نريد سينما
هذا العنوان سبق أن عنونت به إحدى مقاالتي، ووجدت اليوم أنه مناسب ملا تدور حوله هذه املقالة. فمنذ ظهور هيئتي الثقافة والترفيه والناس ينتظرون إحـــداث نقلة نوعية فــي األداء لتحريك هـذيـن الخيارين املستقبليني، إال أن األيـام املاضية لم تحمل على أكتافها أي أثقال، إذ ما زالت األوضاع كما كانت عليه. وعـلـى الهيئتني بــذل مـجـهـودات جــبــارة إلنــعــاش الحياة ونقلها من العناية املركزة لكي تعاود نشاطها وعنفوانها، وذلــك ألنـنـا عشنا مناخا حــرم كـل الـفـنـون، فـغـدت جميع املـنـاشـط الترفيهية والثقافية فــي حـالـة تــرد وتــأخــر عن أقرب تجربة فنية أو ثقافية حدثت في العالم. ولهذا أصـاب بحالة من الذهول ملواصلة املوقف املتعنت مــن الــفــنــون، وســبــب الــذهــول الـــذي أعـيـشـه دائــمــا مــن هذا املوقف املتعنت أن العالم يعيش داخل الصورة، فهو زمن الصورة، فكيف لنا أن نعيش داخل العصر ونحن خارجه بمواقفنا املتعصبة من تلك الفنون التي نرفضها جملة وتفصيال؟ وأجد أن األفكار املغلوطة التي تقف سدا منيعا من استقبال املتغيرات في واقعنا املعاش تتقوض بفعل الحركة، وأن الفنون تكسب وجــودهــا مـن وجــود اإلنــســان ذاتـــه، فواقع رفض السينما في حياتنا اليومية (كمثال) أخذ يتداعى من عـدة جبهات، كونه واقعا ال يستقيم مع الحياة ومع احتياج اإلنسان ألدوات تعبيرية تعبر عن وجوده. وكــان مـن املفترض أن تنهض الهيئتان بترميم الوضع الــراهــن أو اسـتـحـداث خـطـوات متسارعة للحاق بالركب، وكـــان مــن املــفــتــرض (بــعــد اإلعــــالن عــن الـهـيـئـتـني) العمل الــدؤوب في املـجـاالت الثقافية والترفيهية بـإعـادة الفرق املوسيقية ملبنى التلفاز، وإحــيــاء األنشطة الغنائية في جمعيات الثقافة والـفـنـون، ووضــع إستراتيجية وطنية فـي تبني اإلنــتــاج الــدرامــي، وفـتـح معاهد عليا لتخريج املوسيقيني واملمثلني واملخرجني وكتاب السيناريو، وفتح صاالت العرض السينمائي في كل مدينة من مدننا. وكـــان مــن املـفـتـرض إدخـــال السينما كعنصر أســـاس في إعــــادة هيكلة املـجـتـمـع مــن خـــالل الــفــنــون املــتــعــددة التي يمكن للسينما احتواؤها. وكنت (ومـازلـت) أعتقد أن فن السينما يحقق عدة أمور، سواء كانت فنية أو استثمارية، وألن زمـنـنـا املـعـاصـر يستخدم السينما والــدرامـــا كأداة إليصال ما يمور في الواقع يكون تواجده واالهتمام به من أولوياتنا الفنية، كون السينما أداة فاعلة ومؤثرة على نـطـاق واســع محليا وعـاملـيـا متى مـا تـم تسخير األموال والنصوص واملمثلني لتحقيق أهداف البث. وأسفا أقول: إننا مجتمع يهجر هذه األداة، ونتعامل معها من منطلق ضيق جدا، كأن يقال إن السينما هي أداة فسق وفـجـور، بينما هـي وعــاء تسقي اآلخـريـن مما تحمله، ال مما نتصوره عنها مسبقا. فهل يحتاج األمر إعادة الدعوة ألن نسخر ثرواتنا الهائلة (املالية والبشرية) إلظهار حقيقتنا الفنية الكامنة ونفتح األبواب للسينمائيني الشباب؛ لكي يرونا إبداعاتهم ولكي تتوزع اهتمامات الشباب بدال من أن ينخرطوا في عمليات إرهابية أو تحويلهم إلى ذئاب منفردة أو شباب ضاع بني املقاهي وأماكن التفحيط. حـقـيـقـة، كـــان مــن املــتــوقــع أن تــســارع الـهـيـئـتـان فــي تبني املشاريع املستقبلية وليس انتظار ما يفرزه الواقع وفق إمكانات متواضعة أيضا.