔ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ أﺟﺎب: »أرﻳﺪ أن أﻏﻴﻈﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ إﺑﺪاﻋﻲ ﻗﺒﻞ ﻧﺸﺮه ﻋﻠﻰ اﳌﻸ«. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻜﺘﻮر ﻫﻴﻐﻮ وﻫﻮ ﻳﻜﺘﺐ رواﻳﺘﻪ »أﺣﺪب ﻧﻮﺗﺮدام« ﻟﻴﺠﺪ وﺳﻴﻠﺔ ﻹرﻏﺎم ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻼزﻣﺔ ﻣﻨﺰﻟﻪ وإﻛﻤﺎل ﻋﻤﻠﻪ ﻓــﻲ وﻗـــﺖ ﻗــﻴــﺎﺳــﻲ، ﺳـــﻮى ﺧـﻠـﻊ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻃﻴﻠﺔ ﻓﺘﺮة ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ. ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﳌﺎﻧﻲ ﺷﻴﻠﺮ ﻳﻀﻊ ﺗﻔﺎﺣﺔ ﻓﻲ درج اﳌﻜﺘﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ إﻟﻴﻪ، ﺛﻢ ﻳﻌﻤﺪ ﺧـﻼل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟـﻰ ﺷﻤﻬﺎ وﺗﺤﺴﺴﻬﺎ ﺑـﲔ ﺣـﲔ وآﺧــﺮ، ﻟﻜﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻟـﻪ ﻋﻨﺼﺮ اﻹﻟــﻬــﺎم. ﻓﻴﻤﺎ ﻛــﺎن ﻧــﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ ﻳﺘﻬﻴﺄ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻷرض، أو ﺑـﺎﻟـﻨـﻮم ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﻪ، ﺣﻴﻨﴼ، أو ﻳﺮﺗﺪي أﻓﻀﻞ ﺛﻴﺎﺑﻪ وﻛﺄﻧﻪ ذاﻫــﺐ إﻟـﻰ ﻋﺮس، ﺣـﻴـﻨـﴼ آﺧــــﺮ. ﻋــﻠــﻰ أن اﻷﻫــــﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟــﻠــﻘــﺮاء ﻻ ﻳـﺘـﻤـﺜـﻞ ﻓــﻲ اﻟــﻄــﻘــﻮس اﻟـﺘـﻲ ﺗﻼزم اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ، ﺑﻞ اﻟﻨﺼﻮص اﻟــﺘــﻲ ﺗﺘﻤﺨﺾ ﻋـﻨـﻬـﺎ، وإﻻ ﻟﺘﺤﻮﻟﺖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﺎزﻳﻢ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﳌﻌﻨﻰ، وﺷﻜﻠﻴﺎت ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ روح.
ﺛﻤﺔ ﻃﻘﻮس وﻣﻤﺎرﺳﺎت أﻛﺜﺮ ﻏﺮاﺑﺔ ﻳﺤﻴﻂ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻨﺎﻧﻮن واﻟﻜﺘﺎب أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﰲ ﺑﺪاﻳﺎت ﻣﺴﲑﺗﻬﻢ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺤﻮل ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ إﻟﻰ وﺳﺎﺋﻂ إﻟﺰاﻣﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﲔ اﻹﺑﺪاع