Okaz

جند اللطيفة.. التي لم نعرفها!

-

أعـتـرف أنني وربـمـا غيري كثير، لـم نعرف نـــجـــدا عــلــى حــقــيــق­ــتــهــا.. «نــــجــــ­د»، التواقة، الــنــابـ­ـضــة، الـبـهـيـة، املـلـيـئـ­ة بــالــفــ­رح والحب والــغــزل، لــم نـــدرك إال مـنـذ أشـهـر فـقـط أنـهـا تحمل وجها آخر، غير وجه العاصمة اإلداريــة، عندما بدأت تستيقظ، وتستدعي صور الحياة والفنون، التي طوتها وأخفتها بني «حنانيها» طوال عقود. هـــل هـــو قــصــور مــنــي ومــــن غــيــري فـــي مــعــرفــ­ة خباياها «اللطيفة»، أم أنها قدمت نفسها هكذا مرغمة، أو لعلها كـانـت أذكــى مـنـا، فتغافلت حتى تمر عـواصـف التأخير، وتختفي جبال «الرجيع»، فأرخت أهدابها ونامت أربعني عاما ونيفا، انصرمت من عمرها وعمر أهلها، فهل كان األمر يستحق. طوال سنني كان كل ما يعرفه الزائرون و«الحالون» مؤقتا، عن «الـريـاض»، مجرد تجارب عابرة، وساعات قليلة في غـرف فندقية خالية من الحياة، يزورونها ويغادرونها ســريــعــ­ا، مـــــرورا ال يـلـتـقـط مـــن طــرقــاتـ­ـهــا، ومــبــانـ­ـيــهــا، إال ذكريات «صلبة». فـــي الــطــرقـ­ـات والــتــقـ­ـاطــعــات واألســـــ­ــواق، كــنــا نـــرى بقايا «وجوه» تتلمس القليل من الفرح، في مطاعم مغلقة ومقاه بــاردة، كأنها تهرب من شـيء مـا، حتى املقاهي أصبحت مجرد «أمنيات»، وعليك أن تقطع ما يزيد على خمسني كلم، لتذهب إلى مقهى يقدم شايا بالنعناع، وشيشة. كنا إذا سمعنا كلمات خـالـد الفيصل، يحكي عــن نجد: ليالى نجد مـا مثلك ليالي، غــاك أول وزاد الحب غالي، ليالي نجد للمحبوب طيبي، أو عندما يتغنى بــدر بن عبداملحسن في قصيدة «وين أحب الليلة وين، التي صدح بها الفنان الكبير محمد عبده: آه ما أرق الـريـاض تالي الليل، أنا لو أبي.. خـذتها بيدها.. ومشـينا. نقول لعلها لوعة املحب ملسقط رأسه، وحب املوطن األول، لكن الفيصل والبدر وغيرهما، من الشعراء، وصـوال إلى امــرئ القيس النجدي، كـانـوا فيما يبدو يعرفون ســرًا ال نعرفه، فهذه نجد التي صمدت طــوال خمسة آالف سنة، هي عمر االستيطان البشري فيها، قاومت صحراء النفود والدهناء والربع الخالي، التي تحيط بها كاألسورة، ومع ذلك حملت في طياتها حبا جارفا للحياة، حبا تورع أن يظهر خشية صوت «خشن» ألم بها، وغدرها. يقول النجديون، إن صحاريهم هـي فـي أساسها رياض ممتدة، ويدللون أنه ما إن تنزل قطرات املطر، حتى تنبت األرض، وتخضر الصحاري على امتداد البصر، في أشهر فـقـط، أزهـــرت الــريــاض املـثـقـفـ­ة، وحـيـيـت مــن جــديــد، فقط بقليل مما فعلته «الفنون»، في مركز امللك فهد الثقافي، أخذت وزارة الثقافة واإلعـام على نفسها وعـدا، ونفذته، فمألت الرياض فنونا، وثقافة، وفرحا وحياة. هكذا نعرف الرياض في حقيقتها، «العاصمة املركز» التي تمد باقي الوطن في أطرافه، بروحها، وحياتها، هي من يقود، وهي من تهمي، وهي من عليها نعول، لكي نصبح أكــثــر آدمـــيـــ­ة، وأقــــل قــســوة، اآلالف الــذيــن تــقــاطــ­روا األيام الفائته، على مركز امللك فهد الثقافي، أكـدوا أن «الفنون» غــيــر مــمــيــت­ــة، وأن مـــا بــذلــتــ­ه الـــــــو­زارة مـــن جــهــد استحق االنتظار.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia