Okaz

الثنائية التي خنقت تفكيرنا

-

ماذا نعني بالثنائية؟ هي قولبة اآلخر ووضعه في قالب هو لم يختره وإنما أنت اخترته له، وذلك ليسهل عليك الهجوم عليه وإقصاؤه. وعلى مبدأ «إن لم تكن معي فأنت ضدي» وال ترضى برأي ثالث أو رابع. وهي الحدية بني رأيني. فـالـثـنـا­ئـيـة هــي نـمـط فــكــري عـلـى املــســتـ­ـوى الــفــردي واملـجـتـم­ـعـي، فــا تـــرى إال الشيء ونقيضه، وانتماؤك الفكري هو من يحدد نظرتك لآلخر، لهذا فالثنائية مقيدة للفكر وتخنقه، فأنت إما «مع أو ضد» ال خيار ثالثا لك وال ترى من األلــوان سوى األبيض أو األسود. وتنكر بقية األلوان وال تسمح بتلون الحياة ولهذا الثنائية تجعلك ترتهن للبعد الواحد في التفكير وهذا البعد بالضرورة سيستدعي كل أساليب نبذ النقيض املخالف له. كما أن الثنائية سبيل للفكر املطلق فهو على صـواب و«مخالفه» على خطأ، وهـذا ال يتفق مـع التعددية الفكرية وال يتيح مكانا للتعددية الفكرية. وينحصر فكره بني النقيضني الفكريني املطلقني، لهذا تراه يصبغ الجمال لوالئه والقبح الكامل لخصمه، كذلك التقدم مقابل التخلف، والكمال مقابل النقص، والخير مقابل الشر والفضيلة مقابل الرذيلة. والوطنية مقابل الخيانة واإليمان مقابل الكفر ووضع اآلخر في قالب جامد وبناء آراء مسبقة عنه ال تقود ال لحوار وال إلـى إثــراء فكري معرفي مجتمعي يرقى بمجتمعنا ويصحح مساره. والثنائية تتعدى مرحلة الوالء إلى مرحلة االستقطاب وعداء اآلخر. وال يمكن أن نسمي ما يجري حوارا يقودنا إلى نتيجة إيجابية بل على العكس هي في الحقيقة معول هدم للحمتنا الوطنية. وهي مع األسف مسيطرة علينا في كل مناحي الحياة وليس فقط في الفكر، فقد ترى الثنائية جلية في امليول الرياضية، فهل باإلمكان اإلقرار بأحقية الفريق الخصم في الفوز وأن أداء ه كان األفضل ولهذا استحق الفوز بجدارة. ولهذا تجدنا نختلق األعذار لهزيمة فريقنا وننكر أخطاء ه. والـطـريـف كـذلـك حتى فـي االقـتـصـا­د تجد ثنائية، فــإن صعد ســوق الـعـقـار ال بـد وأن ينخفض سوق األسهم والعكس صحيح. ال يمكن أن نبني حـــوارا هـادفـا مـا لـم ننفتح على األفــكــا­ر املتنوعة ألن التنوع سمة املجتمعات املتحضرة وتزيد من رقيها، ونبتعد إلى الثنائية والتي دائما ما تقودنا إلى حالة االستقطاب والتي بدورها تقوم بإقصاء اآلخر واستحالة فهمه. لــهــذا نــاحــظ مــؤخــرا طـغـت عـلـى لـغـة حــوارنــا الـتـصـنـي­ـفـات األيــدلــ­وجــيــة فــي تعريف اآلخر، فتجد ليبراليا، فاحشيا، داعشيا، رافضيا، تغريبيا، وهابيا، إخوانيا، جاميا، علمانيا. وقد تكون محظوظا إن لم يتم تصنيفك بعد بأحد هذه املسميات. ولهذا انشغلنا بالتصنيف وافتقدنا جمال االختاف وتعدد اآلراء والذي بدوره يقودنا فردا وجماعة إلى مرحلة الوعي وقبول اآلخر رغم اختافنا معه في الرأي والرؤية.

تغريدة:

أنت محظوظ إذا لم يتم تصنيفك بعد: ليبراليا، داعشيا، رافضيا، تغريبيا، وهابيا، إخوانيا، جاميا، علمانيا.

 ?? Kwabel@outlook.com ?? خالد الوابل
Kwabel@outlook.com خالد الوابل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia