Okaz

هل الصورة املرئية تلغي أدب رحالت احلج؟

- علي الرباعي (الباحة)

ألهبت أشــواق املحبني املتطلعني لـزيـارة مكة املكرمة قرائح املـبـدعــ­ني؛ كـيـف ال وابـــن األمــيــر الصنعاني يـتـرنـم (وتسرح فيك العيـس بيـن ثمامـة، وتستنشق األوراح نشـر خزامـاه، ونشكو إلــى أحبابنـا طـــول شوقنـا، إليهـم ومـــــاذا بالفـراق لـقـيـــنـ­ــاه). ولـطـاملـا سـجـل أدب الــرحــات حــضــورًا فــي تاريخ األدب العربي، ال سيما تلك الرحات املرتبطة بالبلد الحرام، وأداء فريضة الحج، كون الرحات سابقًا في غالبها تعتمد على الرواحل من اإلبل والبغال والحمير، ومن شرق الديار األقصى إلـى غربها تنطلق مواكب الحجيج قبل أشهر من بـــدء مــوســم الــحــج، وتــــذرع الــوفــود فــجــاج األرض تـمـر على اآلثــار، وتستعيد مواقع وترصد ما بقي من رسـوم ونقوش حــضــارات ســادت ثـم بـــادت. ويمثل أدب رحــات الـحـج رافدًا نوعيا مهمًا ألدب الرحات، ويعد األندلسيون واملغاربة ممن أثروا تراثنا العربي بسردهم التاريخي والجغرافي واألدبي. والرحالة عبدالله كنون أحـد دهاقنة أدب الـرحـات؛ إذ قام بتسجيل رحلته إلى الديار املقدسة ونشر رحلته الحجازية ضمن كتابه (تحركات إسامية) وقــال فـي املقدمة (الكتاب الذي بني يدي القارئ مما يتصل بغالب هذه األغراض، ففيه مـن السفارة نصيب، والـحـج أهــم مقاصده، ولـقـاء برجاالت اإلسام والعمل معهم يدا بيد على ما فيه خير امللة والدين، مما هو ثمرة العلم، وهو املحور لهذه الرحات). ودون اللواء إبراهيم باشا رحلته في كتابه (مرآة الحرمني) ولقي الكتاب شهرة واسعة نظرا ملا تضمنه من انطباعات عن الحرمني الشريفني. ومـن الـرحـات رحلة السيد غـام رسول مهر أحــد علماء الهند روى خالها سيرة األمـاكـن املقدسة عندما قدم ألداء مناسك الحج، وبـدأت عام 1348 من الهور إلى مكة املكرمة، ووصف بكل دقة وتفصيل خطوات الرحلة ولقاءه بامللك عبدالعزيز، وقامت دارة امللك عبدالعزيز في عام 1417 بإصدار هذه الرحلة وترجمتها إلى العربية. ويـؤكـد الكاتب عبدالله الحقيل أن الـقـدرة البيانية تتجلى وتــبــرز فــي أدب الـــرحـــ­ات، خــصــوصــ­ا رحــــات الــحــج؛ نظرا ملا لها من تأثير على القلوب والعواطف، واشتياق القارئ إلى متابعته في هذه الوقفة الروحية، والتدليل على حاجة املسلمني إلى التعاون واالستفادة من رحلة الحج ويقدم ذلك في أصالة أدبية، الفتا إلى أن أدب الرحات من أمتع الفنون األدبـيـة وأقـربـهـا إلــى النفس ملـا فـي الرحلة مـن صــور أدبية ومواقف رائعة. فيما أوضـــح الــدكــتـ­ـور أحـمـد بــن عـمـر الـزيـلـعـ­ي أن الحجاج قديما كانوا يفدون إلى مكة عبر أربعة طرق برية، وطريق بحري واحد عبر البحر األحمر. مشيرًا إلى أن الطرق البرية فــي الــغــالـ­ـب تــحــدد مــن الــعــواص­ــم بــــدءا مــن بــغــداد عاصمة الخافة العباسية، أو من دمشق عاصمة الخافة األموية، أو الــيــمــ­ن، مــؤكــدًا أن الـسـفـر عـبـر هـــذه الــطــرق كـــان محفوفا باملخاطر، فضا عن دفـع أمــواال للمرور عبر ديـارهـم، الفتًا إلى ما من الله به على الحجيج منذ وحدة هذه الباد، وما توفر من خدمات وأمن ورعاية طيلة تسعة عقود.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia