°WO «eF½ö …oeuF « AEAEV dð
في تاريخ عاقة الواليات املتحدة بالعالم فترات من املد والجزر تحددها أيديولوجية الـنـخـبـة الـحـاكـمـة فــي واشــنــطــن، تبعًا ملــحــددات انـتـمـاءاتـهـا الـحـزبـيـة ورؤاهــــا ملصلحة الواليات املتحدة القومية. في فترات املد، كانت واشنطن تتبع سياسة خارجية تداخلية تنغمس خالها في الشؤون الدولية، بحثًا عن خدمة مصالحها القومية، وذودًا عن حمى أمنها القومي. أثناء فترات املد تتبع الواليات املتحدة سياسة اقتصادية ليبرالية تدعم حرية التجارة العاملية.. وتقدم امتيازات اقتصادية تفضيلية لحلفائها االستراتيجيني وتابعيها األمميني، حتى لو بدا ذلك وكأنه على حساب مصالحها االقتصادية، في املدى القصير، إال أنه في األمد الطويل أثبت اتباع سياسة اقتصادية ليبرالية مع العالم، تظهر من خالها واشنطن القيمة الحقيقة ملا يتمتع به اقتصادها من ميزات تنافسية، وتتحقق لها الهيمنة على اقتصاديات العالم. استراتيجيًا: في فترات املـد التداخلية مع العالم، يمتد نفوذ الـواليـات في العالم كقوة استراتيجية مهيمنة، مسؤولة بالدرجة األولى عن سام العالم واســتــقــرار الــنــظــام الـــدولـــي. تـنـفـق بــســخــاء عــلــى حـلـفـائـهـا االستراتيجيني وتتحمل الجزء األكبر من نفقات دفاعاتهم، بل وحتى إقامة قواعد عسكرية وإرسال جنود أمريكيني وإقامة شبكات صواريخ استراتيجية عابرة للقارات خــارج حـدودهـا وفــي بحار ومحيطات العالم. كما أنها فـي فـتـرات املــد التداخلية تنفق بسخاء على برنامج معونتها الخارجية، ليس فقط بالدعم املالي واالقتصادي لحلفائها ومن يدور في فلكها من دول العالم الثالث، بل ومن خال اتباع برامج المتيازات اقتصادية تفاضلية، تستخدم فيها إمكانات سوقها الكبير لتشجيع واردات الدول الحليفة والصديقة إليها، دعمًا لنفوذها الخارجي، وتحفيزًا القتصادها واستثماراتها الخارجية. الواليات املتحدة اتبعت سياسة خارجية تداخلية فعالة ونشطة معظم إن لم يكن طوال فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية، إلى اليوم. فكانت وراء عقد اتفاقية التجارة والتعرفة الجمركية ،1947 )GATT( استبدلت مؤخرًا بمعاهدة منظمة التجارة العاملية ،1995 )WTO( التي أرسـت لقيم وقواعد العوملة. وكانت الواليات املتحدة قبل ذلك وراء فرض نظام بريتون وودز النقدي ،)1944( الذي استبدل الدوالر، كعملة موحدة للتجارة العاملية، بدال من نظام الذهب. كما أن الواليات املتحدة هي التي دفعت بسخاء من خال برنامج مارشال إلعادة بناء أوروبا واليابان. وإعـادة تأهيل دول املحور اقتصاديًا وسياسيًا، حتى ال تعود النازية والفاشية وحكم العسكر إليها. بـاإلضـافـة إلــى أنـهـا قـاومـت استراتيجيًا، خــال فـتـرة الـحـرب الــبــاردة، املــد الشيوعي فـي الـعـالـم، ليس ألسباب أيديولوجية، بقدر تأكيد هيمنتها الكونية. لم تشهد الـواليـات املتحدة، في تاريخها الحديث، عـدا فترة ما بني الحربني وبـدايـة القرن العشرين، توجهًا للعزلة الدولية، إلى أن جاء الرئيس األمريكي الجديد دونالد ترمب. اتساقًا مع توجه الرئيس ترمب املفرط في محافظته داخليًا، نجد إدارته تتجه إلى سياسة خارجية انعزالية مفرطة في محافظتها وعدائها لكل ما هو غير أمريكي! امللفت أن هذا يتسق مع تطور متزامن في مجتمعات الديموقراطيات التقليدية العريقة فـي أوروبـــا، بزعامة بريطانيا التي تتجه للعزلة، على حساب تــراث مـن التكامل اإلقليمي مع أوروبا ممتد لستة عقود، توج بإنشاء االتحاد األوربي! امللفت أن الرئيس ترمب بــادر سريعًا بوضع قواعد سياسة الـواليـات املتحدة الخارجية بتوجهاتها االنعزالية موضع التنفيذ بــقــرارات رئاسية تعكس الـقـوة الحقيقية ملؤسسة الـرئـاسـة األمريكية، مع استعداد ماض ملواجهة الكونجرس والصحافة والرأي العام، بل وحتى حلفاء أمريكا وأصدقائها في الخارج. بدأ الرئيس األمريكي في أول يوم عمل إلدارته بعد تنصيبه وإجازة نهاية األسبوع بالتوقيع على أمر رئاسي تخرج به الواليات املتحدة من اتفاقية الشراكة عبر الهادي التي تضم 12 دولـة تقع جميعها على ضفتي املحيط الـهـادي فـي أربــع قـــارات، عــدا الـصـني.. وكـانـت تهدف إلــى إزالــة العوائق الجمركية أمـــام الـتـجـارة واالســتــثــمــار، فــي مـواجـهـة تـكـتـات استراتيجية واقتصادية عماقة، مثل: الصني.. وروسيا، واالتحاد األوروبي. سياسة اقتصادية حمائية يدشن بها الرئيس ترمب استراتيجيته االنعزالية، بدءًا بحلفائه االستراتيجيني وشركائه االقتصاديني. كما أن الرئيس ترمب أبدى توجهه ملراجعة أهم صيغة تكاملية في أمريكا الشمالية والوسطى، بني باده وكندا واملكسيك «النافتا»، التي أنشئت 1992 وأصبحت سارية املفعول ،1994 من أجل مواجهة التكتات االقتصادية الناشئة مثل االتحاد األوروبــي، بإقامة منطقة تجارية حرة بني الدول الثاث. «النافتا» أحرزت تقدمًا كبيرًا في التكامل االقتصادي بني الدول الثاث، حتى أنه تم إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات بني الــدول الثاث عام .2008 ليس هـذا، فحسب. بل إن الرئيس ترمب يزمع لبناء فواصل اصطناعية مع جيرانه في الجنوب، ببناء جدار إسمنتي على طول حدود باده مع املكسيك! الرئيس األمريكي الجديد عندما يطلق شعار «أمريكا أوال».. و«العامل األمريكي أوال»، إنما هو في حقيقة األمر يدشن سياسة خارجية انعزالية وسياسة اقتصادية حمائية بامتياز، في نكوص عن تاريخ طويل نسبيًا امتد ملا يزيد على سبعة عقود، كانت الواليات املتحدة فيه تتسيد العالم.. وتدعم سامه.. وتعزز استقراره، وفي نفس الوقت، كانت تلك السياسة التداخلية الطويلة نسبيًا، تصب في مصلحة اقتصاد الواليات املتحدة، رغم التكلفة الكبيرة التي تحملتها عند بدء تدشني تبنيها للنظام الليبرالي االقتصادي العاملي. اليوم، بفضل تلك االستراتيجية الليبرالية التداخلية: الواليات املتحدة أضحت أكثر غنى.. وأكثر تقدمًا.. وأكثر مهابة ونفوذًا على مستوى العالم، بل وأكثر أمنًا، بالرغم مما واجهته من تحديات أمنية، سواء في فترة الحرب الباردة.. أو ما تواجهه اليوم مما يسمى اإلرهاب. الواليات املتحدة أضحت دولة عظمى ومهيمنة على مقدرات العالم بسياستها الليبرالية التداخلية، ولم تكن كذلك أبدًا، طوال فترات انعزالها وانكفائها على نفسها السابقة. باتباع سياسة انعزالية رجعية متطرفة، تجازف الواليات املتحدة بالكثير. أمريكا بنت عظمتها على انفتاحها الكوني، وسوف تعيدها عزلتها وانكفاؤها على نفسها، حدود منطقتها الجغرافية املحدودة والضيقة، مما سيؤثر سلبًا على وحدتها الداخلية، ربما باستعادة النزعة الكونفيدرالية القديمة. عزلة الواليات املتحدة ستقودها ألن تصبح أقل نموًا.. وأقل أمنًا، وربما أقل استقرارًا.