صفعة في الهواء!
على كـل املستويات العربية، الرسمية وغير الرسمية. وكما يبدو لـلـمـراقـبـني، فـــإن اإلعــــام الــعــربــي، هــو اآلن أقـــل اهـتـمـامـًا وانشغاال بــ «الصراع العربي - اإلسرائيلي»، وبما تفعله إسرائيل من محاوالت تهويد كل فلسطني. ووصل عدم االهتمام، وقلة االكتراث، إلى أكثر املعنيني باألمر، وهم الفلسطينيون، ضحايا هذا العدوان املباشرون. إنه اليأس، واإلحباط. إضافة النشغال معظم العرب اآلن بأنفسهم، وبما يجري فـي ديــارهــم، ومــن حولهم مـن أحــداث جلل، وتطورات تدفع للتشاؤم، وليس األمــل. فهذه األحــداث املتاحقة واملتسارعة تمس حياتهم مباشرة، وتهدد أمنهم، بل وبقاء هم. **** وفـــى ظــل هـــذا االرتـــيـــاح والــحــبــور الـصـهـيـونـي املــســعــور، صعقت إسرائيل، في العام املـاضـي، وخاصة في نهايته، بصفعات كبيرة ثــاث... آملت الكيان الغاصب، وسـرت ضحاياه وأعــداءه، وأفرحتهم قـلـيــا. ولـضـيـق الـحـيـز املــتــاح لـلـمـقـال، ســـوف نـخـصـص مــقــال هذا األســبــوع لــذكــر مــا نعتبره «الـصـفـعـة األولــــى» إلســرائــيــل فــي العام .م2016 وفــــى املـــقـــال الـــقـــادم نــتــطــرق - بــاخــتــصــار – للصفعتني األخريني. فبتاريخ 18 / 10 / ،م2016 تبنت منظمة األمم املتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قـرارا ينفي وجـود ارتباط ديني لليهود باملسجد األقصى وحائط البراق وتلة باب املغاربة، واعـــتـــبـــارهـــا حـــقـــا لــلــمــســلــمــني، وتراثا إســـامـــيـــا خـــالـــصـــا، ومـــكـــانـــا مخصصا لـــعـــبـــادتـــهـــم. وطــــالــــب الـــــقـــــرار إسرائيل بــالــعــودة إلـــى الــوضــع الــتــاريــخــي الذى كان قائما حتى سبتمبر ،م2000 عندما كانت دائـرة األوقــاف اإلسامية األردنية هي السلطة املشرفة على املسجد األقصى وتلة املغاربة. وتشير إسرائيل لكل هذه املــنــطــقــة بــــ «جــبــل الــهــيــكــل». وبالطبع، غضبت إسرائيل من هذا القرار، وسخرت – كالعادة – من مضمونه، وتعهدت بتجاهله. ويعتبر اليهود حائط الـبـراق (املبكى عندهم) الـواقـع أسفل باحة األقصى آخـر بقايا املعبد اليهودي (الهيكل) الــذى دمــره الرومان. وأكد القرار، في أحد بنوده، على الوضع القانوني للقدس الشرقية، معتبرا إياها مدينة محتلة، بموجب قرارات األمم املتحدة املتعلقة بفلسطني. وتكاد هـذه الصفعة، وغيرها، تذهب هـــدرا... في الـهـواء. وتمضي إســرائــيــل فــي غــيــهــا... غــيــر مـكـتـرثـة بــاســتــيــاء الــعــالــم مــن عدوانها واحـتـالـهـا، طـاملـا ال تستخدم اآللــيــة الـدولـيـة الحاسمة والحازمة لتنفيذ القرارات الدولية الصادرة بحق إسرائيل، وطاملا أن العرب هم اآلن أضعف من أن يضغطوا على املعنيني، لنيل حقوقهم املشروعة. كـان العرب قبل عقود يتأففون من وضعهم السياسي الـــعـــربـــي الــــعــــام، ويــتــضــجــرون مـــن تــــدهــــوره وسوئه، ويحذرون من تداعياته ونتائجه املستقبلية. ولكن أكثر املراقبني املشفقني تشاؤما لم يتوقع أن يصل حال األمـة العربية – بصفة عامة – إلى حالها وما وصلت إليه اليوم... الحال الذى يسير، في واقع األمر، من سيئ ألسوأ. انتشر االضطراب، وسادت القاقل، وعــم عــدم األمــن واالسـتـقـرار فـي كثير مـن الـربـوع العربية. وأخذت هـــذه األرجـــــاء تـشـهـد سـفـك بـعـض الــعــرب دمـــاء بـعـضـهـم، وانتشار القتل والتدمير، والتشرد واملجاعات وهتك األعراض. وبدل أن تهيأ اإلمكانات العربية لرعاية اإلنسان العربي وحماية حقوقه املشروعة، أصبحت تسخر لقتله، وتدمير بــاده، أو تشريده منها على األقل. لقد فتحت أبواب الفتنة والجحيم على مصراعيها، ودخل كثير من العرب – عنوة – في نفق مظلم ودام، ال يرى له نهاية.
وبــالــطــبــع، فـــإن إســرائــيــل، عـــدو األمـــة األول، تــرقــص فــرحــا وطربا مما يجري على الساحة العربية اآلن. وقــد لخص أحــد املسؤولني اإلسرائيليني موقف الصهاينة تجاه ما يجري بقوله: «على إسرائيل أن تنتشي، ألن العرب اليوم يقتلون بعضهم بعضا، ودون أن نقوم نحن بذلك»...؟! ولقد كان إلسرائيل - وما زال - نصيب كبير في تفجير أغلب األحداث املــــأســــاويــــة الـــعـــربـــيـــة، وفـــــي هــــز الكيان العربي، وإشـعـال االضــطــراب والفوضى فــي كـثـيـر مــن ديــــار الـــعـــرب. صــحــيــح، أن هناك «أسبابا» أخرى ملا املنطقة العربية فيه من فوضى واضطراب وعدم استقرار، وغياب لألمن الحقيقي. إذ اقتربت األمة مـن حافة االنهيار نتيجة أسـبـاب، يأتي في مقدمتها: ما يسود في أكثر بادها من: استبداد، وطائفية مقيتة، ومذهبية مدمرة، وســوء فهم لدينهم اإلسـامـي، وتفسير ألحكامه على نحو غير صحيح (اإلسـامـويـة). إضافة إلـى دور إيــران والقوى الدولية املتنفذة، وأطماعها باملنطقة. وتظل إسرائيل، بما توفر لها من إمكانات استخباراتية وسياسية وعسكرية هائلة، ودعم دولي مطلق، هي الطرف الرئيس املتربص، الذي يعمل ليل نهار لإلضرار بهذه األمة، واستغال ما في املنطقة من تناقضات لضرب أمن واستقرار الباد العربية. أضحت إسرائيل تعمل لتفاقم مـن علل األمــة، وتصب الـزيـت على نيرانها. ثـم تقف فـرحـة شـامـتـة فــي مــا يــجــري، ورادة سببه إلــى «همجية ووحشية العرب» – كما يقول إعام الصهاينة. **** ومما يسهل من مهمة إسرائيل التخريبية أن «االهتمام» العربي بــالــعــدوان الـصـهـيـونـي عــلــى األمــــة الــعــربــيــة أمــســى أقـــل كــثــيــرًا من السابق، ومما يجب. وتكاد األنظار والبصائر تصرف عنه. إذ بلغ اآلن )م2017( أدنــى درجـاتـه منذ قيام دولــة إسرائيل عـام ،م1948 على حساب شعب بأكمله، وضد أمة ممتدة. لقد تقلص هذا االهتمام