احلقيقة بني العاطفة والعقل
دائما ما تكون مخاطبة العاطفة ودغدغة املشاعر أسرع تـأثـيـرًا فـي تشكيل قـنـاعـات الـنـاس وتـوجـيـه الـــرأي العام، رغم أن تلك القناعات غالبًا ما تـزول بنفس السرعة التي تشكلت بها، ألنها تتنافى مع العقل واملنطق، لذلك تسعى شركات اإلعان ملخاطبة العواطف عند تسويق املنتجات والخدمات، وكثيرًا ما تنتشر هذه املنتجات رغم رداءتها وذلـــــك بــســبــب الــهــالــة اإلعـــامـــيـــة الـــتـــي تـــصـــورهـــا بشكل جـذاب، وكذلك الحال بالنسبة للساسة فنجدهم يسوقون بــرامــجــهــم االنــتــخــابــيــة عــبــر دغــدغــة عــواطــف الجماهير والـــوعـــود املــعـســولــة بتلبية رغــبــاتــهــم وتــجــد الجماهير تتسابق لترشيحهم، والهتاف لهم رغم يقني الغالبية بعدم مصداقية هذه الوعود ولكنها العاطفة عندما تطغى على العقل، كما أن أصحاب األفكار الضالة ال يروجون أفكارهم إال من خال دغدغة العواطف واستغال املآسي. وهــــذا مـــا حــــدا بــبــعــض الــكــتــاب والــبــاحــثــني عـــن الشهرة الستغال كل قرار أو حدث من أجل ركوب موجة أصوات الــجــمــاهــيــر لــلــوصــول لــلــشــهــرة وكــســب املــتــابــعــني، فنجد الصحف تمتلئ باملقاالت التي يرغب املتابعون قراءتها وليس املقاالت التي يجب أن يقرأوها والتي تشرح الواقع بالعقل واملنطق، كما نجد اللقاء ات التلفزيونية مجرد كام إنشائي خال من الحقائق والتحليات املنطقية، وليست وسائل التواصل االجتماعي بأفضل حاال من غيرها، بل إنها أصبحت بيئة خصبة للراغبني في التاعب بعواطف اآلخرين. وســـأضـــرب مــثـــا بــمــوضــوع رؤيـــــة املــمــلــكــة 0٣02، فإذا استثنينا املطبلني الذين يمجدون ملجرد التمجيد أو من أجـل تحقيق مصالحهم الشخصية فـإن أكثر املعترضني واملنتقدين لهذه الرؤية تجدهم استغلوا تذمر البعض من إلغاء البدالت وزيادة أسعار بعض الخدمات، وسبحوا مع تيار املتشائمني، وانتقدوها بأسلوب عامي يفتقد ألبسط أدوات الـنـقـد الـعـلـمـي، املـبـنـي عـلـى الــخــبــرة االقتصادية واالجتماعية، مع أنه من املفترض بهم أن يفندوها بشكل علمي وفق القواعد التحليلية، حسب ما تقتضيه األمانة العلمية والعملية، لذلك تجد الكثير من الهاشتاقات التي تعلن بأن فانا من الناس يمثلني وعند الرجوع لكامه تجده كاما عاطفيا ال يغني وال يسمن من جــوع، وعلى العكس تجد بـأن من يتحدث بصوت العقل غير مرغوب ومحارب، وحتى ال أكـون من املطبلني وال من املتشائمني فأنا من املتفائلني بنجاح الرؤية، وذلك لحسن ظني بالله أوال، ولثقتي باملسؤول األول عنها ثانيًا، وأخيرًا لقناعتي التامة بـأن املجتمع يحتاج إلـى هـزة اقتصادية يواكبها تطوير لسياسة التعليم لتعيد صياغة ثقافته وتحولها
من ثقافة استهاكية إلى ثقافة إنتاجية.