صناعة اإلعالم
ظــل اإلعـــالم زمـنـا طـويـال ومــا زال تسيطر عليه الحكومات املحلية أو بعض الشركات الـــكـــبـــرى، فــتــكــون هـــي املـــوجـــهـــة ملحتواه واملستفيدة مما ينتج عنه من تأثير على الناس. فـــي هــــذه األيـــــــام، بــــدأ األمـــــر يـــأخـــذ مسارا مختلفا، وظهرت بــوادر تنذر بـأن اإلعالم أخذ يتململ من إحكام القبضة على عنقه، وأنــه فـي طريقه لـإفـالت مـن الحبال التي تــقــيــده اســـتـــعـــدادا لــتــجــاوز األســــــوار التي تجبره على السير وفــق خـرائـط مرسومة له. تـــمـــرد اإلعـــــــالم عــلــى أن يـــكـــون مـــــــدارا من أحـد، بـدا واضحا في سيرة ما يعرف اآلن بــاإلعــالم الــجــديــد. فــهــذا اإلعــــالم ال يملكه أحد، بعد أن صار بإمكان كل فرد أن يصنع إعــالمــا خــاصــا بـــه، فــيــصــوغ مــا يــشــاء من املــــواد اإلعــالمــيــة ويـعـرضـهـا عـبـر وسائط اإلعـــــالم الــجــديــدة مــثــل فـيـسـبـوك وتويتر وانستجرام وواتساب ويوتيوب وغيرها، فيعرض عبرها ما يشاء من األفالم والصور واألخبار والتسجيالت واآلراء والتعليقات والتحليالت والنصائح واإلرشـــادات وكل ما تجود به األذهـان وتهدي إليه القرائح، مــمــا جــعــل مــضــمــون هــــذا اإلعـــــالم الوليد مزيجا من الحق والباطل، الصدق والكذب، األخالقي وغير األخالقي. ولـــكـــن ألنـــــه يــمــلــك مــــزايــــا ســعــة االنتشار وسرعته، وينفتح على فـضـاءات ال سياج حولها، صار مصدرا إخباريا مهما، يقبل عليه الناس للنهل منه كلما اشتهوا وجبة مـــن األخـــبـــار واملــعــلــومــات الـــطـــازجـــة، بما في ذلـك اإلعــالم الرسمي، الــذي تحول إلى مـسـتـجـد للمعلومات مــن خــزانــتــه، معلنا تراجعه عن مجاراته في السرعة والحرية. في حادثة الهجوم على اإلرهابيني اللذين كـانـا متخذين لهما وكـــرا فــي أحــد أحياء الرياض السكنية، كان السابق إلى تصوير الــحــدث ونــقــل خــبــره، جــهــاز جـــوال لشابة صغيرة وظفته في تصوير املعركة الدائرة قــرب بيتها بـني قــوات األمــن واإلرهابيني، وانتشر الفيديو بني الناس بسرعة البرق مبرهنا على انـتـزاع اإلعــالم الجديد زمام القيادة. هـــــــذا يـــعـــنـــي أن اإلعــــــــــالم الــــجــــديــــد (غير الــرســمــي)، بـــات مــرجــعــا إعــالمــيــا لإعالم التقليدي (الرسمي)، فتمرد اإلعالم الجديد على القيود وقدرته على االنطالق حيثما يــشــاء، مكنته مــن الـسـبـق فـاحـتـل املقدمة. تغير موقع اإلعــالم الرسمي، أفـقـده كثيرا مــن جاذبيته فـانـصـرف الــنــاس عنه وفتر تفاعلهم مــعــه، وبـالـتـالـي فــإنــه أيــضــا فقد قوة تأثيره عليهم. وحـــــني يــفــقــد اإلعـــــــالم الـــرســـمـــي جمهوره لصالح اإلعـالم الجديد، فإن ذلك يعني أن بقاء القيد ملفوفا حول عنقه لم تعد له أي فائدة، وأنه لن يكون بإمكانه، مهما أحكم وثاق القيد، فرض توجهاته على أحد بعد أن بــات مـهـجـورا والتفتت األعــنــاق بعيدا عنه منصرفة نحو الوجه اآلخر الجديد.