Okaz

كنت طفًال بريئًا.. جتول عيناه في احلنني

- علي فايع (أبها)

نــعــم، كـنـت طـفـال بــريــئــ­ا، أمــشــي بـقـدمـن حافيتن، ألــبــس ســـــرواا­ل ريــاضــيـ­ـا، وفــانــيـ­ـلــة ريــاضــيـ­ـة، كان لـونـهـا فــي الـغـالـب هــو لــون الـفـريـق الــكــروي الذي كنت أشجعه وقتها. تتقاسمني امليول بن النادي األهلي الـذي غلب تشجيعه في أسرتنا كل األندية الرياضية، ونـادي النصر الذي كنت أتابع أخباره عن طريق اإلذاعـة، قبل أن يأتينا التلفزيون، وقبل أن نــقــرأ الـصـحـف الــريــاض­ــيــة. نسيت أن أقـــول لكم إنني قــروي، أعيش في قرية نائية، ال كهرباء، وال تلفزيون.. تشغلني أشياء ليس من بينها الدراسة الــتــي كــنــت أعـطـيـهـا جــــزءا قـلـيـال مــن وقــتــي، فيما تـتـقـاسـم كـــرة الــقــدم ورعــــي املــاشــي­ــة، وســقــيــ­ا املاء، وفـالحـة األرض الـوقـت األكـبـر مـن يـومـي. كــان أبي فــالحــا، يجيد العمل املثمر بصمت بــالــغ، لــم يكن صـاحـب مـشـكـالت، ولــم يكن يــزاحــم أحـــدا، كــل همه أن يــصــحــو مــتــعــا­فــيــا، فـيـقـصـد أرضــــــه، ال ينتظر فضل أحــد عليه ســوى فضل ربــه. فيما كانت أمي مشغولة بما بقي من أمور الحياة كرعاية شؤون الــبــيــ­ت. تـحـتـفـظ ذاكـــرتــ­ـي بــأشــيــ­اء كــثــيــر­ة جميلة، ومبهجة. منظر نساء القرية وهن يمأن أرض أبي الـتـي فلحها وحــان وقــت حـصـادهـا، يصرمن بعد يـوم واحــد مـن إنـجـاز رجــال القرية املهمة السابقة للصريم وسط أهازيج جماعية تشنف اآلذان. طفولتي لم تعرف أن املوسيقى حرام. فقد كنت أملك مسجال متنقال، وصندوقا أحمله معي إن صعدت جبال، أو هبطت واديا، أحتفظ فيه بأشرطة نجوم الــغــنــ­اء فـــي تــلــك الــفــتــ­رة. كـــأيـــو­ب طــــارش وفيصل عـلـوي ومحمد عــبــده.. مـازلـت أسـتـعـذب إلــى اليوم أغـنـيـة «ســـالمـــ­ات... ســـالمـــ­ات... ســالمــات يــا حببنا يــا بـلـديـات» لـنـاديـة مصطفى؛ ألنـهـا ظـلـت تقارب أرواحـــنـ­ــا بــاتــجــ­اه عــشــايــ­ا ال تــنــســى، وال تمحوها ذاكــرة ما بعد الطبيعة والحياة! كل شـيء في تلك القرية الجميلة الــواعــد­ة بقي يبهرنا، خرير املاء، زقزقة العصافير.. وشوشة األشجار.. لون الشمس وقـــوس قــــزح.. أصــــوات الــنــســ­اء وحـركـتـهـ­ن الدائبة الـتـي ال تنقطع إال مـع حـلـول املــســاء، هــدوء القرية وسكونها. في مسجد القرية املالصق لبيتنا ال تكاد تنقطع حركة املصلن فيه، كل الجيران املحيطن به ال تفوتهم صــالة، يتسابقون على األذان والصالة والخدمة، قبل أن تفرض وظيفة األوقـاف للمسجد مــؤذنــا وإمـــامــ­ـا. ال أعــلــم، ملــــاذا أسـتـجـلـب اآلن هذه الـذكـريـا­ت، ربما هـو الحنن، وربـمـا هــذه الصورة املـرفـقـة بـهـذا املـكـتـوب أيقظتني مــن قــرف املدينة، وألهبت في داخلي ذكريات زمن مضى...!

 ??  ?? عمل فني لم يكتمل للفنان التشكيلي إبراهيم فايع األلمعي.
عمل فني لم يكتمل للفنان التشكيلي إبراهيم فايع األلمعي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia