اخلطاب «الشعبوي» في مواجهة «النخبة»
أشــرت فـي مقالي يــوم أمــس إلــى أن ضحالة خطاب التطرف هي سر قوته وقدرته على التأثير ووصوله إلى شريحة أكبر من الناس، وهذه هي سمة الخطاب «الشعبوي» الذي يقف موقف النقيض من خطابات «النخبة» التي يحول عمقها دون ذيوعها وشيوعها، كما أن هذا العمق يحد من قدرتها على التأثير. وتتصل بتلك املسألة مسألة أخرى تتمثل في أن تلك «الـضـحـالـة» الـتـي يتسم بها الـخـطـاب «الشعبوي» تمكن الكثيرين من استخدامه وتسهل لهم الوصول إلـــى مـــراكـــز مــتــقــدمــة فـــي قـــيـــادة الـــــرأي الـــعـــام، وهو مـا يمنح هــذا الخطاب قــوة مضافة فهو قــادر على الـوصـول إلــى شريحة أكبر مـن الـنـاس عبر شريحة أكـــبـــر مــــن املــســتــخــدمــن لـــــه، ولــــذلــــك فـــــإن الخطاب الـشـعـبـوي ال يشكل إزاحـــة لـخـطـاب النخبة فحسب بـل تهميشا للنخبة نفسها، ولــو أنـنـا استعدنا ما كـان يحدث خـال فترة ما تمت تسميته بالصحوة لرأينا هذا األمر جليا، ولو أننا وقفنا على ما تبقى من ذيـول تلك الصحوة لرأينا كيف يتسم كثير من رموزها بضحالة في التفكير ولـم يحل ذلـك بينهم وبن أن تكون لهم أسماء المعة وتأثير على مجتمع تعود أن يتقبل منهم مـا يقولون دون عرضه على العقل أو تحكيم املنطق في النظر إليه. ومن خصائص الخطاب الشعبوي أنه يقول للناس فـي ظـاهـره مـا يــريــدون أن يسمعوه منه مستدرجا لــهــم إلــــى مـــا يــضــمــره مـــن مــفــاهــيــم ورؤى وبرامج وخطط ال تنجلي إال بعد أن يكون قد أحكم قبضته على الـنـاس وأصبحت مراجعته، فضا عـن نقضه أمرا ليس بالسهل. واملـــســـألـــة ال تــتــوقــف عــنــد تــجــربــتــنــا مـــع الصحوة باعتبارها أنموذجا الستثمار الخطاب «الشعبوي»، ذلك أن اتجاهات السياسات العاملية بدأت تنحو هذا النحو وأصبح استخدام الخطاب الشعبوي وسيلة لكسب أصـــوات الـنـاخـبـن فــي صـــراع األحــــزاب على مراكز السلطة في بادهم، ولعل خير أنموذج لذلك الحمات الدعائية التي مكنت ترمب مـن الوصول إلـــــى الــــرئــــاســــة األمـــريـــكـــيـــة وهـــــي حـــمـــات اتسمت بالضحالة ولكنها تمكنت من هزيمة خطاب النخبة األكثر عمقا الذي كانت تتبناه كلينتون في حملتها االنتخابية.