ﻫﻮﻳﺔ ﻏﲑ ﻗﺎﺗﻠﺔ
ﻓﻲ اﳌﺎﺿﻲ ﻛﺎن ﻛﻞ أدب ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ أدﺑﴼ روﺳﻴﴼ، ﻷﻧــﻪ ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ، ﻣﻜﺘﻮب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟـﺮوﺳـﻴـﺔ. ﺑـﻞ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ، وﻓــﻲ أﻳــﺎم اﻹﻣـﺒـﺮاﻃـﻮرﻳـﺔ اﻟـﺮوﺳـﻴـﺔ، ﻟـﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻷﺣــﺪ أن ﻳﻔﺼﻞ ﺑﲔ اﻟﻠﻐﺔ واﳌﻜﺎن. اﻵن، وﻣﻊ ﺗﺰاﻳﺪ اﻟﻌﺪاء ﺑﲔ روﺳﻴﺎ وأوﻛﺮاﻧﻴﺎ، ﻣﺜﻼ، ﻧﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ أن أﺳﻤﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻤﺎﻟﻘﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺮوﺳﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أوﻛﺮاﻧﻴﺎ، ﻣﺜﻞ ﻏﻮﻏﻮل، وأﻧﻄﻮن ﺗﺸﻴﻜﻮف. ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﻮار اﻷوﻛﺮاﻧﻲ ﻟﺮوﺳﻴﺎ اﻟﺠﻮار اﻵﻳﺮﻟﻨﺪي ﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ. ﻟﻐﺔ واﺣﺪة وﺗﺮاث أدﺑﻲ واﺣﺪ واﻧﻔﺼﺎل اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟـﻪ. ﻟﻮ ﻛﺘﺐ ﺟﻴﻤﺲ ﺟﻮﻳﺲ وﺟﻮرج ﺑﺮﻧﺎرد ﺷﻮ وﺻﺎﻣﻮﻳﻞ ﺑﻴﻜﺖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷم ﳌﺎ ﺗﻌﺪت ﺷﻬﺮﺗﻬﻢ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ دﺑﻠﻦ. إﻻ أن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﻳﻀﻌﻮن دﺑﻠﻦ ﻋﻠﻰ رأس اﳌﺪن اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻫﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﺑﻦ اﻟﻠﻐﺔ أم اﺑﻦ اﻟﺠﺬور؟ ﻻ أﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف أن أﻟﻜﺴﻨﺪر ﺳﻮﻟﺠﻨﺘﺴﲔ ﻛـﺎن ﻣـﻦ أﺻــﻮل أوﻛـﺮاﻧـﻴـﺔ وﻫـﻮ ﻳﺨﻮض ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻜﻮ أﻋﻨﻒ ﻣﻌﺎرﻛﻪ ﺿﺪ اﻹرث اﻟﺴﺘﺎﻟﻴﻨﻲ. ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺼﺮﴽ ﻣﻬﻤﴼ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺳﻘﻮط اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ. ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ أﻟﻜﺴﻨﺪر ﺑﻮﺷﻜﲔ ﺷـﺎﻋـﺮ روﺳــﻴــﺎ اﻷﻛــﺒــﺮ، ﻟــﻢ ﻳﻌﺪ أﺣــﺪ ﻳﺘﺬﻛﺮ أﻧــﻪ ﻣــﻦ أﺻــﻮل أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ. وﻻ أدﻳﺐ ﻓﺮﻧﺴﺎ أﻟﻜﺴﻨﺪر دوﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن أﺟﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ داﻛﻦ اﳌﻼﻣﺢ ﻛﻌﻼﻣﺔ ﻻ ﺗﻀﻴﻊ، وﻟﻄﺎﳌﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ رﻏﻢ ﻧﺠﺎﺣﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮ.
إذن، ﻳﻬﺎﺟﺮ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ، ﻻ إﻟﻰ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ. ﺟﻮرج ﺳﻴﻤﻮﻧﻮن ﻫــﻮ أﺷــﻬــﺮ )وأﻫـــــﻢ( ﻛــﺎﺗــﺐ ﺑـﻮﻟـﻴـﺴـﻲ ﺑـﺎﻟـﻔـﺮﻧـﺴـﻴـﺔ، ﻟـﻜـﻨـﻪ ﻣــﻦ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ اﳌﺠﺎورة. وأﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ، أﻣﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻌﺮب، ﻛﺎن ﻛﺮدﻳﴼ. ﺗﺨﻴﻞ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻜﺮدﻳﺔ أﻳﻀﴼ، »ﻗﻒ ﺑﺎﻟﻠﻮاﺣﻆ ﻋﻨﺪ ﺣﺪك«.
أﻧﻜﺮ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﻮن ﻋﻠﻰ أﻟﺒﻴﺮ ﻛﺎﻣﻮ، أﻧﻪ اﺧﺘﺎر ﻟﻐﺘﻪ ﺑﺪل أرﺿﻪ. ﻛﻢ ﻫﻮ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻣﺤﻨﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت. ﻟﻜﻦ أﻣﲔ ﻣﻌﻠﻮف، ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺘﺤﻔﺔ اﻹﻧـﺴـﺎﻧـﻴـﺔ »اﻟــﻬــﻮﻳــﺎت اﻟـﻘـﺎﺗـﻠـﺔ«، ﺗﺠﻨﺐ ﻫــﺬا اﻻﻣـﺘـﺤـﺎن ﻣﻨﺬ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷوﻟــﻰ: إﻧـﻪ ﻣﻮاﻃﻦ ﻓﻲ دوﻟﺘﲔ وﺛﻘﺎﻓﺘﲔ وﺣﻀﺎرﺗﲔ. وﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن رﺟﻼ ﻣﺜﻠﻪ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻧﺘﻤﺎؤه ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳌﺴﺎﺣﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ أو اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ. ﺗﺴﻴﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻋﻤﺎل أﻣﲔ اﻟﺮواﺋﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮال واﺣﺪ ﻫﻮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻮاﺣﺪ. ﻟﻢ ﻳﻔﺼﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ. أو ﺑﺎﻷﺣﺮى، ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻳﺘﲔ.
اﺣـﺘـﻀـﻨـﺖ ﻓـﺮﻧـﺴـﺎ اﻟـﻜـﺜـﻴـﺮﻳـﻦ ﻣــﻦ ﻣـﺸـﺎﻫـﻴـﺮ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ وأﺑــﻘــﺖ ﻟﻬﻢ ﻫﻮﻳﺎﺗﻬﻢ. أﺷﻬﺮ ﻫﺆﻻء ﻛﺎن ﺑﻴﻜﺎﺳﻮ، اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻓﻲ اﻷﺳـﺎس إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻢ، ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﳌﻮﺳﻴﻘﻰ.
ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻣﻨﺤﺖ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ أﻳﻀﴼ، ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻧﺠﻴﺐ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ أﻫﻢ ﻣﻤﺜﻞ ﻛﻮﻣﻴﺪي ﻓﻲ اﻟﺒﻼد. ﻣﻦ دون »اﻟﻠﻐﺔ« اﳌﺼﺮﻳﺔ ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﳌﺴﺎرح. وﻟﻮ ﻛﺘﺐ ﺑﻴﺮم اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﺑﻠﻬﺠﺘﻪ اﻷم ﻟﻜﺎن أﻫﻞ ﻣﺼﺮ ﻳﺘﺴﺎء ﻟﻮن ﺣﺘﻰ اﻵن: ﺑﻴﻘﻮل إﻳﻪ اﻟﺠﺪع ده؟