اللغة أنثى
وصــف األنــوثــة هنا وصــف كـمـال فـي عـن نـهـر يشكو من العطش، فاألنوثة سيدة املكاِن والزماِن واإلنسان، صالحة بنفسها. وملن يهواها صالحها، ومن ظن أنه سيصلحها وقـع في األخـطـاء، تبعث فيمن عشقها وغــرم في سبيلها موسيقى خفية، تغري بعزف منفرد. ليس كل ذكر أهال لها، مهما انفتلت عضالته وفتلت أنامله شواربه؛ فالفحولة التي تتغنى بها النساء ال تحفل بها اللغة، اللغة فارسها ومستثير أنوثتها (العاشق املتيم) الساهر على ضفاف القواميس، ليرصد املفردات، ويفكك طالسم املصطلحات، ويتشرب من اللفظ معناه، ويصوغ من األنثى اللغة (لغة تفنت أنوثة الحياة). اللغة نديمة ال تقبل العبث، صديقة تشمئز من الشراكات والخيانة، رفيقة درب ال تقبل أن تسير وراء مرافقها، ال تؤمن بـضـرورة وجــود املـحـرم، ال تنتمي لجهة محايدة؛ كونها تنحاز للحياة، للحب، للعمل،ٌ والفعل الخالق. كـثـيـرون هــم األدعــيــاء حـولـهـا، وقــلــة هــم املـنـتـمـون إليها، تــرفــض الـتـضـلـيـل واالخـــتـــالق الــعــلــيــل، تــتــأبــى أن تكون وسيلة تخاطب بليدة، تعتز ببنيتها، وتباهي برشاقتها، وتـشـرئـب عنقها إلــى قـامـات مـن أوغــلــوا فـي تأويلها حد الغوص في محيط الالمفكر فيه. اللغة أنـثـى (حــيــة) تعشق األنــقــيــاء، وتعطي مــن يخلص لها بسخاء، وتنفر من املتقعرين الثقالء، هي رائحة خبز األمهات، ونكهة قهوة الصباحات، ورايـة السالم املرفرفة على جبن الذكريات. يخطئ مــن يـظـن أن بـإمـكـانـه تـطـويـع الـلـغـة األنــثــى، فهي تحضر متى شاءت، وتسعف من تشاء، وتعز وتذل وترفع وتخفض وتزيد من قـدر املتحدث كما أنها تنقصه حن تشاء. من يفقد اللغة األنثى يفقد معنى الحياة، ذلـك أن النمو في حضن الجمال يحفزك دومًا لتقول (الله) وهكذا كلما استعادت اإلنسانية لباسها واألشجار خضرتها، عندما تنحني األغصان طوعًا لثقل الثمار، ال نفتأ نقول (الله) ففي البدء كانت الكلمة. والحُّب والحرُب ينطلقان من زلة لسان. اللغة األنـثـى تتعالى بكبرياء مـبـرر، وتتسلط بسحرها الخيالي، طيعة بمزاج مغر، ساحرة ألباب تحتل أفئدة هي أقرب ما تكون إلى أفئدة الطير. تنقش في دواخل العشاق سماء صادقة، وحديقة شاعرة، وخياال جامحًا، وافتتانًا بكل جميل. اللغة األنثى مشروع حياة، كما أن اللغة الذكر تشريع
موت.