Okaz

وجدتها..وجدتها!

- mohammed@dr-mufti.com محمد حسن مفتي

وجدتها وجدتها.. كلمات انطلقت من عالم الفيزياء أرخميدس فرحًا عندما اختمر ذهنه عن حل ملعضلة فيزيائية شغلته كثيرًا واستحوذت على جل تفكيره، الصيحة التي أطلقها هذا العالم أعلنت تدشني حقبة جديدة في عالم ميكانيكا املوائع وأضحت أشهر صيحة في التاريخ، ربما كانت املعضلة التي واجهها أرخميدس وأرقته قبل ثاثة آالف سنة قبل املياد أقل تعقيدًا بكثير من ثاث معضات استحوذت على تفكيري خال األسابيع املاضية، معضات أرقتني في اآلونة األخيرة أخذت أقلب كل منها في رأسي مفكرًا في حل مقنع لها، استغرقت كثيرًا فـي التفكير حتى توصلت فـجـأة لحلول لكل مشكلة منهم فهتفت بـــدوري: وجدتها.. وجدتها! املعضلة األولى هي تسابق – بل وتفنن - بعض الـوزارات في استحداث الرسوم نتيجة بعض الضمور في ميزانيتها بسبب الوضع االقتصادي الحالي، وال شك أن الوضع االقـتـصـا­دي الحالي الــذي يمر بـه العالم – وليس اململكة فقط - يؤرقنا جميعًا، وهو ما دفع الكثير من الـوزارات إما إلى استحداث رسوم جديدة أو إلى زيادة أسعار بعض الرسوم الحالية تحت ستار االتجاه نحو الخصخصة، هذه الـرسـوم ألقت عبئًا ماليًا مـتـزايـدًا على كاهل املواطن مع االرتفاع الجنوني لألسعار وخاصة أسعار السلع االستهاكية، لكن مـا أثــار حفيظتي هـو سعي بعض الــوزراء - وخاصة ما ملسناه في برنامج «الثامنة مع داوود» – إلقــنــاع الـجـمـهـو­ر بــأن هــذه الــرســوم وكذلك إلغاء البدالت ال تؤثر كثيرًا على املواطنني. ربما تناسى مقدم البرنامج والسادة الوزراء املشاركون فــي الـحـلـقـة أن هــنــاك شـريـحـة فــي أي مجتمع تسمى «شريحة ذوي الدخل املحدود»، فهناك الكثير من الكتاب في الصحف السعودية – الذين هم أقرب لنبض الشارع من الذين شاركوا في برنامج الثامنة - نقلوا وبصدق معاناة املواطنني وعلى األخص ذوي شرائح الدخل املنخفض منهم، احترت كثيرًا في التناقض بني تصريحات الوزراء وبني الواقع، وأحسست أن هناك فجوة حقيقية ال يعلم غياهبها السادة املشاركون في البرنامج، من املؤكد أن هناك فجوة، فهم ال يقيمون في مساكن مستأجرة، كما أن كلمة قرض غير متواجدة في قواميسهم االقتصادية. وقد قرأت قبل أسابيع عن دراسة منشورة تبحث في العاقة بني الشعور باألمان الوظيفي واإلصابة بــمــرض الــســكــ­ري، أوضــحــت أن مــن يـشـعـرون بالقلق الـوظـيـفـ­ي تـــزداد نسبة إصابتهم باملرض القاتل بنسبة %19 عن هؤالء املتمتعني باألمان الوظيفي، ومن املؤكد بداهة أن زيـادة األعباء املالية وثقل الديون أيضًا لها عاقة مطردة بمرض السكري، ولحل هذه املشكلة بـدرت لذهني فكرة؛ وهـي قبل أن تبادر الــوزارات بفرض رسـوم جديدة، عليها إجراء دراسة فورية مشابهة للدراسة املذكورة، فنحن لسنا بحاجة - ونحن بصدد حل مشكلة اقتصادية - أن نتسبب في مشكلة صحية أو «اجتماعية» تكون تكلفتها أعلى بكثير مما قمنا بتوفيره. املشكلة الثانية التي شغلت حيزًا كبيرًا من تفكيري هى مشكلة رفع كفاء ة اإلنجاز للمرافق الحكومية وتحسني مستوى الخدمة للمستفيدين من الوزارات، فعلى سبيل املثال تفتق ذهن املسؤولني في إحدى األمانات الذين أعياهم البحث في كتب اإلدارة عن أفضل الطرق لرفع وتحسني مستوى الخدمة، تفتق ذهنهم عن فكرة جديدة أملعية سيسطرها التاريخ في كتب اإلبداع وبراءة االختراعات، تقضي بتطبيق البصمة خمس مرات يوميًا خال ساعات العمل الرسمية، ملتابعة التزام املوظفني بعدد ساعات العمل وزيادة االنضباط وتحقيق العدالة الوظيفية والكشف عن جوانب القصور في أداء املوظفني باألمانة. وبصرف النظر عن تكدس املوظفني خمس مـرات يوميًا في طوابير البصمة إلثبات وجــودهــم فــي مـكـان عملهم، وسـيـف الـخـصـم مــن الــراتــب معلق فــوق رقــابــهـ­ـم، ومدى تناقض هذا األمر مع رفع الكفاء ة واإلنجاز وزيادة اإلنتاجية الوظيفية، لكون املوظف مشتت االنـتـبـا­ه ضعيف التركيز ال يــدري هـل يقوم بعمله أم يثبت وجـــوده؟ وجدت فكرة ممتازة ومفيدة أكثر من تلك التي توصل لها مسؤولو األمانة، وهى أن تتعاقد األمانة مع إحدى شركات األمن والحراسة، وعند الثامنة من كل يوم – وبعد االنتهاء من طابور الصباح - تقوم الشركة بإغاق جميع مداخل ومخارج األمانة وتمنع خروج أي مـوظـف، وإذا واجـهـت األمــانــ­ة أي قـصـور مـالـي ال يمكنها من التعاقد مع شركات الحراسة هناك طريقة أوفر ماال، وهى أن تضع األمانة على مكتب كل موظف جهازًا للبصمة، ومـع كل رشفة شـاي يبصم املوظف ليثبت وجــوده فـي مكان عمله، هــذا إن لـم يتم حظر شــرب الــشــاي والــقــهـ­ـوة مـعـًا مــن أجــل رفــع اإلنتاجية وزيادة الكفاء ة!! أما املشكلة الثالثة التي أرقتني وطرحت نفسها على الـسـاحـة أيـضـًا مــؤخــرًا هــي قضية اإلعــانــ­ات الـتـي تقدمها اململكة لبعض الـــدول، فلقد اعـتـادت اململكة دفـع إعـانـات على شكل منح وقــروض ومساعدات وودائــع لبعض دول املنطقة ملساعدة شعوبها، وبطبيعة الحال فـإن هـذه املساعدات ليست ملزمة للمملكة وال تضطر لدفعها إال عن طيب خاطر، واألهم أنها ال تدفعها إال عندما تكون ظروفها االقتصادية مواتية وتسمح بتحمل أعباء خارجية، غير أن بعض الــدول التي تتلقى هذه املساعدات ال تنظر لألمر من نفس الزواية، فهى ربما تعتبرها بمثابة «إتـاوة» أو حق مكتسب، وعندما ال تتسلمها نفاجأ بمجموعة من األبواق الصحفية التي تكيل لنا الشتائم بطريقة مسعورة ال تراعي فيها مبدأ وال عرفا، وال تحترم تاريخًا وال حاضرًا بل حتى ال تنظر من خالها للمستقبل، وفي واقع األمر فكرت كثيرًا في موقف هذه الدول والحكومات وتساء لت عن مبرر غضبها بهذه الصورة وكيفية اعتبارها هذه املنح حقًا مكفوال لها واقعًا وعرفًا، ووجدت حا يمكن أن يسهم في حل األزمة ويهدئ بعض الشيء من فورة غضبهم، وهو أن نعطي لهم وكالة تمكنهم من بيع بترولنا وأخذ حصتهم، ثم يتركون لنا الباقي مما يفيض منهم، عله يسد احتياجاتنا، وبهذا نكون قد حللنا ثاث معضات نتميز بها عن العالم أرخميدس!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia