Okaz

البعد االستثماري في أي رؤية اقتصادية

-

ال شك بـأن أي رؤيـة اقتصادية وطنية أو حتى خاصة تقوم على حسابات اقتصادية دقيقة لتوزيع الدخل بني االستهاك واالدخـار الازم لاستثمار. وإنفاق الدخل بنسب مـحـددة بـني االسـتـهـا­ك واالدخـــا­ر يخضع ملتغيرات وثـوابـت بيئية واجتماعية تؤثر بدورها في تعزيز االستهاك أو االدخــار، وهو ما يعرف اقتصاديا بامليل الحدي لاستهاك وامليل الحدي لادخار. فنجد على سبيل املثال بعض الدول تميل إلنفاق مجمل دخلها لاستهاك وبعضها توزع بعضه أو جله بنسب متفاوتة بني االستهاك واالدخار ما لم يكن لديها عجز فتضطر للسحب من االحتياط إن كـان هناك احتياط أو لاستدانة. فلو وجدنا دولــة تميل إلنفاق %80 من كل ريال لاستهاك وال تـدخـر ســوى %20 فـقـط، فـي حـني أن دولــة أخــرى تنفق %60 وتدخر %40 يمكن أن نقول بأن الدولة الثانية لديها ميل أكبر من األولى لادخار. ولكن، هل امليل األكبر لادخار خير من امليل األقــل؟ اإلجابة على هذا التساؤل تحكمها عدة اعتبارات وقيود وال يمكن اإلجابة عليه بشكل مـبـاشـر. فـبـخـاف مــا يـتـصـوره كــثــيــر­ون، فــإن أي إنــفــاق اسـتـهـاكـ­ي أو استثماري، وطني أو أهلي، ال يقتصر على قيمته األساسية بل يتضاعف لعدد من املرات بفعل ما نعرفه اقتصاديا بمسمى (مضاعف االستثمار أو االستهاك) ومضاعف االستثمار هو «معدل التغير في الدخل نتيجة للتغير في االستثمار». ولتوضيح ذلــك، لنفترض أن مؤسسة أعـمـال قــررت االسـتـثـم­ـار فـي بـنـاء بــرج فـي كـا البلدين أعاه بنفس املبلغ، ولنفترض أنه )100( مليون ريال لكل برج. فسيصل اإلنفاق )100( مليون في النهاية ملجموعة من الناس في القطاع العائلي كدخل ملن أسهموا في إنشاء البرج من عمال ومــاك أراض وبـاعـة مــواد ومـــزودي خــدمــات.. إلــخ. ولكن عند إنـفـاق هــذه املجموعة األولــى للمبلغ سيتم توزيعه بحسب امليل لاستهاك وامليل لاستثمار، وهذا يعني أن %80 منه )80( مليونا سيذهب في الدولة األولى لاستهاك، %20و منه )20( مليونا سيبقى مدخرا في حسابات املنفقني. ما يعني أن اإلنفاق االسـتـهـا­كـي للمجموعة الثانية الـتـي تتلقى اإلنــفــا­ق سيكون )80( مليونا فـقـط، وحــني ينفقونها يخصصون هــم بــدورهــم %80 منه )64( مليونا لاستهاك ويـبـقـون فــي حساباتهم )16( مليونا كمدخرات. وتقوم املجموعة الثالثة التي استلمت )64( مليونا بإنفاقها بنفس النسب. وهكذا حتى تصبح اإلضافة من االستثمار األساسي لإلنفاق صفرا. وبحساب اإلضافات التي نتجت عن االستثمار األساسي بموجب معادلة (مضاعف االستثمار) نجد أنه تضاعف )5( مرات بحسب املعطيات في هذه الحالة. بمعنى أن استثمار )100( مليون سيؤدي لزيادة الدخل بمقدار )500( مليون ريال. أمــا بالنسبة لـلـدولـة الثانية الـتـي يـزيـد فيها املـيـل لــادخــار، فنفس التسلسل ينطبق إال أن الدخل سيتضاعف )2.5( مــرة فقط، بمعنى أن استثمار )100( مليون ريــال سـيـؤدي لـزيـادة دخــل القطاع العائلي في الدولة الثانية بمقدار )250( مليون ريال فقط. ويحدث ذلك ألن الناس يحتفظون بنسبة أكبر من دخولهم كمدخرات وينفقون الباقي الذي يتناقص تأثيره بشكل كبير في كل مرة إنفاق، ما يعني أن «امليل األعلى لادخار ليس مفيدًا وال إيجابيا ما لم تستثمر املدخرات أو الجانب األكبر منها في االقتصاد مرة أخرى ألنه يعتبر تسربا من دورة الدخل واالستثمار الوطني املولد ملزيد من الدخل»،

‪ََ َُ‬ َُ وهذا ما عبرت عنه اآلية الكريمة أيما تعبير في قوله تعالى: «والذين يكنزون ‪َُ َََ َْ ََّْ‬

‪َْ َْ ََ ََ‬ الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم )34( يوم ‪َِّ َِ‬ ‪َُِّ َُ ُِ‬

‪ٍُ ُِ‬ ‪ُْ َُ‬ يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما

ُِ كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون »)35( سورة التوبة. وبهذا نجد أن «االدخار ليس مرادفا لاستثمار»، بل إن «القرار االستثماري مستقل تماما وتحكمه اعتبارات متعددة أيـضـا»، أمـا املـدخـرات فيمكن أن تبقى مكتنزة أو تأكلها الزكاة أو الضرائب أو تتسرب للخارج. وهنا تكمن خطورة القرار االستثماري. فحتى ال تبقى املدخرات مكتنزة أو تتسرب إلى اقتصاد أجنبي، ال بد أوال من توفير البيئة االستثماري­ة الصديقة والجاذبة لاستثمار. وأقصد بذلك توافر أو توفير البيئة التشريعية والقضائية والتنظيمية واالجتماعي­ة والخدماتية، ناهيك عن البيئة السياسية واألمنية املستقرة. وتبقى املهمة األصعب والتي تتمثل في ضـرورة إعـداد الخطة التنفيذية لنقل الرؤية للواقع والتي يجب أن تراعي مجموعة معقدة من االعتبارات في اختيار املشاريع والبرامج االستثماري­ة التي تحتاج لخريطة اجتماعية تضمن تـوزيـع التنمية والـدخـل بـني كافة الشرائح الدخلية، ومناطقية تضمن توزيع التنمية على النطاق الجغرافي كاما، وفنية تضمن التركيز على الصناعات ذات الدفع األمامي والخلفي القوي، وإحاليه، تضمن اختيار الصناعات التي يمكن أن تحل منتجاتها محل الواردات من حيث الكمية والسعر بحسب تقديرات الطلب املحلي، وإبداعية تضمن تحويل االبتكارات إلى صناعات منافسة يمكن تسويقها محليا وعامليا. للتواصل أرسل sms إلى 88548 االتصاالت 636250، موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة

 ??  ??
 ??  ?? alitawati@ a.tawati@ubt.edu.sa د. علي بن حسن التواتي
alitawati@ a.tawati@ubt.edu.sa د. علي بن حسن التواتي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia