الفلسفة وقراءة في تاريخ األفكار
تــعــرف الفلسفة «بـحـب ّالـحـكـمـة»، والحكمة الـــتـــي تــتــوســلــهــا اإلجــــابــــة عــــن التساؤالت الكبرى التي طرحها اإلنسان عبر التاريخ، هي أن نعيش على وفـاق مع هذا العالم، أن نتحرر من الخوف من املجهول، أن نتخلص من معاناة العقل وأن نعيش بسعادة. قــــد ال تــخــلــو الـــــقـــــراءة فــــي هـــــذا املــــجــــال من صعوبات، ولكن في حب الحكمة والتعطش للمعرفة ما يغري العقول في خـوض غمار هـذا العالم الــذي تسبح فيه األفـكـار بحرية، فالفلسفة هي قراءة في تاريخ األفكار، ومن خاللها نستقي تـصـورات جديدة ومختلفة عن هذا الكون، عن هؤالء البشر الذين سبقونا إلى هذا الوجود، لكي نسافر في رحلة مثيرة عبر تلك الحقب الفلسفية الكبرى، بــدءًا من السؤال الوجودي األول الذي طرحه اإلنسان مسائال املجرات والنجوم، حتى هذه اللحظة الراهنة في عصر العلوم والتقنية. لقد قــدم لنا «لــوك فــيــري» فــي كتابه املمتع «أجـــمـــل قــصــة فـــي تـــاريـــخ الــفــلــســفــة» نبذة بسيطة ومختصرة، عن تلك الحقب الفلسفية الكبرى التي شهدتها البشرية.. مستعرضًا بــإيــجــاز ذكــــي تــلــك األفـــكـــار واملـــقـــوالت التي أسهمت في تأسيس كل حقبة من الحقب. فـفـي تـلـك الــعــصــور املــوغــلــة فــي الــقــدم كتب هــزيــود قـصـة نـشـأة الــرمــوز، وانـبـثـاقـهـا من الـــفـــوضـــى «كـــــــــاوس»، فــكــانــت «جــــايــــا» هي األرض، و«أورانــــــــــــوس» هـــو الـــســـمـــاء، ومن مظاهر هذا الكون، تبدأ امللحمة األسطورية التي تكشف بذكاء، عن تلك املخيلة اإلبداعية الـــتـــي يــتــمــتــع بــهــا اإلنـــــســـــان، ويــــحــــاول من خــاللـهـا أن يـفـهـم الــعــالــم، حـتـى جـــاءت تلك اللحظة التي دفعته لتطوير أساليب جديدة لــكــي يــفــهــم، فــابــتــكــر املــنــطــق، واحــتــكــم إلى العقل.. كما فعل أرسطو وأصدقاؤه. وألن تــاريــخ الفلسفة كـمـا يــرى لــوك فيري، أشـبـه مــا يـكـون بـتـاريـخ الـفـنـون، تتمتع كل حقبة مــن هــذه الـحـقـب بسماتها الخاصة، وخـصـائـصـهـا املــمــيــزة.. فبعد بـــزوغ شمس الـــديـــانـــات الــتــوحــيــديــة الـــتـــي قـــدمـــت رؤية جـــديـــدة ومــخــتــلــفــة لـــهـــذا الـــعـــالـــم، وأصبح ينظر لإلنسان باعتباره فردًا بدال من كونه قطعة منسية في نظام كوني كبير كما ترى الفلسفة اليونانية. وانطالقًا من هذه النقطة دشن عهد اإلنسانيوية األول الذي ينظر فيه إلى اإلنسان فردا مستقال يبحث عن خالصه، ملتمسًا سبال آخرى مختلفة. ومـن هنا، انطلق اإلنسان في سعيه للتقدم مــتــحــررًا مـــن كـــل األغــــــالل والـــقـــيـــود، فطور الــعــلــوم والــتــقــنــيــات، وحــقــق نــجــاحــًا باهرًا ســــرعــــان مــــا نـــكـــص عـــلـــى عــقــبــيــه، فـــهـــو من ناحية، قد استطاع السيطرة على الطبيعة لتسخيرها في خدمته، واستطاع من خالل العلم أن يخترع األسلحة والقنابل الذرية.