Okaz

إعالم اجلائزة ضعيف ونحن الثقافية! املؤسسات مستقلون عن

طالل الطويرقي في «ليس مهًّما» سعي حثيث إلعادة العالم»

- علي فايع (أبها) @alma3e

مع أننا بحثنا عن (أرشيف) جائزة أبها على موقع الجائزة، لنستدل على العام الذي حصل فيه الشاعر (محمد إبراهيم يعقوب) على جائزة أبها في الشعر، إال أن محاوالتنا باءت بالفشل، لعدم وجــود أرشـيـف للجائزة على املـوقـع، ومـع ذلـك يؤمن أمــني عـام جـائـزة أبها الدكتور حسن الشوكاني بأن الجائزة ما زالت رائدة في جوانب اإلبداع والتميز، وأنه يتعذر علينا مقارنتها بأية جائزة أخرى، مع تقديره لكل الجوائز.. الكثير من املواجهة مع «عكاظ» في هذا الحوار:

• حدثنا أوال عن جائزة أبها؟

•• حينما تتحدث ع ɝɝ ن ج ɝɝ ائ ɝɝ زة أب ɝ ه ɝ ا ف ɝأن ɝ ت تتحدث ع ɝɝ ن عمالق الجوائز املحلية واإلقليمية، فهي األولــى بعمرها الـذي تجاوز 43 عــامــا، واألولــــ­ــى بــانــتــ­شــارهــا الــــذي شــمــل أرجـــــاء الــوطــن بل تـجـاوزه إلــى دول الخليج الـعـربـي، وهــي الــرائــد­ة فـي اشتمالها على عدد كبير من املجاالت التي تجاوزت الـ51 مجاال؛ خصص كل مجال منها لخدمة جانب محدد من جوانب اإلبداع والتميز، وهــي الــرائــد­ة فـي سعيها لربط مجاالتها وفـروعـهـا بما يخدم أهداف خطط التنمية في بالدنا الغالية، ويحقق تطلعات والة األمر في هذا الجانب، وهي الرائدة في الحصول على رعاية والة أمــر هــذه الــبــالد، فقد شـرفـت بحضور قــادة وحـكـام هــذه البالد املباركة للعديد من حفالت تتويج الفائزين بها، وهي الرائدة في إبراز عدد من املبدعني واألعمال اإلبداعية وإظهارها على املستوى املحلي واإلقليمي، وهي الرائدة في إيصال عدد كبير من املبدعني واملتميزين من أبناء هذه البالد إلى جوائز أعلى على املستوى العربي بل وعلى املستوى العاملي.

• مل ɝɝ اذا توقفت الجائزة عند مɝ ج ɝاالت ثابتة لم تتغير خالل سنوات ماضية؟ •• ال ɝɝɝ ج ɝɝɝ ائ ɝɝɝ زة ل ɝɝɝ م ت ɝɝ ت ɝɝ وق ɝɝ ف ع ɝɝɝ ن التجديد

ومــواكــب­ــة الـــتـــط­ـــورات الــتــي تشهدها بـالدنـا الغالية، وهــذا ديدنها فـي كل وقــــــت، ولـــكـــن الــتــطــ­ويــر فــــي مجاالت وفــــــرو­ع الـــجـــا­ئـــزة ال يـــأتـــي جـــزافـــ­ا أو حـــســـب الــــرغــ­ــبــــة، وإنــــمــ­ــا هــــو مرتبط بــآلــيــ­ات وضـــوابــ­ـط مــحــددة ويخضع لــــــدرا­ســــــات واســـــتـ­ــــشـــــ­ارات وخــــطـــ­ـوات مــــحــــ­ددة مــســبــق­ــا، ومـــــن قـــــال بتوقفّ الــجــائـ­ـزة عـــن الــتــطــ­ويــر داللــــة عــلــى أنه غير متابع للجائزة، وما يحدث فيها من تطوير مستمر، هذا جانب. ومن جانب آخر فإن وجود مجاالت ثابتة في الجائزة يعتبر نوعا من التميز للجائزة، وهو من باب املحافظة على شخصية الجائزة التي عرفت بها عند املتعاملني معها، وهــذا فـي حـد ذاتــه منقبة وليست مثلبة، وهـنـاك جوائز عاملية معروفة بمجاالتها الثابتة دون أي تغيير طوال تاريخها ولم تعد تلك منقصة لها. • ما الذي تطور في الجائزة من خالل أمانتك لها عما حدث لها في عهود أمناء سابقني؟ •• الجائزة ال تعمل بفرد واحɝد أبɝدا وإنما هي عبارة عن فرق عمل متكاملة تخدم أهداف الجائزة، وتسعى لتحقيق تطلعات القائمني عليها، واألمانة العامة للجائزة -بعد توحيد األمانات السابقة فـي أمـانـة واحـــدة- تسعى للتنسيق وتوحيد إجراءات الــعــمــ­ل فــي كــل فــــروع الــجــائـ­ـزة، وهـــي حـلـقـة وصـــل مــبــاشــ­ر بني مجلس الـجـائـزة الــذي يـرأسـه سمو أمـيـر منطقة عسير ويضم قامات وطنية معروفة وبني لجان الجائزة، وقد وضح في مواقع الــجــائـ­ـزة اإللــكــت­ــرونــي الـتـطـويـ­ر الـــذي حـــدث لـلـجـائـز­ة ومهمات األمانة العامة لها حسب الهيكلة الجديدة للجائزة. • هناك من يقول إن مستوى الجائزة الثقافية ت ɝراج ɝع.. ما م ɝدى صحة هذا القول؟ •• ه ɝɝ ذا غير صحيح، وال أع ɝ ل ɝ معلى م ɝɝ اذا اعتمد مɝ ن قɝɝ ال بهذا الـقـول، بـل اإلقـبـال فـي زيــادة بشكل مـطـرد، ويكفي أن تعرف أن عدد األعمال التي وصلت إلى املرحلة النهائية (مرحلة التحكيم) وهـــي ثــالــث مــرحــلــ­ة، بـلـغـت حـــدود 50 عــمــال فــي مــجــال اإلبداع األدبي فقط، فما بالك باألعمال التي خرجت من املرحلة األولى ثم التي خرجت من املرحلة الثانية وهكذا، ويكفي أن أقــول لك إن إجمالي األعـمـال التي وصلت املرحلة النهائية في مختلف مجاالت وفروع الجائزة تجاوزت 1500 ترشيح.

• اعتمدت ال ɝج ɝائ ɝ زة ف ɝ يتطوير أعمالها على أع ɝض ɝاء عاملني فيها بعد

سنوات من العمل، هل يمكن أن تتطور الجائزة وفق هذه الرؤية ومن خالل هذه األسماء املكررة؟! •• يɝ ب ɝدو أن ɝɝ ك تتحدث ع ɝɝ ن ورش ɝɝɝ ة العمل ال ɝت ɝ ينظمتها األمانة العامة للجائزة، والحقيقة أن هـذه الـورشـة هي األولــى وسوف تتبعها ورش أخـرى -بـإذن الله- ثم إن هذه الورشة ضمت أكثر من 30 علما من املهتمني بمجاالت الجائزة واملتخصصني فيها، ولم تقتصر على العاملني في الجائزة كما ذكرت، بل لم يتجاوز عدد من حضر هذه الورشة ممن يعمل في الجائزة عدد أصابع الــيــد الـــواحــ­ـدة، وقــد وجــهــت الــدعــوة لــعــدد كبير وحـــدث بعض االعـــتــ­ـذارات القليلة لبعض الــظــروف الــخــاصـ­ـة، وأعـتـقـد أن من حضر الورشة من خارج الجائزة أو ممن عمل فيها مسبقا كانوا موقع الثقة والـقـدرة التامة على العطاء، ولديهم من الرؤية ما سوف يسر املتعاملني مع الجائزة عند إعالنه قريبا بإذن الله. • هناك من يقول إن الجائزة ال يواكبها إعɝɝالم نشط يعمل على تعزيز قيمتها وتحديث مستجدات الجائزة.. ملاذا؟ •• الحقيقة أننا نشعر بأن هناك نوعًا من الضعف في الناحية اإلعالمية للجائزة، رغـم أنـه فـي كـل دورة تشكل لجنة إعالمية ولكن ما زال الجهد املقدم في هذا الجانب أقل من املأمول، وقد نوقشت هذه القضية في ورشـة العمل ووضعت بعض الحلول الــتــي ســـوف يـعـلـن عـنـهـا بــــإذن الــلــه، والــتــي ســـوف تــعــالــ­ج هذا الجانب. جائزة الثقافة تخضع ملعايير مؤسسة ثقافية كنادي أبها األدبي أو جمعية الثقافة والفنون.. ملاذا ال تستقل الجائزة وتعمل بعيدا عن املؤسسة الثقافية الرسمية؟

•• ه ɝɝɝɝɝ ذا غ ɝɝ ي ɝɝ ر ص ɝɝ ح ɝɝ ي ɝɝ ح ج ɝɝ م ɝɝ ل ɝɝ ة وت ɝɝ ف ɝɝ ص ɝɝ ي ɝɝ ال، ف ɝɝɝ ال ɝɝɝ ج ɝɝɝ ائ ɝɝɝ زة لها معاييرها الخاصة بها لكل مجال من مجاالتها التي توضع من قبل لجان مختصة في كل مجال، وهذه اللجان ال ترتبط في تشكيلها بجهة معينة واحدة أبدا، بل تضم كل لجنة عددا ال يقل عن ستة من املختصني في مجال الجائزة من جهات مختلفة، وهــذه اللجنة هـي الـتـي تضع املعايير واألوزان، وتقيمها من قـبـل بـعـض الــجــهــ­ات املـخـتـصـ­ة، وال تـمـانـع الجائزة فــي االســتــف­ــادة مــن أيـــة جــهــة مـخـتـصـة، كــمــا ال تتردد عن إفادة أية جهة أخرى تطلب مساعدة الجائزة، وكونه يحصل نـوع من التعاون املـتـبـاد­ل مــع الـجـهـات املختصة داخل املنطقة أو خـارجـهـا، فـهـذا فـي نظري أمـــر مــحــمــو­د بــل ضـــــروري، وال يعني بأي حال خضوع الجائزة لتلك الجهة أو غيرها، بل هو نوع من التكامل فــي ظــل أن الـعـصـر عـصـر التكامل وال يـــؤمـــن بـــقـــدر­ات الـــفـــر­د، وإنما تتحقق مقاصده مـن قبل التكامل في العمل. تاريخ الجائزة.. ما رأيك؟

•ج ɝائ ɝ زة الثقافة كɝ ل ع ɝام تذهب ألفراد

ليس لهم حضورهم املعتبر في الساحة األدبية والثقافية مع غياب الشفافية في إبراز أعداد املتقدمني ولجان التحكيم التي يــقــال إنــهــا مـتـواضـعـ­ة جـــدا وال تــرقــى ملستوى

•• الجائزة تتعامل مع األعمال املقدمة لها بصرف النظر عن األفــراد، فالتقييم لدينا يكون لألعمال وليس لألفراد، أما كون الجائزة تذهب إلـى أفــراد ليس لهم حضور معتبر في الساحة األدبــيــ­ة والـثـقـاف­ـيـة كـمـا تــقــول، فــهــذا قــول يـخـالـف الحقيقة وال أظن أن املتتبع املنصف للفائزين بالجائزة تخفى عليه أسماء مـثـل إبــراهــي­ــم طــالــع ومـحـمـد إبــراهــي­ــم يـعـقـوب وغـيـرهـمـ­ا ممن فـــاز بــالــجــ­ائــزة، أو يـعـتـبـره­ـم مــن الـشـخـصـي­ـات املـجـهـول­ـة التي ليس لها حضور في املشهد الثقافي لدينا، وهناك الكثير من األسماء البارزة التي ذهبت إليها الجائزة ممن لهم الريادة في مجاالتهم. أمــا الشفافية فـي إعــالن أعـــداد املتقدمني فنحن نعلن فـي حفل الـــجـــا­ئـــزة تــلــك األعــــــ­ـداد بــشــكــل مــســتــم­ــر، ثـــم تــنــشــر عــلــى املوقع اإللكتروني للجائزة، وأظــن أن هــذا كــاف لـإعـالن للمتابع، أما لجان التحكيم فكثير من املحاضن العلمية وغيرها ال تفصح عن أسماء املحكمني وبالقدر ذاتـه تخفي أسماء املتقدمني عن املحكمني أيضا، ومع ذلك فال أعرف كيف صاغ ملثل هذا أن

ّّ يقول إن لجان التحكيم متواضعة في حني يضيق بأنها غير معلنة وال معروفة، هناك شيء من التناقض في القول، فكيف حكم على تواضعها وهو ال يعرف من أعضاء هذه اللجان؟!

•م ɝوق ɝ ع ال ɝɝ ج ɝɝ ائ ɝɝ زة ص ɝ ام ɝ ت طɝɝɝ وال ال ɝɝ ع ɝɝ ام وإن

ّّ تحرك فال يكون إال بعد يوم أو يومني من إعالن الجائزة.. ملاذا؟ •• موقع الجائزة يعمل طوال الدورة، وعــن طريقه يتم إعــالن افتتاح الــــــدو­رة ثــم يــتــم استقبال مــعــظــم الترشيحات عـــــــن طـــــريــ­ـــقـــــه، كما يـــــتـــ­ــم مــــــــن خــــاللــ­ــه طـــــــرح كــــــل جديد فــــــــي الـــــــج­ــــــائــ­ــــزة، والـتـواصـ­ل عليه بـــــــشـ­ــــــكـــ­ــــل شـــــبـــ­ــه يــــومـــ­ـي خاصة فـــــــــ­ـــــــي قـــــضـــ­ــيـــــة االستفسارا­ت والـــــــ­ــرد عليها. نــــــــع­ــــــــم يــــنــــ­شــــط بـشـكـل أكــبــر في مــــرحـــ­ـلــــة إعــــــال­ن النتائج وتكريم الفائزين وهذا أمر طــبــيــع­ــي، ونـــحـــن اآلن بـصـدد إعـــادة تصميم موقع جديد للجائزة، وســــــــ­ـــــــوف يــــســــ­تــــخــــ­دم فــــي قــضــيــة املفاضلة والترشيح املباشر من قبل الجمهور بإذن الله تعالى. هــــل الــــدعــ­ــم الــــــــ­ــــــــــ­ــــــذي يقدم للجائزة ال يكفي لتغطية نفقات الجائزة؟ •• ال ɝɝɝɝɝɝ دع ɝɝɝɝɝɝ م األك ɝɝɝɝ ب ɝɝɝɝ ر للجائزة يتم عـن طريق سمو رئيس مجلس الجائزة وفقه الله ورعاه، ويساهم بعض الـداعـمـن­ي مـن رجــال األعــمــا­ل وبعض الـــجـــه­ـــات فــــي الـــقـــط­ـــاع الــــخـــ­ـاص فــــي دعم الجائزة وفق امليزانية املعدة لكل دورة.

•• ل ɝɝɝ ك ɝɝɝ ل ج ɝɝɝɝ ائ ɝɝɝɝ زة أه ɝɝɝɝ داف ɝɝɝɝ ه ɝɝɝɝ ا ال ɝɝɝ خ ɝɝɝ اص ɝɝɝ ة ال ɝɝɝɝ ت ɝɝɝɝ ي تسعى لتحقيقها، ونحن في جائزة أبها نؤمن -بـال شـك- في أهمية الناحية اإلعالمية ودورهــا في خدمة الجائزة، لكن تركيزنا األول وقبل كل شيء ينبع من الحرص على تحقيق أهــداف الجائزة وتحقيق مساهمتها فـي بناء اإلنــســا­ن، واملـشـارك­ـة الفاعلة فـي خـدمـة أهـــداف التنمية فــي بــالدنــا الـغـالـيـ­ة، وال شــك أن مــا تحظى بــه الجائزة من اهتمام من قبل والة األمـر حفظهم الله، وضخامة األعـــداد التي تتقدم للجائزة فـي كـل دورة التي تصل اآلالف -كــمــا بـيـنـت ســابــقــ­ا- وتــعــدد فــــروع ومجاالت الجائزة التي بلغت 15 مـجـاال. كـل هــذا يؤكد مكانة الــجــائـ­ـزة وأهــمــيـ­ـتــهــا، وتــتــعــ­ذر مــعــه مـقـارنـتـ­هـا بأي جائزة أخرى، مع تقديري لكل الجوائز.

عبدالمحسن يوسف

في ديوانه الجميل «ليس مهما»، الصادر عن دار (االنتشار العربي)، لفت انتباهي شغف الشاعر الشاب طالل الطويرقي بالتعريف، وبصيغة أكثر دقة: إعادة تعريف العالم عبر تكثيف لغوي عميق.. إنه بكلمات قليلة يسعى حثيثا إلى إعادة تعريف العالم الــذي يعيشه ويسكنه ويــراه ويتفاعل معه، كأنه ليس مقتنعا بما تواطأت الحياة والـنـاس على تعريفه، أو بما استقر في الـذاكـرة من تعريفات بــدت له غير ذات معنى.. وكأنه -أيض ا بإعادة صياغة العالم عبر «القصائد»، وهي قصائد مقتصدة مشحونة بـدالالت جديدة تدير ظهرها لكل تعريف بات في حكم ٍُ الناجز.. إنه كمن يصوغ عاملا ينهض على أنقاض عالم قديم ال يجد الشاعر نفسه تنتمي إليه أو «تستمزجه» كونه -أي ذلك العالم القديم- أضحى مستهلكا وفارغا من شحنات داللية حية خسرها مع مرور الزمن.. إن قصائد ديــوان الطويرقي بمثابة تـأويـل شـعـري للحياة وملـفـردات الحياة التي يعيش مشاهدها اليومية من دون أن يفرط في جماليات القصيدة وألق اللغة.. إننا مثال نجده يعيد النظر في مفهوم «الصداقة»، إذ يكتشف عبر تجربته مع الناس ًّ زيف ما يسمى «الصداقات» مكتشفا تجلياتها الخادعة؛ لذا نجده يقول: «الصداقات كذب أنيق».. هكذا، وبكلمات ثالث فقط يعيد صوغ مفهوم «الصداقة» كما لو كان في ٍُ الوقت نفسه يهجوها ويمزق األقنعة..! إن الرغبة امللحة في التأويل تملي على أصابع الشاعر رؤى جديدة، تغريه بنسف املفاهيم القديمة لتحل محلها عبر صياغة شعرية طازجة مفاهيم جديدة، وهو هنا كمن يقتاد املتلقي من أطـراف أصابعه إلى حيث يكمن نبع جديد، نبع مختلف عن املتفق عليه أو املستقر في البال معنى ومبنى.. «إن البكارة.. إن الوالدة.. تأويل خوف قديم». هنا ينسف الشاعر تلك القناعات التي تم التواطؤ بصددها، فالبكارة -وكذلك الوالدةٌْ ليسا سوى تأويل خوف قديم.. بمعنى أن كل بكارة محض خوف، وكل والدة مسلك قديم معرض للشك واملساءلة.. إن شاعرنا مشغوف بالتأويل املغاير لكل تأويل مرت عليه عربات الزمن، فالعمر -مثال- ليس محض سنوات تتراكم كما تتراكم الجماجم بعد أن تحط الحرب أوزارهــا، وهو ليس ارتحاال عابرا في الزمن، إنما هو «تداخل تجربتني» في أعماق ذلك الطفل الذي كانه ذات يوم والذي تجاوزه أيضا: «العمر مرحلة التداخل بني تجربتني غائرتني في عمقي كطفل».. إذن، العمر عند الطويرقي ليس تجربة قائمة بذاتها منفصلة عن سواها، بل هو نتاج لقاء تجربتني تالحمتا معا إلنتاج حياة جديدة، حياة أخرى، وسعي آخر وقناعات مغايرة.. إن شاعرنا -في جل قصائد الديوان- بدا مغرما باإليقاع، مغرما بالنشيد.. وهو هنا يحتفي بالغناء في سياق شغفه بالتعريف أو إعادة تعريف العالم، لذا نجده في أكثر من نص يعيد تعريف «األغنية»: ــ «البساطة أغنية» ــ «العبارات أغنية» ــ «يدها صمت أغنية».. إنــه يــرى الـلـغـة متجلية عـبـر األغـنـيـة وصـمـت األغـنـيـة، وكــأنــه بــات عـلـى قـنـاعـة بأن بـمـقـدور األغـنـيـة أن تـفـسـر الـكـثـيـر مــن مــفــردات الـحـيـاة ومــفــردا­ت املـعـجـم ومفردات أرواحنا أيضا، من دون أن يغفل عن بناء صـورة شعرية جديدة، خاطفة، ومدهشة: «يدها صمت أغنية».. في هذا التأويل -أو التعريف- ليد املـرأة التي يهوى ويعشق، محاولة فاتنة لرسم لوحة عذبة، وهي في الوقت نفسه لوحة متعالية وعصية على الشاعر ذي املوهبة الفجة، لكنها في الوقت عينه تعطي داللـة عميقة على أن طالل الطويرقي شاعر حقيقي بدليل إمساكه بهذه الصورة املغايرة التي لم يسبقه إليها أحـد، و«املغايرة» عندي تعني أن الشاعر الحق ال يستنسخ تجربة سـواه وال يجتر صوره وال يحتذي لغته وال يعيد إنتاجها.. إن شاعرنا الطويرقي مسكون دائما بمفردة «الغياب»، كأنه باستحضارها الدائم في نصوصه ينفيها ليسجل نقيضها الذي يحلم به، أال وهو «الحضور».. وكأن حضور الــذات في النص حضور في املكان، أوليس شاعرنا موزعا -منذ طفولته- بني املدن واألمكنة؟ حيث الوالدة في قرية «طويريق» بالطائف وهي قرية جميلة تغفو هادئة في نسائم الجبال العالية، غارقة في بساتني الكروم والرمان -أو هكذا كانت-، وفي مكة املكرمة كانت اإلقامة الطويلة حيث الدراسة وحضور األهل ودفء العائلة، وفي «الخبر» باملنطقة الشرقية حيث العمل واقتناص رغيف العيش العصي دائما على املسكونني بالجمال والشعر والـفـن واألمــانـ­ـي النظيفة.. لهذا نجد مـفـردة «الغياب» النص:في نصوص الطويرقي- خاضعة لتعريف مغاير، لتعريف شعري مدهش، إنه ليس «غيابا» تافها بل هو «الغياب» الذي يسجل «حضورا» جماليا في فضاء «الغياب.. قصائد تشرب دمعتها مثل عيني غريب».. أو هو الغياب الذي يأتي مرادفا القتراف إثم ما، كما يتجلى هنا: «الغيا ُب، يد آثمة»! إنها صورة فريدة، مدهشة، ممعنة التحليق في فضاء الشعر الخالص، الشعر الذي ال يتماثل وما يقترحه علينا الواقع، أو ما تمليه على أصابعنا الحياة البليدة.. إن شـاعـرنـا يـذهـب إلــى «املــفــرد­ة»، املــفــرد­ة الــراكــد­ة، ليحررها مـن معانيها املستقرة، وذلك عبر اقتناص تعريف شعري جديد لها، يعيدها إلى الحياة أكثر حياة وحيوية ونضارة وجماال.. مثال مفردة «الغبار» مفردة بشعة تحمل في معطفها الناشف قبحا وجدبا، لكن الطويرقي ينجح في تحريرها من كل هـذا، دافعا بها صوب أفـق داللي آخر، أفق طازج وخصيب، ألم يقل: «الغبا ُر، دموع البيوت».. بهذه البراعة الشعرية يستحيل «الغبار» في نص طالل ماء، ماء حزن تحديدا، حيث صـيـره دمــعــا، وهــو ـ بعد أن كــان تــرابــا ناعما يعمي العيون ويحجب الرؤيةاستح­ال دمعا تعبر به البيوت املهجورة عن مكامن النفس وحرقة املشاعر وفداحة الفقد والغياب.. ولست أدري ملاذا تذكرت هنا ا من تجليات جالل الدين الرومي الباهرة، وهي: «الدمع دم، حوله الحزن ماء».. لقد أدهشني طــالل بهذه الـصـورة الجديدة الـطـازجـة: «الغبار دمــوع الـبـيـوت»، إذ فتح أعيننا على بـيـوت تفيض جدرانها غــبــارا، وهــو ليس بـغـبـار، وإنـمـا دمــع أنتجه نحيب البيوت وبكاء الجدران على الغائبني.. وإذا كان دمع البيوت هنا في هذا املقطع يحمل داللة انكسار أو ضـعـف أو رقــــة، فــإنــه فــي مــوضــع آخـــر يستحيل عـلـى يد الشاعر نفسه داللة قوة وقسوة وسطوة، فهو يرى أن «الدمعة سهم».. إنها الدمعة الباطشة، املقتحمة، التي تزيح عن الدمع معنى الرقة والهشاشة والضعف واالنكسار.. إن الطويرقي -كــأي شاعر حقيقي- مسكون بالجمال، وجمال املرأة تحديدا يستحيل على يديه رمزا عاليا للجمال الفذ والفتنة املشتهاة، فهو في أحد املقاطع يرى أن «البياض امرأة»، وهو بهذا الصوغ اللغوي الفريد يختزل البياض بوصفه رمزا للبراءة والطهر في املرأة، إنها تجسيد باهر لكل هذا معا، وهي -في نطر شاعرنا- ضوء بكل ما في الضوء من دالالت إشراقية، أو نورانية عميقة تعني السطوع والصفاء والنقاء، حيث تدخل القلب من دون أن تطرق بابا أو تخلع نافذة.. يقول طالل: «إن األنثى ضوء يعبر هذا القلب».. إذن، هل مسكم جمال هذا املقطع؟ هل مس أرواحكم مثلما مسني؟ ًًّ أخيرا أقول: إن الطويرقي في ديوانه «ليس مهما» لم يكتف بصوغ تعريف جديد ملفردات الحياة واملعجم معا، بل سعى حثيثا إلى صوغ تعريف جديد وباهر للقصيدة التي يكتبها بحبر القلب وحرقة الروح، إن القصيدة -وفق تعريفه الشعري املدهش-: «حلم صغير على مرفأ القبلة الدافئة».. وإن «القصائد.. ماء مواعيدنا».. إنه بكلمات مقتصدة يبدع عامل عالم قبيح. ا جميال رائعا في مواجهة

 ??  ?? د. حسن الشوكاني
د. حسن الشوكاني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia