العمل.. قصة وعبرة
كلما زاد اإليمان والثقة بالله عز وجل ويقينا في عونه وفضله، تأكد للعبد الصالح أن أمانيه لن تضيع، وأدرك أنــــه ســبــحــانــه أرحــــم مـــن دمــعــة الــعــاجــز وحــيــرتــه، وبأن األشياء العالقة ستسقط والعثرات ستزول، وإذا عرف كل إنسان قدرات نفسه جيدا وتوكل على الله، فلن يطول به األمل واألمد حتى يراه يتحقق تباعا، فمشوار العمر ليس الحاضر فقط، إنما هو ما مضى منه وما هو آت، فلنقرن الــيــوم والــغــد بـالـتـفـاؤل والـعـمـل، ففيهما خـيـر للمواطن واملجتمع والوطن الذي يستحق منا الكثير. قــرأت قصة معروفة للبعض ومـتـداولـة ملـن يبحث عنها على الشبكة العنكبوتية، فيها عبرة لشبابنا، وأقتبس منها ما يفيد بإيجاز، لنصل معا إلى ما ترمي إليه من دروس، وهي تـروي موقفا في حياة ثري أمريكي شهير عاش حتى ثالثينات القرن املاضي. بإيجاز واختصار تقول الرواية املنقولة: إن رجل أعمال غـرق في ديونه ولـم يجد وسيلة للخروج منها، فجلس على كرسي حديقة عامة وهـو في قمة الهم من الديون. وفجأة ظهر له رجل وقال له: «أرى أن هناك ما يزعجك» فحكى له رجل األعمال ما أصابه. رد عليه قائال: «أعتقد أن بإمكاني مساعدتك» ثم سأل الرجل عن اسمه وكتب له «شيكًا» وسلمه له قائال: «خذ هذه النقود وقابلني بعد سنة بهذا املكان لتعيد املبلغ» فاق الرجل من ذهوله، ثم فكر لوهلة وقرر أن يسعى لحفظ شركته من اإلفالس دون أن يلجأ لصرف الشيك الذي اتخذه مصدر أمان وقوة له. وخالل بضعة شهور استطاع أن يسد ديونه، وبدأ يربح من جديد. تلك هي خالصة القصة. الحياة مشوار من الجد والتعب والسعي. قال تعالى (لقد خلقنا اإلنسان في كبد) لكن زاد الحياة الدنيا في صدق اإليــمــان والـعـمـل، والصبر على متاعب العيش وحالوة طلب الــرزق الـحـالل، ولنتذكر أهلنا من اآلبــاء واألجداد، كــم كــانــوا مــن أهــل الــرضــا، وقــبــل ذلــك الـتـوكـل عـلـى الله، والجد والسعي في زمـن غلب عليه شظف العيش، لكنه زمــن مـضـى والــدنــيــا تـغـيـرت واألعــمــال اخـتـلـفـت، وحتى الــشــهــادات الــدراســيــة الــيــوم بعضها قــد ال يــؤكــل عيشا، وبــعــض الــخــريــجــني عــمــلــوا ويــعــمــلــون بـغـيـر مــا درسوا ونالوا من العلم والتخصص، ووجـدوا أنفسهم في عمل آخر كوظيفة أو مشروع صغير واتسع نشاطهم وأصبحوا نـمـاذج للنجاح والـخـبـرة، وهــذا حــال تـجـارب اآلالف في بالدنا، مثلما هو حال وتجارب ماليني البشر في العالم في مجاالت شتى. فـي الحياة أيضا مـن تعثر فـي وظيفة أو مـشـروع، املهم االســـتـــفـــادة مـــن الــتــجــربــة وتــحــويــلــهــا إلـــى قــصــة نجاح، فالحياة ممتدة، والتعثر عند ذوي العزيمة بداية مشوار جديد يحتاط له بالتخطيط والجد واإلخالص واألمانة، ودائما السداد والرزق من الله، ومن منا لم يتعرض لكبوة وربما لكبوات، املهم أن يخرج منها اإلنسان بالتوكل على الله واألخــذ األســبــاب، وكــم مـن ناجحني سـطـروا قصص نــجــاح عظيمة بـعـد عــثــرات، والــتــاريــخ حــافــل بالنماذج الــرائــعــة لـلـمـثـابـرة وإرادة الـتـحـدي لتحقيق اآلمــــال، فال قــنــوط مــع اإليــمــان واألخــــذ بــاألســبــاب، فـالـحـيـاة تتطلب السعي والـعـمـل وجميع املـخـلـوقـات تسعى بجد ونظام وتفان، وكما أن الرضا والسعي في الحياة يجلب البركة، فإن التقوى مفتاح الفالح في كل أمر. اللهم ارزقنا التوكل عليك وافتح لنا أبواب رزقك.