اجلزيرة العربية.. حضارٌة أوسع من أرضها
لطاملا كانت الجزيرة العربية منبعًا للحضارات الـقـديـمـة مـنـذ الـنـشـأة األولــــى، إذ تشير مصادر إلــى أن أم الـبـشـر حـــواء ـ عليها الــســام ـ هبطت فـــي الــحــجــاز بــالــقــرب مـــن مــديــنــة جــــدة حاليًا، وتؤكد مصادر عدة أن جثمانها في مقبرة حي البغدادية، ويطلق عليها «مقبرة أمنا حواء»، كما أن الكعبة املشرفة رمز ديني يمس أفئدة املسلمني في كل مكان، إال أنها أيضًا تحمل رمزية العمق التاريخي ألرض الجزيرة وسكانها. تـــرتـــبـــط الـــلـــغـــة الـــعـــربـــيـــة مـــنـــذ نــشــأتــهــا األولـــــى فــي الــجــزيــرة الـــعـــرب، بــســكــان هـــذه التضاريس املــتــنــوعــة مـــن جــبــال الــجــنــوب إلــــى الصحاري، مرورًا بهضاب نجد، وواحات الشمال، ويحيطها من ثاث جهات بحور لها في الذاكرة التاريخية عمق اقتصادي وحضاري مع الفرس من الجهة الشرقية، وحضارات الدول أفريقيا املتعددة. يؤكد أستاذ التاريخ اإلسامي املساعد بجامعة جازان الدكتور علي بن محمد العواجي أن والية «الجهوة» في منطقة عسير تعود بتاريخها إلى ما قبل اإلسام؛ إذ تحتوي جدرانها على نقوش توثق للمظاهر الدينية واالقتصادية والسياسية واالجتماعية، منوهًا أنها لم تكن عـابـرة، فهذه النقوش املكتوبة بـ «الثمودي» و«املسند»، شاهدة على وعي الزمكان لسكان هذه الوالية التاريخية. فيما أن آثـــار مــدائــن صـالـح الـراسـخـة فــي ذاكرة الــجــزيــرة الــعــربــيــة، والــتــي تــعــود تسميتها إلى نبي الله صالح عليه السام، تعد من الحضارات العريقة في شمال الجزيرة العربية، والتي بقيت إلــــى يــومــنــا الــحــاضــر مــحــتــفــظــة بــالــنــقــش على الجبال، وكيف تمكن اإلنسان في تلكم املنطقة أن يسكن الجبل، ويخلفه رمزًا تراثيًا أبديًا. وتـطـل مـن املنطقة الشرقية جـزيـرة تـــاروت ذات اإلرث الــتــاريــخــي واالقـــتـــصـــادي، إذ سـكـنـت إلى يومنا الحاضر كتب اليونان باسم «تارو »TARO و»ثـــــــارو,ORRAHT ،»TWARO كـمـا سميت في كــتــب قــــدمــــاء الـــصـــني بــنــفــس االســــــم .»TARU« وجزيرة تاروت لها في األسطورة حضور الفت، فثمة أساطير تشير إلى أن امللكة البابلية عشتار 2500 قبل املياد، هي من بنت هذه الجزيرة حني نفاها امللك جلجامش من باد ما بني النهرين، وترتكز رمزيتها على معبد «عـشـتـروت». فيما أن منطقة نجد تختزن في ذاكرتها الحضارية والـتـاريـخـيـة قـريـة «الــفــاو»، تجسد املــثــال الحي لــلــمــديــنــة الــعــربــيــة قــبــل اإلســــــام بــكــل التنظيم املدني، فكانت القرية منظمة املساكن والطرقات واألسواق وفنون الري والزراعة. و«الفاو» هي عاصمة مملكة «كندة» التي مكثت مــا يــزيــد عــلــى خـمـسـة قــــرون مـتـتـالـيـة، وتبوأت مكانة عالية في كونها ملتقى للقوافل التجارية القادمة من داخل الجزيرة العربية أو خارجها. وعثرت الفرق االستكشافية في قرية «الفاو» على املجسمات البرونزية التي أعطت بعدًا حضاريًا جديدًا، إضافة إلى املقابر املتنوعة في أشكالها، والكتابات الـــتـــي وجـــــدت بـــالـــحـــرف الجنوبي املسند، كما تم العثور على قطع أثرية في املوقع يجرى ترميمها حاليًا باإلضافة إلى القطع التي يتم عرضها حاليًا في معرض روائع آثار اململكة العربية السعودية عبر العصور في واشنطن. وفي مدينة حائل، تعود الرسوم والنقوش األثرية في موقعي جبة وراطـا واملنجور (الــشــويــمــس) فــي مـنـطـقـة حــائــل مــن أهم وأكــبــر املـــواقـــع األثـــريـــة فــي املـمـلـكـة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آالف سنة قبل املياد. وقرب واحة تيماء التاريخية عــثــر مــســتــكــشــفــون عــلــى خـــرطـــوش امللك رمـسـيـس الــثــالــث، مــا أثـــار الـعـثـور عليها تــســاؤال كـبـيـرًا حـــول أســبــاب وجــــوده في عمق الـشـمـال الـغـربـي للجزيرة العربية، وحـضـوره فـي تلكم املنطقة الشمالية؛إذ يؤكد هذا النقش وجود مبادالت تجارية مــبــاشــرة بـــني مــصــر والـــجـــزيـــرة العربية فــي الــقــرن الــثــانــي عــشــر قــبــل املــيــاد وأن القوافل املصرية كانت تفد إلى تيماء قبل 3200 سـنـة لـلـتـزود بالبضائع النفيسة مثل الذهب والفضة والنحاس والبخور. ويحمل توقيع ملكي – خـرطـوش - ألحــد ملوك مصر الفراعنة وهـو رمسيس الثالث الـذي حكم مصر بني سنوات 1160 -1192 قبل املياد.