Okaz

صراع من أجل السلطة ال من أجل اليمن

-

بـــــات واضــــحــ­ــا أن اإلعــــــ­ــان عن أي اتـــفـــا­ق ســيــاســ­ي يــضــع حدا لــلــكــا­رثــة اإلنــســا­نــيــة الحاصلة فــي الـيـمـن سـيـكـون بــدايــة الــحــروب الصغيرة الــتــي ستليه والــتــي أفــرزتــه­ــا الــحــرب الدائرة عــلــى الــســلــ­طــة بـــن قـــــوى ســيــاســ­يــة وحزبية تديرها األحقاد الشخصية ورغبات االنتقام، وانغمس الكثير من الساسة والكتاب، يمنين وعـــربـــ­ا، فـــي تـــنـــاو­ل الــعــوام­ــل الــتــي أشعلتها وتــعــرض الـجـمـيـع ألسـبـابـه­ـا كــل مــن الزاوية الـتـي ينطلق منها حزبيا أو فكريا أو حنقا على ضياع مصالحهم الشخصية، فأقحموا الـــذاتــ­ـي بــاملــوض­ــوعــي، وقــلــة تــحــدثــ­وا بعيدا عــن الـعـاطـفـ­ة واألفـــكـ­ــار الــجــامـ­ـدة والتأثيرات املذهبية واملـنـاطـ­قـيـة، وبـــدون الـتـعـرض ملدى واقـعـيـة مـا ذهــب إلـيـه الجميع إال أن أحــدا لم يـضـع يـــده عـلـى الــحــل الـــذي سـيـوقـف مسيرة نزيف الدم ورحلة التيه اليمانية، ويصر الكل عـلـى أنــه يمتلك الــحــق املـطـلـق فــي طروحاته ومطالبته. إن أي حرب ال يمكن إال أن تكون حاضنة ملآسي الكثيرين وتلحق بهم دمــارا نفسيا وماديا، وتـكـون تبعاتها مسلسا طـويـا مـن مشاهد الحقد والكراهية مهما كانت محاوالت تفادي هذه األعــراض، ومن املنطقي أيضا أن الحرب ال تــدوم إلــى األبــد لكنها قـد تـخـرج فـي أغلب األحيان بطرف منتصر وآخـر منهزم خاصة في املجتمعات املتخلفة ثقافيا والتي يغيب عنها الوعي الناضج، وتسيطر عليها روايات الـــتـــا­ريـــخ وأســـاطــ­ـيـــره، ويــغــيــ­ب عـــن ساحتها الرجال الكبار. أفـــــرزت الــحــرب عــــددا مــن املــســلـ­ـمــات، فاليمن لن يعود كما عرفناه في طفولتنا وشبابنا، فـــاالنــ­ـقـــســـا­مـــات األفـــقــ­ـيـــة والـــرأسـ­ــيـــة ترسخت داخـل املجتمع وأصبحت غير قابلة لالتئام سريعا، وطفت على السطح أمراض اجتماعية كالطائفية واملـذهـبـ­يـة بعدما تـوهـم كثيرون أنــهــا قــد غــابــت عــن الــوعــي الــجــمــ­عــي، وصار الحديث عن الـوحـدة اليمنية بالصورة التي تمت بها في مايو ٠٩٩١ غير معقول، ولم يعد ممكنا تقبل فكرة سيطرة املركز املقدس (وأنا هنا أضع خطا فاصا بن صنعاء كمؤسسة لـلـحـكـم وصــنــعــ­اء اإلنـــســ­ـان) عــلــى إدارة بقية مـنـاطـق الــيــمــ­ن، ولـكـنـي أحـــذر أن تــنــاول هذه القضايا بــصــورة عاطفية واعـتـبـار أن الفرز الحالي الحاصل على األرض خطوط ال يمكن الــتــراج­ــع عـنـهـا، سـيـزيـد مــن مـخـاطـر التمزق والــتــشـ­ـظــي، كـمـا أن قــيــام دولـــة اتــحــادي­ــة كما يريد البعض في غياب مركز سياسي متوازن يـديـر الـعـاقـات بــن مـكـونـات الــبــاد سيجعل املسألة في صيغتها الحالية مهزلة ومقدمة ملأساة متكررة. أعــتــرف أن الـجـنـوبـ­يـن لـهـم مـطـلـق الــحــق في مطالبة بالوضع الـذي يرضيهم ولكن هذا ال يـجـوز أن يتم بــإجــراء­ات أحــاديــة يتخذونها بمفردهم سواء من كان منهم ضمن «الشرعية» أو خـارجـهـا، وكــم كــان مزعجا ومثيرا للهلع أن يـتـصـدى مــســؤول أمــنــي كـبـيـر لــطــرح هذه القضية مـحـذرا مـن حسم الـحـرب فـي الشمال قبل إعادة ترتيب األوضاع في الجنوب. في الطرف املقابل يصر الرئيس السابق علي عــبــدالـ­ـلــه صــالــح عــلــى الـــخـــر­وج عـــن السياق، فيصدر عنه الـرفـض لكل مـا نتج عـن الحوار الوطني واالعتراض على تقسيم األقاليم، وأنا لـم أكـن متعاطفا مـع العمليتن ومـازلـت عند رأيـــي انـهـمـا أديــرتــا بــصــورة تـعـسـفـيـ­ة، ولكن تــنـاولــ­هـمــا بــهــذه الـــصـــو­رة الــفــجــ­ة يـجـعـل من العسير تـصـور إمكانية التوصل إلــى قاعدة مشتركة يكون الوطن هدفها. فـــي روايــــتـ­ـــه األشـــهــ­ـر (٤٨٩١) يـــقـــول جورج أورويـــــ­ل فــي مــعــرض تــنــاولـ­ـه لـحـكـم األحــــزا­ب (إننا ندرك أنه ما من أحد يمسك بزمام السلطة وهو ينتوي التخلي عنها. إن السلطة ليست وسيلة بل غاية. إن الهدف من االضطهاد هو االضطهاد، وغاية السلطة هي السلطة). هذه هي محنة اليمن الحقيقية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia