Okaz

حان وقت فرض «الضرائب»

- خالد عباس طاشكندي ktashkandi@okaz.com.sa

قـــرأت مــؤخــرا أن وزارة الـنـقـل مـتـجـهـة نـحـو إســنــاد بــنــاء وتشغيل مـشـاريـع الـطـرق السريعة إلــى الـقـطـاع الــخــاص، وفــرض رســوم على اســتــخــ­دام الــطــرق الــتــي تــربــط بــني املــــدن، والــتــي سـيـنـفـذه­ـا القطاع الـخـاص، وذلــك لتغطية تكاليف بنائها وتشغيلها، وتـذكـرت أنني قبل قرابة أربع سنوات، أي قبل األزمات والتحديات الحالية التي نواجهها في ظل انخفاض أسعار النفط، كتبت مقاال بعنوان: (فرض الضرائب.. توجه تنموي حان وقته)، كنت أنظر حينها إلى األمر بأنه «ضرورة قصوى» لتسريع عجلة املشاريع التنموية وتحسني مستوى الخدمات، ولـم يكن القصد من فـرض الضرائب زيــادة األعـبـاء املـاديـة على كاهل املواطن، بل العكس تماما من ذلك، حيث إن األنظمة الضريبية بشتى أصنافها وتطبيقاتها يجب أن تخدم مـبـادئ أساسية وهــي اإلنتاجية (أي أن يوفي اإليراد الضريبي ما تحتاجه الدولة في اإلنفاق على املشاريع املنشودة)، والعدالة الضريبية عـلـى املكلفني بدفعها بنسب مـتـفـاوتـ­ة وهــم ذوو الــدخــل الـثـابـت املـرتـفـع والقطاع الــخــاص والـــوافـ­ــدون بمختلف درجـــات دخـلـهـم، بحيث يـكـون االستحقاق الضريبي طبقا للمقدرة التكليفية وبما يتفق وقـاعـدة العدالة الضريبية، على أن تجبى هـذه الضرائب بما ال يتعارض مع الشريعة اإلسالمية التي حددت شروطا إلجازتها. لــألســف، لــم يـكـن هـــذا الــطــرح متقبال مــن الـكـثـيـر­يـن في ذلــك الــوقــت، بـل إن بعض الصحف اإللكتروني­ة ورواد التواصل االجتماعي وجهوا لي انتقادات شديدة بسبب هــذه املطالبة دون محاولة التمعن فـي أهمية األنظمة الضريبية الـتـي ســار عليها العالم األول بأكمله لدعم تحقيق التنمية والتطور والنماذج التي انبهرنا وطالبنا بها، ولكن دون أن نسأل عن املقابل. ولـم يكن هـذا املطلب غريبا أو مفاجئا حتى يستهجنه البعض، ففي مطلع يناير من عام ،م2002 أي قبل 14 عاما من يومنا هـذا، قال وزيـر املالية الدكتور إبراهيم العساف خالل أحد لقاء ات مجلس األعمال السعودي األمريكي :)USSABC( «أيام كان دخل الفرد في السعودية من أكبر الدخول في العالم، في تلك األيام الطيبة لم نفكر في فرض ضرائب ال على املوظفني وال على العمال وال على التجار ورجال األعمال، واآلن نفكر في فرض ضرائب لتعزيز هيكل امليزانية». لكن لم تطبق تلك الرؤية في ذلك الوقت، ربما نتيجة ملخاوف عديدة من احتمالية التهرب الضريبي ورحيل رؤوس األموال إلى الخارج إلى حيث املالذات الضريبية اآلمنة وسرية الحسابات البنكية في أماكن متعددة من العالم، وبالتالي قد تقع الضريبة على كاهل ذوي العمل الوظيفي وليس على أصحاب األعمال الحرة، بمعنى أن الذين يجب أن يدفعوا لن يدفعوا كما في عديد من دول العالم الثالث. ولكن الظروف الحالية باتت مهيأة بشكل كبير في االستفادة الفعلية من إقرار فرض نظام ضريبي شامل في ظل الحاجة املاسة لهذا املورد املالي اإلستراتيج­ي، خاصة مع انتهاء عصر سرية الحسابات البنكية وانحسار املالذات الضريبية حول العالم بسبب الظروف االقتصادية والسياسية واألمنية التي يمر بها العالم منذ اندالع أحداث سبتمبر .م2001 إضافة إلى أن الضريبة، كما في دول العالم املتقدم، هي مورد سيادي أساسي ولها ضــرورة قصوى في دعـم اإلنفاق الحكومي على الخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، وجزء أساس من املسؤولية املشتركة بني املسؤول واملواطن واملقيم كما هو الحال في جميع دول العالم من حولنا. ولذلك فالحاجة لنظام ضريبي باتت ملحة للحد من االستنزاف السلبي الخطير القتصادنا الـوطـنـي، ومــن األمثلة على ذلــك حجم الــحــواا­لت املالية التي تصدرها العمالة الوافدة إلى الخارج، والتي تجاوزت %20 من موازنة الدولة، وأيضا النسبة الضخمة للمواطنني الذين ال يملكون مساكن، التي تجاوزت الـ35%، كما توقعت عدد من التقارير االقتصادية خالل الخمس سنوات املاضية احتمالية زيادة هذه النسبة إلى %80 في حال عدم وجود حلول مبتكرة للحد من هذه املعضلة، هذا باإلضافة إلى ظاهرة «تعثر املشاريع الحكومية»، حيث كشفت هيئة الرقابة والتحقيق مؤخرا عن أن نسبة تعثر مشاريع خطط التنمية بلغت ،%72 فيما بلغت املشاريع املنتظمة %5 أما املتوقفة فبلغت %6 واملتأخرة .%17 كــمــا أن أنــظــمــ­ة الـــدولــ­ـة أوضــحــت مــشــروعـ­ـيــة وآلية فــرض الضرائب كما هـو مــدرج فـي املــادة العشرين من «نظام الحكم»، التي تنص على أنـه «ال تفرض الضرائب أو الـرسـوم إال عند الحاجة وعلى أساس من العدل.. وال يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو اإلعفاء منها إال بموجب النظام»، ولدينا نظام واضــح وصريح لضريبة الدخل الـصـادر باملرسوم امللكي رقـــم: م/1 الــتــاري­ــخ: ‪/1 /15‬ 5241هـــــ، ولكن نظام ضريبة الـدخـل الحالي استثنى املـواطـن ولم يفرض قيودا ضريبية قوية على الـحـواالت املالية، وعليه احتلت اململكة املرتبة السابعة في العام 2012 من حيث الــدول األقـل تعقيدا في قوانني الضرائب على مستوى العالم، وفقا لتقرير «دفع ضرائب» الصادر عن «بي دبليو سي» العاملية، بالتعاون مع البنك الدولي. لذلك، يجب أن نعي بأن النظام الضريبي على مستوى العالم املتقدم تسخر إيراداته لتوفير احتياجات املواطن في املقام األول، وهو الذي أسهم في صنع تقدم العلم في الواليات املتحدة وأنظمة املواصالت املتقدمة في بريطانيا والبنى التحتية الخيالية في ماليزيا، وما إلى ذلك. والـيـوم، أكــرر ما طرحته سابقًا، بـأن إقــرار النظام الضريبي من املفترض أن يكون أوفر ماديًا على املواطن، ألننا سوف ندفع نسبًا مقتدرًا عليها حسب مستوى الدخل ونعجل في تفعيل حلول أسرع لقضايانا االقتصادية األساسية مثل توفير السكن ومكافحة البطالة وتحسني الخدمات العامة وإنجاز املشاريع في أوقات قياسية. ونــعــود ملسألة أهمية فــرض الــرســوم على الــطــرق السريعة وربـطـهـا بفكرة النظام الضريبي.. سنجد أننا لو دفعنا نسبة %1 من دخل الفرد - على سبيل املثال - لتحسني تعبيد الطرقات وصيانتها على مـدار العام، أوفـر بكثير من أن ندفع قيمة صيانة مركباتنا من آثار حفر الشوارع، وأن ندفع - على سبيل املثال - %5 من الدخل لدعم مشاريع تنموية لتوفير مساكن للمواطنني أفضل مـن تحمل أعـبـاء االقـتـراض من البنوك.. وقس على ذلك.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia