عودة الفن السعودي من املهجر..!

الجماهير الغفيرة، التي حضرت مـن مختلف مــدن اململكة ازدحمت بها الـطـرق املحيطة بإستاد الـجـوهـرة فـي محافظة جــدة أمــس األول لحضور حفل الـفـنـان الـسـعـودي الكبير محمد عـبـده، سجلت موقفا تاريخيا ناسفا الدعــاءات فئة قليلة متشددة محاربة للفن والحياة لطاملا تحدثت باسم املجتمع زاعمة كذبا وزيفا أنها صوته الرافض لكل مظاهر البهجة والترفيه والرقي اإلنساني. جاءت هذه التظاهرة الفنية الفريدة تزامنا مع حمالت إلكترونية عدائية دشنتها بعض الحسابات الوهمية في شبكات التواصل االجتماعي مرددة العبارة السخيفة املكررة (املجتمع يرفض الفن) لكن الذي حدث وشاهده البعيد قبل القريب أن املجتمع رد على هذه الحمالت بطريقته وذهب لالستمتاع بغناء فنان العرب تاركا الوهميني الكاذبني خلف أجهزتهم يصرخون بأصواتهم النشاز مع أنفسهم دون أي جدوى. قبل ذلك بأسبوع فقط ازدحم مركز امللك فهد الثقافي في الرياض الذي تشرف عليه وزارة الثقافة واإلعــالم بــآالف السعوديني الذين تسابقوا لحضور الحفل الغنائي املميز (نغمات ثقافية) وهو حفل مميز ضم مجموعة من الفنانني الشباب مسجلني موقفا فـريـدا يمزق بكل بساطة الــصــورة الـسـوداويـة التي روجـهـا أسـاطـني التشدد والغلو عن املجتمع السعودي املحب للفن والحياة والـرافـض لكل مظاهر التطرف وثقافة الظالم واملوت. حــدث كـل هــذا بعد مضي سـنـوات عجاف عــاش خاللها الفن الـسـعـودي مـشـردا في املـنـافـي تستمتع بـه الـشـعـوب األخـــرى، فيما الـسـعـوديـون مـن ذوي الـدخـل املحدود غير القادرين على اللحاق به في الخارج مجبرون على حضور مهرجانات البكاء والــصــراخ وتكسير اآلالت املوسيقية بـاسـم السياحة والترفيه ألنـهـا كـانـت لألسف الفعاليات الوحيدة التي تقدمها املهرجانات السياحية في مدنهم ومحافظاتهم خالل فترات اإلجازات املدرسية، وليس لديهم أي بديل آخر ينقذهم منها. تستحق هيئة الترفيه منا الشكر العظيم على كـل مـا تقدمه وتبذله إلعادتنا إلى الــحــيــاة الـطـبـيـعـيـة الــتــي كــدنــا نـنـسـاهـا وســـط صــــراخ الــظــالمــيــني، ويـسـتـحـق كذلك القائمون على مركز امللك فهد الثقافي الشكر والـدعـم على ما قدموه وسيقدمونه خالل الفترة القادمة من فعاليات لن تكون أقل تميزا ونجاحا، وكلنا أمل في أن تلحق باملركز فروع جمعية الثقافة والفنون في مختلف مدن ومحافظات اململكة، وتقدم مـا ينبغي أن تقدمه ومــن أجله تأسست، بــدال مـن بـــازارات األكــل وغيرها مما يثير السخرية وينسف هوية وصورة الجمعية نسفا تاما. أخيرا البد أن نفهم أن الفن ليس ترفا زائدا عن الحاجة يمكن االستغناء عنه، فبالفن تسمو الحضارات وتزدهر وتضع بصمتها عبر الزمن.. ولم تعاد أمة الفن إال تشوهت ثقافيا وانهارت حضاريا ثم طواها النسيان، هذا ما يقوله التاريخ مهما أنكر ذلك من يجرمون الفنون ويروجون ثقافة الكراهية واملوت لتجريد الناس من حب الحياة وتحويلهم إلى مجرد أدوات في أيدي جماعات وأحزاب التطرف واإلرهاب، وهذا ما ينبغي أن نحاربه بكل ما أوتينا من قوة حماية ملستقبل أبنائنا على األقل.