عودة بريطانيا العظمى للخليج!
عــودة بريطانيا العظمى إلــى الـشـرق األوســـط، لـم تكن مصادفة أبـــدا، وال حـضـورهـا سيكون شكليا أو عبئا على املنطقة، فلندن لـم تعد عاصمة اإلمبراطورية التي ال تغيب عنها الشمس. لكنها بالتأكيد عاصمة «ألمــة عظمى»، تبحث عن دور يعيدها ملوقعها الدولي، ومجدها القديم، في ظل تراجع دول وصعود دول أخـرى، ويبدو أن البريطانيني وجدوا أن فرصتهم للعودة إلى الساحة الدولية حانت، وال مفر من اقتنصها. من ال يستطيع مطابقة اإلشارات، مع األحداث املفصلية التي مرت وتمر بها املنطقة العربية واإلقليم املجاور لها منذ "الخريف العربي"، فلن يستطيع تلمس طريق الخمسني وربما املئة سنة القادمة. أوال.. "أمريكا أوباما"، خرجت من الباب العربي تماما، وهي الـيـوم فقط تـقـوم بـاالنـتـهـاء مـن آخــر املـلـفـات الـتـي "تورطت" فيها. ثانيا.. أمريكا باعت املنطقة، ملليشيا اإلخــوان والتنظيمات اإلسالموية اإلرهابية، واملساهمني في هذه املليشيا من دول مجهرية وإقليمية. ثالثا.. من املؤكد أن واشنطن لم تكن حاضرة، في هذه املنطقة املتالطمة بالحروب والنزاعات واالحتجاجات في السنوات الثماني املاضية، كما كانت فاعلة بشكل مكثف "أمريكا بوش أو ريغان" ـ. رابعا.. فلسفة "أمريكا ترامب أو هيالري"، لن تكون فاعلة أبدا هي األخـرى، فقرار الخروج من هذا الشرق املزعج، قادم من أعماق املؤسسات االقتصادية، التي حملت التدخل األمريكي في العراق واملنطقة، ذنب االنهيار االقتصادي الـذي اجتاحها ،2008 وهـذا القرار تنفذه املؤسسة السياسية والعسكرية في البيت األبيض والبنتاغون. البديل األمريكي لهذا الشرق املنهك كما هو معلوم، ذلك الحزام الصناعي واملالي، املمتد من كوريا الجنوبية، مرورا بالصني وفيتنام والهند، إلى إندونيسيا وماليزيا، ثم نزوال إلى أستراليا ونيوزلندا وصعودا إلى اليابان. هــذه الــحــزام سيكون القلب الصناعي واملــالــي والتكنولوجي للعالم، فـي الخمسني سنة القادمة، ولذلك فإن تركيز واشنطن اإلستراتيجي انصب عليها. في السياق نفسه، لم تغفل السعودية ذلك التحول، وبدأت في بناء جسور اقتصادية وطرق ـ على سبيل املثال تجارة بديلة، تمتد من اليابان والصني والهند، وتمر بالسعودية في طريقها للعالم، وزيارة األمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد هذه األيام لتلك الدول، تبني عليه وتعززه. لـذلـك أصـبـح مـن املـلـح ملنطقة مثل الـشـرق األوســـط، مختلطة األعـــراق واألديــــان واملذاهب، ابتليت بحروب وصراعات طائفية، ولم تستطع أن تجد حلوال للتعايش فيما بينها، أن تكون إحدى الدول العظمى حاضرة أمام التغول الروسي وحلفائه الجدد، من دول األعاجم في طهران وسواها. في األسبوع املاضي، وصل وزير الخارجية البريطاني الرياض مشاركا في أهم لقاء يعقد بني السعوديني واألمريكان، منذ قطع السعودية إمـدادات البترول عن الغرب إثر تداعيات حرب أكتوبر في العام .1973 أهمية اللقاء ال تكمن في تصريحات كيري التي أعقبت اللقاء، وال خطته للحل اليمني، بل كانت في وجود وزير الخارجية الـــبـــريـــطـــانـــي، الــــــذي أعـــلـــن "حــــضــــوره" عـــن عــــــودة السياسة البريطانية العظمى إلى الشرق األوسط، الشرق الذي غادرته فــي أعــقــاب الــعــدوان الـثـالثـي عـلـى مــصــر، مكتفية بالحلول األمريكي والسوفيتي ثم الروسي. قـبـل بضعة أســابــيــع، انــدفــع الـبـريـطـانـيـون للتصويت على خــروج بلدهم مـن االتـحـاد األوربـــي الــذي أرغــم البريطانيني على حمل مجتمع واقتصاد دول شرق أوروبا املشلول. الــخــروج البريطاني مـن االتــحــاد األوروبــــي، عــزز ثقة بريطانيا فـي االقـتـصـاد الخليجي، خاصة االقتصادين السعودي واإلماراتي، ودفعها لاللتفات باتجاه شركاء حقيقيني، يمكن أن يبادلوا البريطانيني املنافع سياسة واقتصاد. دول الخليج وعلى رأسـهـا السعودية، التقطت إشـــارات الـخـروج البريطاني مـن الحوض األوروبي، لتبني معها تحالفات جديدة تخدم بها مصالحها الوطنية. العودة البريطانية للشرق األوســط، ستشمل ترشيد االندفاع الروسي ـ اإليراني ـ التركي، باتجاه التخوم العربية، ودعم املصالح الخليجية في املنطقة والعالم. كما أن البريطانيني صانعي السياسة ودهاليزها، قادرون على إعادة مسار السالم العربي ـ اإلسرائيلي، والوصول إلى حلول تعيد للشعب الفلسطيني أمله في الوصول لدولة مرضية، إثر االتفاق األمريكي ـ اإلخواني، باستبعاد القضية الفلسطينية من املشهد، مقابل تمكني اإلخوان من الحكم في البلدان العربية.