على جدار الذاكرة وعلق اجلرس
لم يكنً رقمًا مستهانًا به عند هواة العد. وال حرفًا مــهــمــال فــي قــوامــيــس مــن يـــرصـــدون نــهــر الكالم. ورغــم أن كل عــودة إلـى األرشـيـف يكتنفها سالٌب مـــا. كـــون هــنــاك مــن يــحــاول اســـتـــدراج الــزمــن إلى خانة النسيان. إال أننا في طريقنا إلى مكة نتذكر جبل النور. واملسجد الحرام. وفائز أبا. أحاول اآلن استعادة اللحظة التي جاء فيها العمالق األسمر إلى الباحة منذ ثالثني عامًا صحبة عــبــدالــعــزيــز مــشــري وآخـــريـــن. لعل حــضــوري املــشــوش حينها لــم يكن لحظة مالئمة لتوثيق الصلة بعراب الترجمات األدبية. أبو يوسف (ابن املسفلة) العالي أدبًا ووعيًا وحسن خلق. ولد في (دحلة الرشد) .1955 وأول مــا طـــرق سـمـعـه أذان الحرم املــكــي لـيـتـعـلـق بــاملــطــاف والحطيم وزمـزم. وينتظم طفال في حلقات تحفيظ القرآن. ويثني الــركــب فــي حلقات العلم الـشـرعـي ليعزز ثقافته الـتـراثـيـة فقهًا وأصــــوال ولـغـة عـربـيـة، ما مكنه من التفوق الحقًا في مدرسة الفالح. أدركته مــبــكــرًا حــرفــة األدب. وعــشــق الــفــن إذ كـــان والده مطربا وعـازف عـود، ورغـب أن يصبح فنانا لكن والده رفض ألنه خاف على مستقبله الدراسي. في جامعة أم القرى أتم تعليمه الجامعي متخصصًا في اللغة اإلنجليزية. ومن خالل املؤسسة العامة للتدريب التقني انطلق معلمًا في كلياتها. وبما أنــه الشغوف بـالـقـراءة. العاشق للكتب. املتشرب روح الــتــنــويــر فــمــن الـطـبـيـعـي أن ال يـسـتـمـر في عمله محاضرًا. بل اتجه للصحافة. التي عرفته مبكرًا كاتبا وصحفيا متعاونا منذ السبعينات املـيـالديـة. تولى رئـاسـة القسم الثقافي فـي مجلة اقــرأ الـتـي فتح مـن خاللها أبـــواب بــالط صاحبة الــجــاللــة لــكــل عــشــاق الـكـلـمـة الــصــادقــة واإلبـــــداع الرصني. انتقل الحقًا إلى صحيفة (عرب نيوز) ثم (سعودي جازيت) ثم جريدة الوطن وترأس فيها قسم الترجمة حتى عام .2001 أسهم طيلة فترة الثمانينات في تقديم العديد من النصوص، منها (ضفة النهر الثالثة) لغوريماس روزا. ونـــصـــوص جـــوزيـــه أياال وأغــــســــتــــو داملـــــــــــار. ونــــقــــل كتاب الروائي الفرنسي (كونديرا) عن فــن الـــروايـــة إلـــى الـلـغـة العربية، ونــــشــــره بــــزاويــــتــــه األسبوعية فـــي صـحـيـفـة الـــبـــالد (مـــن يعلق الجرس). من مزاياه حبه للناس. وحسن ظنه باآلخرين. ولذا كثر أصــــدقــــاؤه، ولـــم تــكــن شـقـتـه تـخـلـو مــن املثفقني واملــخــتــلــفــني مـــعـــه. وفـــــي مـــايـــو 2002 تعرض لجلطة دماغية وهـو يقضي إجـازتـه مع أسرته في القاهرة، ففقد القدرة على الكتابة، وأضعفت قدرته على الكالم، لكنها لم تفقده قدرته املعروفة على املتابعة والبحث واالستقصاء. باألمس أطل أبو يوسف على أحبابه في جمعية الثقافة في الـطـائـف ليلتقي رفـيـق دربـــه قـاسـم حـــداد. وكان كما عهده الجميع أنيقًا وممتلئًا. لم ينقطع عن القراءة ومتابعة الحراك األدبي والثقافي بصفة يومية. وعما قريب يعاود الكتابة ليثري محبيه وقارئيه.