ﻟﻮرﻛﺎ ﻳﻘﺘﺮح ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻹﺑﺪاع
ﺳﻤﺎﻫﺎ »اﻟﺪوﻳﻨﺪي« وﺗﺸﻤﻞ اﻟﺸﻌﺮ واﳌﻮﺳﻴﻘﻰ وﻣﺼﺎرﻋﺔ اﻟﺜﲑان
ﻣــﺎ اﻟــــﺬي ﻳـﺠـﻌـﻠـﻨـﺎ ﻏــﻴــﺮ ﻗــﺎدرﻳــﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺬوق ﻋﻤﻞ أدﺑﻲ أو ﻓﻨﻲ، رﻏﻢ أﻧﻪ ﻳﺒﺪو ﻣﺴﺘﻮﻓﻴﴼ اﻟﺸﺮوط واﻟﻘﻮاﻋﺪ. ﻧﻘﺮأ رواﻳﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻬﺎ، ﺑﺎرﻋﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت، ﻣﺘﻘﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﻜﺔ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄي اﻧﻔﻌﺎل ﺑﻌﺪ اﻻﻧـﺘـﻬـﺎء ﻣﻨﻬﺎ. ﻧﻄﺎﻟﻊ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ﺗﺸﺎرف ﺗﺨﻮم اﻟﺤﺪاﺛﺔ، ﻓـــــﻲ اﻟـــــﻠـــــﻮن وﻣــــﻌــــﺎﻟــــﺠــــﺔ اﻟــﺴــﻄــﺢ وﺗــــﻮزﻳــــﻊ اﻟـــﻈـــﻞ واﻟــــﻀــــﻮء، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﺒﺮﻫﺎ ﺳﺮﻳﻌﴼ دون أن ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻴﻨﺎ. ﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟــﻰ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻳـﺆدﻳـﻬـﺎ ﻋــﺎزﻓــﻮن ﺑــﺎرﻋــﻮن ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗـﺘـﺮك ﻓﻴﻨﺎ أﺛـــﺮ... ﻓـﻲ ﻛـﻞ ﻫﺬه اﳌﻮاﻗﻒ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺤﺎﺋﺮ: ﳌـــــﺎذا ﻟـــﻢ ﻧــﺼــﺐ ﺑــﺎﻟــﻨــﺸــﻮة، وﻟــﻢ ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ؟
اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﳌﺴﺮﺣﻲ واﳌﻮﺳﻴﻘﻲ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﳌﻌﺮوف ﻓﻴﺪﻳﺮﻳﻜﻮ ﻏﺎرﺛﻴﺎ ﻟـﻮرﻛـﺎ، اﻟــﺬي ﺗﻢ إﻋـﺪاﻣـﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻗـــﻮات اﻟـﺠـﻨـﺮال ﻓـﺮاﻧـﻜـﻮ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ ﻓــﻲ ٩١ أﻏﺴﻄﺲ )آب( ٦٣٩١، ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز ٨٣ ﻋﺎﻣﴼ، ﻟﻜﻨﻪ أﺻﺒﺢ واﺣﺪﴽ ﻣﻦ أﻫﻢ أدﺑﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ... إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻮرﻛﺎ ﺟﺎء ت ﻋﺒﺮ ﻋـﺪد ﻣـﻦ اﳌـﺤـﺎﺿـﺮات أﻟﻘﺎﻫﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﴽ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ، وﻧﻘﻠﻬﺎ ﻟﻠﻌﺮﺑﻴﺔ أﺣﻤﺪ ﻳـﻌـﻘـﻮب ﻋـﺒـﺮ ﻛـﺘـﺎب »ﻓـﻴـﺪﻳـﺮﻳـﻜـﻮ ﻏﺎرﺛﻴﺎ ﻟـــﻮرﻛـــﺎ...اﻟـــﻠـــﻌـــﺐ وﻧــﻈــﺮﻳــﺔ اﻟـــﺪوﻳـــﻨـــﺪي«، اﻟﺼﺎدر ﻣﺆﺧﺮﴽ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ »أروﻗﺔ« ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ واﻟﺘﻮزﻳﻊ.
ﻗﻮة ﻏﺎﻣﻀﺔ
ﻳـــــﺸـــــﻴـــــﺮ ﻳــــــﻌــــــﻘــــــﻮب ﻓـــــــــﻲ ﺗــــﻘــــﺪﻳــــﻤــــﻪ ﻟﻠﻤﺤﺎﺿﺮات إﻟﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗــﺴــﻤــﻴــﺘــﻪ »ﻧـــﻈـــﺮﻳـــﺔ ﻟـــﻮرﻛـــﺎ اﻟــﺠــﻤــﺎﻟــﻴــﺔ«، وﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﺑــﺪاع، ﺣﻴﺚ ﻳـﺴـﻌـﻰ ﻻﺳــﺘــﻨــﺒــﺎط اﻟــﺴــﺮ وراء اﻟﺘﺠﻠﻲ واﻟﺘﻔﺮد واﻷﺻﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ دون ﻏﻴﺮه، ﺳـﻮاء ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ أو اﻟﻘﺼﺔ أو اﻟﻐﻨﺎء أو اﳌـﻮﺳـﻴـﻘـﻰ، أو ﺣـﺘـﻰ ﻣـﺼـﺎرﻋـﺔ اﻟـﺜـﻴـﺮان. ﻫـــﺬا اﻟــﺴــﺮ ﻫـــﻮ ﻣـــﺎ ﻳـﻄـﻠـﻖ ﻋـﻠـﻴـﻪ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ »دوﻳــﻨــﺪي«، وﻫــﻲ ﻛﻠﻤﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺣﺮﻓﻴﴼ »ﻣﻠﻜﺔ«، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻏﻴﺮ دﻗﻴﻘﺔ ﻓـﻲ ﻫــﺬا اﻟـﺴـﻴـﺎق، وﻣــﻦ ﻫﻨﺎ أﺑﻘﻰ اﳌﺘﺮﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ، ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻪ اﻷﺻﻠﻴﺔ.
»ﻗـــﻮة ﻏـﺎﻣـﻀـﺔ ﻳﺸﻌﺮ ﺑـﻬـﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ، وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أي أﺣﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﴼ«، ﻫﻜﺬا ﻳﻀﻊ ﻟﻮرﻛﺎ ﺗﻌﺮﻳﻔﴼ أوﻟﻴﴼ ﻟﻬﺬا »اﻟﺪوﻳﻨﺪي«، ﺗﻌﺮﻳﻔﴼ ﻻ ﻳﻘﻮدﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﻴﺴﻴﺮ اﳌﺒﺎﺷﺮ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺰﻳﺪ اﻷﻣﺮ ﻏﻤﻮﺿﴼ، ﺧﺼﻮﺻﴼ أن ﻟﻮرﻛﺎ ﻳــﺸــﺪد ﻋــﻠــﻰ أن ﻣــﺎ ﻳــﺬﻫــﺐ إﻟــﻴــﻪ ﻓــﻲ ﺗﻠﻚ اﳌـﺤـﺎﺿـﺮات اﻟـﺘـﻲ أﻟـﻘـﺎﻫـﺎ ﻓـﻲ اﻷرﺟﻨﺘﲔ وﻛﻮﺑﺎ ﺑﺪاﻳﺎت ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ ﻻ ﻋـﻼﻗـﺔ ﻟــﻪ ﺑـــ»اﻹﻟــﻬــﺎم« أو »اﻟــﻮﺣــﻲ« أو ﺣﺘﻰ »ﺷﻴﻄﺎن اﻟﺸﻌﺮ«.
ﻣﺎ ﻫﻮ »اﻟﺪوﻳﻨﺪي« إذن؟
ﻳــﺠــﻴــﺒــﻨــﺎ ﻟــــﻮرﻛــــﺎ: »ﻟـــــﻮ ﻛـــــﺎن ﻟــﺪﻳــﻨــﺎ ﻋـــــــﺎزف ﺟـــﻴـــﺘـــﺎر ﺑـــــــﺎرع ﻳــــﺄﺳــــﺮ اﻟــﺠــﻤــﻴــﻊ ﺑـﻐـﻨـﺎﺋـﻪ وﻣــﻮﺳــﻴــﻘــﺎه، ﻓـــﺈن )اﻟــﺪوﻳــﻨــﺪي( ﻫــﻮ ﻫــﺬا اﻟــﺸــﻲء اﻟـــﺬي ﻳـﺨــﺮج ﻣــﻦ ﻗﻠﺒﻪ،
وروﺣﻪ، وﻳﺴﺮى ﻣﻦ رأﺳﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﻤﺺ ﻗﺪﻣﻴﻪ، ﺷﻲء ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺤﻨﺠﺮة، أي ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟـﺼـﻮت وﺣـﻼوﺗـﻪ وﻃـﻼوﺗـﻪ! اﻧﻈﺮ إﻟـﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺮواﺳﻲ ﺑﺸﻤﻮﺧﻬﺎ وﺟﻼﻟﻬﺎ، إن ﻣﺎ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ ﻛﻞ ﻫﺬه )اﻟﻬﻴﺒﺔ( ﻫﻮ )اﻟﺪوﻳﻨﺪي(«.
روح اﻟﺘﻤﺮد
ﻫﻨﺎ ﻗـﺪ ﻳﺴﺄل ﺳـﺎﺋـﻞ: وﻫــﺬا اﻟﺸﻲء اﻟــﻐــﺮﻳــﺐ اﻟــﻐــﺎﻣــﺾ اﳌــﺪﻫــﺶ أﻳـــﻦ ﻧـﺠـﺪه، وﻛﻴﻒ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ؟ ﻣـﺮة أﺧــﺮى ﻳﺠﻴﺒﻨﺎ ﻟﻮرﻛﺎ: ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺧﺎرﻃﺔ أو ﻗﻮات ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪك ﻓﻲ ﻫﺬه اﳌﻬﻤﺔ، ﻓـ»اﻟﺪوﻳﻨﺪي« روح ﻋـﺼـﻴـﺔ ﻋــﻠــﻰ اﻹﻣـــﺴـــﺎك، واﳌــﻌــﻠــﻮم ﻟﺪﻳﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﺣﺎدة ﻗﻮﻳﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺳﻔﻚ اﻟـﺪم، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺰﺟﺎج ﺑﺒﺸﺮﺗﻨﺎ، إﻧﻬﺎ روح اﻟــﺘــﻤــﺮد ﻋــﻠــﻰ اﻟــﻘــﻮاﻟــﺐ اﻟــﺠــﺎﻫــﺰة، وﺗﺤﺪي اﻷﻧﻤﺎط اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ، واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺻﻮت ﺧﺎص ﻓﻲ اﻹﺑﺪاع ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ ﺑـﻌـﺪ أن ﻳــﻜــﻮن ﺻـﺎﺣـﺒـﻪ ﻗــﺪ اﺣــﺘــﺮق ﺑـﻪ، واﻧﻔﻌﻞ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﺼﺪق واﳌﻌﺎﻧﺎة ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﻮرﻳﺔ.
ﻳــﻀــﺮب ﻟــﻮرﻛــﺎ ﺑـﻌـﻀـﴼ ﻣــﻦ اﻷﻣـﺜـﻠـﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ، ﻓﻴﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌـﺜـﺎل أﻣــﺎم أﺑﻴﺎت ﻣﻦ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﺷﻬﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﻘﻮل ﻣﻄﻠﻌﻬﺎ: »داﺧﻞ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﺳﺄﻣﻮت ﻓﻲ ﻣﺸﺘﻞ اﻟﺰﻫﻮر ﻗﺘﻠﻮﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻏﺎدر ﻳﺎ أﻣﻲ ذﻫﺒﺖ أﻗﻄﻒ اﻷزﻫﺎر ﻟﻜﻨﻲ ﻗﻄﻔﺖ اﳌﻮت..« ﻛﻤﺎ ﻳـﻀـﺮب ﻣـﺜـﺎﻻ آﺧــﺮ ﺑﺄﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﺗﻘﻮل: »اﻟﻌﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻚ ﺑﻬﺎ ﻟﻠﻈﻞ أﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻔﺘﲔ اﻟﻠﺘﲔ ﻻﻣﺴﺖ اﻟﻬﻮاء ﺑﻬﻤﺎ ﻟﻠﺠﺒﺎل أﻋﻄﻴﺘﻬﺎ«
وﻳــــﺒــــﺪي ﻟــــﻮرﻛــــﺎ اﻫـــﺘـــﻤـــﺎﻣـــﴼ ﺧــﺎﺻــﴼ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎت ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻓـﻲ ﻣـﺠـﺎل ﻣﺼﺎرﻋﺔ اﻟـــﺜـــﻴـــﺮان، ﺣــﻴــﺚ ﻳـــﺒـــﺪو ﻣــﻔــﺘــﻮﻧــﴼ ﺑـﺸـﻜـﻞ ﺧﺎص ﺑﺒﺮاﻋﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻓــﻲ ﻫــﺬا اﻟــﺴــﻴــﺎق: »ﻣــﺼــﺎرﻋــﺎت ﻳﻌﺸﻘﻦ اﻟــﺤــﻴــﺎة، ﻟـﻜـﻨـﻬـﻦ ﻻ ﻳــﻬــﱭ اﳌــــﻮت، وﺣــﲔ ﻳــﺼــﺎرﻋــﻦ اﻟــﺜــﻮر ﻓـﻬـﻦ ﻳـﻌـﺮﻓـﻦ أن اﻟـﺜـﻮر ﻫــﻨــﺎ ﻣــﺠــﺮد رﻣـــﺰ ﻟــﻠــﺨــﺮاﻓــﺎت واﻟــﺨــﻮف،
وﻛــــﻞ ﻣـــﺎ ﻣـــﻦ ﺷـــﺄﻧـــﻪ أن ﻳﺴﺠﻦ اﻟــﺮوح، وﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﻄﻼق. اﳌﺼﺎرﻋﺎت ﻫﻨﺎ ﻳﺘﺤﻠﲔ ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻲ اﳌﻨﺎورة. إﻧﻬﻦ ﻣﺜﺎل ﻟﻠﻤﺤﺎرﺑﺎت اﻟﺠﻤﻴﻼت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳﺠﻤﻌﻦ ﺑﲔ ﻋﻄﺮ اﻷﻧﻮﺛﺔ واﻟﺒﺄس ﻓﻲ اﳌﻴﺪان«.
ﻣﻘﱪة أدﺑﻴﺔ
ﻓـــﻲ ﻣــﺤــﺎﺿــﺮة أﺧـــــﺮى، ﻳـﺸـﺮح ﻟﻮرﻛﺎ ﳌﺎذا اﺗﺨﺬ ﻗﺮارﴽ ﻻ رﺟﻌﺔ ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻻﻋﺘﺬار ﻋﻦ أي ﺗﻜﺮﻳﻢ أو ﺣﻀﻮر أي وﻟﻴﻤﺔ ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﺮف ﺷﺨﺼﻪ اﳌــﺘــﻮاﺿــﻊ، ﻓــﻬــﻮ ﻳـــﺮى أﻧـــﻪ ﻻ ﺗـﻮﺟـﺪ ﻟﺤﻈﺔ أﻛﺜﺮ ﺣﺰﻧﴼ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻔﻴﻖ اﻟﺒﺎرد اﻟﺮﺗﻴﺐ، ﻛﻤﺎ أن أي ﺗﻜﺮﻳﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﻟﺒﻨﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﻘﺒﺮﺗﻨﺎ اﻷدﺑﻴﺔ. وﻳﺸﻴﺮ اﳌﺆﻟﻒ إﻟﻰ أن ﻣﺒﺮرات اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻗﺪ ﻻ ﺗﺒﺪو ﻫﻨﺎ ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ، ﺧﺼﻮﺻﴼ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻷدﺑﺎء ﻋــﺎدة ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫــﺬه اﻻﺣـﺘـﻔـﺎﻟـﻴـﺎت، ﻟﻜﻦ ﻳﺤﺴﺐ ﻟـﻪ أﻧــﻪ ﻛــﺎن ﺻـﺎدﻗـﴼ، واﻟـﺘـﺰم ﺑﻤﺎ ﻗﺎل ﺣﺮﻓﻴﴼ ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ذﻫﺐ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟـﺨـﻄـﺎﺑـﺎت اﳌـﻜـﺘـﻮﺑـﺔ ﻟﺘﻜﺮﻳﻤﻪ أﺷﺒﻪ ﺑﺠﻠﻮد اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺗﺠﻠﺐ اﻟﻔﺄل اﻟﺴﻴﺊ.
وﻳـﺆﻛـﺪ ﻟـﻮرﻛـﺎ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﳌﺴﺮح، ﺑــﺎﻋــﺘــﺒــﺎره ﻣــﻨــﺒــﺮﴽ ﻣــﺠــﺎﻧــﻴــﴼ ﻟـﻠـﻀـﺤـﻚ أو اﻟﺒﻜﺎء، ﻻﻓﺘﴼ إﻟـﻰ أﻧـﻪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒﴼ ﻓــﻲ ﺗـﻘـﺪم اﻟــﺪوﻟــﺔ أو اﻧﺤﻄﺎﻃﻬﺎ، »اﻷﻣﺮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﳌﻘﺪﻣﺔ ﻓﻬﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﺤﺬ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻘﻴﻢ واﳌـﺒـﺎدئ، أو ﺗﺨﺪر أﻣـﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ أن اﳌـﺴـﺮح اﻟــﺬي ﻻ ﻳﻌﻜﺲ اﻟﻬﻤﻮم اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﳌﺠﺘﻤﻌﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﻳﺴﻤﻰ ﻣﺴﺮﺣﴼ أﺻﻼ، ﺑﻞ ﻏﺮﻓﺔ أﻟﻌﺎب ﻓﺎرﻏﺔ«.
وﻳﺨﺘﺘﻢ اﳌﺘﺮﺟﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﻤﺤﺎﺿﺮة ﻗـــﺼـــﻴـــﺮة ﺣـــــﻮل أﻏــــﺎﻧــــﻲ ﻣــــﺎ ﻗـــﺒـــﻞ اﻟـــﻨـــﻮم ﻟــﻸﻃــﻔــﺎل، وﻓـﻴـﻬـﺎ ﻳــﻘــﻮم ﻟــﻮرﻛــﺎ ﺑــﺪراﺳــﺔ ﺗــﺤــﻠــﻴــﻠــﻴــﺔ ﻣــﻮﺳــﻴــﻘــﻴــﺔ ﺗــــﻘــــﺎرن ﻣــــﺎ ﺑــﲔ اﻟــﻨــﻐــﻤــﺎت واﻷﻟـــﺤـــﺎن ﻓــﻲ ﻫـــﺬه اﻟـﻨـﻮﻋـﻴـﺔ ﻣـــﻦ اﻷﻏـــﺎﻧـــﻲ ﻟــــﺪى إﺳــﺒــﺎﻧــﻴــﺎ وﻋـــــﺪد ﻣﻦ ﻧـﻈـﻴـﺮاﺗـﻬـﺎ اﻷورﺑـــﻴـــﺔ، ﻻ ﺳـﻴـﻤـﺎ روﺳــﻴــﺎ وﻓـــﺮﻧـــﺴـــﺎ، وﺗـــﺒـــﺪو ﻫــــﺬه اﻟــــﺪراﺳــــﺔ ﻋـﻠـﻰ ﺷـــــﻲء ﻣــــﻦ اﻟــﺘــﻌــﻘــﻴــﺪ ﻧـــﻈـــﺮﴽ ﻟـﻄـﺒـﻴـﻌـﺘـﻬـﺎ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﺨﺼﺺ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﺣﻘﴼ ﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻬﻞ ﺑﻬﺎ ﻟﻮرﻛﺎ اﳌﺤﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮﻟﻪ: »ﻓﻲ ﻫﺬه اﳌﺤﺎﺿﺮة ﻻ أﻋﺘﺰم، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ، إﻧﻤﺎ ﺳﺄﻗﺪم ﺗﺄﻛﻴﺪات، ﻻ أرﻳﺪ أن أﺧﻄﻂ، إﻧﻤﺎ أﻗﺘﺮح وأﺷﺠﻊ اﻟﻄﻴﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻓﺮﻓﺔ ﺑﺠﻨﺎﺣﲔ ﻧﺎﻋﺴﲔ، أﺷﺠﻊ زاوﻳﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻋـﻠـﻰ ﺳـﺤـﺎﺑـﺔ ﻣــﻤــﺘــﺪة، وأﺷـﺠـﻌـﻜـﻢ أﻧﺘﻢ ﻋﻠﻰ إﻫﺪاء ﺑﻌﺾ ﻣﺮاﻳﺎ اﻟﺠﻴﺐ ﻟﻠﺴﻴﺪات اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳﺤﻀﺮن.
ﻛﻨﺖ أرﻏـﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻘﺼﺐ، ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﻘﺮﻣﻴﺪ اﻷﺻﻔﺮ، ﻋﻨﺪ ﻣﺨﺎرج اﻟﻘﺮى ﺣﻴﺚ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻨﻤﺮ اﻷﻃﻔﺎل«، وﻳﺘﺎﺑﻊ ﻟﻮرﻛﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻗـﺎﺋـﻼ: »أﻧــﺎ ﻓـﻲ ﻫــﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﺼﺎرع اﻟﺘﻤﺜﺎل، اﻟـــﺬي ﻳــﺼــﺎرع اﻟــﻨــﻮم، اﻟـــﺬي ﻳـﻜـﺎﻓـﺢ ﻋﻠﻢ اﻟــﺘــﺸــﺮﻳــﺢ. ﻟــﻘــﺪ ﻫــﺮﺑــﺖ ﻣـــﻦ أﺻــﺪﻗــﺎﺋــﻲ، وﺳــﺄذﻫــﺐ ﻣــﻊ ذﻟـــﻚ اﻟـﺼـﺒـﻲ اﻟـــﺬي ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ اﻟﺨﻀﺮاء وﻳﺮاﻗﺐ اﻟﻨﻤﻞ ﻳﻠﺘﻬﻢ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﺬي ﺳﺤﻘﺘﻪ ﺳﻴﺎرة«.