Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن؟... ﺳﺆال اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ

- ﺻﻼح ﺳﺎﻟﻢ *

ﻟﻌﻞ اﻟﺴﺆال ﻋﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎن أﺣﺪ أﺻﻌﺐ اﻷﺳﺌﻠﺔ وأﻳﺴﺮﻫﺎ، أﻋﻘﺪﻫﺎ وأوﺿﺤﻬﺎ ﻓﻲ آن. إﻧﻪ ﻣﻴﺴﻮر وواﺿﺢ ﻟﻮ ﻗﻨﻌﻨﺎ ﺑﺘﻌﺮﻳﻔﻪ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ، ﺣﻴﺚ اﻹﻧﺴﺎن ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻀﻌﻴﻒ، اﻟـﺬي ﻳﻮﻟﺪ ﺟﻨﻴﻨﴼ، وﻳﺼﻴﺮ رﺿﻴﻌﴼ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺣﻀﺎﻧﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ، ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻃﻔﻼ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ وﺗﻌﻠﻴﻢ ﺷﺎق، ﺛﻢ ﺷﺎﺑﴼ ﻓﺮﺟﻼ ذا ﺟﺴﺪ أﻗﻮى ﻗﻴﺎﺳﴼ إﻟﻰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ، ﻟﻜﻨﻪ أوﻫﻰ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﻟﻰ ﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت. ﻓﺈذا ﻃﻤﺤﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ وأﺧﻼﻗﻲ أﺻﺒﺢ اﻷﻣﺮ ﺻﻌﺒﴼ، ﻷن اﻟﻬﺸﺎﺷﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺗﻌﻘﻴﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ اﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ وﺣـﻀـﻮره اﻷﺧـﻼﻗـﻲ، ﻳﺜﻴﺮ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﺣﻮﻟﻪ واﻻﺧﺘﻼف ﻋــﻠــﻴــﻪ. ﻓــﺎﻟــﺒــ­ﻌــﺾ ﻳـــﻨـــﻈـ­ــﺮون إﻟـــﻴـــﻪ ﺑـــﺎﻋـــﺘ­ـــﺒـــﺎره اﻟـﺨـﻠـﻴـﻔ­ـﺔ اﻷرﺿﻲ اﻟﺬي ﺧﺼﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺘﻠﻘﻲ اﻟﻮﺣﻲ وﻋﻤﺎرة اﻷرض. واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧـــﺮ ﻳـــﺮاه ذﻟــﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻮﺛﻨﻲ اﻟــﺬي ﻃﺎﳌﺎ ﻋﺒﺪ اﻷﺻﻨﺎم وأﻧــــﻜــ­ــﺮ اﻹﻟـــــــ­ﻪ. واﻟـــﺒـــ­ﻌـــﺾ اﻟــﺜــﺎﻟـ­ـﺚ ﻳـــــــﺮا­ه ﻣـــﺘـــﻮﺣ­ـــﺸـــﴼ ﻗـــﺘـــﻞ اﳌــﺨــﺘــ­ﻠــﻔــﲔ ﻋــﻨــﻪ ﻟــﻴــﺮﺿــ­ﻲ إﺣــﺴــﺎﺳـ­ـﻪ ﺑــﺎﻟــﻘــ­ﻮة، أو ﺣﺘﻰ وﻏـــﺪﴽ ﺗﺪﻓﻌﻪ اﻟـﺮﻏـﺒـﺔ ﻓﻲ اﻟــﺘــﻤــ­ﻠــﻚ إﻟـــــﻰ ﺧـــﻴـــﺎﻧ­ـــﺔ ﺑـــﻨـــﻲ وﻃــﻨــﻪ ودﻳﻨﻪ ورﺑﻤﺎ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ. واﻟﺒﻌﺾ اﻟـﺮاﺑـﻊ ﻳــﺮاه ذﻟـﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻨﺒﻴﻞ، اﻟﺬي ﺑﺬل ﺟﻬﻮدﴽ ﻣﻀﻨﻴﺔ ﻋﺒﺮ أﺟﻴﺎل ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ﻓﻲ رﻓـﻊ راﻳﺔ اﻟــﻌــﻤــ­ﺮان واﻟــﺘــﻤـ­ـﺪن وﺣـﻤـﻞ ﻣﺸﻌﻞ اﻻﺳﺘﻨﺎرة واﻟﺘﻘﺪم. واﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻫﻮ ﻛﻞ ذﻟﻚ، ﻓﻬﻮ اﳌﻼك واﻟﺸﻴﻄﺎن، وﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﻄﻴﻒ.

إﻧـــــﻪ اﳌـــﺨـــﻠ­ـــﻮق اﳌـــﻌـــﻘ­ـــﺪ، اﻟــــﺬي ﻳﻨﻄﻮي ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻳﺎ واﻷﻋﺼﺎب واﻟﺮﻏﺒﺎت، ﻛـﻤـﺎ ﻳـﺰﻋـﻢ اﳌـــﺎدﻳــ­ـﻮن، وﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺳـــــﻠـــ­ــﻮﻛـــــﻪ ﻋـــــﻠـــ­ــﻰ ردود اﻷﻓــــــﻌ­ــــــﺎل اﻟﺸﺮﻃﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻲ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﻮن، وﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻘﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮد ﻣﺦ ﻣــــﺎدي ﻳـﻌـﻜـﺲ اﻟـــﻮاﻗــ­ـﻊ ﺑـﺤـﺬاﻓـﻴـ­ﺮه ﻛــــﺂﻟـــ­ـﺔ ﻓــــﻮﺗـــ­ـﻮﻏــــﺮاﻓ­ــــﻴــــﺔ، ﻛــــﻤــــ­ﺎ ﻳــــﺮى اﻟــــﺘـــ­ـﺠــــﺮﻳــ­ــﺒــــﻴــ­ــﻮن، ﺑــــــﻞ إﻧــــــــ­ﻪ ﻳــﻤــﻠــﻚ وﻋـــﻴـــﴼ ﻣـــﺮﻛـــﺒ­ـــﴼ وﺧــــﻴـــ­ـﺎﻻ ﺧـــﻼﻗـــﴼ ذا ﻗـــﺪرة ﺗـﻮﻟـﻴـﺪﻳـ­ﺔ، ﻗـــﺎدرﴽ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻬﻢ واﻟـــﺘـــ­ﺤـــﻠـــﻴـ­ــﻞ ﻋـــﺒـــﺮ اﻻﺳــــــﺘ­ــــــﺪﻻل أو اﻟـــﺘـــﺠ­ـــﺮﻳـــﺐ، إذ ﻳــﺒــﻘــﻲ ﻫــــﺬا اﻟـﻌـﻘـﻞ وﻳــﺴــﺘــ­ﺒــﻌــﺪ ﻣـــﻦ اﳌـــﻌـــﻠ­ـــﻮﻣـــﺎت، ﻛﻤﺎ ﻳـــﻬـــﻤـ­ــﺶ وﻳـــــﺮﻛـ­ــــﺰ ﻣــــﻦ اﻷﻓـــــﻜـ­ــــﺎر ﻣـﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣــﻦ ﻓـﻬـﻢ اﻟــﻮاﻗــﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻻﺟــﺘــﻤ­ــﺎﻋــﻲ ﻋـﺒـﺮ ذاﺗــــﻪ اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻷﺷﻮاق واﳌﻌﺎﻧﻲ واﻟﺬﻛﺮﻳﺎت.

وﻫـﻮ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟــﺬي ﻳﻄﻤﺢ إﻟﻰ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ رﻏﻢ اﻧﻄﻮاﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺲ اﻟـــﻐـــﺮ­ﻳـــﺰة، إذ ﺗــﺪﻓــﻌــ­ﻪ اﳌــﻨــﻈــ­ﻮﻣــﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﳌﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛــﻞ ﻣـﻜـﺎن وزﻣـــﺎن إﻟــﻰ اﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﺣﺴﻴﺘﻪ، وإﻟﻰ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺴﺎﻣﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﻟــﻮ أﺧﻔﻖ أﺣﻴﺎﻧﴼ، وذﻟـﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ وﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻟــﺘــﺠــﺎ­وز ﺣـــﺲ اﻟــــﻀـــ­ـﺮورة اﻟـﻘـﺎﻫـﺮ إﻟﻰ أﻓﻖ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺎﻣﻞ. وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻔﺎرق ﺷﺎﺳﻌﴼ ﺑﲔ اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺎ ﻋـﺪاه ﻣﻦ ﻣﻮﺟﻮدات ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ أو ﻛﺎﺋﻨﺎت ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ. ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﻓـﻜـﺮﴽ أو ﻗـﺼـﺪﴽ، ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﺨﻴﺮ أو اﻟﺸﺮ، ﺑﻞ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻘﻮاﻧﲔ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻇﻮاﻫﺮﻫﺎ، وﻣﻦ ﺛــﻢ ﻳــﺠــﺮي اﻟــﺘــﺤــ­ﻮل ﻓـﻴـﻬـﺎ ﺑﻄﻴﺌﴼ، وﻓﻖ ﻧﻈﺎم ﺻﺎرم ودورات ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻃــــﻮﻳـــ­ـﻠــــﺔ. أﻣـــــــﺎ اﻹﻧــــــﺴ­ــــــﺎن ﻓــﻴــﻔــﻜ­ــﺮ، وﻳــﻘــﺼــ­ﺪ ﺑــﻔــﻜــﺮ­ه ﺗـﺤـﻘـﻴـﻖ أﻫــــﺪاف وﺑﻠﻮغ ﻏﺎﻳﺎت. ﻟﺬا ﺗﺨﻀﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻟــــﻈـــ­ـﻮاﻫــــﺮ اﻻﺟـــﺘـــ­ﻤـــﺎﻋـــﻴ­ـــﺔ ﻟـﻠـﺘـﻐـﻴـ­ﺮ اﻟﺴﺮﻳﻊ واﻟﺘﺤﻮل اﳌﺪﻫﺶ، وﺗﺘﻤﺮد ﻋـﻠـﻰ اﻟـﻘـﺴـﺮ ﻓــﻲ ﻗــﻮاﻟــﺐ ﻣﻐﻠﻘﺔ أو اﻟﺨﻀﻮع ﻟﺘﺼﻮرات ﺣﺘﻤﻴﺔ.

وﻣـــــﻦ ﻫــــﻨــــ­ﺎ، ﺑـــــــﺮز­ت اﻟــﺜــﻨــ­ﺎﺋــﻴــﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ دﻳﻜﺎرت ﻣﻔﺘﺘﺤﴼ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻻﻣــﺘــﺪ­اد، ووﺿﻌﺘﻬﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﺎت اﳌـــــــﻌ­ـــــــﺎﺻـ­ــــــﺮة ﻓــــــــﻲ ﻗــــــﺎﻟـ­ـــــﺐ اﻟــــــــ­ــﺬات واﳌﻮﺿﻮع، اﻹﻧﺴﺎن ﻫﻮ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺬي ﻳﻤﺎرس ﻣﻦ ﺧﻼل ذات ﺗﺘﺄﻣﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﳌﻤﺘﺪ، ﺗﻔﺤﺼﻪ وﺗﻤﺤﺼﻪ وﺗﻨﻘﺪه، أي ﺗﻌﺮﻓﻪ.

ورﻏﻢ أن اﻟﻔﺎرق ﺑﲔ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ﻳﻈﻞ أﺿﻴﻖ ﻣﻨﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻈﻞ ﻓﺎرﻗﴼ وﺟﻮدﻳﴼ رﻏﻢ أي ﺗﺸﺎﺑﻪ ﻓﺴﻴﻮﻟﻮﺟﻲ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻔﺘﻘﺪ أﻛﺜﺮ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت رﻗـﻴـﴼ إﻟــﻰ ﻣﻤﻜﻨﺎت اﻟﺘﺴﺎﻣﻲ اﻷﺧــﻼﻗــﻲ، ﻓــﻼ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﲔ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻌﺪل، اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﻘﺒﻴﺢ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﻴﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻓﻠﻜﻬﺎ، ﻳﺪرﻛﻬﺎ وﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ. وﻓﻴﻤﺎ ﺗﻌﻴﺶ أرﻗﻰ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ وﺣﺪه ﺑﻼ وﻋﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻲ، ﻳﻌﻴﺶ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻜﻞ أﺑﻌﺎده، إذ ﻳﺘﺠﺬر ﻓﻲ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﺤﺎﺿﺮ وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﺨﻮض اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺧﺒﺮات اﳌﺎﺿﻲ، ﻓﻴﺘﺼﺮف وﻓﻘﴼ ﻟﺤﻜﻢ ﻣﺄﺛﻮرة، أو ﻳﻨﻔﺬ ﺧﻄﻄﴼ ﻣﺪروﺳﺔ، اﺳﺘﻌﺪادﴽ ﻷزﻣﻨﺔ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﺣﺘﻰ ﻳﺮاﻫﺎ وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﺨﻴﻠﻬﺎ. ورﺑﻤﺎ ﻛــﺎن اﻟـﺤـﻴـﻮان ﻳﺨﺎف ﻛـﺎﻹﻧـﺴـﺎن، ﻏﻴﺮ أﻧــﻪ ذﻟــﻚ اﻟﺨﻮف اﻟﻐﺮﻳﺰي ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﺧﺸﻴﺔ اﻟﺠﻮع أو ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺴﺪ ﺧﺸﻴﺔ اﻻﻓﺘﺮاس. أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﻀﻴﻒ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﺒﺪاﺋﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف أﺷﻜﺎﻻ أرﻗﻰ: ﻛﺎﻟﺨﻮف اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘ­ﻲ ﻣﻦ إﻟﻪ ﻳﻌﺒﺪه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﺗﻜﺐ إﺛﻤﴼ، واﻟﺨﻮف اﻟﻮﺟﻮدي ﻣـﻦ ﻓـﻨـﺎء ﻳﻼﻣﺴﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳـﺪﻫـﻢ اﳌﺤﻴﻄﲔ ﺑــﻪ. اﻟﺨﻮف اﻟﻨﺒﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻮاﺟﻬﻮن اﻷﺧﻄﺎر واﻟﻜﻮارث واﳌﻈﺎﻟﻢ. ورﻏـﻢ أن اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻄﻮرﴽ رﺑﻤﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻘﻠﻖ، ﻓﺈن ﻗﻠﻘﻬﺎ ﻣﺠﺮد ﺷﻌﻮر ﻳﺼﺎﺣﺐ اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة أو اﻟﻄﻌﺎم، أي ﻋﻠﻰ »اﻟﺮاﻫﻦ«، وﻟﻴﺲ ﻗﻠﻘﴼ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﴼ ﻋﻠﻰ »اﻵﺗـــﻲ« ﻛﻘﻠﻖ اﻹﻧـﺴـﺎن. وﻗـﺪ ﻳﻤﻴﻞ ذﻛـــﺮ اﻟــﺤــﻴــ­ﻮان إﻟـــﻰ أﻧـــﺜـــﺎ­ه، ﻏــﻴــﺮ أن ﻣﻴﻠﻪ ﻳﻈﻞ اﻧﻌﻜﺎﺳﴼ ﻟﻐﺮﻳﺰة ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ أﻗﺮب اﻹﻧﺎث إﻟﻴﻪ، اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺼﺮف ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎء ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة، أﻣﺎ اﻟﺤﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﺬو ﺑﻌﺪ ﺟﻮاﻧﻲ ﻋﻤﻴﻖ، ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺰع إﻟﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﲔ اﻟﺮﺟﻞ واﳌﺮأة، وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻗﻮاﻧﲔ اﻟﺰواج ﻓﻲ ﺟﻞ اﻟﺤﻀﺎرات.

ورﻏﻢ ﺧﻀﻮع اﻹﻧﺴﺎن، ﻛﺠﻤﻴﻊ اﻟـﻜـﺎﺋـﻨـ­ﺎت، ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟــﻌــﺪم، ﻓﻤﻴﺰﺗﻪ اﻟــــﻜـــ­ـﺒــــﺮى أﻧــــــﻪ اﻷﻛــــﺜــ­ــﺮ وﻋــــﻴـــ­ـﴼ ﺑــﺬﻟــﻚ اﻟـﻘـﺎﻧـﻮن، وإدراﻛــــ­ﴼ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﺎﻣﻦ وراءه، ﻓﻮﺣﺪه اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﺳﻴﻤﻮت، ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻮﺗﻪ، ﺳﻮاء ﺑﺜﻘﺔ وﻫﺪوء، أو ﺑﻬﻠﻊ وﺧﻮف.

أﻣﺎ اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻴﻼﻗﻲ ﺣﺘﻔﻪ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻘﻂ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺎدﻓﻪ، دون اﻧـــﺘـــﻈ­ـــﺎر. ورﺑـــﻤـــ­ﺎ ﻛــــﺎن ﻫـــﻨـــﺎك ﻓـــﺎرق ﺑـﲔ ﻣــﻮت ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﻓـﻲ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﻧﺠﻠﺲ ﻟﻨﻨﺘﻈﺮه، ﺣﺘﻰ أن اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺒﻨﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻗـﺒـﺮﴽ وﻳﺠﻬﺰ اﻟﻜﻔﻦ، ﺗﻄﺒﻴﻘﴼ ﻟﺴﻨﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻫﻲ أن ﻳﻤﻮت اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻴﺦ ﺗﺎرﻛﴼ اﳌﺠﺎل ﻟﻠﻮﻟﻴﺪ اﻟـﺠـﺪﻳـﺪ، ﺣﻴﺚ اﻻﺳـﺘـﻤـﺮا­ر واﻟﻔﻨﺎء، اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم، أﻣﻮر ﺗﻘﻊ ﻓـــﻲ ﺻــﻤــﻴــﻢ اﻟــﻄــﺒــ­ﻴــﻌــﺔ اﻹﻧــﺴــﺎﻧ­ــﻴــﺔ، وﺑــــﲔ ﻣــــﻮت ﻃــــــﺎرئ، ﻳــﺪاﻫــﻤـ­ـﻨــﺎ ﻓﻲ رﻳﻌﺎن اﻟﺸﺒﺎب ﳌﺮض ﻗﺎﻫﺮ أو ﺣﺎدث ﻋـــﺎرض، ﺗﺠﺴﻴﺪﴽ ﻟﺤﻜﻤﺔ إﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﺸﻒ ﻛﻨﻬﻬﺎ أو ﺳﺒﺮ ﻏﻮرﻫﺎ. وﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﲔ، ﺗﻜﺸﻒ واﻗﻌﺔ اﳌﻮت، ﻛﺤﺪ ﻟﻠﺤﻴﺎة، ﻋﻦ أﺑﺮز ﻣﺼﺎدر ﻗﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن، ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻴﺶ وﻳﺘﻌﻠﻢ، ﻳﺒﻨﻲ وﻳﻌﻤﺮ، رﻏﻢ إدراﻛﻪ أن ﻋﻤﺮه ﻣﺤﺪود، وأن ﻏﻴﺮه ﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑـــــﻌـــ­ــﺪه ﻟـــﻴـــﺤـ­ــﻞ ﻣـــﺤـــﻠـ­ــﻪ وﻳــﺴــﺘــ­ﻤــﺘــﻊ ﺑـﻌـﺼـﻴـﺮ ﺟـــﻬـــﺪه. ﻛــﻤــﺎ ﺗــﻜــﺸــﻒ ﻋﻦ أﺑﺮز وﺟﻮه ﻋﻈﻤﺘﻪ، وﻫﻲ ﺗﺼﺎﻟﺤﻪ ﻣــﻊ ﻣــﺤـﺪودﻳـ­ـﺘــﻪ، وإدراﻛــــ­ـﻪ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﳌــﻮت اﳌﻨﺘﻈﺮ أو ﺣﺘﻰ اﳌﻔﺎﺟﺊ ﻻ ﻳــﻌــﻨــﻲ أن ﻣــــﺸــــ­ﺮوع ﺣـــﻴـــﺎﺗ­ـــﻪ ﺑـــﺎء ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ، ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻗـﺪ ﻳﺪﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟـﺸـﻌـﻮر ﺑـﺎﻟـﻌـﺪﻣـ­ﻴـﺔ، ﺑــﻞ رﺑــﻤــﺎ ﻛـﺎن ﻧﺎﺟﺤﴼ إﻟـﻰ اﻟﺤﺪ اﻟــﺬي أﺗـﻰ ﺛﻤﺎره ﺳﺮﻳﻌﴼ، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻻﺳﺘﻤﺮار ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ﺳﺒﺐ ﺟﻮﻫﺮي.

ﻳﺮﺗﺒﻂ اﳌﻮت ﻫﻨﺎ ﺑﺠﺴﺪ ﻫﺰﻣﻪ اﻟـــﻔـــﻨ­ـــﺎء، أﻣــــﺎ اﻟـــﻨـــﺠ­ـــﺎح ﻓـــﺮﻫـــﻦ ﻗـــﺪرة اﻹﻧـــﺴـــ­ﺎن ﻋــﻠــﻰ ﺗــــﺮك ﺑـﺼـﻤـﺔ روﺣـــﻪ ﻓـﻴـﻤـﻦ ﻳـﻌـﻴـﺶ ﺑــﻌــﺪه، إذا ﻣــﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻣــﻦ ﺗﺠﺴﻴﺪ اﳌـﺜـﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎة، ﻓﻠﻴﺲ اﳌﻬﻢ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻤﺮ ﻃﻮﻳﻼ ﺑــــﻞ أن ﻳـــﻜـــﻮن ﻣــﻠــﻬــﻤ­ــﴼ، أن ﻳــﺴــﺎﻋــ­ﺪ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ ﻋﺎﳌﻬﻢ أو ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ وﺟﻮدﻫﻢ. ﻟﻘﺪ ﻋﺎش أﻧﺎس ﻛﺜﻴﺮون ﻃﻮﻳﻼ ﻛﺎﻷﻣﻮات، ﻻ ﻳﻀﻴﻔﻮن إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﺷﻴﺌﴼ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﻷوﻏﺎد اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬوا وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ درﺟـﺔ ﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﻋﺒﺌﴼ ﻋﻠﻴﻬﺎ، إذ ﻟﻢ ﻳﺮ ﻣﻌﺎﺻﺮوﻫﻢ ﺳــﻮى ﺷـﺮﻫـﻢ اﻟـﻈـﺎﻫـﺮ، وﻟــﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﻧﺤﻦ ﻋﻨﻬﻢ إﻻ ﺿﺠﻴﺠﻬﻢ اﻟﺒﺎﻃﻞ. أﻣﺎ ﻧﺒﻼء اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وأﺑﻄﺎﻟﻬﺎ ﻓﻠﻬﻢ ﻗﻴﻤﺘﻬﻢ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ وﻟﻮ ﻗﺼﺮت أﻋﻤﺎرﻫﻢ، ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺑﻄﺎل اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺨﻴﺎل ﻛﺎﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﳌﻔﻜﺮﻳﻦ واﻷدﺑــﺎء واﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻨﺎﻧﲔ، اﻟﺬﻳﻦ ﻃﺎﳌﺎ ﻋﻠﻤﻮﻧﺎ، ﺑﻞ أرﺷﺪوﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻨﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ، أم ﻣﻦ أﺑﻄﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺴﻼح اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻨﻮن اﻷﻣﻢ وﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻷوﻃﺎن، ﺑﻞ ﻳﻤﻨﺤﻮﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ. ﻳﻤﻮت ﻫــﺆﻻء ﻧﻌﻢ، ﻳﺨﺘﻔﻮن ﻣﻦ ﻋﺎﳌﻨﺎ ﻗﻄﻌﴼ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن دوﻣﴼ، ﻳﻨﺸﺮون أﺟﻨﺤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ زﻣﺎﻧﻨﺎ واﻷزﻣــﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻨﺎ. ﺑﻞ إن ﻣﻮﺗﻬﻢ اﳌﺒﻜﺮ ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣـﺎ ﻳﻀﻴﻒ إﻟــﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ، إذ ﻳﺘﻤﻢ أﺳﻄﻮرﺗﻬﻢ، وﻳﻤﻨﺤﻬﻢ ﺧــﻠــﻮدﴽ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﴼ، ﻳﻌﻜﺲ اﻟـﺤـﺪ اﻷﻗـﺼـﻰ ﻟﻠﺤﻀﻮر اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض.

 ?? ?? رأس إﻧﺴﺎن ﻣﻘﻄﻮع إﻟﻰ ﻧﺼﻔﲔ وﻣﺤﻔﻮظ ﻟﻠﺪراﺳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎﻻﻳﺎ ﻓﻲ ﻛﻮاﻻﳌﺒﻮر ﺑﻤﺎﻟﻴﺰﻳﺎ ٧ ﻳﻨﺎﻳﺮ ٣٢٠٢ )إ.ب.أ( * ﺑﺎﺣﺚ ﻣﺼﺮي
رأس إﻧﺴﺎن ﻣﻘﻄﻮع إﻟﻰ ﻧﺼﻔﲔ وﻣﺤﻔﻮظ ﻟﻠﺪراﺳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎﻻﻳﺎ ﻓﻲ ﻛﻮاﻻﳌﺒﻮر ﺑﻤﺎﻟﻴﺰﻳﺎ ٧ ﻳﻨﺎﻳﺮ ٣٢٠٢ )إ.ب.أ( * ﺑﺎﺣﺚ ﻣﺼﺮي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia