أين العدل واملثل؟
يتمتع الـقـضـاء فــي بــالدنــا وفــي غـيـرهـا مــن بــالد الـدنـيـا التي تؤمن بأهمية هذا الجهاز في حياتها، ألنه أداة لتحقيق العدالة وإقامة العدل، يتمتع باالستقاللية التي تجعل أحكامه محمية من الضغوط والتدخالت الهادفة إلى النيل من تلك االستقاللية، ولكن تولد عند بعض الناس فهم غير سليم بأن االستقاللية هي للقاضي نفسه، ومثل هذا الفهم ال يستقيم مع قيم العدالة والـحـق، ألن القضاة بشر يجوز عليهم مـا يجوز على غيرهم مــن الــذيــن يـتـولـون إدارة شــأن عـــام، مــن قـصـور وعـــدم حيادية وخضوع للهوى وإهمال في أداء الواجب وغلظة في التعامل مع املراجعني من أصحاب القضايا، ولذلك سنت الدولة أنظمة ملحاسبة القضاة الذين تسجل ضدهم مالحظات خالل عملهم القضائي، وكــان آخـر مـا أنشئ فـي هـذا املـجـال إدارة التفتيش الـقـضـائـي الـتـابـعـة للمجلس األعــلــى لـلـقـضـاء الـــذي بـــدأ ينفذ برنامجًا إلكترونيا ملتابعة أداء القضاة ومستوى إنجازهم ملهامهم القضائية وضبط األمور في دور العدالة في اململكة. وقــد لفت نـظـري خبر قــرأتــه فــي جــريــدة مكة عــن إصـــدار وزير العدل رئيس املجلس األعلى للقضاء الدكتور وليد الصمعاني قرارًا بإحالة رئيس محكمة كبرى وثالثة من القضاة للتحقيق املوسع معهم بعد تسجيل مالحظات عليهم كـان منها حسب الخبر املنشور عدم االلتزام بأوقات الــدوام الرسمي، ومخالفة األنظمة والتعليمات املنظمة إلجــراءات القضايا، وتأخر البت فــي الـقـضـايـا الــتــي تـنـظـرهـا املـحـكـمـة ورفـــض رئــيــس املحكمة استقبال املراجعني في مكتبه. والحقيقة أن هذه املالحظات التي سجلت ضد القضاة األربعة بــمــن فــيــهــم رئـــيـــس املــحــكــمــة الــكــبــرى وكـــانـــت وراء إحالتهم للتحقيق املوسع هي مالحظات قوية جدًا وتقدح في مستوى أدائــهــم ملهامهم القضائية وتجعلهم غـيـر جـديـريـن باألمانة التي حملها إياهم والة األمر الكرام، ولذلك فإني أوجه التحية الخالصة إلــى رئـيـس املجلس وزيــر الـعـدل وإلــى العاملني في إدارة التفتيش القضائي على رصدهم لهذ املخالفات الفادحة التي تسبب في ضياع الحقوق وإطالة أمد النظر في القضايا وزيادة رقعة التسبب في الدوام الرسمي في املحكمة، ولعل ما كشفته إدارة التفتيش في املجلس من املخالفات في املحكمة املذكورة قد يكون له نظائر وأشباه في محاكم أخرى، ولذا فإن الطريق طويل وشاق أمامها لضبط األداء في املحاكم في جميع أنواعها وتخصصاتها، ألن أي خلل ولو كان غير مقصود في أداء القضاة قد يؤدي إلى مظالم عظيمة وضياع للحقوق وزرع لألحقاد والضغائن بني املتخاصمني، السيما الذين يشعرون أن التسيب القضائي قد كان وراء ه إضاعة حقوقهم، متمنيًا من جميع قضانا الكرام أال ينطبق عليهم قول امرأة ظلمت فقالت في ذلك أبيات شعر موجهة ملن ظلمها: انطق بحكمك ال خوف وال وجل
وال حــيــاء وال أخـــــالق أو خجل انـــطـــق بــحــكــمــك ال رب تراقبه
وال يخيفك يــوم الحشر واألجل وسوف تسأل عن إفٍك حكمت بِه
ماذا تقول وذاك املوقف الجلل؟! إن كنت تؤمن بالرحمِن تعبده
ُُ على الحقيقة.. أين العدل واملثل؟!