Okaz

من أرشيف القلب!

-

هل قبضت يومًا على لحظة شعرت فيها أنـك خـارج العالم وأن ال جسد في الثوب الذي ترتديه؟ البارحة كنت أقرب إلى ذلـــك.. ففي سـاعـة مـتـأخـرة وبـعـد أن مــال الـضـوء إلــى الزوال وانهمر الظالم وبينما كنت أهــادن الليل وأتملق للنوم من أجـل حلم.. أي حلم يعيد طيفها إلــي!! صحوت على نقرات خفيفة.. فتحت الباب.. ظهرت أمي بـرداء أبيض تتوكأ على عصاء وتحمل شمعة.. قالت لي يا ولدي من ترك دموعه الساخنة على خدك وتوارى؟ قلت لها هذه الصورة التي ترينها على حافة السرير بعد أن تضايقت من بقائها معلقة على سطح الـحـائـط الــذي استلقت عليه منذ رحيلك خاصمته الليلة ألنها تريد أن تنام بجانبي.. أليس كل هذا الحنني قادرًا على أن يترك الدموع الساخنة على خدي!! نظرت إلي بصبر وقالت ألم أقل لك يومًا يا ولدي إن الحنني بـاب كبير من يدخله ال يـعـود!! قلت لها ال أريــد أن أرحــل وال أريــد أن أعــود.. أريــد أن يبقى طيفك معي فقد اشتقت إلـيـك.. قالت لي ال بقاء لأطياف إال في الذاكرة.. قلت لها وإن جارت الذاكرة.. قالت لي أغدر بها باليقظة.. ودون مقدمات غادرتني (التركية) بعد أن سحبت عصاها وتــركــت لــي الـشـمـعـة لـيـكـسـون­ـي الـــضـــو­ء.. تسللت بـعـد رحـيـلـهـا عشرات النقرات واألسئلة.. (باب كبير من يدخله ال يعود.. وأن ال بقاء لأطياف إال في الذاكرة) لكم أنت صادقة ولكن هل تعلمني يا أمي أنه حتى الذاكرة تعتذر عن الذكريات أحيانًا.. واشتد بي املساء وتضاعف حماس الشمعة وعصبت يداي عيني وأخذت أدور في أرجاء الغرفة بحثًا عن طيفها من جـديـد.. أحــاول أن أستحضر بستان املانجو بنت الحسن وقريبة املنى مـن على صدغيها وشــم الحمام وعلى ظهر كفيها رســوم تفاح وورود وعقيق.. القرنفلة التي حمصتها الشمس.. حبة الهيل وموجة الطيب والعنبر والبخور.. غربة فظيعة أن ال أستطيع استحضار طيفها عندما أريـــد.. فتحت الـبـاب املــؤدي إلــى أيــام حياتي.. جلست على أقــرب كرسي بكلتا يدي أغمض عيني هامسًا أين هي اليوم.. عدت مرة أخرى لغرفتي أتأمل الشارع الخالي من النافذة؛ تخيلت أناسًا بمالبس زاهية يبزغون من البحر يلوحون لي بالهبوط.. أسدلت الستارة وأحكمت إغالق النوافذ كنت أهــرب منهم.. عــدت للطاولة فـي ركــن الغرفة مرحبًا بنفسي داعيًا الـحـديـث إلـيـهـا.. سألتني لــم ال تــنــام.. قـلـت لـهـا لـقـد أصـبـح الــنــوم باردًا وجسمي لم يعد يتحمل انتظار األحــالم.. قالت لي الصباح سيفرج عن كل شيء إن نمت.. قلت لها إن اليقظة ستلتقطني من غياهب النوم.. قالت لي ال بد أن تنام لتصحو على كل حال.. ونمت ألصحو على خيال طيف جميل وجدته عند حافة نافذتي.. سألت الناس الذين يرتدون املالبس الزاهية من أهداني هذا الصباح الجميل ومضى، فنصحوني بالصمت حتى ال أجرح الهدوء والفرح.. وحملت هوائي على شفتي الباردة حتى ال تفضحني كلماتي التي تحاول التمرد على الصمت وبعد أن تعبت األسئلة.. سألت أمي من أحضرك لي في هذا الصباح الباكر؟؟ قالت لي لقد تسرب حزنك البارحة إلى وجهي فلم أستطع النوم.. ودنـت هامسة لتقول لي ال تسرف في الهم والحزن فقد أتيت بك للحياة لتفرح.. قلت لها الهم لأسف غيابك ان كنت ال تعلمني.. وكل األحزان إذا مر بها الفرح استيقظت ولكنك ال تمرين.. قالت لـي تركت الـزمـان لينوب عني ويمر عليك ليغسل أسى غيابي عنك والتفت للزمان أخاطبه.. لو كنت تعود يا زمان ألحضن طيفها املخمور في جفني كل يوم ومضى الزمان إليها من جديد.. رحمك الله يا من كنت تزينني أيامي!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia