اﻟﺸﻌﺮاء وﻛﺘﺎﺑﺎت اﳌﺆرﺧﲔ
ﺟﺪل ﻣﻐﺮﺑﻲ ﺣﻮل ﻋﻼﻗﺔ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد وﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ
أﻋﺎد ﻧﺺ ﺷﻌﺮي ﻟﻠﻤﻐﺮﺑﻲ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺑﻌﻨﻮان »ﺿـــﺮﻳـــﺢ أﻧـــــﺎ أﺧــــﻤــــﺎﺗــــﻮﻓــــﺎ«، اﻟــﺠــﺪل ﺑــﺨــﺼــﻮص اﻟـــﻌـــﻼﻗـــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺟـﻤـﻌـﺖ ﺑﲔ اﳌﻠﻚ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد )٠٤٠١م - ٥٩٠١م( وأﻣــﻴــﺮ اﳌـﺮاﺑـﻄـﲔ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ )٩٠٠١م - ٦٠١١م(، اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ ﺑﻮﺿﻊ اﻷول ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﺑﺄﻏﻤﺎت إﻟﻰ ﺣﲔ وﻓﺎﺗﻪ.
وﻧﻘﺮأ ﻓﻲ ﻧﺺ ﻧﺠﻤﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﴼ ﻳﺆﻛﺪ اﻧﺘﺼﺎر ﺷﺎﻋﺮ ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ:
َّ ََ ُُ ِْ »ﻻ أﻋﺮف ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻤﺲ ﻣﺮاﻛﺶ - وﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ ﻓﻲ ﻛﺒﺮﻳﺎء اﻟﻘﺼﺮ. َِ ََُِ ََِِ َُ َْ َﱠ ٌَ ْﱡ - واﻷﻧﺪﻟﺴﻲ أﺳﻴﺮ ﻓﻲ أﻏﻤﺎت. - واﻣﺮأﺗﻪ َُ ﱢَ َُ ﺣﻤﺎﻟﺔ اﻷﻟﻢ ﺗﻮﺟﻊ ﻧﻈﺮﺗﻪ. - ﺗﻐﺰل اﻟﺼﻮف َِ ََﱠ ََ َْْ ﻟــﺘــﻮﻓــﺮ ﻟــﻪ اﻟــﻜــﺴــﺎء واﻻﺳــﺘــﻌــﺎرة. - ﻟﻌﻠﻬﺎ َْ ََ ََ َِ ََ اﻟﺸﻤﺲ ﻧﻔﺴﻬﺎ )اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ( ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ اﻵن - ﺧــﻔــﻒ ﻳــــﺪك ﻳــﺎ اﺑـــﻦ ﺗــﺎﺷــﻔــﲔ. - ﻻ َُ َﱠ ََ ﻳﺼﺢ - ﻓﻀﺤﺘﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﺻﻘﺎع. - اﻟﻘﺼﻴﺪة َِ َِْ ﺗـــﺮﻓـــﺮف ﻓــﻲ اﻟـــﻀـــﻮء. - وﺑــــــﺮاءة اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ ِﱢ ِْ ٍَ ﻛﺸﻤﺲﺻﻐﻴﺮة ﺗﻠﻤﻊ ﻓﻲ أﻏﻤﺎت - ﺳﺮح ﻏﺮﻳﻤﻚ أﻳﻬﺎ اﳌﻔﺮط - ﻻ ﺗﻘﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة«.
وأﻇﻬﺮ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻵراء ﻣﻊ اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﻧﺸﺮه ﻧﺠﻤﻲ، ﻗﺒﻞ أﻳﺎم، ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﺑـ »ﻓﻴﺴﺒﻮك«، ﺗﻔﺎوﺗﴼ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻊ ﻣﻮﺿﻮع ﻳﻌﻮد إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣــﻦ ﻋـﺸـﺮة ﻗـــﺮون، ﺑــﲔ ﻣــﻦ ﻳﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣـﻊ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑـﻦ ﻋـﺒـﺎد، وﻣــﻦ ﻳـﺒـﺮر ﻣﺎ أﻗــــﺪم ﻋـﻠـﻴـﻪ ﻳــﻮﺳــﻒ ﺑــﻦ ﺗــﺎﺷــﻔــﲔ ﻓﻲ ﺣﻖ اﳌﻠﻚ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﺑﺎﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ أن »ﻗﺴﻮة« أﻣﻴﺮ اﳌﺮاﺑﻄﲔ ﻛﺎﻧﺖ »ﻣﻦ وزن اﻟــﺬﻧــﺐ«، ﻣـﻊ »اﻧـﺘـﻘـﺎد« اﻧﺘﺼﺎر اﻟﺸﻌﺮاء ﻟﻠﻤﻌﺘﻤﺪ، ﻓﻘﻂ ﻷﻧﻪ ﺷﺎﻋﺮ.
ﻛــﺎﻧــﺖ ﻋـــﺪة ﻛــﺘــﺎﺑــﺎت ﻟـﻠـﻤـﺆرﺧـﲔ واﳌـﻬـﺘـﻤـﲔ ﺑــﺘــﺎرﻳــﺦ اﳌـﻨـﻄـﻘـﺔ، ﻗﺪﻳﻤﴼ وﺣﺪﻳﺜﴼ، ﻗﺪ ﺗﻨﺎوﻟﺖ وﺿﻊ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ، ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ زاوﻳﺔ. وﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻧﻘﺮأ ﻟﻠﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻴﻔﻲ ﺑﺮوﻓﻨﺴﺎل وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻧﺘﻘﺎدﴽ ﺷﺪﻳﺪﴽ ﳌﻀﻤﻮن اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﺳﺘﻬﺠﺎن ﻣﻮﻗﻒ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ ﻣﻦ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد، ﺟـﺎء ﻓﻴﻬﺎ: »إن ﻣﻤﺎ ﺗﺠﺪر ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ ﻛﻮن اﻷﻣﻴﺮﻳﻦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﲔ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻧﻔﺎﻫﻤﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ إﻟﻰ اﳌﻐﺮب، وﻫﻤﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺰﻳﺮي ﺻﺎﺣﺐ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ، واﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﺻﺎﺣﺐ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ، ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻼ إﻟﻰ ﻣــﺮاﻛــﺶ، ﺑـﻞ ﻧﻘﻼ إﻟــﻰ أﻏــﻤــﺎت، ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ أﻟﲔ واﳌﻘﺎم أﻗﻞ ﺷﻈﻔﴼ، إذ إن ﻣﺎ ﻳﻨﺴﺐ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﳌﺮاﺑﻄﻲ ﻣـﻦ ﻗﺴﻮة ﻓـﻲ ﺣﻘﻬﻤﺎ وﻣﺎ ذﻛـﺮ ﻣﻦ ﻗﻀﺎء اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻘﻴﺔ أﻳــﺎﻣــﻪ ﻓــﻲ اﻟــﻔــﺎﻗــﺔ واﻟــﺤــﺮﻣــﺎن اﻟــﺘــﺎم، ﺿﺮب ﻣﻦ ﺿﺮوب اﻟﺨﺮاﻓﺔ«.
ﻛﻤﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎت أﺧــﺮى ﻋﻨﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ وﺿﻊ اﳌﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﺑﺄﻏﻤﺎت، وﻣﻦ ذﻟﻚ »ﻛﺘﺎب اﻻﺳﺘﻘﺼﺎ ﻷﺧﺒﺎر دول اﳌﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ« ﻷﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮي، ﺣـﻴـﺚ ﻧــﻘــﺮأ ﺳــــﺮدﴽ ﻟـﻌـﻼﻗـﺔ اﳌـﺮاﺑـﻄـﲔ ﺑـــﺎﻷﻧـــﺪﻟـــﺲ زﻣـــــﻦ ﻣـــﻠـــﻮك اﻟـــﻄـــﻮاﺋـــﻒ، ﻣـﻊ اﻹﺷـــﺎرة إﻟــﻰ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺪد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﳌﺮاﺑﻄﻲ ﺳﻴﺮي ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓـﻲ »اﻟـﺤـﺼـﺎر واﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻰ إﺷــﺒــﻴــﻠــﻴــﺔ« ﺣــﺘــﻰ »اﻗــﺘــﺤــﻤــﻬــﺎ ﻋـﻨـﻮة وﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﳌﻌﺘﻤﺪ وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻘﻴﺪﻫﻢ وﺣﻤﻠﻬﻢ ﻓــﻲ اﻟﺴﻔﲔ ﺑﻨﻬﺮ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﺑﻌﺚ ﺑﻬﻢ إﻟـﻰ أﻣﻴﺮ
اﳌﺴﻠﻤﲔ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ﻓﺄﻣﺮ أﻣﻴﺮ اﳌﺴﻠﻤﲔ ﺑــﺈرﺳــﺎل اﳌﻌﺘﻤﺪ إﻟــﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻏﻤﺎت ﻓﺴﺠﻦ واﺳﺘﻤﺮ ﻓـﻲ اﻟﺴﺠﻦ إﻟــﻰ أن ﻣﺎت ﺑﻪ ﻹﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻟﻴﻠﺔ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن وﺛﻤﺎﻧﲔ وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ وﻛﺎن دﺧﻮل ﺳﻴﺮي ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ رﺟﺐ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ وﺛﻤﺎﻧﲔ ﺛﻢ ﻣﻠﻚ
اﳌﺮاﺑﻄﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ إﻟﻰ أن ﺧﻠﺼﺖ ﻟﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﳌﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ ﺑﻬﺎ ذﻛﺮ«.
وﻳـﺮد ﻓﻲ ﻛﺘﺎب »اﻟﺤﻠﻞ اﳌﻮﺷﻴﺔ ﻓـــﻲ ذﻛـــﺮ اﻷﺧـــﺒـــﺎر اﳌــﺮاﻛــﺸــﻴــﺔ«، ذﻛــﺮ ﻋـــﻦ »ﺳــــﺮ« اﺧــﺘــﻴــﺎر أﻣــﻴــﺮ اﳌــﺮاﺑــﻄــﲔ وﺿــﻊ اﳌـﻌـﺘـﻤـﺪ ﺑــﻦ ﻋــﺒــﺎد ﻓــﻲ اﻷﺳــﺮ، ﺣﻴﺚ ﺟﺎء ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﺳﻴﺮة أﻣﻴﺮ
اﳌـﺴـﻠـﻤـﲔ ﻳــﻮﺳــﻒ ﺑــﻦ ﺗــﺎﺷــﻔــﲔ«، أن ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ »ﻛﺎن رﺟﻼ ﻓﺎﺿﻼ، ﺧﻴﺮﴽ، ﻓﻄﻨﴼ، ﺣـﺎذﻗـﴼ، زاﻫـــﺪﴽ، ﻳﺄﻛﻞ ﻣـﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪه، ﻋﺰﻳﺰ اﻟﻨﻔﺲ، ﻳﻨﻴﺐ إﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺼﻼح، ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ وﺟــــﻞ، وﻛــــﺎن أﻛــﺒــﺮ ﻋــﻘــﺎﺑــﻪ اﻻﻋــﺘــﻘــﺎل اﻟــــﻄــــﻮﻳــــﻞ، وﻛـــــــﺎن ﻳــﻔــﻀــﻞ اﻟــﻔــﻘــﻬــﺎء، وﻳــﻌــﻈــﻢ اﻟــﻌــﻠــﻤــﺎء، وﻳــﺼــﺮف اﻷﻣـــﻮر
إﻟﻴﻬﻢ، وﻳﺄﺧﺬ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮأﻳﻬﻢ، وﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻔﺘﻴﺎﻫﻢ«.
وﺗـــﻮﺟـــﺪ أﻏـــﻤـــﺎت، ﺣــﻴــﺚ ﺿـﺮﻳـﺢ اﳌﻌﺘﻤﺪ، ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻧﺤﻮ ٠٣ ﻛﻴﻠﻮ ﻣــــﺘــــﺮﴽ ﻣـــــﻦ ﻣـــــﺮاﻛـــــﺶ، ﺣـــﻴـــﺚ ﺿــﺮﻳــﺢ ﻳـﻮﺳـﻒ ﺑــﻦ ﺗـﺎﺷـﻔـﲔ اﻟـــﺬي ﻳـﻘـﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧـﻄـﻮات ﻣـﻦ ﻣﺴﺠﺪ وﺻﻮﻣﻌﺔ »اﻟﻜﺘﺒﻴﺔ«.
وﻳـــﺄﺧـــﺬ ﺿــﺮﻳــﺢ اﳌــﻌــﺘــﻤــﺪ، اﻟـــﺬي ﻳـﺤـﺘـﻀـﻦ، ﺑــﺎﻹﺿــﺎﻓــﺔ إﻟـــﻰ ﻗـﺒـﺮ اﳌﻠﻚ اﻷﻧــــﺪﻟــــﺴــــﻲ، ﻗـــﺒـــﺮ زوﺟــــﺘــــﻪ اﻋـــﺘـــﻤـــﺎد اﻟـــﺮﻣـــﻴـــﻜـــﻴـــﺔ وأﺣـــــــﺪ أﺑـــﻨـــﺎﺋـــﻬـــﻤـــﺎ )أﺑــــﻮ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺮﺑﻴﻊ(، ﺷﻜﻞ ﻗﺒﺔ ﻣﺼﻐﺮة، وﻓﻖ اﻟﻌﻤﺎرة اﳌﺮاﺑﻄﻴﺔ، ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ رﺛــﺎء ﺣﺎﻟﻪ، ﺗﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﺰاﺋﺮ رﻫﺒﺔ، ﺗﻌﻴﺪ ﻋﻘﺎرب اﻟﺰﻣﻦ إﻟﻰ ﻣﺠﺪ ﻏﺎﺑﺮ، ﺗﺨﻠﻠﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﳌﺂﺳﻲ، ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﺪﻧﻴﺎ دواﺋﺮ.
داﺧﻞ اﻟﻀﺮﻳﺢ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺰاﺋﺮ إﻻ أن ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﻋﻼﻗﺔ اﳌﻠﻚ اﻷﻧـﺪﻟـﺴـﻲ ﺑﺰوﺟﺘﻪ وأﺑﻨﺎﺋﻪ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻇﺮوف إﻗﺎﻣﺘﻪ ﺑﺄﻏﻤﺎت؛ ﺧﺼﻮﺻﴼ ﺣﲔ ﻳﻘﺮأ ﺷﺎﻫﺪ ﻗﺒﺮ زوﺟﺘﻪ: »ﻫﻨﺎ ﻗﺒﺮ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ زوج اﳌﻌﺘﻤﺪ اﻟــﺘــﻲ ﺷــﺎرﻛــﺘــﻪ ﻓـــﻲ ﻧـﻌـﻴـﻤـﻪ وﺑـــﺆﺳـــﻪ«؛ أو اﻷﺑــﻴــﺎت اﻟـﺘـﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﳌﻌﺘﻤﺪ، ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ، وﻃﻠﺐ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮه، اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮأ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰاﺋﺮ: »ﻗﺒﺮ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﺳﻘﺎك اﻟﺮاﺋﺢ اﻟﻐﺎدي - ﺣﻘﴼ ﻇﻔﺮت ﺑﺄﺷﻼء اﺑﻦ ﻋﺒﺎد - ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﻰ إذا اﺗﺼﻠﺖ - ﺑﺎﻟﺨﺼﺐ إن أﺟــﺪﺑــﻮا ﺑــﺎﻟــﺮي ﻟــﻠــﺼــﺎدي - ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﻦ اﻟﻀﺎرب اﻟﺮاﻣﻲ إذا اﻗﺘﺘﻠﻮا - ﺑﺎﳌﻮت أﺣﻤﺮ ﺑـﺎﻟـﻀـﺮﻏـﺎﻣـﺔ اﻟــﻌــﺎدي - ﺑــﺎﻟــﺪﻫــﺮ ﻓــﻲ ﻧﻘﻢ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﻧﻌﻢ - ﺑﺎﻟﺒﺪر ﻓﻲ ﻇﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﺪر ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي - ﻧﻌﻢ ﻫﻮ اﻟﺤﻖ ﺣﺎﺑﺎﻧﻲ ﺑﻪ ﻗﺪر - ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻮاﻓﺎﻧﻲ ﳌﻴﻌﺎد«.
أﻣــﺎ أﺑــﻴــﺎت ﻟــﺴــﺎن اﻟــﺪﻳــﻦ ﺑــﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ )٣١٣١ م - ٤٧٣١م(، اﻟــﺘــﻲ ﻗــﺎﻟــﻬــﺎ، ﺳﻨﺔ ٠٦٣١م، ﺣﲔ زار ﻗﺒﺮ اﳌﻌﺘﻤﺪ، ﻓﻨﻘﺮأ ﻓﻴﻬﺎ:
َُ »ﻗﺪ زرت ﻗﺒﺮك ﻋﻦ ﻃـﻮع ﺑﺄﻏﻤﺎت - رأﻳﺖ
َِ ذﻟﻚ ﻣﻦ أوﻟﻰ اﳌﻬﻤﺎِت - ِﻟﻢ ﻻ أزورك ﻳﺎ أﻧﺪى
ُّ اﳌﻠﻮك ﻳﺪﴽ - وﻳﺎ ﺳـﺮاج اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ اﳌﺪﻟﻬﻤﺎت -
َِ ِّ وأﻧـﺖ ﻣﻦ ﻟﻮ ﺗﺨﻄﻰ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﺼﺮﻋﻪ - إﻟﻰ ﺣﻴﺎﺗﻲ أﺟـﺎدت ﻓﻴﻪ أﺑﻴﺎﺗﻲ«، ﻓﺘﺆﻛﺪ ﻟﻠﺰاﺋﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﻠﻚ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ، ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻋﺎﺻﺮوه وﻣﻦ ﺳﻤﻌﻮا ﺑﻪ، ﻓﻲ ﻋﺼﻮر ﻻﺣﻘﺔ.
اﳌـــــﻼﺣـــــﻆ أن وﺟـــــﻬـــــﺎت اﻟــﻨــﻈــﺮ اﳌــــﻨــــﺘــــﺼــــﺮة ﻟـــﻠـــﻤـــﻌـــﺘـــﻤـــﺪ ﺑــــــﻦ ﻋـــﺒـــﺎد ﻟــــﻢ ﺗـــﺘـــﻮﻗـــﻒ ﻋـــﻨـــﺪ اﻟــــﺸــــﻌــــﺮاء، ﺑــﻌــﺪ أن أﻏــــــﺮت ﺳـــﻴـــﺮة اﳌـــﻠـــﻚ اﻷﻧــﺪﻟــﺴــﻲ اﻟـﺮواﺋـﻴـﲔ ﻓﻮﻇﻔﻮﻫﺎ ﻓـﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ذات اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ. وﻣـﻦ أﻣﺜﻠﺔ ذﻟــﻚ رواﻳـــﺔ »زﻳــﻨــﺐ اﻟـﻨـﻔـﺰاوﻳـﺔ ﻣﻠﻜﺔ ﻣﺮاﻛﺶ« ﻟﺰﻛﻴﺔ داود، اﻟﺘﻲ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﻌﺎﻃﻔﺖ ﻣـﻊ اﳌﻠﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ، ﻣﺸﻴﺮة إﻟــــﻰ أن »اﻹﻓـــــــﺮاط ﻓـــﻲ إذﻻل« اﳌـﻠـﻚ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ »ﻣﺮدود«، ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻸﻣﻴﺮ اﳌﺮاﺑﻄﻲ ﻋﻦ ﻣﺒﺮرات ﳌﻮﻗﻔﻪ وﻃـــﺮﻳـــﻘـــﺔ ﺗــﻌــﺎﻃــﻴــﻪ ﻣــــﻊ ﻣــــﺎ اﻋــﺘــﺒــﺮ »ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻋﻈﻤﻰ«؛ وﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻧﻘﺮأ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﲔ ﻣﺨﺎﻃﺒﴼ زوﺟﺘﻪ زﻳﻨﺐ اﻟﻨﻔﺰاوﻳﺔ اﻟﺮاﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻴﲔ ﻣﻮﻗﻒ زوﺟـــﻬـــﺎ ﻣـــﻦ اﳌــﻠــﻚ اﻷﻧــﺪﻟــﺴــﻲ اﻟـــﺬي ﻗﺎﻟﺖ إﻧﻪ آزره وﺷﺎرك إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺰﻻﻗﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة: »وﻏﺎﺿﺒﺔ ﻳﺎ زﻳﻨﺐ! اﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﻗﺪ ﻇﺎﻫﺮ ﻋﺪوﻧﺎ. وﻟﺌﻦ أرﺳﻠﺘﻪ إﻟـﻰ أﻏـﻤـﺎت وﻟـﻢ أﺑﻘﻪ ﺑﻄﻨﺠﺔ أو ﻣﻜﻨﺎس، ﻓﺬﻟﻚ ﻷﻧﻲ أﺣﻔﻆ اﻟﻮد اﻟﻘﺪﻳﻢ«.