Okaz

ما بعد املخا!

- مصطفى أحمد النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@gmail.com

لــم تـكـن الـعـمـلـي­ـة الـعـسـكـر­يـة الــتــي قــادهــا الــلــواء هـيـثـم قــاســم بالتعاون والتنسيق مع قـوات التحالف في املخا مفاجأة وكـان إنهاك امليليشيات املتواجدة هناك مسألة وأمرا متوقعا بعد مرحلة طويلة من االستعدادا­ت استمرت ألشهر في متابعة مواقعهم وتدمير مستمر لتحصيناتهم وفرض حصار على ممرات تموينهم، ولكن ما يثير الحيرة هو عدم قدرتهم على توقع حدوث هذه العملية ونتائجها الطبيعية، وظــلــوا ألكـثـر مــن ٩١ شـهـرا يعيشون حـالـة مــن اإلنــكــا­ر والوهم بقدرتهم على الصمود أمام آلة عسكرية أكثر قدرة وتدريبا وعتادا، وجاءت االستعانة بهيثم قـاسـم محفزة لـلـقـوات الـتـي تـولـى قيادتها للسيطرة على املـخـا ليستعيد ألقه العسكري بعد خيانة رفاقه القدامى له وللجيش الجنوبي في حرب صيف ٤٩٩١. لم يكن الحوثيون في كل املعارك التي خاضوها منذ ١٢ سبتمبر ٤١٠٢م قادرين على استيعاب حقيقة محدودية قوتهم وقدراتهم أمام اآللة العسكرية لقوات التحالف تحت ظل حصار شديد وعاشوا حالة من اإلنكار للواقع وحدود إمكاناتهم ولم يتمكنوا من إدارة املناطق التي سقطت بني أيديهم ومارسوا فيها حالة من االستبداد والتعسف والقهر وبعثوا ذكريات عقود قديمة اختلطت فيها الوقائع باملبالغات، واستفزت تصرفاتهم مشاعر الناس في املناطق الشافعية وتعز على وجه الخصوص التي أحس أغلب سكانها انهم قد وقعوا تحت قبضة (احتالل)، رغم اعتراضي على املفردة، ألن أعـدادا من سكان هذه املناطق تحالفت مع الحوثيني ألسباب بعضها مرتبط بانتماء ات مذهبية وساللية وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبعضها اآلخر متعلق بمقاومة محاوالت فرض هيمنة فريق بعينه على الساحة واحتكارها تحت شعار محاربة الحوثيني. اآلن نشأ وضع ميداني جديد وال أدري إن كان الحوثيون قد استوعبوا الحقائق الجديدة والتي تحتم عليهم التوقف ملراجعة ذاتية وإعادة النظر في تصوراتهم بأنهم أصحاب رسالة إلهية وأن لهم حقوقا تاريخية لحكم بلد يدعون ضرورة استرداده ممن يزعمون أنه انتزع منهم في سبتمبر ٢٦٩١، وبالغوا في االعتقاد بإمكانية العودة بعقارب ساعة التاريخ القديم منه والحديث، ويزداد يقيني بأنهم لم يقروا إال فصوال معينة من تاريخ اليمن وال يعلمون كيف تدار العالقات اإلنسانية وال يمتلكون املهارات السياسية الكافية ليتعرفوا على املتغيرات في املحيط القريب وال ما جرى من تغيير جذري في املجتمع خالل الستني عاما املاضية، وتسبب هذا الجهل أو التجاهل واإلنكار في اندفاعهم بغير هدى وتعسفهم في استخدام القوة ضد خصومهم وإقصاء كل معارض أو محتج. أصــبــح كــل أطــــراف الــحــرب األهــلــي­ــة يــفــاخــ­رون بـــــأعــ­داد قــتــالهـ­ـم ومـــا ألــحــقــ­وه مــن دمار بخصومهم وتـحـولـت املـعـركـة الـداخـلـي­ـة إلــى وسيلة عـبـور لــإثــراء وتصفية حسابات سياسية ورغبة في الثأر وصراع على السلطة والنفوذ، ويزداد املشهد قتامة مع كل قطرة دم تراق علـى األرض اليمنية وبارتفاع أعداد اليتامى وتصاعد الكراهية والحقد والرغبة في استعادة الحكم ولو كان الثمن دمار كل الوطن، ورغم ذلك مازال أمام اليمنيني فرصة لوقف املزيد من النزيف والدمار والبدء في التفاهم حول وسائل انتقال إلى حالة من الهدوء النفسي ولو بصورة موقتة تتيح للبسطاء التقاط أنفاسهم ومحاولة العودة إلى حياتهم الطبيعية وسيكون على كثير منهم توقع مواجهة الفواجع التي لم يكتشفها الناس بعد. فضحت الحرب النخب السياسية والحزبية والقيادات الحالية التي تحكمت بمصير هذا الوطن لعقود طويلة، ويشاركها في الجرم من يطالبون بضرورة استمرار الحرب وهم بعيدون عن ساحتها وال يعانون من ويالتها ويكتفون بمتابعة األخبار عبر شاشات التلفزيون ووسائل االتصال الحديثة. برهن كل هؤالء أن الوطن واملواطن آخر همومهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia